الدراسات

قراءة في كتاب “الدين: الأسس” لمالوري ناي

“الدين الأسس”، كتاب من تأليف “مالوري ناي”، نشر سنة 2009، من “طرف الشبكة العربية للأبحاث والنشر”، ترجمته هند عبدالستار، مراجعة جبور سمعان. كتاب من الحجم المتوسط، عدد الصفحات(368).

تمهيد:

شكل الدين ولا يزال أهم ملامح الحياة البشرية في القرن الواحد والعشرين، فالتفكير في الواقع المعاصر وأهم المشاكل التي يعانيها، ومجمل التحديات التي يواجهها لن يتم دون معاودة متكرر للتفكير في هذا الأخير، غير أن بحث الدين اليوم يجب أن يكون بحثا محايثا لهمومنا وانشغالاتنا، ما يعني القطع مع كل تلك القراءات الدينية و الكلاسيكية للدين. مثل هذه القراءة الراهنة التي نحتاجها هي ما يقترح علينا “مالوري ناي”[1] في كتابه ” الدين: الأسس”. هذا الأكاديمي الإسكتلندي المهتم  بالدراسات الدينية والثقافية، ما فتئ يؤكد على ضرور تناول الدين بعيدا عن الدراسات الدينية واللاهوتية، فالدين حسبه يجب أن يُنظر إليه دائما في علاقته بالثقافة. هذا الطرح البديل الذي يقدمه “ناي” هو ما سنسعى إلى توضيحه من خلال التطرق إلى المقاربة التي اعتمدها، وكذا، تبيان أهم الإشكالات التي يعالجها في هذا الكتاب.

  1. من المقاربة إلى الإشكالية:

إن المقاربة التي يتبعها “ناي”في هذه الدراسة واضحة، ولكن علينا أن نكون على وعي بها إذا نحن أردنا استيعاب مضامين ومقاصد هذا الكتاب،” سوف أقوم بذلك عن طريق  تقديم وجهة نظر بسيطة، وهي أن ما نسميه(دينا) هو شيء يفعله الانسان، وبذلك فإن دراسة الدين تهتم في الأصل بالإنسان وثقافته”[2] إن هذا الاقتباس يوضح فيه صاحب الكتاب أن الدين هو شيء واقعي يمارس، ويؤثر في الحياة الاجتماعية، فمقاربته إذن  لن تنظر إلى الدين كمقدس وتتعامل معه كشيء متعالي له لغته الخاصة” تأتي المقاربة التي أدافع عنها في هذا الكتاب تحت عنوان (دراسة الدين والثقافة). ليس الدين شيئا مجردا ولكنه جزء لا يتجزأ من ظواهر أخرى للنشاط الثقافي للفرد”[3] هذه المقاربة التي يتبعها “ناي” من أجل دراسة الدين ستؤدي به بالتأكيد إلى النظر للدين في بعده الثقافي أي كيفية تمظهره على مستوى الواقع، وطرق ممارسته من طرف الناس. سينتج عن هذا الأمر بالضرورة النظر إلى الاختلافات الثقافية والدينية  للبشر، معنى هذا الكلام أن المقاربة ستعتمد بالدرجة الأولى على مقارنات بين الأديان وكذا الثقافات، ليست مقارنات بين الأديان المختلفة فقط، فهذا قد يبدو واضحا، ولكن أيضا ـ وهذا هوالأهم ـ النظر إلى اختلافات نفس الدين عندما يحتك بثقافات مختلفة، هذا ما يعبر عنه “ناي” في قوله ” يعتبر من الأدق أن نقول إن دراسة الدين التي بين أيدينا تعتبر دراسة للدين على مستويات ثقافية مختلفة”[4] هذا هو الرهان إذن، تسليط الضوء على الدين انطلاقا من ثقافات مختلفة.”فمثلا هناك أشكال ثقافية من المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية في بولندا….، كما أن الإسلام يختلف ما بين العربية السعودية وباكستان…”[5]، الاشتغال على الدين من الزاوية الثقافية ربما قد يشكل آلية مفيدة في التحليل، كما قد يساهم في بلورت تصورات جديدة حول الدين. يتبين من خلال ما أوردناه إلى حدود الآن، أن هدف دراسة الدين والثقافة هو استكشاف كيف أن التنوع الثقافي ينتج أيضا تنوعا دينيا، أو لنقل، أن الدين الواحد إذا تفاعل مع ثقافات مختلفة ومتنوعة يصبح هو كذلك جزءا من تلك الثقافة ويتفاعل معها، و أكيد أنه سيؤثر فيها كما أنها ستؤثر فيه.

هذا ما ستسعى دراسة “ناي” هذه التفكير فيه، تفاعل الدين والثقافة، أما ما تستبعده ولا تبتغي النظر فيه، فهي المواضيع التي تخص ” الإله”، أو الإجابة على بعض الأسئلة اللاهوتية من قبل ما إذا كان هناك إله أو لا؟ وماهية هذا الإله ذكر أم أنثى؟، إن هذه القضايا لا تدخل في صلب اهتمامات هذا الكتاب فهو يركز كما قلنا سلفا على البعد الواقعي للدين وكيفية تمظهره في الواقع ، وأنماط تفاعله مع الثقافة، إن استبعاد هذه القضايا ليس بالأمر الاعتباطي، ولكن هو أمر فرضته المقاربة التييتباها” ناي”، هذه المقاربة ذاتها التي ستؤدي به إلى معالجة إشكالات جوهريةلا تخلو من التعقيد والصعوبة. فما الذي يعنيه “ناي” بالثقافة والدين؟  أين تنتهي الثقافة وأين يبدأ الدين؟ و ما هو الفرق بين الإثنين؟ ما المقصود بالأسس؟ وما علاقتها بالدين؟، معالجة هذه الاشكالات من طرف “مالوري ناي” استدعى منه الوقوف عند مجموعة من المفاهيم المركبة، أو يمكن اعتبارها  جملة من الأسس التي بدون توضيحها والتوقف عندها ستكون دراسة الدين قاصرة وفاقدة للجدة، يقتضي الأمر إذن توضيح مفهوم الدين، وتبيان علاقته بالثقافة، كما يجب الانفتاح على أسس أخرىغالبا ما نجد الدين يتداخل معها كالسلطة والجنس، وأيضا تقاطعات الدين بالمعتقدات والطقوس، والنصوص الدينية، هذا بالإضافة إلى كيفية تمظهر الدين وحضوره في الحياة المعاصرة بعد نشوء الدولة الحديثة المؤسسة على العلمانية بالدرجة الأولى.

  1. في مفهومي الدين والثقافة.

 

  1. الدين:

إن معالجة الإشكالات التي وضعها “ناي” فرضت عليه أولا التوقف عند مفهومه المركزي الذي هو الدين، فلكي لا يتيه القارئ، حاول “ناي” أن يوضح ما الذي يقصده بالدين ؟ وهل بإمكانه تعريفه أصلا؟ يبين الكاتب في الفصل الأول المعنون ب”الدين” أن هذا المفهوم مركب ومن الصعب تعريفه، فالدين له الكثير من المدلولات، وفي هذا الصدد يورد الكاتب قولا ل”جوناثان سميث” فيه يقول بأن هناك نحو خمسين محاولة لتعريف الدين.من أهم الأسباب التي تجعل هذا المفهوم مركبا هو كون مصطلح الدين نفسه من خلق النخبة الأكاديمية  لوصف مجموعة المفاهيم الثقافية الغريبة عن الثقافة الإنجليزية، فمثلا مصطلح الدين نترجم به “الدهارما” الهندوسية، وهنا أيضا يستعين الكاتب ب”جوناثان سميث” ويورد مقتطفا له” إن مصطلح “دين” من خلق العلماء أنفسهم، فالعالم يخلق المصطلح لأجل أغراضه التحليلية عن طريق أفعال خيالية من المقارنة والتعميم، ومن ثم فإن الدين ليس له وجود مستقل بعيدا عن الدراسة الأكاديمية”[6]، صحيح إذن أن مصطلح الدين يؤدي وظيفة علمية  هدفها التعميم بالدرجة الأولى ، ولكن مصطلح الدين خرج من المجال الأكاديمي وأصبح يتداول بشكل يوم، بل إن الكثير من الهندوس الدين تحدثنا عنهم يستعملون اليوم “دين” عوض “دهارما”.

هذه الصعوبة على مستوى التعريف ستنعكس أيضا على قضية علاقة البشر بالدين، بمعنى هل الدين شيء يشترك فيه جميع البشر؟ بتعبير آخر، هل الإنسان بطبعه في حاجة إلا التعلق بحقيقية نهائية تتجاوزه؟ أم أن الدين اختيار شخصي؟ فوجود الملحدين والإنسانيين… هؤلاء الدين لا مكانة للدين في حياتهم بمعنى ما، قد يرجح فكرة اعتبار الدين ليس إلا اختيارا بشريا وليس شيئا فطريا، غير أن هناك وجهة نظر أخرى تقول بأن الأيديولوجيات الحديثة  مثل الماركسية والشيوعية…وحتى بعض الرياضات ككرة القدم، نشأت من أجل ملء الفراغ الذي تركته الأديان الكلاسيكية.

مختلف التعقيدات التي ذكرها “ناي” ليس الغرض منها إبراز مدى تعقد مفهوم الدين فقط، ولكن أيضا تبيان أنه لا جدوى من اقتراح مفهوم جديد للدين، فهذا الأمر في نظره لن يظيف شيئا جديدا.

خلاصة ما يقترحه “ناي” في هذا الفصل كتعامل مع مفهوم  الدين، هو أن في الكثير من السياقات الثقافية توجد مساحة لنشاط ثقافي يطلق عليه اسم “الدين”، إنه نشاط يستخدم بطرق شتى في الحياة اليومية، بالتالي فالدين ليس ذو روح أو جوهر، الدين حسب هذا المنظور هو في الأخير نشاط ثقافي، هذا التقاطع بين الدين والثقافة يجعلنا نتساءل عن معنى الثقافة عند “ناي”، هذا ما سيخصص له الفصل الثاني من كتابه.

 

 

 

  1. الثقافة:

يتناول “مالوري ناي ” في الفصل الثاني من دراسته، “الثقافة” باعتبارها مفهوما مركزيا يقوم عليه بحثه. فتفكيره في الثقافة كمفهوم هو بحد ذاته دراسة للدين، كما أن الثقافة على غرار الدين لا تخلو من التعقيد والصعوبة، فتعد من بين ثلاثة مصطلحات الأكثر تعقيدا في الإنجليزية كما يصرح بذلك ” رايموند وليامز”[7]، هذا الناقد الثقافي البريطاني هو الذي سيعتمد عليه “ناي” بالدرجة الأولى في هذا الفصل من أجل تفكيك مفهوم الثقافة، والوقوف على أهم تقاطعاته مع الدين. ف”وليامز” “يحدد ثلاثة مستويات للثقافة، الثقافة المثالية، والثقافة بالمعنى الموضوعي، ثم الثقافة بالمعنى الاجتماعي”. أما الثقافة بالمعنى المثالي فيقصد بها “وليامز” حسب “ناي” كل الإنتاجات الفكرية والفنية الراقية، التي تقترب من الكمال، يعطينا مثالا بأعمال “شكسبير” و “موزارت”، يقول “ناي” في هذا الصدد” الثقافة باعتبارها مثالية، بمعنى أنها شيء راق. ومعنى ذلك أنه لا يعتبر كل كتاب أو مقطوعة موسيقية عملا ثقافيا”[8]، إن ما يطلق عليه ثقافة حسب هذا التصورهي الأعمال المتميزة فقط. هذا المستوى من الثقافة يتقاطع مع تناول بعض العلماء للدين باعتباره شيئا مثاليا يضم فقط الكتب المقدسة، والأفكار والشخصيات البارزة…فبعض الأناجيل مثلا لا تبرز فقط الرقي الديني و إنما الثقافي كذلك.

أما المستوى  الثاني من الثقافة الذي حدده ” وليامز”، ونعني هنا الثقافة بالمعنى الموضوعي، فيمكن النظر إليها كتوسيع لمفهوم الثقافة بمعناها المثالي، حيث يضم هذا المستوى كل أشكال الإبداع الفكري والفني الأقل عظمة وتميزا، إن هذا المستوى الثاني حسب “ناي” يحتوي حتى الأفلام والتلفزيون والإشهار والجرائد والرياضة…كل هذه العناصر تدخل ضمن الثقافة بالمعنى الموضوعي، فلا يقتصر الأمر هنا على أعمال “موزارت” فقط وإنما يشمل كذلك أعمال ” مادونا” مثلا ومغنيين آخرين، كما أن الأمر في هذا المستوى لا يقتصرعلى أعمال “شكسبير”  فقط وإنما يشمل مؤلفات كتاب أقل منه جودة أيضا” يجب ألا تقتصر دراستنا الثقافية على الأعمال العظيمة  في الفن والأدب والموسيقى فحسب، بل يمكن لنا أيضا أن نعمل على دراسة الأعمال الأقل عظمة وشيوعا” الكلام هنا ل”ناي”، الذي يهم  في هذا المستوى الثاني من الثقافة هو كيفية ارتباطها هي الأخرى بالدين، فالثقافة المثالية  مثلا لا تخبرنا كل شيء حول طرق ممارسة المسيحيين  لدينهم، ولكن إذا تم الاهتمام  بهذه الأعمال الأقل عظمة سنجد أن مجموعة من الأغاني والكتب تتناول في محتوياتها مواضيع دينية، أو على الأقل تحضر بعض الرموز الدينية، كالصليب مثلا. هنا “ناي”يعود مرة أخرى لنموذج “مادونا” و أغنيتها “الصلاة”، فهذه المغنية هنا تستعمل  الرموز المسيحية  وأفكارها التي تربت عليها هي ومعظم جمهورها، ويظهر ذلك كما يؤكد “ناي” حتى من اختيار اسمها  الذي يدل على شخصية مسيحية مهمة. يستخلص صاحب الكتاب هنا  أن” الثقافة جزء لا يتجزأ من الدين المعاصر والعكس صحيح”، هذا النوع من التناول الثقافي أدى ب”ناي” إلى الحديث عن الثقافة الشعبية التي تلقى رواجا بين الكثير من الفئات الاجتماعية، بغض النظر عن جودتها، فالثقافة الشعبية تتقاطع مع الدين بشكل كبير، فالكنيسة الكاثوليكية تستغل الموسيقى والتلفزيون في نشر تعاليمها، يعطينا هنا مرة أخرى “ناي” مجموعة من الأمثلة، حيث يورد المسلسل الأمريكي “لمسة ملاك” كتاب “النبوءة السماوية” الذي حقق مبيعات كبيرة في الغرب، هذه الأعمال وغيرها كثير لا يخلو مضمونها من محتوى ديني، نقصد هنا بالتأكيد المسيحية.

إثارة “ناي” لموضوع الثقافة الشعبية وعلاقتها بالدين حتم عليه التطرقلموضوع السلطة، ولتوضيح هذه العلاقة عاد مرة أخرى إلى “موزارت”، فهذا الموسيقي له جمهوره الخاص لما لأعماله من قيمة في تاريخ الفن، فالذين ينصتون لموسيقاه هم الأكثر غنى و في أعلى السلم الاجتماعي، إذن هنا الاختيار الثقافي والفني يعكس المستوى الاجتماعي الذي ينتمي إليه الفرد، وهذا طبعا ما أشار إليه”بورديو” في الكثير من أعماله، إذا ربطنا هذا الكلام بالثقافة الدينية الشعبية فأحيانا هذه الأخيرة تدخل في صراع مع الثقافة الدينية الأكثر رسمية  والأكثر رقيا، استحضار موضوع السلطة يذهب ب”ناي” إلى العودة إلى المستوى الثالث من الثقافة الذي حدده “وليامز” ونعني هنا المستوى الاجتماعي، وفي هذا الصدد اعتمد صاحب الكتاب على “دوركايم” كأهم دارسي المجتمع وعلاقته بالدين، فقد حدد هذا السوسيولوجي الفرنسي وظيفتين أساسيتين للدين، وظيفة تجميع الناس وخلق نوع من التضامن بينهم، أما الوظيفة الثانية فتتمثل في إعطاء الناس وسيلة لإدراك العالم ورؤيته، بالرغم من كلاسيكية هذه الدراسة الدوركايمية إلا أنها لا زالت تحتفظ على نوع من الراهنية على مستوى التحليل، غير أن هناك نقطة ضعف تتخلل هذا التصور حول الدين والمجتمع، وتكمن حسب “ناي” في كون الاختلافات الدينية قد تساهم في التفكك المجتمعي . فالثقافة والدين ليسوا كلا متجانسا خالصا في بنيتهما الداخلية، فكل ثقافة في الحقيقة هي مزيج من الثقافات الفرعية التي ليست بالضرورة متجانسة ، فالثقافة بهذا المعنى هي كل هجين، فليست شيئا نقيا وأصيلا، الثقافات كلها مهجنة، إن الدين أيضا لا يسلم من هذا التهجين هو الآخر،فقد يفترض البعض أن الأديان أكثر انفلاتا و أبعد عن التهجين، لكن “ناي” في دراسته هاتهلا يسلم بهذا الأمر بل يدافع عن كون الأديان كذلك مهجنة شأنها في ذلك شأن الثقافة مادام الدين هو في الأخير نشاط ثقافي.ما يمكن ملاحظته في هذا الفصل هو أن “ناي” لم يكن همه هو تعريف الثقافة بقدر ما سعى إلى البحث عن الترابطات التي توجد بين بعض المستويات الثقافية والدين، هذا من جهة، من جهة أخرى توضيح أن الدين يتخلل الكثير من الأنشطة الشعبية واليومية التي قد لا نوليها اهتماما كبيرا. إن الدين بما أنه جزء من الحياة الاجتماعية والثقافية،فأكيد أنه سيتقاطع مع السياسة والسلطة كممارسة إنسانية . هذا بالضبط ما يناقشه “ناي”في الفصل  الثالث من هذا الكتاب.

  • تقاطعات الدين مع السلطة والجنس:
  1. السلطة:

في هذا الفصل يتطرق “مالوري ناي ” لعلاقة الدين بالسلطة، هذه العلاقة التي فيها يتقاطع الدين مع السلطة والسياسة ويتحول فيها إلى نوع من الإيديولوجيا حسب تعبير ماركس، إذ يستغل الدين من طرف فئة معينة للحفاظ على الوضع القائم اللامتكافيء، فالسلطة والدين وثيقا الصلة، كما أنهما يصلحان وسيلتين للحديث عن الثقافة. إن الحديث عن الدين والسلطة لن يستقيم دون التطرق إلى “ماركس”، فصاحب “الإيديولوجيا الألمانية” يفرض نفسه على أي باحث يتناول هذا الموضوع، “ناي” بدوره يعطي حيزا مهما ل”ماركس” في هذا الفصل، فالدين يعتبر عند “ماركس” شكلا من أشكال الإيديولوجيا عندما يغطي عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ويلبسها لباسا شرعيا، فالدين بهذا المعنى يستغل من طرف الطبقة المسيطرة من أجل تصوير الوضع القائم بأنه طبيعي، إنه إذن يصبح وسيلة للتبرير، وفي هذا السياق يورد “ناي” قولة “ماركس المشهورة “الدين آهة المقموع، وقلب عالم لا قلب له..إنه الدين الذي يخدر البشر”، الدين يراد له تغطية أصل المشكلات الحقيقية. ماينبغي التأكيد عليه أيضا هو أن الدين ليس إيديولوجيا في ذاته، ولكن يوظف بشكل إيديولوجي. “ماركس” طبعا ينطلق من نموذج الديانة اليهودية والمسيحية في أوربا القرن التاسع عشر وكيف تم استخدامها بشكل ايديولوجي من طرف الطبقة المهيمنة.

إن هذا الطرح الماركسي حول الدين، سيتبناه الكثير من المفكرين بعده، وإن بتأويلات مختلفة  وتعليقات إضافية، يتطرق “ناي” لاسمين بارزين في القرن العشرين تأثرا بكتابات ماركس هما: غرامشي و ألتوسير. يقول “مالوري ناي” أن غرامشي طور التحليل الماركسي وأضاف مفهوما مركزيا خاصا به هو الهيمنة، فالمحكومون حسب “غرامشي” يتقبلون ثقافة الصفوة السائدة، بل أكثر من ذلك فهم يعتبرونها ثقافتهم الخاصة، وهذا الأمر يتم مثلا عن طريق التعليم، حيث يتم تعليم الثقافة السائدة في المدارس، فالمهيمن عليه يشارك في ثقافة الصفوة، لكن في الحقيقة يأخذ فقط قشورها، وهكذا تتحول إلى ثقافة مهيمنة في المجتمع، داخل هذا الإطار كذلك يمكن فهم الدين، فالمسيحية مثلا تعتبر جزءا من ثقافة القوة، وتعتنق من طرف عدة أفراد من أجل أن ينتسبوا إلى القوة بطرق متعددة، كما أن داخل المجتمع الواحد نجد هناك ثقافة دينية معينية لها الحظوة والسيطرة رغم وجود التعدد الديني، ينطبق هذا الوضع على البروتستانتية في الولايات المتحد الامريكية. هذا فيما يخص “غرامشي” الذي قدم هذه المقاربة خلال ثلاثينيات القرن الماضي، أما في فترة الستينات من نفس القرن، فسيبرز ألتوسير مقدما قراءة أخرى لأفكار “ماركس”، ركز ألتوسير  فيما يخص علاقة الايديولوجيا بالدين على كيفية فرض النظام الحاكم، وعلى طريقة اشتغال الايديولوجيا على مستوى الفرد. فالإيديولوجيا حسب ألتوسير وهم مضلل، ولكن الناس يسعدون بهذا الوهم، فالإيديولوجيا تساهم في استعبادهم وقمعهم، غير أنهم لا يدركون ذلك، وهنا مكمن خطورتها. من أجل توضيح هذا الزعم انطلق “ألتوسير” من أجهزة الدولة، جهاز القمع الشرعي ويتمثل في الجيش والشرطة والسجون والمحاكم…وتفرض هذه الأجهزة القوة والعنف بشكل مادي، وهناك جهاز الدولة الإيديولوجي ـالأكثر خطورةـ ويتمثل في المدارس والتلفزة والصحف  والمؤسسات الدينية، وهذه الأخير هي التي تهمنا نحن في هذا المجال. إن الكنائس مثلا تؤدي دورا إيديولوجيا كبيرا من أجل تبرير السيطرة والقمع. إن الجديد الذي يقدمه ألتوسير على هذا المستوى هو  أن الإنسان يكون تابعا بشكل اختياري، أفعاله تبدو له إرادية، ولكن في الواقع لا إرادية. نخلص مع ألتوسير إلى أن الإنسان من الصعب أن يتحرر من الإيديولوجيا فهو منغمس فيها في كل الأحوال،فهو كائن إيديولوجي في الأخير.

إننمط الإنتاج الرأسمالي الذي أفرز التفاوت الطبقي هو حجر الزاوية في كل هذه القراءات الماركسية لعلاقة الدين بالسلطة، هذا النمط بالذات هو الذي يحاول “ناي” تفسير كيفية نشوئه من خلال التطرق لوجهة نظر “ماكس فيبر”، فهذا السوسيولوجي الألماني يعتبر أن أحد أهم أسباب ظهور الرأسمالية راجع إلى سيادة أشكال معينية من المسيحية البروتستانية في ما بعد الإصلاح، وبالخصوص الكلفانية التي تشجع مبدأ الزهد، والعمل الدؤوب ومطالبة خلاص المرء من خلال الامتيازات المادية، إن هذه الإيديولوجيا الدينية الكلفانية ساهمت في بروز نظام اقتصادي جديد. ما يمكن أن نستفيده من طرح “فيبر” حسب “ناي” هو عدم إمكانية رسم حدود فاصلة بين الدين والاقتصاد والسياسة والثقافة، فليس هناك مجال أو ميدان خالص.

الدين يتحول إلى إيديولوجية  وتستفيد منه فئة معينة ضد أخرى، هذا واضح مما تقدم مع الطرح الماركسي، غير أن السلطة لا يمكن حصرها في الشكل العمودي فقط، أي بين طبقة مسيطر وأخرى مسيطر عليها، يعتمد “ناي” على “مشيل فوكو” لإبراز هذا الأمر. معروف لدى “فوكو” اعتباره السلطة قوة منتشرة تعمل في السياقات الاجتماعية جميعها، وعلى مستويات المجتمع كافة، لا ينظر “فوكو” للسلطة بوصفها مجموعة من المؤسسات أوسيادة جماعة على أخرى، ولكن يفهم السلطة كونها تعددية علاقات القوة المتأصلة في المجال الذي تعمل فيه، إنها محايثة للعلاقات والصراعات التي تنشأ بين الناس، هذا النمط من  السلطة والسيطرة على الأفراد هو الذي يسود في المجتمعات الحديثة ، ويعمل على عدة مستويات، تتمثل هذه السلطة مثلا في استخدام الدولة للشرطة ، والكاميرات في الأماكن العامة، كما أن أن هناك تطورا هائلا لمجموعة من المهن  والعلوم التي تعزز هذه السلطة والسيطرة، كعلم النفس والطب النفسي، كل هذه الأصناف مبنية على المراقبة، يمكن كذلك إذا ربطنا هذا النمط من السلطة والمراقبة بالدين أن يعطينا نتائج مهمة، فممارسة الاعتراف على الطريقة الكاثوليكية هو أيضا نوع من المراقبة، فاعتراف التائبين بخطاياهم للقس يعرض التائب لنظرة الكنيسة. بالإضافة إلى الرقابة ركز “فوكو” على مفهوم الخطاب الذي يشكل العالم من حولنا، فالخطاب حسب هذا التصور لا يستمد السلطة من ذاته و إنما ممن يستعمله، فالخطاب السائد داخل المجتمع هو الذي يشكل حقيقته، فمعظم الناس مثلا “في المجتمع الأوربي خلال القرون الوسطى يتكلمون(يشاركون في الخطاب) عن الشمس بوصفها تحيط العالم بشكل دائري، لم يكن ذلك مجرد أسلوب كلام فحسب، بل كان ما يرى القساوسة  والملوك والفلاحون أنه يمثل الحقيقة”، وتتضح قوة الخطاب بشكل واضح في العقوبات التي تنزل بهؤلاء الدين يتحدون الخطاب. مع “فوكو”يخرج “ناي” بنتيجة أكثر تعقيدا مما توصل إليه مع “ماركس” .السلطة والدين إذن متشابكان يشغل كل واحد منهما حيزا واسعا من مجال الأخر. إن عملية الاستغلال التي تحدثنا عنها بين الفئات الاجتماعية، قد تنعكس كذلك على علاقة الرجل بالمرأة داخل المجتمع، وقد  يؤدي فيها الدين دورا كبيرا، هذا ما سيعالجه “ناي” في الفصل الموالي.

  1. الجندر:

في هذا الفصل يتطرق “ناي” لقضية جوهرية تخص الدين والثقافة، نقصد هنا الجنس و مسألة المساواة بين الرجل والمرأة. صحيح أن هناك نقاشات كبيرة أثيرت حول نظرية المساواة بين الجنسين إلا أن ربط هذا النقاش بالدين والثقافة لايزال حديثا نسبيا، يبدو السؤال المهم طرحه هنا حسب”ناي” هو كيف يتعايش الرجال والنساء مع الأديان، وكيف يشاركون فيها؟ كيف تساهم الأديان في اختلافات القوة بين النساء والرجال أو كيف تعترض عليها؟ أما السؤال الأكثر تكرارا في هذا الميدان فهو: هل الدين الذي يسيطر عليه الرجال يعتبر جيدا بالنسبة للمرأة أم لا؟[9] قصد الإجابة عن هذا السؤال تطل علينا فكرة بديهية يعتمدها “ناي” وتدافع عنها” ماري دالي” تعتبر أن معظم الأديان تقمع النساء وتضر بمصالهن سواء الإسلام أو المسيحية أو الهندوسية…إن الأديان حسب هذه الكاتبة تكرس عدم المساواة بين الجنسين. هذا الرأي يعرضه “ناي” في مطلع دراسته للجنس في هذا الفصل، ولكن لا يعتمد عليه كلية أو بشكل أعمى، بل سيعتمد اتجاهه نظرة نقدية واعية، في نفس هذا الاتجاه الذي تحدثت فيه “ماري دالي” سيورد “ناي” وجهة نظر ” إلزابيتفيورينزا” التي تدعو هي الأخرى إلى ضرورة التشكيك في كل ما يقدم باعتباره تمثيلي وشامل، فغالبا ما يكون من وجهة نظر ذكورية. قبل المضي في مواصلة تحليل أهم التعقيدات التي تطرحها علاقة الدين بالجندر كان لزاما على “ناي” توضيح الفرق بين الجنس والجندر، فالجنس يعد أمر بيولوجي يعنى بالاختلافات التشريحية الواضحة، أما فيما يخص الجندرـ وهو المهم في هذا الإطارـ فيتم تناوله من الناحية الثقافية وبالتالي فهو ليس أمرا طبيعيا عالميا، بل إنه نتاج ظروف ثقافية محددة، لذلك فما نعتبره عادة سلوكا أنثويا أو ذكوريا تحدده الثقافة، هنا مرة أخرى نعود للثقافة والدين، فهاذين المكونين هما ما يجعلان الرجال رجالا، والنساء نساء.

يعرض “ناي” في هذا الفصل مجموعة من التبريرات التي يعتمدها الرجال لتكريس سيطرتهم، ويركز بالأساس على تلك المسوغات الدينية، فالإله الذكر في المسيحية مثلا و أديان أخرى يعتبر أداة لقمع النساء، فالمؤسسات التي يبنيها هؤلاء الرجال على الأرض مثل الكنائس تعد  أدوات أساسية للتحكم بالنساء، هنا يصبح الإله الذكر إيديولوجيا تبرر وتشرعن إخضاع النساء على المستوى الاقتصادي والسياسي، إن المرأة هنا تعاني حتى عند عبادة الرب الذكر الذي فرضه الرجال عليهن، بالتالي فالمرأة عندما تشارك في العبادة تشارك صامتة ومقموعة، هذا أيضا يعني أنها تشارك في استغلالها وقمعها لنفسها. من أجل أن تتحرر المرأة من هذا الوضع، يستحضر “ناي” مرة أخرى رأي  “دالي” التي تقول بضرورة “إخصاء الذكور من مفهومنا للرب”[10] نفس الأمر تدافع عنه الفيلسوفة الفرنسية “إريغاري” التي تؤكد على أهمية تحويل الدين وليس رفضه. إن “دالي” و”إريغاري” حسب “ناي” يقترحن النظر للإله كأنثى واستبدال النموذج الإلهي الذكوري من أجل انخفاض القمع السياسي ضد النساء.

يركز “ناي” في مستوى آخر من هذا الفصل على أن قضية الدين والجندر لا يمكن التوصل فيه لنتائج معممة، فمن الغير الصائب مثلا أن نقول أن الدين شيء سيء للنساء، أو القول إن النساء المسلمات والهندوسيات… مقهورات، إن ما يهم هو فهم الدور الذي يؤديه الدين في سياقات محدد لإخضاع النساء. يتطرق “ناي” هنا لنموذج النساء المسلمات، فينطلق من فرضية شائعة تعتبر الدين الاسلامي يقمع المرأة من خلال فرض الحجاب ومنعها من الاختلاط، ويعطي أمثلة بأفغانستان ومجموعة من البلدان المسلمة الأخرى التي توضح التطبيق الصارم للتعاليم الاسلامية، يركز “ناي” على الحجاب بالدرجة الأولى غير أنه يتناول الأمر من وجهة نظر غير مألوفة، إنه يفترض أن هذه الملابس التي ترتديها المرأة المسلمة وتسمى حجابا قد توفر لها مساحة من الحرية، وقد تجعل المرأة تتحرك بحرية خارج قبضة الرجل. إن الحجاب كما يعتقد “ناي” مستحضرا حالة مصر التي تلخصا الباحثة “هالة شكر الله” قد ساهم في ولوج النساء للمجال العام، كالشغل، والمدرسة…وبالتالي فهذا التغير الاجتماعي قد أسهم في زيادة ارتداء الحجاب، وربما ساهم أيضا في تقليص هيمنة الرجال على المجال العام. قد يبدو هذا التحليل الذي قامت به “هالة نصرالله” مفيدا بالنسبة للمجتمع المصري، ولكن كما يقول “ناي” ليس مقنعا إذا أردنا فهم سبب وضع النساء المسلمات للحجاب داخل المجتمعات الغربية، وهنا مرة أخرى قد نفسر هذا الأمر باعتباره نوعا من المقاومة للثقافة السائدة(المهيمنة)، هنا يعود بنا “ناي” لطرح “فوكو”حول السلطة، فالمرأة المسلمة تريد أن تنفلت من تلك الرقابة التي يفرضها المجتمع الحديث وتصبح المرأة المحجبة هنا هي المراقبة الوحيدة. كل هذه التفسيرات التي تقدم بها “صاحب الدراسة” تعطينا رؤية غير تقليدية حول ارتداء الحجاب، بل ما يهمنا أنها رؤية لا تصدر أحكاما. ينتهي  في هذا الفصل إلى أن الجندر يشكل عنصرا مهما جدا للتحليل أثناء دراسة الدين والثقافة.

  1. علاقة الدين بالعقيدةوالطقوس.
  2. العقيدة:

عندما نتحدثعن الدين، فلن يستقيم الكلام دون  ربطه بالعقيدة، هذا ما سيخصص له” مالوري ناي” الفصل الخامس من دراسته، فالمسيحية مثلا يتلخص معتقدها في الايمان بالثالوث الأقدس المسيحي، أي الأب والابن والروح القدس، هذا مثال فقط يبين من خلاله “ناي” أن العقيدة تعد شيئا ضروريا بالنسب لأي دين، فالمسلمين أيضا يؤمنون بالله الواحد كما أن الهندوس يؤمنون بفيشنو وشيفا كمعبودين، في هذا الإطار لفهم ماهية العقيدة، يستعين “ناي” بالتعريف الذي قدمه “إدواردو تايلور” للدين في القرن التاسع عشر الذي فيه يقول أن الدين هو ” الإيمان بالكينونات الروحية”.

العقيدة كما يرى “ناي” تطرح عدة مشكلات تتمثل في صعوبة تطبيق لفظ عقيدة على جميع الأديان الأخرى، المشكل ليس متعلق بالترجمة فقط، ولكن إذا اعتبرنا أن الدين مسألة عقيدة فإننا نطبق النموذج المسيحي ونجعله قاعدة معممة، فبعض السياقات الغير مسيحية  قد تنظر للدين كطقوس أكثر من اعتباره عقيدة، إن الصعوبة التي تطرحها العقيد لا تتمثل في قضية التعميم فقط، ولكن قد نجد داخل السياق المسيحي نفسه وجهات نظر مختلفة حو مسألة العقيدة، فالكاثوليكية مثلا تدافع عن نظرة تقليدية للدين تعتبره مايفعل الناس، ولكن من ناحية أخرى البروتستانتية تركز على ما يعتقده الناس وما يفكرون فيه، إن هذا الانقسام حول الفهم الصحيح للمسيحية  قد نشأت عنه مؤسسات كنسية مختلفة، بل أكثر من ذلك خلف حروبا بين المجتمعات. ينتقل “ناي” إلى النظر في العقيدة كحقيقة إلهية متعالية،  هذه الحقيقة الغيبية التي يؤمن بها الكثير من الناس، يمكن فهمها انطلاقا من حاجة بشرية، فالإله في الأخير هو فقط ما يتمناه البشر، في أحيان كثيرة  يختزلون الأمر ويخلقون آلهة من أجل أغراضهم البشرية، هذه وجهة نظر اختزالية بالتأكيد لا يكتفي بها “ناي” إذ يورد نقيضها تماما معتمدا على “مرسيا إيلياد” و”هيك” لقد أقر هذان الكاتبان بأن الدين  على المستوى العالمي يعتمد على الإيمان بكيان حقيقي يتجاوز عالم البشر أو ما سماه “إيلياد”ب”الكيان المقدس”، إن هذا الكيان خارج عن الزمان والمكان الخاصين بالإنسان ويتعالى عنهما. إن هاتين الرؤيتين سواء تلك التي تعتبر الدين هو ما يصنعه  البشر وبحاجة إليه أو تلك التي ترى بأن الدين بصفة عامة مرتبط بكيان مقدس تعتبران الدين مؤسس على العقيدة.

يناقش “ناي” في آخر هذا الفصل إشكالية الفكر والفعل فيما يخص المعتقد، هل يمكن فهمهما بشكل منفصل أو في علاقة بينهما؟ يعتمد “ناي” على وجهة نظر ” كاثرين بيل” التي ترفض الفصل بين المعتقد كفكرة والفعل كطقس، إن هذا الفصل حسب “بيل ”  لا يساعد على الفهم الصحيح للاثنين لذلك تقول “بيل” أن ما تقدم به السوسيولوجي الفرنسي  “بورديو” في هذا الإطار يعتبر مفيدا جدا، معروف أن “بورديو”ركز على ما سماه ” الهابتوس” كمفهوم مركزي نحته من أجل الخروج من إحراج الممارسة والفكر، “فبدلا من النظر إلى الفكر والفعل باعتبارهما منفصلين  يجدر بنا أن نرى الفعل شكلا من أشكال تجسيد وممارسة  الفكر، وبالمثل يمكن أن يفهم الفكر من خلال الفعل والممارسة”[11]. إن المعتقدات الدينية إذن يجب فهمها في سياق الفكر والممارسة التي  توجد فيه. فمثلا كما يقول “ناي” قد لا نتعلم الكثير من خلال ما يقال لنا حول أن المسيحين يؤمنون بالرب الثالوثي، لكن هذه الجملة ستعقل أفضل إذا ارتبطت بسياق محدد كمجموعة من المسيحيين في نيوجيرسي مثلا. قد يفيد هكذا طرح بدل معاملة المعتقد بوصفه مفهوما مجردا فقط. إن الحديث عن المعتقد كما رأينا في هذا الفصل يستدعي التطرق إلى الفعل كممارسة للمعتقد. لذلك لابد من استحضار الطقوس كأفعال تمارس، لكي تتشكل لدينا الصورة الكاملة حول الدين. للطقوس إذن سيتطرق “مالوري ناي” في الفصل السادس من دراسته.

  1. الطقوس:

في الفصل السابق أشرنا إلى أن “ناي” خلص إلى أن المعتقدات من غير المفيد فهمها بعيدا عن الطقوس، فالتدين ليس مجرد حمل لبعض الأفكار في الرأس فحسب، بل مرتبط بتنفيد بعض الأفعال الطقسية”، غير أن هذا لا يعني أن جميع الطقوس التي تؤدى مرتبطة بالدين، إن قضية الطقوس تبدو مفيدة جدا حسب” ناي” لدراسة الدين فقد تحل مجموعة من المشاكل التي تمت مواجهتها عندما تطرقنا للدين في الفصل الأول.

يعتبر مصطلح الطقوس مضلل نوعا ما، وهنا يعود “ناي” إلى “كاثرين بيل” مرة أخرى التي توضح أن مصطلح طقوس يستخدم لوصف مجموعة من الأفعال شديدة التنوع التي تمارس من طرف الناس في هذا العالم، فالطقوس ليست شيئا في ذاتها، فهي لا تقوم بشيء، بل الناس هم الذين يؤدون الطقوس، لهذا السبب تقترح “بيل” أن نستخدم عبارة “جعل الشيء طقسي” عند الحديث عن السلوك الطقسي، قد لا يهم هذا التفصيل كثيرا بقدر ما يهم المعنى الذي يعطيه “ناي”  للطقوس أو الطقوس كأفعال تمارس. بعد أن عرض “ناي”وجهة نظر مجموعة من الكتاب مثل( رونالد غرايمز، فيلشيا هيوز…) حول الطقوس، وصل إلى نقطة مشتركة بينهم تقول بأن الطقوس تعتبر مسألة فعل شيء ما، وأداء حركات وأنماط معينة من السلوكيات بصورة معينة، ولكن رغم ذلك “ناي” يظل وفيا لمقاربته التي سطرها منذ البداية ويرفض إعطاء تعريف محدد للطقوس شأنها شأن الدين. عوض تقديم تعريف للطقس يفضل “ناي” التركيز على ثماني طرق مختلفة عند النظر في الطقس، هذه الطرق هي كما يلي: (أ)المعنى،(ب)الرمزية،(ج) التوصيل،(د) الأداء، (هـ)المجتمع،( و) التكرار، (ز)التحول، (ح) القوة. إن كل هذه العناصر مهمة من أجل فهم كيف يعمل الطقس. يوضح “ناي” علاقة الطقس بكل هذه العناصر مع الحرص على تقديم بعض الأمثلة.

يبدأ صاحب الكتاب بتحليل علاقة الطقس بالمعنى، فالطقوس تؤدى لغرض أكبر من غرضها النفعي، بمعنى أنها أفعال لها دلالات، فالطقس إذن فعل ذو معنى، هنا ينفتح “ناي” على الثقافة الهندوسية وخصوصا طقس الزواج، فمثلا عندما يقوم الزوجان بالمشي معا حول النار، فليس السبب وراء ذلك مجرد إبقائهم في حالة من الدفء، بل يفسر الكثير من الهندوس أيضا هذا الفعل على أنه يشير إلى الطريق الذي سوف يسير فيه الاثنان عبر حياتهما بوصفهما عروسين جديدين. الطقس إذن فعل لا يخلو من المعنى، لذلك يجب علينا أثناء دراستنا للطقوس ـ خصوصا الغريبة عن ثقافتناـ أن نبحث عن المعاني التي يعطيها أصحابها، بعد توضيحه لهذه العلاقة التي تجمع بين الطقوس والمعاني، ينتقل “ناي” إلى علاقة الطقوس بالرمزية، فالرموز هي التي تشتغل بها الطقوس سواء كانت مادية أو غير مادية، قد تكون كذلك أشياء مرئية مثل الصليب المسيحي أو نجمة داوود، ولكن الرمز قد يكون كذلك عبارة عن صوت مثل كلمة أو مقطوعة موسيقية. إن الرموز التي تعتمد عليها الطقوس هدفها توصيل  رسائل معينة إنها تبلغ معاني أثناء ممارستها، هذا بالضبط ما ينظر فيه “ناي” في علاقة الطقوس بالاتصال، فالطقوس تهتم بتبليغ  رسائل بطرق بارعة وشيقة، والطقوس بهذا المعني يمكن اعتبارها نوعا من اللغة، رغم أنها تختلف عن اللغة الشفهية، ولكن الذي يهمنا أنها لغة توصل رسائل. الطقس كذلك يتميز بخاصية مهمة كما يؤكد “ناي” وهو أنه يؤدى، عامل الأداء مركزي أيضا في الطقوس فهي تستلزم حركة، فلا تنفد بمجرد التفكير فيها فقط، بل يجب على أحد أن يفعل شيئا، يعني على الناس أن ينخرطوا فيها على المستوى الشخصي سواء بوعي منهم أو بدون تفكير، فمثلا في كثير من الجنازات غالبا ما يكون من الصعب معرفة ما يجب أن يقال، ولكن الجميع يعرف السلوك المتوقع( الهدوء، التعاطف، الحزن)[12]. إن الطقس يؤدى، ولكن ليس بشكل فردي بمعنى أن الطقوس بشكل عام لها علاقة بالمجتمع ، فهي تؤدى مع مجموعة من البشر، فالطقوس كما سبق أن رأينا مع  “دوركايم” تؤدي وظيفة اجتماعية وتساهم في تماسك المجتمع، وخلق العلاقات، هنا يمكن استحضار مثال الذهاب للمسجد كل يوم جمعة، فهذا قد يخلق شعورا بالترابط  من خلال مقابلة الآخرين في المكان نفسه..نصل الآن مع “ناي” إلى إحدى أهم مميزات الطقس على الإطلاق وهي التكرار، “بمعنى أنه إذا كان أي فعل يتكرر المرة تلو الأخرى  فإن ذلك يجعلنا نصنفه طقسا”[13]، فيمكننا مثلا التحدث عن طقس الذهاب إلى المحاضرة، أو الذهاب إلى المسجد…إن الطقوس تتكرر ومعها الرموز، ويعاد تفسيرها باستمرار أيضا، فعندما يتكرر الطقس تزداد فرص توصيل رسائله التي سبق الحديث عنها. هناك خاصية أخرى تميز الطقس كما يقول “ناي” وهي التحول، إن إحداث طقس معين يعني إحداث تحول ما، فطقوس الخثان مثلا تنطوي على عنصر تحولي واضح: فعندما يختتن أحد الصبية، فإنه يتعرض لكثير من الألم، وهو علامة واضحة على حدوث تغيير في قضيبه لا عودة عنه[14]، طقوس الزواجأيضا تحولية بامتياز، فنظرة الزوجين إلى ذاتهما تتغير بعد الزواج كما نظرة الناس لهما.للتعمق أكثر في قضية التحول والطقس هذه يعتمد “ناي” على الأنثروبولوجي البلجيكي “أرنولدو فان جينيت” الذي يعتبر أن طقوس التحول تتميز بثلاثة مراحل مهمة هي: (الانفصال، عتبة الشعور، والادماج)، هذه المراحل الثلاثة قد نلاحظها مثلا في حفلات توديع العزوبية في الغرب، إنها تشكل انفصالا عن الجماعة الأصلية(العزاب)، والاستعداد للاندماج في الحياة الزوجية. إن كل هذه الخصائص التي تحدث عنها “ناي” رغم أهميتها، إلا أنه يعتبرها تناولا كلاسيكيا للطقس. إن القضايا الحديثة في موضوع الطقوس هو علاقتها بالسلطة، إن تقلد الملك مثلا للسلطة، أو جنازة أحد الملوك لا يعتبر طقسا عاديا فليس الغرض هنا إحداث التحول الضروري فقط، ولكن الأهم هو إبراز القوة والسلطة وإضفاء الشرعية على السلطة. الطقوس إذن لها أهمية بالغة فهي تؤدى من أجل تبليغ رسائل عبر الأداء التكراري قصد تبليغ رسائل، وتحويل الأفراد الذين يشاركون في أدائها بشكل جماعي، لكن الطقس كذلك يدخل في قضية تشكيل السلطة والتبعية بين البشر.

  1. الدين وعلاقته بالنصوص،وكيفيةحضوره في عالمنا المعاصر.
  2. النصوص:

يتناول”مالوري ناي” في الفصل السابع من كتابه النصوص، باعتبارها عنصرا مهما في تشكيل الأديان، كما تعد أيضا وسيلة مفيدة لتحليل الدين والثقافة لا تقل أهمية عن المعتقدات والطقوس، إن من الباحثين من يرى بأن فهم الأديان يستدعي العودة إلى نصوصها المؤسسة والابتعاد عن كل الأشكال الأخرى من تمظهرات الدين على مستوى الواقع، قد يذكرنا هذا الطرح بتناول” وليامز” لمفهوم الثقافة بالمعنى المثالي في الفصل الثاني من هذه الدراسة. إن هذا الرأي لا يرضي “ناي” فدراسة الدين والثقافة والنصوص ليست فقط دراسة النصوص “العظيمة” فقط، بل هناك العديد من النصوص التي يمكن الاعتماد عليها، بمعنى أخر ف”ناي” سيأخذ الثقافة بمعناها الموضوعي التي تضم كذلك الروايات والشعر والأدب والقصص الخيالية بل وحتى بعض الأفلام  التي لها مرجعيات دينية” لن نكتفي بقراءة النصوص المسيحية المهمة فحسب، بل يجب علينا أيضا تعلم قراءة كيفية إعادة تقديم هذه النصوص وتداخلها مع العناصر الثقافية الأخرى”[15]. قصد توضيح هذه الأفكار ينتقل بنا “ناي”إلى العديد من الأمثلة في الثقافة الحديثة التي تعتمد على وسائط عدة لقراءة النصوص المقدسة، فأغلب أفراد المجتمع يعرفون الكثير عن القصص الواردة في الأناجيل، مثلا من خلال الأفلام والأدب الجماهيري، ففيلم” الإغراء الأخير للمسيح” الذي قدمه الأمريكي الكاثوليكي “مارتن سكورسيس” اعتمد على الأفكار المسيحية الكاثوليكية التقليدية حول المسيح، أيضا على مستوى الأدب فسلسلة “هاري بوتر” الشهيرة هي عبارة عن عالم سحري من الساحرات وأعمال السحر التي تعتمد أفكارها وفلسفتها، بشكل كبير على المنظور المسيحي لغلبة الخير علىالشر”.

“ناي” يتعرض كذلك في هذا الفصل لعلاقة النصوص بالسياق والعالم معتمدا في ذلك على “ديريدا” الذي يعتبر أن لا وجود لما يتعدى حدود النص، يفسر “ناي” جملة الفيلسوف الفرنسي هاته معتبرا أنه لا يوجد إدراك أو خبرة لا ترتبط بتأثيرات النص واللغة، يوضح هذا الأمر بمثال من الثقافة الغربية، إذ يقول بأن “نص” الإنجيل له أثر كبير على معظم الثقافة الغربية سواء على مستوى الفن أو الأدب أو السياسة…لهذا فالنصوص لازالت ذات أهمية في جميع الديانات لأنها لا تمكننا من التعرف على الدين فقط و إنما تعرفنا على الثقافة أيضا،كما أن هذه الأخيرة تساعدنا في قراءة النصوص.

إن الأهمية التي يحظى بها النص في جميع الأديان، تجعل من الضرورة العودة إليه، فرغم الخدمة المهمة التي تقدمها ترجمة النصوص إلا أن الباحث من الواجب عليه إدا أراد الوصول إلى حقيقة النص أن يقرأه بلغته الأصلية، هذا بالإضافة إلى أن لهذا النص مؤلف، “التأليف عبارة عن فعل متعمد يرغب من خلاله المؤلف في أن يقرأ نصه بطريقة معينة”[16] الكلام هنا ل”ناي” يناقش أهمية المؤلف فيما يخص النصوص الدينية، هذه الأهمية تظهر مثلا عندما قام “سلمان رشدي”بتأليف “آيات شيطانية” ويعتبر فيه أن القرآن مؤلفه هو محمد، لأغراضه الشخصية، هذا الأمر أثار ردود فعل قوية من طرف المسلمين. ربط “ناي” مسألة التأليف بالقراءة والقراء أيضا، فالنص ألف لكي يقرأ، لكن القراءة قد تختلف من سياق ثقافي إلى أخر، يعطينا “ناي” مثالا بالقرآن” يقرأ الفرد الذي ينشأ فردا مسلما القرآن  بشكل مختلف تماما عن أي فرد آخر، كما أن المسلمين الذي ينتمون إلى تراث وثقافات مختلفة يقرأون القرآن بطرق معينة”[17]. إن النصوص إذن تقرأ بطرق متنوعة، هذا التنوع يفرضه اختلاف الثقافات وتنوعها.

  1. الأديان المعاصرة، والثقافات المعاصرة:

ينطلق “مالوري ناي” في الفصل الأخير من كتابه، من رفض فرضية تقليدية، تقول بأن الدين في حالة تراجع، ولم يعد يشكل عماد الحياة المعاصرة، وذلك بفعل كل مكتسبات الإنسان الحديث وخصوصا بروز العلمانية مما تفرضه من استبعاد للدين عن المجال السياسي. فمعظم أحداث اليوم لازال فيها الدين في الواجهة. إن الأديان  المعاصرة تشكلت بفعل الكثير من التغيرات السياسية والاقتصادية التي حدثت على مستوى العالم، أهم هذه التغيرات بالتأكيد تبقى هي بروز العولمة في فترة ما بعد الاستعمار، وسيادة الهيمنة الأمريكية. فأغلب الاتجاهات الدينية، مثلا على مستوى الاسلام( المذهب الشيعي في إيران، ومذهب بن لادن(السني)) ، شكلت نوعا من ردود الفعل المضاد للهيمنة الاقتصادية للقوى الغربية، كما أن عامل الهجرة، وسرعة التنقل، ويسر الاتصال كلها عوامل ساهمت في تبلور نوع من التدين الجديد، حتى داخل البلدان الغربية المستقبلة للمهاجرين.

إن العولمة باعتبارها جعلت العالم قرية صغيرة غدت أيضا نوعا من التمركز أو ما أصبح يسمى بالقومية، إذ غالبا ما تكون المنظمات والهويات الدينية جزءا مهما في مثل هذه القومية[18]، يتم تحديد هذه الأخيرة بالرجوع إلى الدين. العولمة لا تساهم القومية وحدها في إنتاجها، بل تتغدى أيضا على العرقية المتمثلة أحيان كثيرة في اللغة المشتركة، أسلوب الحياة المشترك، يفهم من هذا الأمر أن العرقية عادة ما ترتبط بمفاهيم: الشعب، الثقافة، والمكان، ووحدة صلات الدم أي جماعة من الأشخاص ينتمون إلى الأجداد أنفسهم”[19].السؤال الذي طرحه “ناي”في هذا الخصوص هو، كيف يساهم هذا المفهوم(العرق) في فهم الاختلافات الدينية في العالم المعاصر؟ خير مثال قد يجيب عن هذا السؤال هو الدين اليهودي، فإذا أراد شخص ما أن يكون يهوديا عليه أن يكون منتميا لجماعة ثقافية محددة بيولوجيا لها تقاليدها الخاصة. الديانة اليهودية بهذا المعنى”دين عرقي” بالرغم من إمكانية رصد بعض الاختلافات الثقافية بين اليهود في مجموعة من أماكن العالم. إن قضية القومية والعرقية، ساهمت بشكل كبير في نشوء نوع من التعدد الديني والثقافي في بلدان الغرب، إن أي مجتمع غربي اليوم لا يمكن فهم بنيته المجتمعية  دون استحضار الأقليات الدينية التي تتفاعل داخله، إن فشل الاندماج الثقافي والديني بين الأقليات والمجتمعات الغربية قد يعطي أحيانا مبررا لنشوء العنف والصراع، فالعالم المعاصر من أجل فهم العنف الذي يسود فيه غالب الأحيان باسم الدين، علينا تفكيك واستيعاب أهم القضايا، كالعولمة والقومية والعرقية، وتخطي الحدود. يعود “ناي” إلى مسألة مهمة أثارها في بداية هذا الفصل تتمثل في العلمانية في الغرب وتراجع دور الدين. إن ظهور العلمانية لا يعني اختفاء الدين ولكن حسب “ناي” يدل هذا الأمر على أن طرق تدين الناس تغيرت مع تغير الظروف الاجتماعية، فيمكن أن نتحدث اليوم عن ظهور ما يسمى ب”خصخصة” الدين، القصد هنا أن الدين أصبح شيئا شخصيا، يمارس بشكل فردي على النحو الذي يرضي الشخص. إن العولمة إذن تسببت في نشوء بدائل للدين التقليدي الكلاسيكي وأصبح كثير من الناس في الغرب ينظرون إلى الدين من منظور جديد، فتحول في نظرهم إلى نوع من “الروحانية”لا ينتمي إلى أي مؤسسة.

خاتمة:

إن المتتبع لخطوط هذا الكتاب قد لا يجادل على أهميته، هذه الأهمية التي يستمدها من عدة عناصر، أولها التناول الجديد للدين بربطه بالثقافة، كما أن جدة هذه الدراسة تكمن في التفكير في الدين بطريقة معاصرة، تعتمد على كثير من الدراسات الأنثروبولوجيا الكلاسيكية منها والحديثة. “مالوري ناي” لا يقدم إجابات قاطعة بقدر ما يثير نقاشا، ويحلل جميع وجهات النظر الممكنة، كما أنه يبتعد عن تقديم تعاريف جاهزة لمعظم المفاهيم التي تناولها. إن قارئ هذه الدراسة لاشك أنه سيدرك أنها غير بعيدة عن هموم الإنسان المعاصر، فهي حاولت مواكبة التحولات الكبرى التي شهدها عالم اليوم، وربطها بالدين. جميع الفصول الثمانية المكونة لهذا الكتاب لا تخلو من أمثلة واقعية تهدف إلى توضيح مرامي الكاتب الذي سعى جهد الإمكان أن تكون أمثلته من ثقافات وديانات مختلفة ومتنوعة، نستنتج من هذه الملاحظة أمرين، أولهما أن “ناي”  واسع الاطلاع، وعلى دراية كبيرة بمختلف الديانات والثقافات، وثانيهما أن هذه الدراسة لا تستهدف الباحثين المتخصصين فقط، ولكن موجهة كذلك للطلبة والباحثين المبتدئين، مجمل القول هو إدراكنا منذ الأسطر الأولى لهذا الكتاب أننا نقرأ لمتخصص يعرف ميدانه جيدا. إن كل هذه القيمة التي تحظى بها هذه الدراسة لا نريد أن يفهم منها كوننا لم نسجل بعض الملاحظات عنها. صرح “ناي” منذ الفصل الأول لهذه الدراسة أنهسيتحدث عن الدين كنشاط ثقافي واقعي ممارس، إن كل ما فعله هو أنه اكتفى بالوصف وبعقد مجموعة من المقارنات، رغم كون مثل هذه الدراسة حسب اعتقادنا تستدعي نوعا من البحث الميداني الذي قد يساعد الباحث على اختبار الفرضيات التي انطلق منها، هذا بالإضافة إلى أن “ناي” بقي مركزا على نموذج الدين المسيحي بشكل كبير رغم انفتاحه احيانا على الاسلام والهندوسية…إلا ان النموذج ظل في جميع مراحل الكتاب هو المسيحية.سعت كذلك هذه الدراسة إلى التطرق لمواضيع كثير في علاقة بالدين، وربما هذا ما أسقطها في نوع من الاختزالية في تناولها للكثير من القضايا. نقول في الأخير، أنه مهما تكن قيمة القراءة المنجزة، فإنها لن تستطع تعويض الكتاب، لذلك فما قمنا به هو مجرد تعريف بهذه الدراسة القيمة.

مالوري ناي. أستاذ الثقافات المتعدد في معهد آل مكتوم للدراسات العربية والإسلامية في اسكتلندا.[1]

مالوري ناي، الدين الأسس، ترجمة هند عبدالستار، الشبكة العربية للأبحاث والنشر2009،ص:14.  [2]

 نفس المرجع، ص:15.[3]

 نفس المرجع، ص:15[4]

نفس المرجع، ص:15.[5]

نفس المرجع، ص:38.[6]

رايموند وليامز: كاتب وناقد بريطاني(1921ـ1988)، اهتم بالدراسات الثقافية، درس في جامعة كامبريدج [7]

نفس المرجع، ص:45.[8]

نفس المرجع، ص: 130.[9]

 نفس المرجع، ص:139.[10]

نفس المرجع، ص:204.[11]

 نفس المرجع، ص:227.[12]

 نفس المرجع، ص:231.[13]

نفس الرجع، ص:234.[14]

 نفس المرجع، ص:252.[15]

نفس المرجع، ص:274.[16]

 نفس المرجع، ص:282[17]

 نفس المرجع، ص:299.[18]

 نفس الرجع، ص:306[19]

حسن إد حمو

باحث مغربي، متخصص في الفلسفة ومهتم بالسوسلوجيا وقضاياها. له العديد من الأبحاث والمشاركات العلمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى