الدراسات

جينالوجيا التأويلية وإحداث المفهوم في الفكرين الغربي والعربي: النشأة، التطور والمسار

تطرح الجينالوجيا ابتداءً سؤالَيْ: مَن؟ من جهة النشأة والأصول، ولماذا؟ من جهة المسار والتقويم. وبالسؤال الأول تنخرط في فضاء التأويل. وتنخرط بالثاني في فضاء التّقويم والتنزيل. وفي الاتجاهين ثمة نقد جذري[1]، لهذا فالحديث عن التأويلية ومنعطفاتها في عملية الفهم يستوجب ابتداءً-كذلك- الوقوف على جذرها اللغوي ومسار تطور مفهومها وكذا تشكلها التاريخي، وليس من السهل على أي باحث تحديد معنى وتحولات التأويلية سواء في مظانّها الأولى في الفكر الغربي أو في تطبيقاتها في الفكر العربي الإسلامي. لأن المصطلح يبقى دائما لصيقا ببيئته التي ولد فيها، ومثقلاً بالدلالات والمعاني والمرجعيات التي ترعرع في محضنها، فـ”الطريقة التي نقرأ ونفسر بها، تعتمد على الطريقة التي نرى بها العالم ونرى موقعنا فيه. وهذا صحيح بالنسبة لنا.. نحن نجلب إلى النص مُعتقداتنا المسبقة، سواء كانت عن الله أو الغيب والمتعالي، أو مادية أو حرفية”[2].

لهذا كثيراً ما يسود الغموض والتيه في التعاطي مع مصطلح التأويلية، والحقيقة أن البحث في هذا الأخير بحد ذاته تأويل وقراءة تأويلية، لأن اللغة كائن حي، والكائن الحي يتفاعل مع كل بيئة لامسها، فـ”كل كلمة تحيل إلى كلمة أخرى دون الوصول إلى معنى يشفي الغليل أو القبض على حقيقة تتخذ كرهان للسيطرة وإرادة التشويه والتشويش. هناك دائما مشاركة في إنتاج الحقيقة وبناء المعنى، مشاركة ليست حكرا على أحد تؤول إلى معرفة مقتسمة والمعنى كحصص موزعة وفهم مشترك تتداخل آفاقه وتختلف مستوياته وأبعاده. إننا نفهم بنمط مختلف ونعيد وضع الحقيقة المكتشفة والمعنى المشكل على محك النقد والتمحي، لأن اللغة بما هي حوار وتفاهم لا تقف عند حد ولا تسكن إلى حقيقة ودلالة معينة، بل هي في ارتحال لا يستقر وصيرورة دائمة تؤطرها جدلية السؤال والجواب”[3] ونحن في هذا المقام سنحاول الكشف عن دلالات مصطلح التأويلية ومعانيه وتحولاته والوقوف على مضامينه.

لقد لقي مصطلح التأويلية سجالا عميقا في الثقافتين الغربية والعربية؛ استُهلَّ بترجمة المصطلح إلى مجالنا التداولي العربي، وتجاوز هذا السجال حد النقل والترجمة إلى الرجوع إلى منشأه الثقافي والوعي بحمولاته الابستمولوجية وأبعاده الأنطولوجية، لهذا اضطربت الرؤى وتباينت في ترجمته وتعريبه وتأثيله.

أولا: الجذر اللغوي والاشتقاقي لمصطلح التأويلية وإبستمولوجيا الترجمة

1– الجذر اللغوي والاشتقاقي لمصطلح التأويلية

إن الأصل الاشتقاقي لمصطلح “الهِرْمِنيوطيقا Hermeneutics” أو “التأويلية” في الفكر الغربي هو التعبير الإنجليزي للكلمة اليونانية الكلاسيكية “Hermeneia” الذي يعني التفسير والتأويل، وقيل مأخوذ من (Hermeneutikikos) والتي تعني إزالة الغموض عن الموضوع. والكلمة راجعة في الأصل إلى الجذر اللغوي “Hérméneus هرمس” وهو رسول الآلهة عند الإغريق، ونجد اتجاهات ثلاثة “للفعل «يؤوِّل» في اليونانية هي:

  • يُعبِّر بصوت عالٍ في كلمات، أي “يقول” أو “يتلو”.
  • يشرح؛ كما في حالة شرح موقف من المواقف.
  • يترجم؛ كما في حالة ترجمة لغة أجنبية.

هذه المعاني الثلاثة جميعا قد يعبِّر عنها الفعل الإنجليزي To interpret ، غير أن كلا منها يمثل معنى مستقلاً من معاني التأويل”[4].

لقراءة الدراسة كاملة، يمكنكم تحميلها عبر النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــ

[1]– مجموعة مؤلفين، الفلسفة الألمانية والفتوحات النقدية: قراءات في استراتيجيات النقد والتجاوز، مجموعة من المؤلفين، إشراف وتحرير سمير بلكفيف، جداول للنشر والترجمة-لبنان، ط1، يناير 2014، ص118.

[2]– دايفيد جاسبر، مقدمة في الهرمنيوطيقا، ترجمة وجيه قانصو، منشورات الاختلاف-الجزائر، ط1، 2007، ص63.

[3]– مدخل ترجمة كتاب فلسفة التأويل: الأصول، المبادئ، الأهداف، هانس غيورغ غادامير، ترجمة محمد شوقي الزين، منشورات الاختلاف-الجزائر، ط2، 2006، ص32.

[4]– عادل مصطفى، فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا، رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2007، ص35-34.

محسن اعريوة

باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التأويل مجاز من جامعة القرويين بفاس، حاصل على شهادة الماستر "الحوار الديني والحضاري وقضايا الاجتهاد والتجديد في الثقافة الإسلامية-بني ملال".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى