الدراسات

الفكر الإصلاحي المغربي ومسألة الإصلاح الديني : الرحالات السفارية أنموذجا

شكلت لحظة الصدمة للوعي العربي بداية موفقة لنقد الذات، كما أنها كانت لحظة مهمة للاشتغال على مسألة الإصلاحات الداخلية العربية، فحملة نابليون على المشرق سنة 1798-1801م، واستعمار الجزائر سنة 1830م، واستعمار جارتها تونس، ثم اختلال موازين القوى بين الآيلة التونسية والخلافة العثمانية التابعة لها، شكل كل ذلك دعوة مباشرة لمراجعة الذات وتتبع الإختلالات التي تضخمت وبرزت على شكل تناقضات صارخة، واضطرابات شجعت أطماع المستعمر الأجنبي، للتوسع بشكل ملحوظ، على حساب القوى الإقليمية العربية والإسلامية الكلاسيكية، وكانت تدخلاته بذريعة إجراء إصلاح شمولي في المؤسسات والبنية الاجتماعية والسياسية وتحديث جوانب من حياة الناس.

لقد عاش المغرب كغيره من البلدان الإسلامية فترة حرجة اتسمت بتداعي الفكر الخرافي والجمود الفكري والعلمي، وتهافتت القوى الخارجية عليه لموقعه الاستراتيجي من الجغرافية الإسلامية تاريخيا وجغرافيا وثقافيا، ولان هذه الأسباب وغيرها -مثلا هزيمة ايسلي1844م ومعركة تطوان1859 و1860م-، جعلت بعض المفكرين والتنويريين المغاربة ينتبهون لما يحاك ضد بلدهم من مكائد ومؤامرات، انبروا للبحث عن حلول للازمة والإعلان عن رؤاهم الإصلاحية في مختلف المجالات خصوصا منها الفكرية والدينية.

بدأ تأسيس الفكر الإصلاحي المغربي اثر حركة تجديدية عامة استهدفت مناهج التفكير والإبداع، لإخراج الأمة المغربية من سياق التخلف الحضاري لمواجهة تحديات الاستعمار وأسئلة التحديث، وكانت أهم النظريات الإصلاحية تستمد قوتها من أحد النموذجين إما حركة الإصلاح الديني المشرقية أو الحركة التحديثية الغربية، مما أثر في النموذج الإصلاحي المغربي؛ خصوصا في شقه المتعلق بمقاربة الإصلاح من وجهة التصور الديني، فاختلف المؤرخون في تسمية فترات زمنية بحسب صعود بعض المشاريع الإصلاحية التي كانت موزعة بين السلفية[ذات مرجعية إسلامية نصية] والتحديثية[ ذات مرجعية فلسفية غربية].

أولا: سؤال الإصلاح أم سؤال التحديث وبأي مرجعية؟

إن الحاجة إلى التغيير كثيرا ما يكون تحت ظروف الاضطرار، بحيث تحس المجتمعات الإنسانية بأنها وقعت في مأزق التقهقر أو التخلف أو عندما تلاحظ بعين نقدية مدى تضعضع بنيتها وقلة مساهمتها في الازدهار العلمي والثقافي وتراجع أدائها العمراني، حينها فقط تعمل جاهدة على استعادة قوتها والبحث عن محفزات جديدة لوجودها والتنقيب عن قدراتها الإبداعية لتعيد المجد لها علها تلتحق بالركب الإنساني من جديد.

وقد لاحظنا-من خلال بعض “الرؤى الإصلاحية” أو نماذج من أعمال رجالاتها التي اطلعنا عليها-، مدى تأثر العقل الإصلاحي المغربي بشكل واضح بالنسق المعرفي الذي يشتغل فيه، ألا وهو ميدان البحث والنظر والفتوى الفقهية، مما شكل إطارا موجها لمختلف تحركاته ومواقفه، ابتداء بانتقاء المفاهيم التي يشتغل بها والتي تخص ميدانا من الميادين، بغض النظر عن إن كان يستحق أن تعطى له الأولوية أولا و انتهاء ببحث طرق التطبيق والتنزيل، وهنا من المفيد التنبيه إلى أن مفهوم الإصلاح لدى النهضويين المغاربة المحدثين لم يكن يحمل الشحنة الرمزية الايجابية ذاتها التي يحملها لدى أقرانهم في المشرق، لقد كان أشبه ما يكون بالتعبير المستشنع لأنه نشأ في سياق الضغط الأجنبي لإحداث إصلاحات في المغرب، ومن هنا نشأ شعور بالنفور منه، هذا بالتالي ما يفسر غيابه في كتابات العلماء والفقهاء مقابل حضور عبارات أخرى لديهم- تؤدي معناه- مثل “التحسين” و”النظام”[1]. بحيث يرى أغلب “المصلحين المغاربة” أن إشكالية تدهور الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية هو أساسا راجع إلى تخلف الأمة عن الانضباط والنظام، وأن قدرة الغير أو الآخر في التقدم وتحسين حال معاشه كله راجع إلى حسن التنظيم والانضباط، فقام المفكرون بالتنويه بكل ما يساعد على حسن تدبير وتحقق ذلك[2]، وهو ما يفتقده المجتمع الإسلامي، فكانت دعوتهم مبنية على الدعوة إلى الرجوع إلى الدين الإسلامي الصحيح الذي يعلم ويربي ويصلح حال الدنيا والآخرة، فيقول محمد بن الحسن الحجوي بهذا الصدد:”أقبح الخلال التي أودت بالإسلام هو جمود متأخريهم على كل قديم وتفريطهم في حفظ النظام وإهمالهم إصلاح الأنظمة القديمة التي لم تبق مناسبة لأحوال المتجددة وغلبة الوهم على أفكارهم حتى عدوا المحافظة على القديم من فروض الدين، وليس حفظ القديم دينا إلا في المعتقدات والتعبديات، وما سواها فالدين يقدم فيه حفظ المصلحة العامة وصون البيضة وارتقاء الأمة”[3].

 ارتبطت إذن الحركة الإصلاحية المغربية بهواجس مراحل اللاإسقرار فكلما كانت هنالك ثورة أو عدو خارجي إلا وتعالت صيحات ضرورة إرجاع النظام، والعمل على استتباب الأمن، وهو ما أشار إليه محمد الحجوي في كتابه “الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي” بقوله:” بدأ انقلاب الأحوال بالمغرب بثورة أبو حمارة التي سببت فقر مالية المغرب والسلف الأوربي، ثم سقوط المالية بيد إدارة السلف وفناء حماة المغرب وأبطاله في الحروب الداخلية، وقد اختل النظام وضاع الأمن وفسدت الأخلاق، وضاعت الفضيلة والأمانة، وتكالبت الناس على الرياسات الوهمية وجمع الحطام”[4]،وإذا أمعنا النظر في هذا النص سنلاحظ أن الحجوي غالبا ما يرجع الاختلال السياسي والاجتماعي الذي أصاب الدولة المغربية إلى غياب” النظام” الذي يحفظ بيضة الدين ويحمي الحقوق والضروريات الخمس من الضياع، إن غياب القيام الدينية كـ”الفضيلة” و”فساد الأخلاق” و”جمع الحطام” وهو حب مغانم الدنيا، يغرق البلاد والعباد في فوضى أخلاقية وأمنية، فالدين له سلطته وسطوته التي تجعل العباد ينضبطون ويصبون الى السلم وحالة الاستقرار، كما أن معيار الإصلاح هو بالنظر إلى مدى استقامة سلوكات الناس ومدى يقظة وشدة وازعهم الديني، وكلما كان هذا الأخير ضعيفا كلما كانت المجتمعات مستضعفة قابلة للاستعمار والتخلف.

ولنؤكد على أن العقل الفقهي الإصلاحي المغربي كثيرا ما يزاوج بين مفاهيم عدة يوظفها دلاليا في حقل الإصلاح، نأخذ نماذج من مقولات بعض الرحالة المغاربة إلى أوربا، على سبيل المثال، باعتبارهم وقعوا في مأزق الذات والآخر ثم لأنهم أقدر على توصيف حاجة البلاد للإصلاح مقارنة بما عليه الآخر من تقدم ورخاء، حيث ستتجلى الخلفية المعرفية التي تحدد زاوية نظر أولئك السفراء أو الرحالة وكيف يربطون بين حال بلادهم وحال الدول التي كانت موضوع زيارتهم، ومنهم على سيبل التمثيل وليس الحصر الحسن الصفار[5] ومحمد بن الحسن الحجوي[6] ومحمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي[7].

 عندما كان  الحسن الصفار في زيارة لفرنسا ودعاه الفرنسيون ومعه الوفد المغربي للاطلاع على بعض قطع البحرية الفرنسية بمدينة طولون، شعر الصفار بان هدف الفرنسيين من ذلك هو بث الرعب في نفوس المغاربة، إلا أنه عبر عن عدم خوفه من الفرنسيين، وان اعترف بتنظيمهم العسكري المحكم، فقال:” ومدار ذلك كله على الضبط والحزم والاعتناء التام وعدم الغفلة في الأمور..، ويبنون أمورهم كلها على اصح أساس”[8]، وقوله أيضا وهو يصف ساعة ستراسبورغ:” فتدل على عدد أيام الشهر العربي والعجمي بتدقيق وتحقيق حتى إن الكبس الذي يكون على رأس ثلاث أو أربع سنوات يخرج هنالك مدققا محققا، بل وحركة الإقبال كذلك لكون مخترعها بنى ذلك على قواعد منضبطة لا تختلف ومسائل فنية في غاية التحري والإتقان”،[9] فمن خلال هذه العبارات التي وردت على لسانه يمكن أن نستشف الدهشة ومعها الحاجة لمثيل هذا الإصلاح في بلده الذي سينتج عنه وبالضرورة كثرة الاختراعات، وكثيرا ما يرجع هذا الإصلاح الأوربي الذي جلب لهم التقدم العلمي والتقني إلى شيء واحد كرره مرارا وهو:” الضبط” و”النظام” و”الإتقان” و”الاعتناء التام”.

وقد طرح الأستاذ محمد زنيبر سؤال التأكيد على مفهوم النظام في الوعي الجمعي المغربي – سواء منه الفئوي أو الشعبي- في مقابل غياب برنامج إصلاحي في القرن 19م خصوصا مع حاجة المغرب الملحة إلى إسعاف وإنقاذ؟ ليجيب عنه، بالقول أن هنالك عواملا وأسبابا تمنع ذلك ذكر من بينها؛ مرور المغرب بالمحنة الكبيرة في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وبالأخص إثر وفاة المولى إسماعيل، وما ترتب عنها من فوضى وغياب السلطة وأزمة سياسية استعصى حلها، مما خلق جوا من الخوف العام، فتغير منظور الطبقة العليا في المجتمع وتغيرت مطالبها وفي ضمنها العلماء والأشراف والأعيان في المدن، فخفت صوت النقد والاعتراض والمطالبة بالإصلاح. وأصبح الشغل الشاغل لهم هو الحصول على السلطة القادرة على إبعاد شبح الفتنة والحرب المدنية وإعادة الأمن إلى البلاد والنفوس[…]، وهكذا آثر عدد كبير من العلماء في المدن تأييد الحكم، بغض النظر عن كل اعتبار، وهم في ذلك يظلون أوفياء لتقاليد السنة منذ الصدر الأول من الإسلام، الذين يفضلون وحدة الأمة ولو في ظل حاكم جائر على تشتتها من أجل إحقاق الحق.[10] فإلى جانب هذه المعطيات التاريخية والاجتماعية التي تضافرت لتشكل جدارا نفسيا وموضوعيا يحاصر الأفكار الإصلاحية ويخنقها في مهدها، كانت هنالك أسباب أخرى متعلقة بالوعي الثقافي وبغياب رؤية إستراتيجية لما يمكن أن تلعبه المعرفة من دور مركزي في التغيير خصوصا بعد انتشارها بشكل واسع في أوربا بسبب المطابع، إذ نجد العزيمة قد خملت والأنفاس خفتت عن البحث العلمي وتراجع فضول اكتشاف الجديد ونقله بالترجمة أو بغيرها،بل إن دخول بعض المطابع الى المغرب ساهم في تكريس نفس الأنماط الثقافية السائدة ولم يغير من ثقافة وعقلية الناس شيئا وبقيت المناهج في المدارس وجامعة القرويين على حالها، وهو ما لاحظه روجر لو طورنو ماي لي بقوله:”فظل التعليم في القرويين معتمدا على المناهج التقليدية، وعلى الرغم من ظهور المطبعة فإنها لم تؤد إلى أية قطيعة مع الماضي بل عملت بالعكس على تكريس العقلية القديمة” [11]، فهذه القابلية –السلبية- هي سبب آخر من أسباب عدم استفادة المغرب من الإصلاحات الأوربية سواء منها الدينية أو السياسية أو الاجتماعية، ويحكي بهذا الصدد محمد الحجوي وهو يشاهد ويصف خزانة الكتب الكبرى بباريس كثرة الكتب والتنظيم الذي عليه المكتبة، وكيف أن أصدقاءه ملوا المكان وضجروا من كثرة ما روا، ليعلق ناقدا فيقول:” فالملل آفتنا العظمى وسبب من أسباب تأخرنا وتقدم غيرنا- إنا إذا لمن العاجزين، ولو كنتم في ملهى ما مللتم”.[12]

إن فكرة “النظام” ومرادفها “الكد” أو “العمل” كلازمة لم يتردد الصفار وغيره في الإفصاح عنها.[13] وكثيرا ما ارتبطت فكرة النظام في تصور المفكرين والإصلاحيين المغاربة بمستوى المظاهر التنظيمية الخارجية للقوة العسكرية الأوربية، وذلك هو مبلغ قصدهم من توظيفهم لمصطلح النظام، مما يعني أنه بفعل الاصطدام العسكري صار الغرب في وعي الإصلاحية المغربية مختزلا في التفوق العسكري المنظم.[14] وهو نفس الشيء الذي سنلاحظه في نص للفاسي أثناء زيارته بريطانيا يقول فيه، بعد وصفه المفصل لمناورة عسكرية قامت بها فرقة من الجيش الملكي أمامهم، يقول:”كيف تحيلوا على إصلاح دنياهم حتى أدركوا منها مناهم، واستعملوا لذلك قوانين وضوابط”.[15] كأن إصلاح الدنيا لا يعني إصلاح حال الدين بالضرورة وذلك بتمكين الناس من أسباب التمسك به، وازدياد التعرف على ما يمنحنه من آفاق المعرفة والعلم الذي تتحرر به الإرادات وتتكشف به الحقائق سواء منها المتعلقة بمعرفة آيات الله العظمى أو المتعلقة بقوانين الكون والأنفس والأسباب التمكن واستعمار الأرض وتحقيق رسالة الاستخلاف.

ثانيا: الصوفية جدار الممانعة وعائق أمام مشاريع الإصلاح

تعتبر الطرق الصوفية من أهم المؤسسات العلمية والأدبية والسياسية التي عرفها المغرب عبر مختلف مراحله التاريخية، فيكفي أن نتتبع أسباب نشأة الدولة المغربية ثم  أسباب سقوطها لنجد المؤسسة الطرقية الصوفية لها الأثر البالغ في ذلك، والمغرب الحديث لم يكن بدعا عما كان عليه في الماضي، إذ كان للمؤسسات الصوفية دور مهم سواء في استتباب الأمن أو نشوء الثورات، كما لها نفس الدور في استقبال المستعمر أو مقاومته، ولا ننسى أدوارها الإشعاعية الأخرى المرتبطة بالإصلاح الديني، رغم أن أغلبيتها غارق في البدعة والخرافة، والنزر القليل منها  يستمد شرعيته من الشريعة. مما جعل الكثير من الكتاب والمفكرين ينتقدون حال هذه المؤسسات بشدة، ومنهم على سيبل المثال الناصري؛ الذي يذكر أن من عناصر انتشار التفرقة بين المسلمين بدل الاتحاد هو كثرة الطرقية، حيث يقول:” فصار الأمر عصبيا وصارت الأمة بذلك طرائق قددا، ففي كل بلد أثرية عدة طوائف وهذا لم يكن معروفا في سلف الأمة الذين هم القدوة لمن بعدهم”،[16] ويوجه نداءه إلى السلطان ومن يهمه الأمر لإصلاح ما أفسدته الطرقية، قائلا:” فنسأل الله العظيم، المولى الكريم أن يحرك همة من له القدرة والتصرف إلى حسم هذه الضلالات وقطعها”[17]، وهو نفس الأمر مع محمد بن الموقت المراكشي، الذي عدد الكثير من مفاسدها الدينية والدنيوية التي منها على سبيل المثال استغلالها الناس والغرق في الطقوسية وانتشار الفواحش في المواسم التي تقيمها وغيرها، ليخلص قائلا عنها:”وهذه الطوائل كلها لو أردنا أن نأتي على جميل البدع والمفاسد التي تشبت بها عدد منهم، وما توعد منها لاحتجت إلى مجلدات، وبكثرة الطوائف وتباينها انحط المغرب في أيامنا هذه وفيما قبلها بكثير، وسجل له على صفحات أيامه خرق وعمق ما بعده خرق وحمق”.[18]

والجدير بالذكر، أن مسألة الطرق الصوفية طرحت بقوة في العشرينيات من القرن الماضي بشكل بارز؛ وتمثل ذلك في الضجة التي أثيرت حول كتاب المكي الناصري[19]“إظهار الحقيقة في علاج الخليقة”سنة 1925م متضمنا لهجوم عنيف على الطرقية وأربابها مما أثار رد فعل عنيف تمثل في صدور كتابين مضادين وهما:”غاية الانتصار على نهاية الانكسار” لمحمد الشرقاوي و”تحفة المنصفين وتذكرة المخالفين” للغربي، وإزاء قوة الهجوم المضاد، تدخل بدوره محمد بن اليمني الناصري بتأليفه:” ضرب نطاق الحصار على أصحاب نهاية الانكسار”[20].

 إن هذا الجدال والإنكار على أهل التصوف و الطرقية لا يعني بالضرورة تحقيق إجماع عام يقبل بالتوجه نحو تبني حركة ذات رؤية بديلة كالحركة السلفية خصوصا منها الوهابية، إذ ينظر إلى هذه  الأخيرة، ذات الأصول المشرقية، بنظرة توجس وممانعة من طرف بعض المفكرين المغاربة؛ بل منهم من هاجمها وبشدة كما هاجم التصوف، وهذا موقف عبر عنه ابن الموقت المراكشي الذي اعتبرها خارجة عن منهج أهل السنة، بقوله:”يدعون مع ذلك أن عملهم هذا لإحياء السنة وإماتة البدعة، بل ما هي إلا سنة كل وهابي مفتون، لان هذه الدعوى هي دعوى أئمة تلك الطائفة من مبدإ ظهورهم من القرون الماضية إلى ما شاء الله. وما هي إلا كدعوى العاهرة التي تريد أن تجعل نفسها في مصاف المخدرات الحسان، فتصف نفسها بما ليس فيها من أوصاف الغواني، وهذه الدعوى دعوى إحياء السنة وإماتة البدعة، هي الفتة الضارة التي أخذت بنواصي كثير من بسطاء الأمة الإسلامية إلى مصارع الزيغ ومهالك الغرور، وقد مزقوا دينهم بتلك الفتنة دين العوام تمزيقا، وأعني بالعوام كل مسلم لم يتفقه في دينه”.[21] وربما يرجع الرأي المناوئ للوهابية الذي تبناه ابن الموقت المراكشي إلى الأخبار التي امتزجت تاريخيا بالدعاية المناوئة للوهابين من طرف الحجاج المغاربة الذين كانوا يتناقلون أخبارهم منذ ظهور دعوتهم في الجزيرة العربية، إذ سلبت عدة قوافل للحجيج المغاربة، ونأخذ مثلا على ذلك؛ الهجوم الذي تعرضوا له أثناء رجوعهم من موسم الحج سنة1803م، وقد تم تأريخ هذه الأحداث وموقف بعض الحجاج ومنهم العلماء في كتاب “الفيوضات الوهبية في الرد على الطائفة الوهابية” لصاحبه أحمد بن عبد السلم بناني ورسالة لمجهول سماها:”رسالة في الرد على مبتدعة أهل البدر وناحية المشرق”،[22] ونذكر هنا أن السلطان مولاي سليمان فيما بعد قد تأثر ببعض أفكار الحركة السلفية واعتبرها حركة إصلاح ديني وتبنى بعض الإجراءات التي تظهر ميله نحو منهجها الإصلاحي، فألف رسالة:”الغناء: ما هو متفق على حرمته وما هو مختلف فيه”، واتجه نحو منع الكثير من المظاهر الاجتماعية المخالفة للدين، فتشدد تجاه بعض العوائد الشعبية التي اعتبرها منافية للسنة، ففي سنة 1804م مثلا تم منع القبائل المجاورة للرباط من إقامة موسم بضريح سيدي يحي بن منصور، وفي نفس السنة التالية أمر بهدم القبة التي بنيت على ضريح والده، وأخيرا أقدم في سنة 1809م على إزاحة النقير الذي كان موجودا على قبر والده[الحجر المنقوش الذي يوضع فوق القبر]، مؤكدا أن ذلك” ليس بسنة وإنما هو بدعة”.[23] كما حاول الاتصال بالملك سعود بن عبد العزيز بشكل رسمي سنة 1811م، بإرسال وفد مغربي ومعهم رسالة منه إليه[24]، للاطلاع على أفكارهم الإصلاحية والإجابة عن بعض الأسئلة المستشكلة والمتعلقة بمنهجهم التفكيري والفقهي.[25]وبعد استقراء الوضع السياسي المغربي الذي حكمه السلطان خصوصا بعد تزايد رفض الأفكار الإصلاحية المرتبطة بالدعوة الوهابية من طرف الزوايا وبعض العلماء، سنلاحظ أن توجهاته الدينية الجديدة والمرفوضة عمقت من عزلته أمام القوى الدينية التي اتهمته بالوهابية صراحة خلال تمرد فاس في سنة 1820م[26]. فالنقاش الدائر في عشرينات القرن الماضي حول الحركة السلفية، وما استتبع ذلك من مواقف؛ كان بناءا على ما تراكم من مؤلفات ومواقف سياسية ودينية وقعت وتم تداولها تاريخيا، ليتم استعادتها من جديد بشكل آخر لبناء فلسفة إصلاحية تستجيب للتحديات التي فرضتها قوى الاستعمار على الحركة الوطنية المغربية.

ثالثا : النظام السياسي وتحديات إصلاح الدولة والدين

عنصر البيعة للسلطان الذي يتميز دائما بشرط إحياء الدين في النفوس وبإماتة البدعة وإحياء السنة، وهنالك سلاطين تم تصنيفهم باعتبارهم نماذج لاتزال حية في التاريخ المغربي حيث ارتبط اسمهم بحركة تصحيحية كالسلطان مولاي محمد بن عبد الله حكم مابين [1757و1790م]، ذو التوجه الحنبلي السلفي، صاحب كتاب:” الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية” والسلطان مولاي سليمان الذي حكم مابين [1797 و1822م] والسلطان المولى الحسن الأول حكم مابين [1873و1894م]، لقد ارتبط اسم السلاطين المغاربة عموما بالإصلاح الديني بحيث لا ينازعهم فيه إلا ذوي الأطماع السياسية باعتبارهم يتمتعون بصفة إمارة للمؤمنين دون غيرهم من المصلحين أو الزعماء، وكثيرا ما يتبع الناس سلطانهم فيما يأمر به ولا ينازعونه في أغلب الأحيان، وهذه ربما كانت خاصية مغربية استمرت منذ القدم، ولكن رؤية الأمراء الإصلاحية للحقل الديني كثيرا ما تكون محكومة بهاجس الاستيعاب والضبط له؛ بممارسة صلاحياتهم الدينية لتعزيز ثوابت الحكم وأركان الدولة، وهذه الأخيرة تعتبر حامية الشريعة ومشروعيتها مستمدة من تطبيق الأحكام الشرعية، ومحاربة البدع وجمع الزكاة وإخضاع الخارجين عن القانون، كما أنها تواجه أي دعوة فكرية جديدة تخالف ما عليه المؤسسة الرسمية بالنار والحديد، لأنها قد تخفي وراءها رغبة في الاستيلاء على الحكم أو زعزعة أركان الدولة، والتاريخ المغربي مليء بقصص نفي بعض المصلحين[27] أو هدم الزوايا الإصلاحية[28] أو التي تتهم بأنها تتبنى منهجا تصحيحا يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويضمر مطامح/ مطامع سياسية.

نخلص مما سبق إلى نتيجة مفادها؛ ارتباط حال إصلاح الأمة بصلاح السلطان، الذي يحمل لقب أمير المؤمنين فحتى تكون مطالبك شرعية لابد أن توقعها في عهد البيعة لكي تحفظ وإذا لم تحقق يمكن بعدها أن تنقض البيعة ويتم الدعوة إلى سلطان جديد أو الخروج في حركة تصحيحية أو ثورة هذا إذا كانت أركان الدولة مهترئة، أما إذا كانت في موقف القوة أو الاستقوى، فلا يمكن لذلك إلا أن يجلب الدمار والخراب، فهذا محمد بن الحسن الحجوي مثلا يؤاخذ السلطان مولاي عبد الحفيظ على حفاظه على امتيازاته وتخليه عن إصلاح حال الشعب للفرنسيين المحتلين رغم ما كان منه من تعهدات وبيعة على ذلك من طرف العلماء، بالقول:”فها أنت ترى هذا الرجل كيف حاله في المحافظة على شخصياته ومعرفته بطرق المحافظة عليها وتلونه فيها مما يشهد لذكائه في ذلك، أما من حيث الأمة فنظره أنه لا حق للأمة ولا للملة الإسلامية ولا للمساكين ولا ولا ولا وإنما هو وحده المقصود بالذات من هذا العالم”.[29] وهو ما أنهى فعلا فترة استقلال المغرب[30] بدخول معاهدة الحماية الفرنسية حيز التنفيذ، فتوالت الكوارث السياسية والبيئية والدينية على المغرب ونقله إلينا محمد بن الحسن الحجوي بعين المواطن الغيور وبقلم المحقق والمؤرخ المتحسر.

وأما بالنسبة للآراء التي تعتبر أن للحركة السلفية دورا فاعلا في التقدم بالإصلاحات الدينية والسياسية فقد برزت فيما بعد مع بعض رواد الحركة الوطنية المغربية، الذين مدحوا دورها الفاعل في بناء ثقافة دينية صحيحة وعقيدة قادرة على مواجهة التحديات الحديثة، وقد كتب عـلال الفاسي على سبيل المثال في كتابه:”الحركات الاستقلالية في المغرب العربي”؛ قائلا:” يظهر أن مراكش [المغرب الأقصى] مهيأة أكثر من كل بلد إسلامي لقبول الحركات التي تطالب بالعودة للدين الصحيح والعقيدة والسنة”[31]، وكتب بدوره محمد حسن الوزاني في مذكراته بعد استعراضه لصيغة بروز وانتشار السلفية في المغرب على يد مشايخ كبار وتلامذتهم يعدون من رواد الحركة الوطنية[32]، قائلا:”ومن هنا يتضح بجلاء أن الدعوة السلفية لم تكن وقفا على واحد دون آخر ولا في مكان دون سواه لم تكن محتكرة في يد العناصر الدينية دون غيرها فضلا عن أنها لم تكن لها زعامة تتمثل في أي شخص بأي جهة من البلاد”.[33] وهذا يبين لنا بوضوح أن الإشكالية التي كان زعماء الحركة الإصلاحية المغربية يخافون الوقوع فيها مرة أخرى، وهي تقطيع الشعب بمواقف وزعامات دينية جديدة، تعرقل عليهم طريق الإصلاح وتحرير البلاد من المستعمر، فيقعون مرة أخرى في أخطاء المؤسسات الطرقية المنتقدة والتي شتت قلوب وانتماء العباد، وحاصرت انتشار الإصلاح الديني ببدعها وخرافتها، وقال المهدي بنبركة في محاضرة ألقاها سنة 1958م بتطوان تحت عنوان:”نحو بناء مجتمع جديد”؛ معترفا بذلك بفضل الحركة السلفية في تصحيح مفاهيم دينية:”وعقب ظهور هذه الحركة السلفية [الوطنية] تبدلت نظرتنا إلى الدين، وأخذنا نزيل عن أذهاننا طبقة الخرافات والقشور التي تكونت فوق لب العقيدة الإسلامية المبنية على حرية المناقشة والتفكير، واعتقد بأنه لولا وجود هذه الحركة المباركة لتنكر كل شبابنا – الذي تابع دراسته في اسبانيا وفرنسا- إلى الدين.[34]

رابعا: – الإصلاح الديني أمام مظاهر الحداثة: دهشة الفقيه وروح المجدد !

إن من الصعوبة بمكان أن تكتشف أمة، امتدت  قوتها العلمية والعسكرية جنوبا وشرقا في فترة تاريخية زاهرة، نفسها في مؤخرة الركب الحضاري وأن مزاعما عن مركزيتها وتفوقها إنما هو محض توهم، هذا الإحساس المتناقض، بين ما هو مرسوم في الذهن عن الذات وما هو مشاهد حقيقة وواقعا عند الآخر، جعل الكثير من المفكرين المغاربة في وضع المنافحين عن نرجسيتهم التاريخية والنفسية، ولم يجدوا مستندا يستندون إليه غير العقائد الدينية؛ التي تمنحهم شيئا من القوة الرمزية والتأويلات، للدفاع عما بقي من مظاهر الأنفة، لقد أكرهوا على النظر في مرآة تعكس الذات المتخلفة في مقابل أوربا المزدهرة، ليكتشفوا حقائق جديدة تدهشهم كما تنبههم للواقع المر، ولا يمكن أن نجد وصفا دقيقا يقارب هذا الشعور بطريقة علمية إلا من خلال ما كتبه كبير فلاسفة علم النفس فرويد، ففي مقالة نشرها سنة 1917م بعنوان:”صعوبة أمام التحليل النفسي“، حيث أشار مؤسس علم النفس الأعماق إلى جرح نفسي فريد في نوعه يصح أن نسميه “الجرح الميتافيزيقي”، وهو الجرح الذي أصيب به بنو الإنسان في كبريائهم، أو بتعبير أدق في نرجسيتهم، عندما كشف لهم كوبرنيكوس أن كرتهم الأرضية ليست هي مركز الكون، وأنها هي التي تدور حول الشمس، وليست الشمس وغيرها من الكواكب هي التي تدور حولها، وهذا ما يفسر، جزئيا ضراوة المقاومة التي واجهوا بها نظرية كوبرنيكوس[35].  يمكن أن نفهم ذلك الارتباك الذي أصاب الرحالة وأهم المفكرين الإصلاحيين المغاربة، لحظة اللقاء الأول بمظاهر الحداثة الأوربية، إذا أخذنا بعين الاعتبار كونهم من طبقة الفقهاء؛ تحكمهم رؤية فقهية وخلفية شرعية تؤثر عليهم إما سلبا أو إيجابا، مما يعني أن قدرتهم على تقديم نموذج إصلاحي أو تصوره بشكل يتكامل فيه الدنيوي مع الديني حاضر بقوة، وأن أي إبداع أو إصلاح يخص الأمور الدنيوية بعيدا عن الأمور الدينية إنما هو محض تحسينيات؛ قد لا يؤثر انتفاؤها وانعدامها على مصير الأمة ومسارها النهضوي.

إن هذا النص الذي بين أيدينا  يبين لنا تلك الحيرة التي شغلت بال المثقفين المغاربة في تلك الفترة التاريخية المهمة تجاه التطورات الجديدة التي دخل فيها المغرب؛ إذ لم تعد تتحكم فيها المقاييس التي تعودوا عليها، والتي كانت لا تنطبق الا على مجتمع إسلامي صرف، فهم أنفسهم بحكم تكوينهم وتصوراتهم لم يكونوا مهيئين لتقديم نظرية عن الإصلاح، وهذا العجز يعلنه المؤرخ الناصري بكل صراحة، إذ يقول:” واعلم أيضا أن هؤلاء الفرنج في هذه السنين قد علا علوا منكرا وظهر ظهورا لا كفاء له، وأسرعت أحواله في التقدم والزيادة إسراعا متضاعفا كتضاعف حبات القمح في بيوت الشطرنج حتى كاد يستحيل إلى فساد،وعلم عاقبة ذلك وغايته إلى الله تعالى المنفرد بالغيب”.[36]

وقبل الخوض في نماذج بعينها أحبذ الإشارة مرة أخرى إلى أن الحديث عن الإصلاحية بدل التحديثية في مضمون هذا الموضوع، راجع إلى كون الإصلاحية مرتبطة أساسا بالحقل التداولي الإسلامي، وهي اقرب إلى الواقع الفكري والديني الذي يبدع فيه المسلمون، وهذه الملاحظة استرعت انتباه الأستاذ سعيد بن سعيد العلوي ووافقه عليه الأستاذ عبد الإله بلقزيز، ليخرجا باستنتاج عند مقارنتهما بين “الاجتهاد” و”التحديث” مفاده أن الشريعة إذ تفسح للاجتهاد مساحة وتحث عليه، تبدي إعراضا عن التحديث ونفورا من الحداثة واشتقاقاتها،وذلك بسبب تداخل معناه مع معنى الابتداع، فلا شك في أن المسلم يستشنع المحدثات ويستبشع البدع، ولكنه بالمقابل يستحسن السنة الحميدة ويجند التجديد في أمر الدين بل هو يرجوه ويطلبه.[37] إن الفقيه المجتهد بطبيعة الحال ينظر إلى المحدثات من الأمور على أنها بدعة ما لم تؤدي لها دورا في خدمة مصالح العباد، وكل ما خالف ذلك يرتب فيما لا فائدة منه ولا عمل يرجى وراءه، بذلك يلغي هذا الحكم وجود تلك الأشياء إما بمنطق الكراهة أو التحريم، وتبقى مساحة الإباحة ضيقة ما لم تعزز بحاجة الناس أو بغلبة البلوى  أو قيام الضرورة أو ما جرت به العادة على المشهور بتعبير بعض المفتين، بشرط أن لا يكون سد الذريعة الذي تتبناه السلطة السياسة بموافقة السلطة الفقهية غالبا-مواقف مولاي سليمان الاحترازية من أوربا مثلا-، ليقف حاجزا أمام وصول الناس للاستمتاع أو لتلبية رغباتهم بالحصول على الممنوع من المستحدثات، وقد نقل عن سان روني طاينديي فيما بعد  وهو سفير فرنسا بطنجة -نتيجة لذلك- قوله في إحدى رسائله إلى وزير الخارجية ديلكاسي في يوليوز 1901م:”هذا بلد لم يرغب لحد الساعة في اتخاذ السكة الحديدية، أو خط التلغراف أو استغلال المناجم أو شق طرق صالحة للعربات:” في حين يصف أ.أوربان سكان المغرب بكونهم: “أشد الشعوب انغلاقا في الشمال الغربي الافريقي”[38]، ولا تنفرد الكتابة الاستعمارية بهذه الأحكام، بل تسير بعض النصوص المغربية من طرف فقهاء حضريين، في نفس الاتجاه أيضا، نموذج ذلك محمد بن مصطفى المشرفي صاحب:” الحلل البهية في تاريخ ملوك الدولة العلوية” الذي يرى أن “المغرب محتو على أوباش البربر وأجلاف الأعراب إلا ما قل منهم[…] وهم على غاية التوحش وشدة النفور من هذه المخترعات التي لم يألفوها ولا رأوها قط”[39]. ولا أظن أن كل هذه الممانعة نشأة من فراغ بل هي استمرار لعقلية دينية ترفض كل بدعة محدثة، فاستفحلت بجانب الأمية والجهل وتعمقت مع خوف السلطة الرسمية من فتح الباب أمام الأجانب للاطلاع  على عمق الأزمة، لتصبح هذه الأخيرة ظاهرة مستفحلة توجه ذائقة عموم المغاربة لتكون لديهم أحكاما مسبقة، كما تم الاستناد الى المقدس باعتباره يعطي سندا شرعيا قويا لدفع كل وارد أو مستجد دون كثير تبريرات، وإن منحت فرصة لبعض الإصلاحات بين الفينة والأخرى فقد توفرت ظروف فشلها مسبقا بحكم عدم قابلية العامة مما حد من استمرارها، وهذا ما خلص إليه جرمان عياش عند قوله:”لا غرابة إذن أن جميع المحاولات الإصلاحية التي قام بها المخزن قدر عليها الفشل، وهذا ما يفسر في الوقت نفسه أن المشاريع الإصلاحية التي تقدم بها بعض الفقهاء المغاربة لم تزد على أن تكون حبرا على ورق، أشباحا دون أي جسم، دخانا تلعب به الرياح”[40].

كانت الرحالات العلمية أو السفارية أو الأدبية التي قام بها بعض رواد النهضة العربية قد كشفت لهم عن الشرخ الكبير بين حالة الشرق وحالة الغرب، ووضعتهم بين منطقين متناقضين تقدم/ تخلف، مقصد دنيوية/ مقصد أخروي، وهلم جر من مفاهيم الوعي الشقي، ليتزعموا بعدها حركة النهضة في بلدانهم معززين برؤية نقدية وإصلاحية، وهو ما فعله على سبيل المثال كل من رفاعة رافع الطهطاوي عاش مابين1873 /1801) م)[41] في القطر المصري، وخير الدين التونسي (1820-1890م)[42] في القطر التونسي والتركي ومعه أحمد  فارس الشدياق[43] (1804-1887)، ومحمد الفاسي[44] (1830-1868م)، ومحمد بن الحسن الحجوي[45]( 1874- 1956م) في المغرب.

إن الإصلاح الديني الذي بدأ بأوربا منذ مطلع القرن السادس عشر مع “الحركة اللوثرية” سنة 1517م التي ربطت بين الديني والدنيوي بتأسيس أخلاق العمل البروتستانتية[46]، ومعها بقية الحركات الأخرى، قد أعطت ثمارها على مختلف الأصعدة ورمت بظلالها الوارفة على مستقبل أوربا، هذا التأثير الايجابي لم يلاحظه الكثير من الرحالة العرب، إذ اعتبروا أن المظاهر المتقدمة كانت نتاج تطور صناعي ومالي واكتشافات جغرافية وفقط، فجعلوا هذه المظاهر فزاعة قد تأتي على الأخضر واليابس، فخافوا منها أن تدخل عليهم فتهلك التقاليد والعادات والعقائد وهو ما حصل فيما بعد اثر اجتياح الثقافة الأوربية للبلدان المستضعفة إذ يقول الناصري عن ذلك في كتابه الاستقصاء:”ولاحت على الناس سمة الحضارة الأجنبية”[47].

إن أهم ما يؤكد حاجة المغرب على وجه الخصوص إلى الإصلاح الديني وقتها هو ما كان يصدر عن الفقهاء وبعض الرحالة من فتاوى دينية وأراء فقهية، تعبر عن مدى تأثير بعض الرؤى الدينية الجامدة على الحياة عموما، إذ ساعدت البنية الفقهية بكل مكوناتها، من زوايا وعلماء ومدارس وسلطة رسمية، في بقاء الوضع كما هو عليه من تخلف، إلى أن اصطدموا بالغزو وهم في عقر دارهم وتوالت عليهم الهزائم، كما تعاملوا بشكل بدائي مع مستجدات التقنية الإبداعات الفنية والأدبية الأوربية، ووقعوا في مواقف مربكة بين إنكار لكل مظاهر الترف المالي والرخاء الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار السياسي وبين القبول بها وشرعنتها بطريقة ساخرة وفي بعض الأحيان بطريقة غير جدية على أمل أن تتحقق المعجزة ويتم تبنيها رسميا أو شعبيا، وهذا ما لم يتحقق بحكم أن العقلية الفقهية التي نقلت هذه الأفكار وانبهرت بها – التي استقبلتها أيضا – كانت أساسا تحكمها مسبقات ثقافية ودينية؛ تجعل الأمر كله لا يستحق في الأخير كل ذلك العناء، باعتبارها أفكارا تعبر عن مظهر دنيوي ليس وراءه أي مصلحة دينية محققة وغالبا ما يوقع في مفاسد جمة، وهو موقف عبر عنه الناصري معقبا على اقتراحات بعض الدول لإصلاح وسائل المواصلات بالمغرب، قائلا:”..وإنما النصارى أجربوا سائر البلاد، فأرادوا أن يجربوا هذا القطر الذي طهره الله من دنسهم”.[48]، وهو ما نلاحظه كذلك في كثير من مواقف الرحالة ونبدأ بهذا التعليق لمحمد الفاسي الذي يقول فيه اثر مشاهدته مع الملكة البريطانية لمناورة بحرية:”والحاصل أنهم دمرهم الله يستعملون أشياء تدهش، سيما من رآها فجأة، وربما اختل مزاجه من اجل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، كيف تحيلوا على إصلاح دنياهم، حتى أدركوا منها مناهم، واستعملوا لذلك قوانين وضوابط، وفي كل ما يقربهم منها غوابط، وفيه إشارة إلى أن طيباتهم عجلت لهم، ولذلك نصيبهم وحظهم، وفيه إشارة أيضا إلى أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء”[49]، إن هذا الفقيه المثقف من هول ما رآه من أشياء تذهب بعقله، نبه إلى أن القادم عندما يقف موقفه فقد يختل مزاجه، كما أن كل تلك المظاهر هي مجرد أنعم مكنوا منها من الله وهي حظهم من الدنيا، وهو نفس موقف محمد بن عثمان المكناسي في رحلته “البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر”،عندما يقول:”الحاصل أن أمور الدنيا لم يعجزوا في شيء منها[يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون]”[50]، ولا يصف فيها المكناسي ما شاهده وفقط، بل يصدر مواقف دينية عند كل فرصة وكثيرا ما يصف الآخر بالكفر أو الطغيان[51]،وهو ما يتجلى في العتبة الأولى من كتابه وهي بنية العنوان. كما ينقل إلينا محمد الفاسي مرة أخرى بطريقة تظهر أن العقل الفقهي لم يكن على استعداد لتقبل أي إصلاح مادام يخالف البنية الكلاسيكية التي بني عليها واقع جغرافيته الاجتماعية والسياسية والعلمية والاعتقادية، فيقول تعليقا وتلخيصا لسبب اكتشاف القوة البخارية:”وسبب إحداثهم له أن صبيا كانت بيديه ناعورة [لعبة للأطفال] صغيرة من كاغيد فجعلها متصلة بجعب [قناة صغيرة] في فم بقرج [كلمة تركية وتعني إناء لغليان الماء لشرب الشاي] على نار، وبعد اشتداد غليان الماء فيه، فجعلت تدور بقوة ذلك البخار فراه رجل فتعجب واستنبط هذا –البابور- المعروف بعقله الظلماني لان العقل على قسمين ظلماني ونوراني، ظلماني به يدركون هذه الأشياء الظلمانية، ويزيدهم ذلك توغلا في كفرهم، والنوراني به يدرك المؤمن المسائل المعنوية، كالإيمان بالله وبملائكته ورسله وكل ما يقرب من رضى الله، ومن هذا الباب وصفهم الله في غير آية بعدم العقل وبعدم التفكر وبعدم الفقه”[52].إن هذا المنطق الذي يتم الاحتكام إليه من طرف الكاتب يعتبر منطقا مغلقا يجعل من جهتين، الأولى من جهته باعتباره مثقفا ومحفز وعي وواضع تصورات واستراتيجيات ومن جهة يغلق على القراء -الذين سيتلقون كتابه بالقبول الحسن بطبيعة الحال- باعتبار أن كل تلك التفاصيل ستصبح غير ضرورية وهي من “العجائبية” التي يمكن التحدث عنها في مجالس المدام والتفكه بها، مما لن يساهم في تحفيز الخيال العلمي ولا الابتكار ولا النقد من أجل تقديم أو حتى محاكاة ما تم حكيه ونقله، فكانت سقطات العلماء ورجال الدين هنا أفظع باعتبارها شرعنة عدم جـدوائية نقل أو أخذ ما حكوه وشاهدوه في بلاد أوربا، بغض النظر عن  مواقفهم المنافحة عن إيمان الجماعة وعقولها” النورانية” واتهام عقول الغير بـ”الظلمانية” وبأنها تتهافت على أمور لا مصلحة دينية وراءها.  

والغريب – رغم المواقف الرافضة غالبا لكل مستحدث- أن تصدر بعض الفتاوي والآراء من طرف عمداء الفقه والأدب المغاربة لتخفيف الممانعة لدى الناس وخلق مساحة قبول بحكم الظروف القاهرة أو المآزق المتكررة؛ والتي توقع فيها مقتنيات التحديث، ونأخذ أمثلة حاولت بشكل أو آخر نسج علاقة بين العقل الفقهي و”المنتوجات الحداثية” لتقديم أجوبة للناس بشكل يتقبلون بعدها منتوجا دنيويا ظاهرا ومعه مصلحة دينية مخفية، بالاعتماد على القياس الفقهي لتبرير صلاح التقنية وجعلها خادمة للدين، فقد سئل الحجوي عن التلفون والتلغراف:”عما إذا ثبت عيد الفطر بمكناس أو الرباط بشهادة عدلين وحكم القاضي هنالك به واخبر السلطان بواسطة التلفون أو التلغراف، هل يجوز الاعتماد على هذا الأخبار والإفطار أم لا”[53]  ويجيب الحجوي:” ..أن التلفون، فان كان متقنا، يتميز فيه صوت زيد عن عمرو بحيث يحصل العلم الضروري للسامع بان هذا صوت فلان بعينه، فالذي يظهر انه يجوز الاعتماد عليه بشرط أن يكون المخبر عدلا واحدا فأكثر..، وهذه الفتوى منا جارية على أصل مالك بن انس وابن حنبل في إجازة شهادة الأعمى..، إذ القصد من الحديث هو التثبت وحصول العلم الضروري لا خصوص المعاينة بالبصر، والأعمى محصل لذلك بدليل انعقاد الإجماع على تمكينه من وطء زوجته لحصول العلم الضروري أنها زوجته مع عدم رؤيته لها..، ومسألة التلفون هي كمسالة شهادة الأعمى فتقاس عليها من باب لا فارق”[54]. ونفهم من هذه الفتاوى أنها اجتهاد داخل النص ومحاولة لتقريب الفهم للمسائل المستحدثة عن طريق وقائع ونوازل قديمة عن طريق القياس وقد علق الأستاذ عبد الإله بلقزيز على هذه الفتوى بالقول:”إن الفقيه هنا ممتلك قضيته لا من باب انفتاح على ثمرات العلم فحسب، وهذا متقرر في ما أفتى به، وإنما من باب تشغيل يقظ لمدونته المعرفية الفقهية التقليدية، انه اجتهاد إذا، من دون ابتداع[55].إن تلك النصوص وغيرها ربما هي ما يفسر لنا ما كان يحيط بدورة التغيير من عقبات بنيوية ونفسية كثيرة، جعلت حركة الإصلاح عموما تبقى عالقة لأنها لم تحتكم إلى نظرية إصلاح ديني تسبق ما كان من بساطة الأفكار وتأسسها على البنى التقليدية والخرافات، وعدم النظر إلى عواقب الأمور خصوصا منها التحديات المتصاعدة؛ والتي كان من أهمها في النهاية استسلام المغرب للاستعمار وانقسامه إلى مناطق نفوذ بين دوله.

ختاما، إن الإصلاح الذي سعى إليه رواد النهضة المغربية في نهاية القرن 19م وبداية القرن العشرين، اعتمد على رؤيتهم الضيقة لما يمكن استفادته من الحضارة الغربية، فكانت نزعتهم للإصلاحات انتقائية، تحكمها هواجس الخوف من الوقوع بين فكي التحديث التقني والحضارة المتغربة، فانبروا للبحث عن مجسات منطقية تسمح لهم بالبحث في أرضية الآخر عن المفيد على المستوى المدني والذي تتحقق فيه مصلحة دينية، وهو ما عمل على اسكتشافه كل من  المصلح والمجتهد والمثقف المغربي، ولكنهم نسوا أن المجتمع سريعا ما سينقلب على الرؤية الفقهية الضيقة، ويتمسك بالتحديث الذي كان منطقه أقوى من أي تأويلات أو قراءات مبنية على مسبقات اعتقادية، وهذا ما يظهر من اكتساح كل مظاهر المدنية الغربية البلاد في وقت ضيق، وتقبلها الناس بقبول حسن، وتكيفوا معها دون بحث من جديد عن الفقيه الذي يحلل أو يبيح الكثير منها، فقد فقه الناس وربطوا بين مصالحهم وبين المستحدثات فقارنوا واستنبطوا وعاشوها بالمنطق الذي يسمح لهم بالتوازن بين متطلباتهم المعيشية العادية، وما هو مسخر لتسهيل هذه المتطلبات وتمكينهم منها، إن المجتمعات تعمل على  بناء تصوراتها بشكل بسيط ترتبط فيه معطيات كثيرة أهمها العقيدة المبنية على السماحة، وأن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل قاطع بالحرمة، وأن الحياة تستحق أن يعطى لها من الأهمية ما يعطى للدين والعقائد، فلا سبيل لتحقيق صلاح أحدهما دون صلاح الآخر، وأن الحاجة قائمة دائما على الاستفادة من العلوم بقطع النظر عمن اكتشفها أو كتبها، فلا سبيل لتحقيق تقدم و بناء حضاري من أرضية منعدمة، فالإنسانية كل متكامل لا تتحقق الأفضلية فيها بالإيمان وحده ولكن لابد أن يمتزج بالخيرية والعطاء، ثم إن إصلاح الذات بعد أن أنهكت بعوامل التقهقر قد يحتاج في بعض الأحيان إلى هزات وضربات موجعة، لتحتاج فيه الأمة إلى الاتكال على الآخر إما اقتباسا أو مساهمة؛ لاسترجاع القدرة على الحياة والحركة من جديد والمساهمة الايجابية إلى جانب الإنسانية في البناء والإبداع، وهذا منطق استبعده الكثير من الإصلاحيين في أغلب الأحيان، إذ اعتمدوا على ما كان في تاريخهم من نماذج ورؤى لم تثبت نجاعتها فيما بعد، وأخيرا، إن رد الناس إلى الدين الحقيقي دون نحت مشروع واقعي ومعه تصور استراتيجي لحقيقة هذا المسار وتحدياته واستيعاب العوامل المحفزة عليه، قد ينعكس سلبا على الكل، فترتد الحركة عكسيا مخلفة خسائر في المبادئ والقيم وزعزعة في الاعتقادات، وهذا ما تمكنت النهضة الأوربية -إلى حد بعيد- من تجاوزه  ببلورة إصلاح ديني راشد ومعقلن، تقبله الناس بمختلف نزوعاتهم الدينية، ولم يعق تطور النظريات ولا الكشوفات ولا السياسات التحديثية التي توالت فيما بعد في التاريخ الأوربي، فتم الاستفادة منه في تحقيق أنموذجها الحضاري والمحافظة عليه والتبشير به، ولم تنتبه إليه الإصلاحية العربية عموما والمغربية على وجه الخصوص، بل بقيت مشدوهة ومأخوذة بالنموذج المشكل والمتمم، متناسية الأسباب والدوافع والخطوط المركبة له، وأنه كان من أولى الأولويات المرور بثورة دينية تصلح العقول والأفئدة قبل نقاش التحديث والتغيير، وهذا كان من أهم الأسباب التي دفعت بحركتهم الإصلاحية لتشهد إخفاقات متتالية منذ تشكلها الأول، إذ أصابها عدم الوعي بتلك المرتكزات المهمة في مقتلها وهي في مهدها.

———————————————————————————–

المصادر والمراجع:

  1. أبي الجمال محمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي، الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية 1860م، حققه وعلق عليه محمد الفاسي، مطبعة جامعة محمد الخامس، فاس1967م.
  2. جورج طرابيشي، من النهضة إلى الثورة، تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، الطبعة الثانية،2009م.
  3. سعيد بنسيعد العلوي،محمد الحجوي، الرحلة الأوربية،أوربا في مرآة الرحلة، صور الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة، ، كلية الآداب الرباط 1995م.
  4. سعيد بنسعيد العلوي، الاجتهاد والتجديد دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب،مركز دراسات العالم الإسلامي، مالطا ط1 1992م.
  5. السلطان مولاي سليمان: رسالة مولاي سليمان إلى سعود بن عبد العزيز، مخطوط 4624، الخزانة الملكية الرباط.
  6. عبد الإله بلقزيز،الخطاب الإصلاحي في المغرب  التكوين والمصادر 1844 الى 1918 بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، تحت إشراف د،سعيد بنسعيد العلوي، السنة1993-جامعة محمد الخامس الرباط،  رقم تسجيله، 68165، رقم التصنيف ر,ج،191/ بلق،30 يونيو 1994.
  7. عبد المجيد الصغير،في البدء كانت السياسية، إشكالية التأصيل للنهضة والديمقراطية في المجتمع المغربي،سلسلة المعرفة للجميع سنة طبعة 1999م،الرباط.
  8. الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر،أعمال الأيام الدراسية بالرباط 20/23 ابريل 1983م،منشورات ومناظرات رقم7 ، جامعة محمد الخامس مجلة بصمات،عدد 5 السنة 1990م.
  9. مجلة الدعم، العدد الثاني، السنة الثانية،طبعة المدرسة العليا للأساتذة بالرباط سنة1996.
  10. مجلة بصمات، كلية الآداب جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء العدد5 السنة 1990 م.
  11. مجلة وجهة نظر، العدد52 ربيع 2012م.

[1]عبد الإله بلقزيز،الخطاب الإصلاحي في المغرب  التكوين والمصادر 1844 الى 1918 بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة، تحت إشراف د،سعيد بنسعيد العلوي، السنة1993-جامعة محمد الخامس الرباط،  رقم تسجيله، 68165، رقم التصنيف ر,ج،191/ بلق،30 يونيو 1994، ص: 14

[2] -ألف محمد بن عبد القادر الكردودي الفاسي مؤلفا بعنوان:” كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على هذه الأمة”،حيث ينوه فيه بالنظام النيابي في اوربا وتركيا ليلوح الى الرغبة في تحقيقه بالمغرب، وهكذا يقول:” والروم لعهدنا وكذلك الترك فيما بلغنا: قصروا الشورى على اربعين رجلا، فلا يبرم أمر عندهم الا إن صدر عن رأيهم إشارتهم، وتسمى هذه الجماعة بالكرطي”،نقلا عن محمد المنوني، نماذج من تفتح مغرب القرن 19 على معطيات نهضة اوربا والشرق الاسلامي، اعمال الايام الدراسية: الاصلاح والمجتمع المغربي في القرن19، مرجع سابق، ص 197.

[3]محمد بن الحسن الحجوي،النظام في الإسلام، المطبعة الوطنية 1928م،الرباط،ص:56، نقلا عن الخطاب النهضوي بالمغرب، الإصلاح، التحديث والاجتهاد،عبد الإله بلقزيز، مجلة بصمات،عدد 5 السنة 1990م، ص23.

[4]محمد الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي، المطبعة الجديدة[بدون تاريخ]فاس الربع الرابع، ص205و 206، نقلا عن اوربا في مراة الرحلة، مرجع سابق، سعيد بنسعيد العلوي، ص73.

[5] -رحلة الصفار[ محمد بن عبد الله]،رحلة وجهتها فرنسا وهي رحلة “سفارية”،بدورها، استغرقت شهرين على وجه التقريب، بين نهاية1845 ومنتصف الشهر الثاني من سنة 1846م.

[6]محمد الحجوي،”الرحلة الأوربية” رحلة سفارية، و”بروتوكولية” في الشق الأول منها وجهتها باريس وفي الشق الثاني منها بريطانيا وكانت 1919م.

[7]محمد الطاهر الفاسي، الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية رحلة “سفارية” كان  صاحب الرحلة، كاتبا للبعثة،زمانها صيف 1860م ومدتها تتجاوز شهرين بقليل،ووجهتها بريطانيا.

[8] -ينظر: سوزان  ميلار، صدفة اللقاء مع الجديد، رحلة الصفار إلى فرنسا 1845-1846 ،دراسة وتحقيق سوزان  ميلار، عرب الدراسة وشارك في التحقيق، خالد الصغير،مجلة الدعم، العدد الثاني، السنة الثانية،طبعة المدرسة العليا للأساتذة بالرباط سنة1996 ، ص:70.

[9]محمد الحجوي، الرحلة الأوربية،أوربا في مرآة الرحلة، صور الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة،سعيد بنسيعد العلوي، كلية الآداب الرباط 95 ص:147.

[10]محمد زنيبر، هل هنالك مصادر داخلية للإصلاح؟، ورقة مقدمة لـ: أعمال الأيام الدراسية بالرباط 20/23 ابريل 1983 بالرباط تحت عنوان: الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر،منشورات ومناظرات رقم7 ، جامعة محمد الخامس ،ص:347.

[11]محمد الأمين البزاز، الإصلاحات والمشكل الصحي في مغرب القرن التاسع عشر،الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن19، مرجع سابق: ص232

[12]محمد الحجوي، الرحلة الأوربية،أوربا في مرآة الرحلة، صور الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة،سعيد بنسعيد العلوي، كلية الآداب الرباط 95 ص:132.

[13]عثمان أشقرا، في أصول الفكر الحديث معطيات وتحليل، مجلة بصمات كلية الآداب جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء العدد5 السنة 1990 م،ص: 67.

[14]عبد المجيد الصغير،في البدء كانت السياسية، إشكالية التأصيل للنهضة والديمقراطية في المجتمع المغربي،سلسلة المعرفة للجميع سنة طبعة 1999الرباط، ص 113.

[15]محمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي، الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية، تحقيق وتعليق محمد الفاسي، طبعة جامعة محمد الخامس،سنة 1967، ص19.

[16]لناصري ، الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى،دار الكتاب الدار البيضاء، 1956،ج1 ص143، نقلا عن: محمد الفلاح، من مظاهر التجديد الفكري نموذج: الفكر الإصلاحي عند الناصري،مجلة بصمات، العدد5، 1990،ص:118

[17] – الناصري ، الاستقصاء في أخبار المغرب الأقصى،نفس المرجع السابق،ص:120.

[18]محمد بن محمد عبد الله الموقت المراكشي،الرحلة المراكشية، أو مرآة المساوئ الوقتية، الجزء الأول، دار الرشاد الحديثة،د.ت ص،158و159.نقلا عن نور الدين الزاهي، الرحلة المراكشية بين ضغط الساعة ورهانات الوقت، مجلة بصمات،عدد 5 السنة 1990، ص181.

[19] – ينظر:عثمان أشقرا،في الفكر الوطني المغربي،سلسلة المعرفة للجميع العدد17،دجنبر2000 ،ص:53.

[20] – ينظر:في الفكر الوطني المغربي، مرجع سابق، ص:45.

[21]ابن الموقت المراكشي،مرجع سابق،الجزء الثاني،ص140-161، نقلا عن :نور الدين الزاهي، الرحلة المراكشية،مجلة بصمات، مرجع سابق، ص180.

[22]محمد المنصور، الحركة الوهابية وردود الفعل المغربية عند بداية القرن التاسع عشر،أعمال الأيام الدراسية بالرباط 20/23 ابريل 1983 بالرباط تحت عنوان: الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن التاسع عشر،منشورات ومناظرات رقم7 ، جامعة محمد الخامس،ص:179.

[23] – ينظر: محمد المنصور، الحركة الوهابية وردود الفعل المغربية عند بداية القرن التاسع عشر، مرجع السابق،184.

[24]السلطان مولاي سليمان : رسالة مولاي سليمان إلى سعود بن عبد العزيز، مخطوط 4624، الخزانة الملكية الرباط.

[25] – لمراجعة أسئلة السلطان ورسالته،  ينظر:محمد المنصور، الحركة الوهابية وردود الفعل المغربية عند بداية القرن التاسع عشر،مرجع سابق،ص:188 و189

[26] – ينظر: محمد المنصور، الحركة الوهابية وردود الفعل المغربية عند بداية القرن التاسع عشر،مرجع سابق،ص:191.

[27] -على سبيل المثال الاستيلاء على الزاوية الدلائية بفاس سنة1668م، نفى السلطان مولاي محمد بن عبد الله شيخ الزاوية الشرقاوية محمد بن العربي بن المعطي من زاويته بابي الجعد الى مراكش، وكذلك أمر مولاي سليمان بنفيه مرة أخرى الى فاس،وقد هدمت فيما بعد سنة 1784- 1785م ،تهديد الزاوية الناصرية سنة 1788م بالهدم، والقضاء على حركة الجيلالي الزرهوني الملقب ببوحمارة سنة 1902 م في عهد السلطان عبد العزيز.

[28] -على سبيل المثال النكبة التي تعرضت إليها الزاوية الشرادية التي أسسها أبي العباس الشرادي في عهد المولى عبد الرحمن، ينظر بحث الاستاذ محمد زنيبر بعنوان هل هنالك مصادر داخلية للإصلاح؟، الأيام الدراسية: الإصلاح والمجتمع المغربي في القران 19، مرجع سابق ص350.

[29]محمد بن الحسن الحجوي، دفتر تقاييد بحوادث تاريخية ايام المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ، نشر بصفحة وثائق بمجلة وجهة نظر، العدد52 ربيع 2012،الصفحة 52.

[30] – يتحسر محمد بن الحسن الحجوي على انتهت إليه الأوضاع بالمغرب بالقول:” وتسلط على مناصب الدولة كل دخيل جاهل، فجر ذلك الى تلاشي الدولة العزيزية، وتتابعت المحن والظلم جو المغرب، وفي أثناء ذلك وقعت معاهدة 8 ابريل 1904م، بين فرنسا وانجلترا، ثم مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906م، وباثر المؤتمر بيسير سقطت الدولة العزيزة وقامت الدولة الحفيظية 1908م، ثم وقع اثر ذلك الاحتلال ثم إعلان الحماية 1912م، […]، هذه إحدى عشرة سنة رأى المغرب فيها من الأهوال والشدائد ما يشيب له الرضيع وتندك له الجبال”[30].[30] – محمد الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، المطبعة الجديدة[بدون تاريخ]، فاس الربع الرابع، ص205و 206، نقلا عن أوربا في مرآة الرحلة، سعيد بنسعيد العلوي، مرجع سابق، ص73.

[31] علال الفاسي، الاستقلالية في المغرب العربي ص133و 137، نقلا عن  الفكر الوطني المغربي، مرجع سابق،ص:، 65

[32] -نذكر على سبيل المثال أسماء الرواد من بينهم: أبو شعيب الدكالي ت1937م، الشيخ محمد بن العربي العلوي ت:1964 والشيخ محمد المختار السوسي 1963 والشيخ تقي الدين الهلالي ت1987م والشيخ الرحالي الفاروق تـ 1985م، والشيخ محمد المكي الناصري ت1994م، وعلال الفاسي ت 1974وغيرهم.

[33]محمد حسن الوزاني: مذكرات” حياة وجهاد”ج1 ص، 331 نقلا عن الفكر الوطني المغربي،مرجع سابق، ص: 66

[34] – نقلا عن في الفكر الوطني المغربي،مرجع سابق، ص: 67

[35] _جورج طرابيشي، من النهضة إلى الثورة، تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، الطبعة الثانية،2009، ص:9.بتصرف.

[36] – ينظر: محمد زنيبر، هل هنالك مصادر داخلية للإصلاح؟، الأيام الدراسية: الإصلاح والمجتمع المغربي في القران 19، مرجع سابق ص351

[37] -ينظر: عبد الاله بلقزيز، الإصلاح والتحديث والاجتهاد في التداول المغربي الحديث،مجلة بصمات ص11 العدد5السنة1990، ونفس المرجع منقولا عنه، سعيد بنسعيد العلوي : الاجتهاد والتجديد دراسة في أصول الفكر السلفي في المغرب،مركز دراسات العالم الإسلامي مالطا ط1 1992 ص15.

[38]عبد الرحمن المودن، بعض المواقف المغربية من المستحدثات التقنية في القرن التاسع عشر، أعمال الأيام الدراسية:الإصلاح والمجتمع المغربي، مرجع سابق، ص:367.

[39] عبد الرحمن المودن، بعض المواقف المغربية من المستحدثات التقنية في القرن التاسع عشر، أعمال الأيام الدراسية:الإصلاح والمجتمع المغربي، مرجع سابق، ص:368.

[40]جرمان عياش، إمكانيات الإصلاح وأسباب الفشل،الأيام الدراسية الإصلاح والمجتمع المغربي في القرن 19، مرجع سابق، ص362.

[41]رفاعة رافع الطهطاوي1801 /1873) م ) من قادة النهضة العلمية في مصر في عهد محمد علي باشا. التحق رفاعة وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817وشملت دراسته في الأزهر الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف، يبدأ المنعطفُ الكبير في سيرة رفاعي الطهطاوى مع سفره سنة 1826م،  إلى فرنسا ضمن بعثة عددها اربعين طالب أرسلها محمد علىّ على متن السفينة الحربية الفرنسية (لاترويت) لدراسة العلوم الحديثة. وبدأ بممارسة علم، وبعد خمسٍ سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة وعاد الى مصر 1831م، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة “تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز” ،” المرشد الأمين في تربية البنات والبنين”،أما الكتب التي قام بترجمتها فهي تزيد عن خمسة وعشرين كتابًا، وذلك غير ما أشرف عليه من الترجمات وما راجعه وصححه وهذبه.

[42]خير الدين التونسي أو خير الدين باشا (1820-1890م)؛هو أحد رموز الإصلاح بالبلاد التونسية، ولد سنة 1820م  في قرية بجبال القوقاز، سافر خير الدين التونسي إلى باريس سنة1853م، بتكليف من “أحمد الباي”ترك لنا حصيلة تأملاته وأفكاره الإصلاحية في كتابه الشهير: أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك. وتوفي بتركيا سنة 1889 أو في بداية سنة 1890م.

[43]أحمد فارس الشدياق (1804-1887)، صحفي لبناني كان يصدر صحيفة الجوائب1881م – 1884 في إسطنبول. من ألمع الرحالة العرب الذين سافروا إلى أوروبا خلال القرن التاسع عشر. كان الكاتب والصحفي واللغوي والمترجم الذي أصدر أول صحيفة عربية مستقلة بعنوان الجوائب مثقفاً لامعاً وعقلاً صدامياً مناوشاً أيضاً.من مؤلفاته: الساق على الساق فيما هو الفارياق، كشف المخبأ في أحوال أوروبا، حيث أقام بلندن وباريس فترات متفاوتة، والواسطة في أحوال مالطة وغيرها.

[44]ابو الجمال محمد الطاهر بن عبد الرحمن بن محمد الرضى بن محمد-فتحا- بن الطاهر الفاسي، (ولد 1830 وتوفي سنة 1868م)، سفير وفقيه البلاط الملكي ومؤلف الرحلة المشهورة :” الرحلة الابريزية الى الديار الانجليزية”.

[45]ولد محمد بن الحسن الحجوي( ولد سنة 1874 بفاس وتوفي 1956 بالرباط)،  وهو من أسرة عالمة ومتفتحة فاسية، درس، في جامعة القرويين، العلوم النقلية والعقلية، ولكن كان له انفتاح على الثقافات الأجنبية القديمة منها والحديثة..من مؤلفاته: كتاب «الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي»، الذي يعتبر مرجعاً أساسياً لتاريخ الفقه منذ عصر التشريع إلى الآن، و«النظام في الإسلام» وهي: محاضرة في الأصل ألقاها للدفاع عن الإسلام وللرد على من قال إن المسلمين لم يعرفوا نظاماً منذ ثلاثة عشر قرناً.

[46] – وهو ما أكده عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر [1864 – 1920 م]، فيما بعد في كتابه : “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالي”، فهذه الرؤية الدينية  أسست لقيمة العمل المعروف كفعل لتمجيد الرب وتعظيمه لا لتحقيق مكاسب شخصية، كما تتضمن الحركة الإصلاحية البروتستانتية مبادئ الادخار والانضباط والعمل الشاق، والفردانية.

[47] نقلا عن: محمد المنوني،نماذج من تفتح مغرب القرن 19 على معطيات أوربا والشرق الإسلامي، أعمال الأيام الدراسية : الإصلاح والمجتمع المغربي، مرجع سابق ، ص:200.

[48] -نقلا :عن محمد المنوني،نماذج من تفتح مغرب القرن 19 على معطيات أوربا والشرق الإسلامي، أعمال الأيام الدراسية : الإصلاح والمجتمع المغربي، مرجع سابق ص:201.

[49]ابي الجمال محمد الطاهر بن عبد الرحمن الفاسي، الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية 1860م، حققه وعلق عليه محمد الفاسي، مطبعة جامعة محمد الخامس، فاس1967م، ص: 19.

[50]سعيد بنسعيد العلوي، أوربا في مرآة الرحلة، مرجع سابق، ص:29.

[51] -يقول المكناسي مثلا:” وقد استدعانا الطاغية ذات يوم لرؤية فرجة يستعملها يسمونها الوبرة [ l’opéra] وهي التي يسميها الصبنيول[ الاسبان] الكمدية [la comédie] ” البدر السافر لهداية المسافر”، أوربا في مرآة الرحلة، مرجع سابق، ص93,

[52]محمد الفاسي، “الرحلة الابريزية إلى الديار الانجليزية”، مصدر سابق،ص28.

[53]محمد الحجوي، إرشاد الخلق إلى اعتماد في ثبوت الهلال على خبر البرق، مخطوط بالخزانة العامة،نقلا عن :عبد الإله بلقزيز، الإصلاح والتحديث والاجتهاد، مجلة بصمات5، مرجع سابق، ص:16.

[54] -ينظر: عبد الإله بلقزيز، الإصلاح التحديث والاجتهاد، نفس المرجع السابق، ص16.

[55] -نفس المرجع السابق،ص17

يوسف محمد بناصر

باحث مغربي، متخصص في الحوار الديني والحضاري وقضايا التجديد في الثقافة الإسلامية، متحصل على درجة الدكتوراه من كلية الآداب ببني ملال جامعة السلطان مولاي سليمان- المغرب، له عدة مشاركات علمية في ندوات وطنية ودولية، كما ساهم بمقالات ودراسات وأبحاث عدة في مجلات وجرائد ومواقع عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى