الدراسات

كتاب ما بعد الطبيعة بين البغدادي (ت.629هـ) وابن رشد (ت.596هـ) من الفحص الفيلولوجي إلى التطور الفلسفي

ملخص تنفيذي

ننطلق من هذا المشغل الفلسفي من فرضية مفادها أنّ الشرح الكبير لما بعد الطبيعة لابن رشد هو مرحلة متقدمة على مستوى نظرية المعرفة والوجود على مختصر كتاب ما بعد الطبيعة لموفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي (ت.629ه). ولو أنّ الرجل اطلع على ما أذاعه ابن رشد الحفيد ربما كان سيسعفه في التخفيف من أثر الفلسفة الفارابية ذات الوجه الفيضي. ويتحصل من هذا، أنّ مختصر البغدادي لما بعد الطبيعة يفتقد لهذه السمة التفسيرية الرشدية؛ إذ بقي قوله المعروض عند حدود استدعاء ما تعرض له الفارابي في «مقالة في أغراض ما بعد الطبيعة». إننا لم نشأ عن قصد أن نقارب تلخيص /جوامع ما بعد الطبيعة لأبي الوليد بل شرعنا في المماثلة بين مختصر البغدادي والشرح الكبير لما بعد الطبيعة على أساس أنّ هذا الأخير هو مرحلة النضج الفلسفي الرشدي حيث استطاع فيلسوفنا ليس فقط شرح المعاني والمفاهيم بقدر ما أسهم في استقرارها و استعمالها المنطقي والميتافيزيقي والطبيعي في العلوم والمعارف.

كلمات مفتاحية (keywords)

ما بعد الطبيعة- الجوهر- الأعراض- ابن رشد- البغدادي

مقدمة

نشرع في هذا المشغل الفلسفي في المقارنة بين مختصر موفق الدين بن يوسف البغدادي[1] وتفسير ابن رشد لمقالات ما بعد الطبيعة[2]؛ والمراد من ذلك محاولتنا بيان على وجه الإجمال كيف يستعمل البغدادي وابن رشد للمفاهيم والدلالات والأسماء سواء في معرض حديثهما في مسائل العلل والأسباب الأربعة أو في مبادئ العلم ومبادئ البرهان هذا على مستوى التحري الفيلولوجي. أما على  مستوى تطوير إشكالات موضوعات ما بعد الطبيعة سنعمل على رصد إيقاع النظر والتأمل عند كلّ من موفق الدين عبد اللطيف البغدادي وأبي الوليد بن رشد مستحضرين في هذا المعرض الفرضية التالية: هل كان بإمكان عبد اللطيف البغدادي وهو من حقبة الشارح الأكبر لو أنه اطلع على شروحه الفلسفية المتنوعة أن يتخلى على الرؤية الفارابية-الفيضية لفائدة النظر الأرسطي المشائي؟!.

غني عن البيان القول إن أجناس الكتابة الفلسفية المختصرات والجوامع أو التلاخيص والشرح الكبير لها دور حاسم في تطوير إشكالات العلل و الحدود وعلاقتها بالأعراض والكليات؛ فهذه الشروح هي مراحل تطور الوعي الرشدي فيها التقليد والتبعية وفيها التجاوز والاستقلالية. يقول جمال الدين العلوي: «وهو في ذلك كلّه يعرض لتأويلات جديدة يتجاوز بها ما قدّمه في جوامعه وتلاخيصه. ولهذا يمكن القول إنّ الشروح الكبرى أكثر استقلالاً وجدة وأصالة لا بالنسبة للنص المشروح فحسب؛ بل بالنسبة لتأويلات الشراح أيضاً. ومن هنا يصحّ لنا اعتبارها خلاصة الرشدية، أو خلاصة الإسهام الفلسفي الجديد لابن رشد»[3]. بيد أن مختصر البغدادي لما بعد الطبيعة يفتقد لهذه السمة التفسيرية التي يتمتعُ بها الشرح الكبير لما بعد الطبيعة لابن رشد إذ بقي في حدود استدعاء ما تعرض له الفارابي في «مقالة في أغراض ما بعد الطبيعة»[4]. كما يغيب عنه -أي مختصر ما بعد الطبيعة للبغدادي) تلك القدرة الفلسفية في تطوير عملية التأويل والفهم للنص الأرسطي[5]؛ وكأنّ هذا المختصر «لا تميّز  في النص الأصلي بين الأقاويل البرهانية وغيرها، سواء كانت أقاويل لأرسطو أو لغيره من القدماء»[6].

لننعطف ونقول، قد يعترض معترض على هذا النوع من المماثلة بين المختصر والتفسير بالقول إن الأولى والأجود المماثلة بين المختصر وتلخيص ما بعد الطبيعة لأبي الوليد[7]، لكننا فضلنا المماثلة بين المختصر والتفسير على أساس أنّ هذه الشروحات الكبرى تعبر عن المشروع الفلسفي والعلمي الرشدي الأصيل. إذا، كيف تعامل كلّ من البغدادي وأبي الوليد بن رشد مع كتاب ما بعد الطبيعة؟ ما معنى ومغزى حضور بعض المفاهيم الأفلاطونية في نص البغدادي؟ أليس هذا مؤشر على اختلافه مع الأفق الأرسطي المشائي؟ كيف نفسر أن الشرح الكبير لما بعد الطبيعة لابن رشد هو انجاز هائل في تحديد الدلالات الفلسفية الأرسطية المشائية؟ ثم أخيراً وليس آخراً ما هي الانعكاسات النظرية والمذهبية في تعامل الفيلسوفين مع كتاب الميتافيزيقا؟

لاستكمال قراءة الدراسة يمكنكم تحميلها عبر النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]-أنجز هذا التحقيق الذي نشتغل عليه إلى الباحث المحقق يونس أجعون، وقد كان جزءاً من عمله الجامعي في رسالة الماجستير التي ناقشها في قسم الفلسفة الإسلامية، كلية دار العلوم/جامعة-القاهرة، في ديسمبر 2015 تحت عنوان:« الآراء الفلسفية عند عبد اللطيف البغدادي(557هـ-629هـ) مع تحقيق كتابه: ما بعد الطبيعة. لمزيد من الاطلاع: موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، ما بعد الطبيعة، قدم له وحققه يونس أجعون، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 2017،ص 4 إلى 23.

[2]-للاطلاع عن الاختلاف بين نظام مقالات الميتافيزيقا لأرسطو وبين مقالات تفسير ما بعد الطبيعة لأبي الوليد بن رشد.أنظر.أفق القول البرهاني في تفسير مقالة الألف الصغرى بين يحيى بن عدي و ابن رشد الحفيد ليوسف بن عدي، غير منشور.

[3]– جمال الدين العلوي،المتن الرشدي مدخل لقراءة جديدة، الدار البيضاء:  دار توبقال للنشر،1986،ص149.

[4]-أبو نصر الفارابي، مقالة في أعراض ما بعد الطبيعة، بمطبعة المعارف العثمانية الكائنة بحيدر آبار الدكن، في شهر صفر المظفر سنة1349هـ.قارن: يقول محمد مساعد في معرض حديثه عن المتن الرشدي: «في حين أنّ المختصر يرقى،ولاسيما لدى ابن رشد إلى مستوى كونه جنساً من أجناس الكتابة ولا يبقى مجرد مجموع عمليات تقنية بحسب ما بيناه في مناسبة سابقة من هذا العمل»، محمد مساعد،المستدرك على المتن الرشدي، مكناس: دفاتر مختبر الفاعليات الفلسفية والاجتماعية والثقافية العدد 3،الطبعة الأولى2017،ص56.

[5]-موفق الدين عبداللطيف بن يوسف البغدادي، ما بعد الطبيعة، قدم له وحققه يونس أجعون، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 2017، ص47-55-63—64-65-150-158.

[6]– جمال الدين العلوي، المتن الرشدي مدخل لقراءة جديدة، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر،1986،ص145. أنظر: «هي محاولة أولى لفهم معاني النص الأرسطي عبر وسائط متعددة؛ بل ربما صحّ القول بأنّها لم تكن فقط قراءة بعيون ابن رشد لنصوص أرسطو مباشرة، بقدر ما كانت أيضاً قراءة بعيون أخرى أو بعيون الآخرين المنخرطين في أكثر من تقليد فلسفي واحد، على الرغم ممّا تفصح عنه الجوامع من انتصار لأرسطو وما تعبّر عنه من رفض ضمني لكلّ الوسائط»، مرجع سابق،ص143.

قارن: «فكلما ارتبط النص بأرسطو كان من الجوامع، وكلما ارتبط بالمفسرين كان من جنس المختصرات»، ص59.محمد مساعد، المستدرك على المتن الرشدي، مرجع سابق. بيد أن الباحث مساعد يرجع الأمر إلى أمرين مهمين:« من جهة أولى الأشد مطابقة لما تبين في العلم الطبيعي ومن جهة ثانية الأليق بغرض أرسطو»، مرجع سابق،ص59.

[7]-ابن رشد، تلخيص ما بعد الطبيعة، حقق وقدم له عثمان امين، القاهرة: منشورات شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده 1958. يقول محمد مساعد في مراجعته لأجناس الكتابة الفلسفية الرشدية كما حضرت عند المحدثين.يقول: «وقد بات من المعلوم لدى جمهور الدارسين أنّ تجريد الأقاويل العلمية من الجدلية وغيرها لدى العلوي شعار الجوامع. يعنى ذلك أننا حيثما عثرنا على ذلك البرنامج جاز لنا أن نقول إننا بإزاء الجوامع[…] إننا إذ نمعن النظر في ها الأمر تخلص إلى أن الوصف الأدق والأكثر ملاءمة هو وصف المختصر الذي نجد أنفسنا منساقين إلى المصادقة عليه لمكان ما جمعناه من معطيات ومبررات تكاد ألا تسمح على القصد الأول إلا بالكلام عن “مختصر ما بعد الطبيعة” لا غير »،محمد مساعد،المستدرك على المتن الرشدي، مرجع سابق،ص71.

– «وهو الخطأ الذي وقع فيه عثمان أمين عندما نشر هذا الكتاب بعنوان التلخيص حيث تولد الخلط بين كتابين هما التلخيص حقيقة  والتلخيص خطأ فأصبحنا كأننا بإزاء كتاب واحد، في حين أنهما على خلاف  ذلك كتابان لا كتاب واحد: أحدهما مفقود في لغته الأصلية هو التلخيص حقيقة بينما الآخر وهو المختصر مازال يؤثث الخزانة العربية الرشدية بحسب مل نجنح إليه في تقويمنا للمتن الرشدي»، مرجع سابق،ص72.

يوسف بن عدي

حاصل على دكتوراه في تاريخ المنطق والفلسفة الاسلامية العربية من جامعة ابن طفيل استاذ الفلسفة بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين المقر الرئيسي ابن رشد مراكش-المغرب للباحث مؤلفات ودراسات : 2020: مدخل إلى فلسفة ابن رشد.آفاق الدراسات الرشدية العربية المعاصرة، الجزائر-بيروت: دار الروافد الثقافية، وابن النديم للنشر والتوزيع. 2017:العبارة لأرسطو في شروح الفلاسفة المسلمين وتأويلات المعاصرين، الجزائر- بيروت: دار الروافد الثقافية، وابن النديم. 2016:أطروحات الفكر العربي المعاصر في مناهج تحليل التراث، منشورات دار التوحيد للنشر والتوزيع، بدعم وزارة الثقافة المغربية 2016:محمد عزيز الحبابي وتأسيس الفلسفة الشخصانية الواقعية، منشورات مؤمنون بلا حدود، بيروت. 2012:قراءات في التجارب الفكرية العربية رهانات وآفاق، منشورات الشبكة العربية للأبحاث والنشر : بيروت. وغيرها. تنسيق لسلسلة كتب جماعية وندوات فكرية أهمها: تنسيق أشغال الندوة الدولية العلمية: محمد عزيز الحبابي الفيلسوف والانسان يومي 12-13 مارس 2016.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى