الدراسات

الرحمةُ الإلهية مفتاحُ فهمِ القرآن (ملف بحثي)

الرحمةُ صوتُ الله

الرحمةُ صوتُ الله، ومعيارُ إنسانية الدين. لا يؤتي الدينُ ثماره مالم يكن تجربةً ايمانية تنبض فيها روحُ المؤمن بالرحمة.الرحمةُبوصلةٌ توجِّه أهدافَ الدين، فكلُّ دين مفرغ من الرحمة يفتقدُ رسالته الإنسانية، ويفتقرُ إلى الطاقة الملهمة لإيقاظ روح وقلب وضمير الكائن البشري. الرحمةُ حالةٌ عامةٌ لا تُخصّص، تفيضها الروحُ الرحيمة على الكلّ. لكن القراءاتِ الاختزالية لنصوص الكتب المقدسة أنتجت لاهوتًا صراطيًا[1] في الأديانِ يُخصّص الرحمةَ بمن يعتقد بها، بمعنى أن هذه القراءات انتهت بكلّ دينٍ إلى أن يرى نفسه هو الحقّ وما سواه باطل، وأن أتباعَه هم المفلحون، فهم وحدهم الذين يستحقّون الرحمةَ فيظفرون بالخلاصِ ويفوزون بالنجاةِ.

استند اللاهوتُ الصراطي في الأديانِ الإبراهيميةِ على شيءٍ مما ورد في كتبها المقدّسة، مما يشير إلى انحصار النجاة في الاعتقاد بها، فقرأها قراءة حرفية، وفهمها خارجَ زمانها فتمسك بأبديتها بعد أن أهدر السياقَ التاريخي والظروف التي صدرت فيها، كما أهمل نصوصًا كثيرة بموازاتها تشدد على الرحمة.

ومثالٌ على انحصارِ النجاة وتفوقِ المعتقدين بهذا الدين على غيرهم من الناس ما جاءَ في التوراة من أن اليهودَ (شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبًا خاصًا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض)[2]. (أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب… وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي)[3].

واشتهر عن المسيحية أيضًا أن: “لا خلاص خارج الكنيسة”، وإن كانت هذه العبارةُ تغضب الكثيرَ من المسيحيين اليوم، والعبارةُ المتفَقُ عليها عندهم هي: “لا خلاص إلّا بدم المسيح وحده”. إذ يقول الرسولُ بولس: “بدون سفك دم لا تحدث مغفرة”[4]، وذلك تعبيرٌ صريح عن انحصار ِالخلاص، إذ لا مغفرةَ وخلاصَ ونجاة خارجَ الاعتقادِ بالمسيح وصلبه.

لقراءة الملف البحثي كاملا وتحميله على نسخة PDF أنقر هنا 

ـــــــــــــــــــــــــ

[1] اللاهوتُ الصراطي أعني به الفهم الذي يبتني على انحصار الطريق إلى الله والخلاص والنجاة بمعتقد مغلق، وأي فهم يخرج على الحدود التي رسمها هذا اللاهوت للمعتقد يعني الهلاك، لأنه خروجٌ عن الحق، وحينئذلا خلاص ولا نجاة.

[2] سفر التثنية (14/2).

[3] سفر اللاويين (20/24، 26).

[4] عب9: 22.

عبدالجبار الرفاعي

د. عبدالجبار الرفاعي مفكر عراقي، ‏متخصص في الفلسفة وعلوم الدين. من مؤسسي علم الكلام الجديد في المجال العربي. منذ ثلاثين عامًا يكرّس منجزه لفلسفة الدين وعلم الكلام الجديد. مدير مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، ورئيس تحرير مجلة قضايا إسلامية معاصرة، منذ إصدارها عام 1997 وحتى اليوم. أصدر أكثر من 50 كتابًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى