الدراسات

المؤسسات الدينية السياسية ودورها في التحولات الراهنة

مقاربة سوسيو تاريخية

يبدو أن البحث في قضايا الدين والتدين وعلاقته بالدولة وبالواقع، كان – إلى حد قريب –  يدخل في دائرة الحكر على المشتغلين في حقل الدراسات الدينية والإسلاميات على وجه التحديد، وبعض السوسيولوجيين والأنثروبلوجيين، لكن مع التحولات الحاصلة الآن على المستوى الاجتماعي والسياسي، والتي بدا فيها الجانب الديني حاضرا وبقوة، سواء على المستوى التنظيمي السياسي أو حتى النظري الإبداعي التنافسي، أصبح من الواجب أن تصير الظاهرة موضوع بحث من طرف العلوم السياسية، والعلاقات الدولية، والعلوم الانسانية، والتاريخ على وجه التحديد، باعتبارها في نظرنا ظاهرة تاريخية ثقافية مرتبطة بجزء كبير من تاريخ المجتمعات المغاربية  تحديدا، ولأنها متأصلة فيه منذ العصور الوسطى والفتوحات الاسلامية وفق خصوصيات مجالية معروفة باسم الغرب الإسلامي في اطار متصالح مع الذات ومع الأخر، وبناء عليه بنيت أكبر الدول والإمبراطوريات ( الدولة الموحدية المغاربية نموذجا).

والملاحظ أن الإنتاج المعرفي الديني في هذا الصدد والمتعلق بالمجال المغاربي من الناحية التاريخية، جاء ممزقا وشحيحا، نظرا لمجموعة من الاعتبارات: وأولها أن الباحثين كانوا يعتقدون أن الدين سيظل حبيس العلاقة بين الانسان والخالق، ومن الصعب أن يكون له دور في التحولات أو الثورات..، لكن الواقع أكد بالملموس – التحولات الاخيرة بليبيا وتونس ومصر..- أن الجانب الديني وتوظيفه سياسيا كان حاضرا. ولذا يجب قراءة المعطيات وفق محددات منهجية علمية لتوضيح العديد من المعلومات التاريخية المتواترة بالخطأ في كثير من الأحيان، وانطلاقا من تلك المؤاخذات سنحاول من خلال هذه المساهمة إنارة بعض الجوانب من حقل التاريخ المغاربي في شقه الديني السياسي عبر ثلاث تمظهرات، اعتبرناها أساسية للتدين وهي: التدين الشعبي ( التصوف)، والتدين الرسمي المرتبط بالدولة وبالسلطة، وأخيرا التدين السياسي المرتبط بالظاهرة الحزبية، متبنية منهجا شموليا يقوم على رصد الظاهرة الدينية وربطها بأبنيتها وأسسها الفاعلة.

وبناء عليه فقد اعتمدنا المحاور التالية:

 المحور الأول: المؤسسة الدينية والفقهية ، وتاريخ ارتباط  الدين بالدولة في المجال المغاربي .

المحور الثاني: أشكال التدين والتعاطي مع الدين في تاريخ المجال المغاربي منذ العصور الوسطى: الإسلام الرسمي للدولة ، والإسلام الشعبي ( الزوايا، التصوف السياسي الديني)، الإسلام السياسي ( مؤسسة سياسية دينية).

المحور الثالث: استغلال الجانب الديني في التحولات السياسية الراهنة من أطراف داخلية، أو خارجية والتي أفرزت التشدد الديني.

  • المؤسسة الدينية الإسلامية والفقهية ، وتاريخ ارتباط الدين بالدولة في المجال المغاربي 

يظهر أن السلطة والدين لم يجتمعان تاريخيا إلا بعد أن يدجن أحدهما الآخر، وللتأويل الديني الكلمة الفصل في هذه العلاقة ، فقد جعلت السلطة من الدين تدينا أرتذوكسيا، ومن الفكر ايديولوجية.[1] ومن هنا فعندما يتدين صاحب السلطة قد يفسد الدين والسياسة معا ويصبح المختلف مرتكبا لجريمة يجب الاعتراف بها، ويتراجع الارتباط بفكرة المواطنة لصالح الأمة الوهمية، فتظهر غريزة تدمير المختلف حبا في تحقيق طوباوية المطلق المتجانس، ويصير الدين ايديولوجية السلطة على الرغم من أن الإيديولوجية مهما بلغ نبلها فهي مفسدة للدين والتدين معا. بل وتصر على الصمود في وجه التعرية التاريخية القوية والفاعلة، من خلال إعادة إنتاج نفسها باستمرار، وتصبح مشكلة التعصب الديني تاريخيا عدوة للفكر، ومعادية للعقل نافرة من قيم التسامح وأخلاقيات التواصل، وبعبارة أدق لو قرءنا عرض التراث والتفسير، انطلاقا من النص التأسيسي، لأدركنا ما يخفيه الدين التاريخي عن دين القرآن[2]، وهو تعبير تاريخي عن قلق وأزمة فكرية خطيرة، أصابت العالم الإسلامي في المشرق والغرب الإسلاميين، منذ دخولهما عصر الانحطاط والتراجع الاقتصادي والسياسي، ولازال إلى اليوم، ولعله سبب انتشار هذا الفكر وتوسعه بأشكال مختلفة رغم نواقصه العديدة.

هذا، وقد شكلت العلاقة بين الدين والدولة قضية مركزية في التاريخ السياسي الإسلامي، وفي نتاج الفكر السياسي القديم والحديث وحتى المعاصر، فقد بدأ هذا الصراع مباشرة بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة بين المسلمين حول شرعية الخلافة، ولمن يجب أن تعود، وعليه تكونت نظريات حول مصدر الحكم وشروط شرعيته[3]، واتخذت أبعادا كبرى عبر استحضار الحركات السياسية الإسلامية لمقولة وحدة الدين والدولة في الإسلام، وضرورة إعادة بناء الدولة الدينية على النمط الراشدي، وصولا إلى التمسك بشعار: ” الإسلام هو الحل “، في غياب مشروع مجتمعي حقيقي يجيب على الإشكاليات الإقتصادية والإجتماعية، اللهم بعض التطبيقات المأخوذة من النماذج اللبيرالية والرأسمالية، والتي تم تغليفها بغلاف ديني، كما هو الحال بالنسبة للمؤسسات المالية التي اطلق عليها إسم: ” الإسلامية”، فقد إتخذ الصراع في التاريخ الحديث حول الفصل بين المجال السياسي والديني بعدا حضاريا، بل يشكل حلقة مركزية في هذا التفاعل.  لكن الجانب الإيجابي في هذا المخاض، أنه كان مظهرا من مظاهر إغناء الفكر السياسي في هذا المجال.

وقد تفطن العلامة ابن خلدون – باعتباره واحدا من المؤرخين وعلماء الاجتماع -، في نظريته حول الدولة وتاريخ التطور الحضاري في علاقته بالجانب الديني، إلى ذلك حيث يقول: ” إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو انتقال من حال إلى حال “[4].  ويعتبر العمران المدخل الأساسي والحاسم للتطور الحضاري، لكن جديد ابن خلدون – القديم الحديث – في اعتقادنا، هو فهمه الواسع لمعنى الحضارة بأنها التقدم والتطور، وعلى جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، وهو يواجه بذلك حسب تعبير محمد عابد الجابري،[5]  ” كل المفكرين والمؤرخين الذين حاولوا اختزال التاريخ الاسلامي في جانبه العسكري، أو في الدعوة الدينية وفتوحات أو غزوات الأمصار”، كما يرد على تيارات فكرية حديثة تختزل هذا التاريخ في مرحلة زمنية محددة، تحاول اسقاطه على عصرنا الراهن، لا سيما التيارات الدينية السياسية.

ولعل ما يهمنا في هذا الإطار – واتساقا مع الموضوع- هو تركيز ابن خلدون أولا على ضرورة الدولة ووجوبها في كل مجتمع، كشرط أساسي لاستقامة الشؤون السياسية، في إطار العصبية التي تجمع بين القوة المادية والقوة المعنوية. بكل ما تعنيه العصبية من عصبيات قبلية وعشائرية وطائفية وإثنية، وبالرغم من اعتقاد الجميع بما فيهم الباحثون و المفكرون المعاصرون أن الأمر أصبح جزءا من الماضي ولم يعد له مكان في مجتمعاتنا المعاصرة، فقد ابانت التحولات الأخيرة، – وخاصة منذ احتلال العراق وغزوه من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها -، أننا لازلنا مرتبطين بما أكده العلامة ابن خلدون حول العصبية، فقد انقسم العراق الى عصبيات، سنية وشيعية وغيرها، وانقسمت ليبيا بعد سقوط النظام السياسي، إلى عشائر وقبائل متناحرة ومتحاربة للظفر بالسلطة السياسية، وكذلك الأمر بسوريا اليوم[6]. وقبل ذلك ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين فقد كانت القومية العربية القائمة على العروبة الأساس لقيام الدولة العربية والحاضن لهويتها [7] .

ولا يخامرنا الشك في كون ابن خلدون كان له نفس الموقف، حتى في علاقة الدولة كسلطة سياسية بالجانب الديني العقدي، فظهر عقلانيا متنورا في قراءته للنصوص الشرعية التي تنظم أحوال المعاش[8]. وانطلاقا من ذلك، فقد ميز العديد من المؤرخين وعلى رأسهم ابن خلدون، بين ما هو دين وما هو علم وما هو سلطة سياسية ، وبالتالي فهو تمييز في اعتقادنا بين المطلق والنسبي، بين الإلهي والبشري. ولاشك في أن ابن خلدون كان سيوجه النقد نفسه إلى الذين يقحمون النص الديني في مسائل علمية حديثة تحت عنوان: ” الإعجاز العلمي في القرآن، ” مدعين تضمنه كل الأسس العلمية للاكتشافات والاختراعات الحديثة، حيث يقول ابن خلدون: ” إن النبي إنما بعث ليعلم الشرائع، ولم يبعث لتعريف الطب وغيره “.

وفي علاقة الدين بالدولة فقد تم التشديد على إعادة الاعتبار للموقع الحقيقي للدين، ويعتبر ابن خلدون من الرافضين لإقحام الدين في شؤون الحياة اليومية[9]، وذلك من أجل تحديد موقع الشريعة الفعلي، والتي وجدت في نظره لتعليم الناس أولا وأساسا مسائل التوحيد الإلهي والحياة الآخرة ويوم الحساب، والأكثر من ذلك فقد تجرأ القول عندما أكد ان الحياة الاجتماعية قد تقوم بغير دين[10]، فالعدل يمكنه أن يعم المجتمع بفضل الدولة والعقل، حتى ولو لم يهده شرع أو دين، مستدلا على ذلك بعصور قديمة قبل الإسلام، وفي شتى مناطق العالم، سادت فيها العدالة بين أبنائها في غياب الدين أو التدين. وقد ساهم ذلك في تحديد موقع الدين باعتبارها علاقة روحية وشخصية بين الإنسان وخالقه، واعتبار شؤون الدنيا خاضعة لقوانين موضوعية وبشرية تعكس حاجات المجتمع اليومية، وكل هذا لا يعني بتاتا صحة الفكرة أو خطأها بمنطق التاريخ، ولكنها دليل تاريخي على أن العلاقة بين الدين والدولة ظلت هي السؤال المؤرق والحارق، الذي يواكب تطور المجتمعات الإسلامية منذ العصور الوسطى، ومنذ بناء الدولة، وفي أزهى فتراتها، وفي إطار نقاش هادئ وهادف، وليس كما يدعي البعض أن الظاهرة مرتبطة بتسرب الأفكار العلمانية من أوربا الغربية والحديثة.

ولعله تأكيد على وجود شيء من اللبس في هذه العلاقة بين الدين والدولة، والذي يجب حله ليس بفصل الدين عن السياسة على شاكلة الدول الأوربية بالضبط، وليس بالضرورة بأخذ أي نموذج خارجي آخر، ولكن وفق اجتهاد محلي على ضوء نقاش مفتوح يساهم فيه الجميع بعيدا عن الأنانية والتطرف والتعصب .

  • أشكال التدين والتعاطي مع الدين في تاريخ المجال المغاربي: الإسلام الرسمي للدولة ، والإسلام الشعبي ( الزوايا، التصوف السياسي الديني) الإسلام السياسي ( مؤسسة سياسية دينية)

لقد اهتم سكان المجال المغاربي – عموما –  بإنعاش الحياة الدينية منذ ميلاد الدول المغاربية الوسيطية ، وأقصد بذلك الدولة المرابطية والموحدية، وحتى التجربة المرينية في إطار التدين، وذلك انطلاقا من زاويتين : من زاوية الإسلام الرسمي، ومن زاوية الاسلام الشعبي. أما الاسلام السياسي فكان متأخرا إلى حدود التاريخ المعاصر، على الأقل في صيغته الحالية.

1- الإسلام الرسمي: ( تكريس المذهب المالكي)

ونعني بالإسلام الرسمي الذي يتبناه ويدافع عنه الفقهاء والعلماء والمثقفون الذين يتعاملون مع السلطة السياسية، إما عبر ولاء تام وأعمى، وإما عبر المصالح المتبادلة بين الطرفين – مادية أو معنوية- هذا من جهة، ومن جهة ثانية عبر المعارضة الصريحة، ويتأكد ذلك بواسطة الرسائل المرفوعة للسلطان، أو بواسطة الفتاوى في الأمور الدينية والدنيوية، وكذلك الأولويات الدينية للسلطة السياسية. فقد اجتهدت الدول الوسيطية ( الدولة الموحدية والمرينية فيما بعد)[11] في تبني المذهب المالكي، ويظهر ذلك من خلال جهود السلاطين في تجديد النخب الإدارية والدينية، وذلك منذ السنوات الأولى من إنشاء الدولة.

والجدير بالملاحظة، هو الصراع بين الدول في مسألة التميز والاحتكار الديني للدولة القائمة حتى من داخل نفس المذهب، والدليل على ذلك الصراع الذي دارت رحاه بين ما تبقي من الإسلام الموحدي ( المذهب الظاهري) بمراكش، وفقهاء فاس الذين يدورون في فلك السلطة المرينية الجديدة، ونذكر منهم – على سبيل المثال لا الحصر- الفقيه عبد المهيمن الأشجعي الذي أعدم من طرف السلطات المرينية بإيعاز من مؤرخ القصر آنذلك عبد العزيز الملزوزي[12].

ويؤكد أحد الدارسين أن فقهاء السلطة المرينية – مثلا- عملوا ما في وسعهم على تكريس المذهب المالكي نهائيا، والذي اعتاده المغاربة منذ عهود الدول الزناتية. ومن هذا المنظور اعتبرت الايدولوجية الموحدية الظاهرية مجرد قوسين في التاريخ المذهبي للمغارب[13]، ويظهر التوجه الرسمي للدولة في المسألة الدينية في اطار مشروع متكامل يبدأ بسياسة التعليم التي تم نهجها، وتبدو الإشارة واضحة في بناء مدرسة البيضاء بفاس الجديد، وبناء مدارس الصهريج والعطارين والطالعة بسلا، وكذلك مدارس المصباحية والبوعنانية، ولعل الهدف من ذلك ضمان التكوين الرسمي للأطر المخزنية والدينية، التي ستمرر وتدافع عن مصالح السلطة السياسية دينيا[14].

ولخدمة هذا التوجه، يظهر أن السلطات المرينية قد وضعت برامج دراسية إجبارية داخل هذه المدارس، كما جعلت من كتب الخليل ومالك كتبا رسمية وإجبارية في دراسة الفقه الإسلامي. ولعل من النتائج الأساسية لهذه السياسة التعليمية الإنتاج الهائل للكتب الفقهية التي تطرقت للفروع لا الأصول، إلى درجة أن المغرب صار يصدر للخارج – تحديدا للشرق -، فقهاء مالكيين بارزين كبرهان الدين الصنهاجي، وبدر الدين الغماري، وأحمد بن يعقوب الغماري[15]. وفي ميدان الفقه أضيفت ممارسات أخرى أعطت للمغرب وجهه الديني الرسمي الكامل، ومنها ممارسة الوفد الرسمي للحجاج، وعيد المولد النبوي، ومحاولة توحيد التشريع.

ولعل كل هذه الرسائل كانت موجهة داخليا إلى الفقهاء والعلماء المعارضين للسلطة ، وخارجيا فهي بمثابة إعلان شرعية سياسية دينية جديدة بعيدة عن الأتراك العثمانيين، خلافا للدولة الوطاسية التي أعلنت ولاءها للأتراك سابقا.

وعلى مستوى العالم الإسلامي، يمكن القول أن مسألة الخلافة و” إمارة المؤمنين “، أو السلطة السياسية الدينية كشكل من أشكال التدين والتعاطي مع الدين كانت منذ البداية مسألة إرثية وسلالية يطرح خلالها سؤال أزلي : من هي العشيرة القبلية التي تتوفر على العصبية والقوة اللازمتين لسيادتها على جهاز الدولة.

فالفقه الإسلامي رغم التجرد الذي كان يسعى إليه ، فإنه لم يتخلص من واقعه التاريخي العربي، والدليل على ذلك أننا نجده مشجعا للحكم السلالي، وضمنيا للحكم الوراثي ، وفي اطار نفس القبيلة أو العشيرة. لذلك فشرط القرشية – نسبة إلى قريش-  أكد عليه جل فقهاء الاسلام كشرط مؤكد لتقلد منصب الخلافة[16]. ولعله خير دليل على هذه الظاهرة ، أي الخلط بين ما هو تقليدي قبلي، وما هو ديني سياسي. ونورد مثالا آخر، ويتجلى في الخوارج والذين رفضوا نظريا شرط القرشية، وأن الخلافة حق لأي مسلم ” ولو كان عبدا حبشيا “، فلم يستطيعوا التخلص من واقعه السياسي من سلالية الحكم وتوارثه في نفس الفرع السلالي[17]. وما دولة بني مدرار في سجلماسة، ودولة بني رستم في الجزائر، إلا دليل قاطع على استحالة الجمع بين ما هو نظري وما هو تطبيقي في تاريخ الإسلام.

واليوم، لازلنا نعيش نفس المفاهيم والمؤسسات التي تعود إلى العصر الوسيط بدون مبالغة، حيث الحكم الفردي والمطلق للرعية خلافة عن الله وباسمه، ولعل النازلة الأصعب التي تتطلب فقها دستوريا إسلاميا جديدا، بروز ” الشعب ” وحقه المطلق في أن يكون مصدر السيادة والحكم. وأكبر دليل على ذلك التنصيص في الدستور المغربي – تحديدا – على الدور الديني لرئيس الدولة، إضافة إلى الحديث عن الإمامة العظمى وظل الله في الأرض وبيعة الرضوان المظل بالشجرة…، وباختصار شديد يمكننا التأكيد على أن الحقل الديني عاش مستقلا عن إدارة الدولة في كثير من الأحيان، وظل حكرا على الفقهاء والعلماء في المساجد، بعيدا عن محاولات احتكار السلطة له وتسخيره لخدمة مصالحها. ويسجل أحد الدارسين[18] أن أول إلحاق كان مع الوزير ” نظام الملك ” والغزالي وابن تيمية وتأسيس المدرسة النظامية ببغداد وما تلاها، والتي تكلفت بتكوين الأطر الدينية لإدارة الدولة.

ولاغرو، فقد كان فقه النوازل – أوما سمي “بأعمال المدن” والأقاليم- وهو ما ميز الغرب الإسلامي عن مشرقه الذي عرف ” بالفتاوى الفقهية ” مظهرا من مظاهر التطور من الفقه المجرد والافتراضي المركزي إلى فقه الواقع المراعي للجغرافيات المحلية – أي عمليا بداية ” القانون”-، فماذا عن الفقه السياسي الإسلامي في هذا الباب ؟، الاجتهاد توقف في إدارة الدولة الإقطاعية ولم يتوقف في المجتمع الذي كان يتطور وينمو مدنيا ؟.

بكلمة واحدة أن الأهم في طرح ونقاش مسألة العلاقة بين الدين والدولة – في إطار الاسلام الرسمي- ، هو مدى توفر تقييد إطلاقية السلطة، والتأكيد على أن الدور التوحيدي للدين ولمؤسساته لم يتحقق سواء في وضع النص أو في واقع الممارسات، ذلك لأن النزاع استمر حول مشروعيتها في إطار التدين عبر تاريخ المسلمين.

2 – الإسلام الشعبي ( التصوف السياسي الديني: الزوايا)

يبدو أن كل الدول والدويلات التي توالت على حكم شمال إفريقيا كانت مجبرة على المراقبة السياسية لحركة المتصوفين، والتي تزعمت ما يمكن أن نسميه بالإسلام الشعبي، ففي المشرق، ولدت الحركة الصوفية نتيجة التفسخ الديني والأخلاقي الذي ساد هذا الجزء من العالم الاسلامي – وتحديدا عهد الدولة العباسية- ، ونتيجة لتأثير الرهبنة المسيحية والأفلاطونية الجديدة حسبما يذهب إليه أحد الدارسين[19]، فقد كان الصوفي ينعزل بنفسه عن العالم، ولهذا السلوك دلالة دينية واجتماعية وسياسية كذلك، أي قاصدا التعبد والتمعن في الكلمة الإلهية، ويقنع بلباس من الصوف وبنزر قليل من الطعام.

وقد انتقلت هذه الحركة إلى المغارب حسب العديد من الدارسين، في عهد المرابطين والموحدين بشكل واضح، على شكل ممارسة شعبية للدين، وكشكل من أشكال التدين البعيدة على رسميات السلطة، وربما كرد فعل تجاهها. إذ ظهرت في المجال المغاربي ” رباطات ” التجأ إليها المتصوفة قصد تعليم الناس أمور دينهم وتدبير حياتهم، لكن بعد توسع الحركة، تعرضت للقمع الديني والسياسي من طرف الدولة الموحدية[20] ، مما دفعهم وأتباعهم إلى أن يساعدوا القبائل المرينية  على سحق هذه الدولة والوصول إلى السلطة، ونفس الحكم ينسحب على باقي الكيانات السياسية الجديدة بالمغارب والتي اعتمدن الحركة الصوفية قصد القضاء على الموحدين.

والجدير بالملاحظة تاريخيا أن السلطان المريني أبا يعقوب يوسف (1258م- 1286م) كان أول من أنشأ ما نسميه اليوم بالزوايا. لكن الغرض الأساسي من بنائها حسبما يبدو، هو استقبال الوفود الأجنبية وغيرها، أي عبارة عن فنادق رسمية، غير أن السلطان أبا عنان (1351م- 1357م)، قد قرر ميزانية خاصة لهذه الزوايا، لتصير مقصدا مفضلا للمسافرين[21]، ومريدي الطرق الصوفية وخاصة الفقراء منهم. وربما بهذا السلوك قد بدأ شكل جديد من التدين، وعهدا جديدا لمؤسسة جديدة سوف يكون لها شأن في الحياة الدينية السياسية.

ولاغرو فقد صارت الزوايا مرتعا خصبا  للتأطير السياسي بعد الديني من جهة، وللمعارضة السياسية من جهة أخرى، وظهرت شخصيات صوفية ادعت في الغالب النسب الشريف، كما ادعت الإتيان بالخوارق والتمييز باحتكار البركة والكرامات التي كان الشعب متعطشا لها بفعل ظلم السلطة الحاكمة وقهرها. وعملت على بناء الزوايا بشرعية دينية لتمارس العمل السياسي، فأضحت مقرا لتعليم الصوفية وفنون أخرى كالموسيقى وكذلك الحرب والسحر[22] ، وأورد بعض النماذج فقط لا الحصر للطرق الصوفية التي لازالت مستمرة إلى يومنا هذا، كالطريقة الصادقية  نسبة إلى سيدي أحمد بن عبد الصادق في كل من المغرب والجزائر وصولا إلى ليبيا، والطريقة الجيلالية نسبة إلى المولى عبد القادر الجيلالي، وهو دفين بغداد والزاوية التيجانية التي امتد نفوذها إلى أعماق افريقيا والزاوية الدرقاوية والزاوية الكتانية التي ظهرت مؤخرا، أي نهاية القرن التاسع عشر ميلادي وغيرها.

ونظرا للخطر السياسي الذي شكلته هذه الزوايا، فقد قامت السلطات المرينية في إطار لعبة التوازن في أشكال التدين لاستمرار السلطة الحاكمة، بتشجيع الإسلام السني الرسمي الذي يمثله الفقهاء، وذلك عبر سياستهم التعليمية – التي جعلت من الزوايا –  مرتعا للبدع والجهل الذي يهدد الإسلام الحق. بالرغم من أن هذا الصراع في اعتقادي المتواضع كان يترجم الصراع بين السلطة السياسية المركزية، والقبائل المناوئة التي كانت شديدة الغيرة على استقلالها، والمحافظة على كيانها الاجتماعي والسياسي، كما كانت تعبيرا دينيا عن صراع اجتماعي بين ذوي النفوذ والأغنياء المرتبطين بالسلطة السياسية كطرف ، والعامة من الفقراء وصغار الفلاحين والحرفيين وغيرهم كطرف آخر.

ومن الإنصاف الاعتراف بأن هذه الزوايا، والطرق الصوفية، قد وقفت أمام الاحتلال الأجنبي منذ التاريخ الحديث ( القرن السابع عشر والثامن عشر ميلادي)، في وقت عجزت السلطات الرسمية عن التصدي له، فظلت مهمة الجهاد في كثير من الأحيان مقتصرة على هذه الزوايا التي ولد من رحمها الأشراف السعديون في سوس ( زاوية تاكمدارت الصحراوية)، وهم من سيتمكن من حسم السلطة السياسية اعتمادا على شكل من أشكال التدين. أي الزوايا والطرق الصوفية، بل سيعملون على توحيد البلاد سياسيا.

إضافة إلى البعد التاريخي والمؤسساتي لهذا التركيب، يحتوي هذا الآخير بعدا ثقافيا على اعتبار أن الزاوية مؤسسة للتركيب بين الشرف والبركة[23]، – الاسلام التاريخي المحلي والإسلام النصي القدسي والدنيوي الاقتصادي التكافلي ، والعمراني الرمزي –[24]، ولعله الأمر الذي أعطى للزاوية نوعا من التميز داخل المجال المؤسساتي العربي الإسلامي، إضافة إلى مؤسسات أخرى لها ثقلها التاريخي وتأثيرها الاجتماعي والسياسي إلى اليوم، وهي مؤسسة الخلافة ( الخليفة أو السلطان)، ومؤسسة المسجد ( مؤسسة الفقيه والعالم والإمام)، ومؤسسة المدرسة ( العلماء وشيوخ المعرفة)، ثم مؤسسة بيت الحكمة ( الفيلسوف) التي لم تعمر في الواقع المادي، مثلما عمرت في الواقع الفكري، وأخيرا مؤسسة الزاوية ( متصوفة الغرب الاسلامي)[25].

وللإشارة، فالزاوية لم تحضر كمجال لحركية النخبة فقط في تاريخنا المعاصر، وفي سياق الصراع مع المستعمر، بل شكلت قناة تواصلية مثلها مثل المسجد، فقد كانت مخصصة لإلقاء الدروس وفي نفس الوقت مكانا للاجتماع وإيصال الخبر السياسي ونشره، أي قناة التواصل الديني لتصريف السياسي حسب أحد الدارسين[26].

3- الإسلام السياسي: ( مؤسسة سياسية دينية)

تكمن أهمية هذا المحور في مساهمته في تناول جانب محدد من ظاهرة الحركات الإسلامية من زاوية سوسيو تاريخية، ترصد أهمية هذا الشكل في التعاطي مع الدين الإسلامي، ودوره في تجربة المجتمعات ودينامكيتيها. وقد ساهمت مجموعة من الأحداث الكبيرة على الساحة السياسية العالمية في ميلاد هذا المشروع، وتتجلى في الثورة الإيرانية وأحداث أفغانستان وتصاعد مد حركات الاسلام السياسي…، ويتأكد ذلك من خلال زخم الأبحاث والدراسات – الغربية –[27] في الغالب الأعم التي أخذت على عاتقها كشف أشكال حضور الدين في المجتمعات العربية الإسلامية، وكيف يمكن توظيفها سياسيا واقتصاديا لخدمة مشاريع معينة.

وبالرغم من ذلك، فالملاحظ أن أغلب تلك الدراسات تفتقر إلى الرؤية المقارنة، مع ما يعنيه ذلك من إقرار ضمني “بتميز محدد” للإسلام، وهو ما يتناقض مع تاريخ الفكر والمجتمعات. كما أنها تخلط بين الإسلام بشكل عام ( كدين )، ومختلف التيارات السياسية – الدينية – كشكل من أشكال التدين السياسي.

أولا: تعريف حركة الإسلام السياسي:

إن حركة الإسلام السياسي، هي حركة اجتماعية سياسية تتوسل جوانب معينة من الدين للوصول لتحقيق ذاتها أولا، ولتحقيق أهداف سياسية وإيديولوجية غير معلنة في الغالب الأعم، وتتميز بالاختلاف، بل بالتناقض والصراع فيما بينها، ورغم علاقات التأثير والتأثر التي تجمع بين هذه الحركات على مستوى العالم الإسلامي، إلا أن هذا لا يمنع من كون كل حركة اجتماعية تستمد منطقها وأسباب نموها من تطور المجتمع الذي تنتمي إليه[28]. ولهذا نجد تنوعا في أشكال تنظيم هذه الحركات، وفي مواقفها السياسية الدينية ، وفي القواعد الاجتماعية التي  تعتمد عليها، وكذلك في أساليب العمل التي تعتمدها، ونفس الحكم ينطبق على كل قطر من الأقطار العربية وغيرها.

ويمكن رصد الأسباب التاريخية لصعود حركات الإسلام السياسي في المجال المغاربي إلى جملة من العوامل، يمكن إجمالها في:

عوامل داخلية: ويمكن إجمالها في فشل السياسات والمخططات “الوطنية “، والتي اتسمت بالتسلط السياسي( صناعة النخب، إقصاء الصوت الآخر)، والتبعية الاقتصادية وكل مظاهر الإقصاء الاجتماعي والثقافي، وتخلف السياسات التعليمية، إضافة إلى الاختيارات الاقتصادية التي أجهزت على أحلام الطبقات الوسطى والبورجوازية الصغرى في الحراك الاجتماعي، وإقصاء عامة الشعب من الفقراء والمعدمين من كل مجالات الحياة العامة. وكانت النتيجة هي تعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية، وتقليص فرص المشاركة السياسية بصناعة نوع من الاجماع المطلق داخل المجتمع، وقد يتفق جل الباحثين في هذا التحليل رغم اختلاف زوايا البحث، ولكن الجديد هو أن كل هذه الأنظمة السياسية، كانت تشجع الحركات الإسلامية السياسية على الأقل بغية مقاومة الإسلام الشعبي ( التصوف) والإيديولوجيات اليسارية الماركسية[29].

عوامل خارجية: وأهمها فشل الحركة الوطنية والقومية العربية، واندلاع الصراعات والحروب الداخلية وتبني المشاريع الوطنية من طرف الجيش والعسكر، كما وقع بمصر وليبيا والجزائر، ومن طرف البورجوازيات التبعية والمصنوعة داخل أجهزة الدولة ، كما هو الحال بالنسبة لتونس والمغرب، إضافة إلى كل مظاهر وانعكاسات العولمة على المنطقة العربية عامة (التدخل الامريكي في العراق، وفي السودان وفي سوريا…) والتي أثارت المشاعر المضادة للغرب على المستوى الثقافي ، وأخيرا دور بعض الدول الإسلامية، وخاصة إيران والسعودية وقطر..القائم على تسخير الرمزية الدينية وتمويل وتموين وتأطير الجماعات الدينية لأهداف سياسية كبرى، نعيش نتائجها إلى اليوم.

وعموما على مستوى التدين، يعمد الإسلاميون إلى الدعوات الإنطوائية على الهوية الدينية كملجإ أخير بعد فشل المشاريع الأخرى في مواجهة الغرب المستبد ( وبعضها يتلقى التكوين والدعم غير المعلن من طرف الغرب)، أي كصوت للشعوب المضطهدة، وأيضا ضد استبداد الأنظمة السياسية المحلية ( وبعضها يتلقى التوجيه والدعم من طرفها)، في إطار لعبة الأدوار، فبعضها متخصص فيما هو ديني، والأخر ديني سياسي، وتجاري اقتصادي في بعده الليبرالي والآخر دعوي.. لكن المنطلقات والأهداف واحدة في آخر المطاف.

وفي نفس السياق، فالفرضية المركزية التي ينطلق – منها الدارسون-، أن الدولة هي المهيمن الوحيد على الحقلين الديني والسياسي، فالمؤسسة الملكلية مثلا في المغرب تلعب دورا مركزيا داخل هذا الحقل ولا تقبل المنافسة، فهي تستفرد بتعبئة الرموز والدلالات الدينية تعبئة شبه شاملة حسب تعبير الباحث فوزي بوخريص[30]، والأكثر من ذلك أنها تحدد المكانة التي تحتلها باقي الأطراف الأخرى. ولعل هذا الاحتكار للإنتاج الرمزي الديني من طرف الدولة، رهين بقدرتها على نزع مشروعية التحدث باسم الدين عن الحركة الإسلاميةن إما عبر تدجينها واحتوائها وتوجيهها وإما مواجهتها ومحاصرتها. ويكون رد الفعل الديني السياسي هو منطق المزايدات المحاكاتية حسب تعبير محمد أركون[31]، حول مسألة الدين الحق: أي من يمثل الدين الحق؟ وبالتالي من يحق له الهيمنة داخل الحقل السياسي ذي الشرعية الدينية ؟.

ويبدو أن المجتمعات المغاربية كغيرها من المجتمعات الإسلامية، قد أفرزت تصورا خاصا للإسلام ولا نبالغ في شيئ إن قلنا أنه نتيجة تكيف تاريخي متبادل بين القيم الدينية والهياكل الاجتماعية والثقافية المحلية[32]. لكن الاسلاميين يميلون إلى التميز عن باقي المسلمين ” العاديين “، سواء على مستوى المظهر الخارجي( اللحية بالنسبة للرجال والحجاب الخاص بكل جماعة بالنسبة للمرأة) أو على مستوى السلوك والفعل ( الانسان النموذج المتدين، التعبئة الضرورية، ومواجهة كل من يخالف تعاليم الاسلام كما يعرفها هو). كما يتميز الإسلامي السياسي بالانسيابية والحركية المتيسرة في كل المجالات الاجتماعية إضافة إلى البساطة في التعامل مع الآخر المستهدف وفي المقابل المواجهة الخشنة مع المختلف والمتناقض مع الفكر. زيادة على الاحتكام إلى لغة عامية قريبة من ذهن كل مسلم ووجدانه، بعيدة على التحليل العلمي المنطقي الشاق وغير المجدي في مجتمعات أكثر من نصفها لا يتقن القراءة والكتابة.

ولاغرو، فيجب الإشارة إلى أن الالتزام الديني عموما لدى جماعات الإسلام السياسي، يلمح بالضرورة إلى التشدد في ممارسة الشعائر الدينية. أما ما يتعلق بالصلاة فيفترض في الفرد القريب من الدائرة الإسلامية أن يواظب على أداء الصلوات في مواعيدها وفي الأماكن المخصصة لها. بل ويعتبر مؤشرا واضحا على مدى التزام الفرد دينيا ، ولعله دليل قاطع على أن الحركات الإسلامية ليست أحزاب سياسية فقط، بل هي شكل من أشكال التدين التي عرفها العالم الإسلامي منذ عصوره الوسطى إلى يومنا هذا.

أما على مستوى العمل السياسي والتنظير الفكري والتنظيمي، فيظل السؤال المطروح حول هذا الخلط بين السياسي والديني، هو معرفة ما إذا كانت استراتيجية التوافق التي يعبر عنها خطاب الإسلام السياسي، منذ بداياته الفعلية ( نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات) مجرد مناورة من أجل تجنيد الرأي العام لكسب الاعتراف القانوني بالحركة كحزب سياسي، تمهيدا لتحقيق غاياتها الكبرى( إقامة الدولة الاسلامية)، أم هو اختيار مبدئي يهدف بالفعل إلى إقرار مصالحة وطنية شاملة، والمساهمة في إنجاح الانتقال الديموقراطي في البلدان المعنية ؟.

وعلى هذا المستوى، تعتبر تجربة الإسلام السياسي بالقطر التونسي الأقدم تاريخيا في بلدان المغرب العربي، وعموما يتضح من خلال ملاحظات بعض الدارسين[33]، أن معظم البيانات والإشارات السياسية للحركة خلال المرحلة السالفة الذكر، كانت في مجملها عبارة عن ردود تجاه مباردة الحكام في جل أقطار المغرب العربي، باستثناء الجزائر التي ستواصل الحوار فيما بعد، بل والاستجابة الفورية لشروطها الخاصة بفتح باب التعددية السياسية ونزع صفة الإسلامي على الحزب السياسي، ولو على المستوى الظاهري، كما تم الاهتمام كثيرا بمواضيع العنف والتعصب الديني و عدم احتكار الإسلام والمنظومة القيمية وغيرها. في وقت اتضح فيه عدم وجود قوة سياسية قادرة على منافسة السلطة السياسية ايديولوجيا وتنظيميا[34]، فالتيارات السياسية الأخرى قد أنهكت قواها بفعل المواجهات الحادة وتصلب مواقفها مع الأنظمة الحاكمة وحلفائها من الليبراليين وحتى بعض الإسلاميين، أما الأحزاب السياسية الأخرى فكانت على العموم تابعة للأنظمة السياسية تنظيميا وأيديولوجيا.

في حين، كان الأمر مختلفا مع حركة الاتجاه الإسلامي الذي ابتعد عن خطاب المواجهة السياسية، وخاصة مع الحكام، ليهتم كثيرا بمفهوم الهوية والتحديد المغاير لمفهوم الثقافة ومصادر الغزو الحضاري. وبالتالي فإن الاشكالات الحقيقية عند هذا التوجه ليس في السلطة الحاكمة وغيرها، بقدر ما ذوات المسلمين وفي ابتعادهم عن دينيهم الإسلام.

وفي اتجاه آخر، ركزت الحركة الإسلامية في استقطابها السياسي على فضاء المساجد، ودور الثقافة والجمعيات، والتوسع في الجامعات، وحتى النقابات، إضافة إلى تطوير الخطاب الفكري في اتجاه امتلاك التنظيم، والمفاهيم الحديثة التي كانت ملكا لتيارات أخرى[35]، وصارت تطالب بإعادة الاعتبار إلى الإسلام كمكون أساسي للشخصية المغاربية، بل أصبحت ينتقد النظام السياسي من داخل مشروعه السياسي التحديثي نفسه الذي يرتكز على مبدأ المساواة وبناء المواطن الصالح، في سياق التمييز بين مرحلتين: مرحلة بناء المجتمع المسلم ” ومنهاج الدعوة الذي يتلخص خلال هذه المرحلة في البلاغ المبين والصبر الجميل، ووالمرحلة الثانية، حيث الرحلة المكية من السيرة النبوية حيث كان النبي (ص)، يصدع بالحق في إبطال العقائد والمفاهيم الخاطئة، وما ارتبط بها من مظالم اجتماعية ومفاسد خلقية واستبداد سياسي، متحملا بكل صبر ما يتلقاه من اضطهاد من القوى المضادة لحركة التغيير..[36].

وبالتالي فقد كان بناء الدولة الإسلامية يتطلب تنسيقا شبيها ” بالأممية ” الإسلامية دون الوقوع في ثنائيات دار الإسلام ودار الحرب التقليدية لترك إمكانية التنسيق مع بعض الدول الغربية، فالغايات الدينية، سعت الحركة إلى تحقيقها بكل الممارسات السياسية التوافقية ( وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة)، وهذا يعني أن الديني كان متحكما في السياسي على الأقل خلال هذه الفترة، فطابعها الرسالي التبشيري الاستثنائي جعلها مفتقدة لتراث نظري مفصل يقتصر على تنظير لعموميات الخطاب وتوجهاته الكبرى حسب تعبير فرانسوا بورجا[37]. لكن على مستوى التنظيم فقد كانت الحركات الإسلامية الأكثر تواجدا واستعدادا لأي هبة وحركية جماهيرية محتملة، وهو ما وقع بالفعل.

  • استغلال الجانب الديني في التحولات السياسية الراهنة من أطراف داخلية، أو خارجية، وإفراز التشدد الديني)

يظهر أن الهدف الذي نتوخاه من هذا المحور، ليس هو محاسبة التجربة بمنطق السياسي بل قراءة الخطاب والسلوك الديني السياسي ( الإسلام السياسي) في ضوء تطور الأحداث والتحولات السياسية الراهنة بمنطقة المغرب العربي، حيث البداية كانت من تونس نهاية دجنبر 2010 م وبداية يناير 2011 م، كحركة اجتماعية احتجاجية فريدة في العالم العربي برمته.

إن الحركة الإسلامية خلال هذه المرحلة، كانت أقل حضورا مما كانت عليه سابقا، غير أنها لم تختف من المجال السياسي، الدليل على ذلك أن شعاراتها كانت غائبة نهائيا من ” ثورة الكرامة “، ولعله نفس الحكم ينسحب على الحركة الاحتجاجية بمصر، بل ويسجل العديد من الدارسين غياب الحركة الإسلامية التام والمثير في بداية الحراك الشعبي[38]، ذلك أن القمع لا يفسر كل شيء، فالمجتمع التونسي عرف تطورا تاريخيا عميقا مقارنة بالأقطار العربية الأخرى على الأقل، في علاقته بالعلمانية وفكرة المساواة بين الجنسين وحرية أكبر في ممارسة المعتقد، إضافة إلى التطور الاقتصادي والتعليمي المشهود له، ولعله ما جعل المجتمع التونسي أقل قابلية لقبول المشروع الإسلامي في تلك اللحظة.

لكن، مباشرة بعد إنجاح الثورة وإسقاط رأس الهرم السياسي لنظام ابن علي، بدأت أولى بشائر حركة الإسلام السياسي تظهر على السطح، وربما الأكثر تنظيما ( حركة النهضة ومن يدور في فلكها)، ومع ذلك فغيابها عن الانتفاضة التلقائية والشعبية طوال مراحلها الأولى لم يؤهلها لاحتكار المشروعية كما أرادت هي، وكان محكوما عليها حسب تعبير أحد الدارسين[39] بالركوب في قطار لم تحركه ولم تقدمه، وبالتالي فإن خطر حكومة إسلامية كليانية يبتعد بحيث لا يمكن للإسلام السياسي في الديموقراطية التي بدأت تنمو إلا أن يأخذ مكانه بين باقي الأحزاب الأخرى المشكلة للمشهد السياسي التونسي.

ورغم كل تلك المؤاخذات، فقد حصلت الحركة الإسلامية على أغلب الاصوات التي تمكنها من اعتلاء السلطة السياسية بصعوبات كبيرة، وباختصار كبير أمام وضعيات مشكلة حقيقية. إذ كيف يمكن تحقيق مبدأ الدولة الإسلامية، وغيرها من الشعارات الدينية، في بيئة متحررة أخذت في التطور التكنولوجي، والاقتصادي، والاجتماعي، في إطار أكثر انفتاحا على حضارة البحر المتوسط والثقافات الغربية عموما شكلا ومضمونا ؟ ولعلها نفس الاشكالات التي واجهت الحركات الإسلامية بالوطن العربي وشمال افريقيا عامة. على ضوء التحولات الأخيرة، ففي الوقت الذي انتظرت فيه الشعوب التي ضحت من أجل إزاحة الأنظمة التقليدية، أو التمكن من محاصرتها، الإجابة الفورية على إشكالاتها الحقيقية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الممكنة، قد وجدت نفسها مع الحركات الإسلامية تدور في حلقة مفرغة، وفي نقاشات عقيمة وتافهة من قبيل اللباس و الحجاب واللحية، ومحاربة الفكرالعلماني الحداثي، ونشر الخطاب التشكيكي ونظرية المؤامرة والعودة إلى موضوع المرأة، وضرورة محاربة الفساد والاستبداد في غياب مشروع مجتمعي واضح  تبقى شعارات مرتبطة بالجانب الأخلاقي القيمي وتبقى غير قابلة للقياس لا في الزمان ولا في المكان، وتقسيم المجتمع إلى مسلم وكافر..، أمام تغييب النقاش الأساس، والمتمثل في إشكالية فصل السلط، وقضايا التعليم، وحرية التعبير،ومقاربات التنمية البشرية..، ونفس الوضعية بالنسبة للقطر الليبي الذي تكثف فيه التدخل الخارجي لدرجة أضحى فيها من الصعب تحديد مستوى التغيير من عدمه، وفتح الباب على مصراعيه للتطرف الديني أكثر من غيره.

وبات من الصعب -عموما – على حركات الإسلام السياسي أن تتحول فعلا إلى تنظيمات ديمقراطية حقيقية، وتم التوصل إلى حقيقة مفادها : أن الدين في مجتمعاتنا ضروري لما قدمه للإنسان، ليس فقط  من تفسيرات وإيضاحات للمجتمعات في شتى المجالات حسب تعبير محمد أركون[40]، وإنما أيضا للأجوبة العلمية القابلة للتطبيق، وحتى الاستخدام في العلاقة مع الوجود والآخر والمحيط الفيزيائي، لكن بعيدا عن التطبيقات السياسية والاقتصادية التي تظل مجرد اجتهادات علمية تتصف بالنسبية، فردية كانت جماعية، بعيدة عن الدين قد يكون مصيرها النجاح أو الفشل.

وبالعودة إلى موضوعنا فالتنظيمات الإسلامية جلها تقوم على مبدإ الطاعة ” طاعة المرشد، طاعة الإمام طاعة الأمير والقائد السياسي..” وهي نقطة قوة تتفوق بها على كل الاحزاب السياسية الأخرى في القضاء على المشاكل الداخلية وإخمادها بسرعة كبيرة، وتغييب الصراعات الداخلية التي طالما ساهمت في تفتيت أحزاب مشهود لها بالإحكام النظري والسياسي في زمن الامتحانات الكبرى، لكن بالمقابل فإنها نقطة ضعف هذه التنظيمات. لأنها لا تفتح مجالات النقاش المعروف داخل الاحزاب السياسية الأخرى، وبالتالي تغيب الديموقراطية الحقيقية، ويبقى إشعاعها مرتبط بالأشخاص أكثر من التنظيم السياسي، إضافة إلى إشكالية التركيبة الاجتماعية للحركة والتي تضم كل أطياف المجتمع من الأثرياء جدا ، إلى الطبقات الوسطى وصغار الموظفين والفقراء والمعدمين..بمن فيهم أولائك الذين يرسمون لأنفسهم صورة رجال الدين، بالرغم من كون أفكارها لا تدافع إلا الفئات المحافظة.

وحتى لا ننسى أن النموذج في التدين السياسي المرتبط بالجماعات الإسلامية على اختلافها ، هو تجربة الإخوان المسلمين بمصر، التي يرى العديد من الدارسين للتاريخ المعاصر،[41] أن السفارة البريطانية كما تدل على ذلك العديد من الوثائق، هي التي اتخذت قرار مساندة جماعة الإخوان المسلمين سنة  1927 م، وذلك لمنع تسييس الجماهير الشعبية سواء من خلال الوفد أو الشيوعيين اللذين شكلا عنصرين أساسيين في الثقافة السياسية المصرية الحداثية، من خلال تمكنهما من إقناع المجتمع المصري من تجاوز الطائفية تماما، ولم شمل المسلمين والأقباط ، حتى أن هناك أقباطا مسيحيين منتخبين في البرلمان، بل كان منهم في بعض الأحيان رئيس البرلمان المنتخب، دون أن يثير ذلك أي تعليق سخيف من النوع الذي نسمعه اليوم عن الخشية من تحكم المسيحيين في المسلمين..، ونفس الحكم ينسحب على التجربة التونسية والمغربية مع العنصر اليهودي حيث صاروا وزراء ومسئولين كبارا في أجهزة الدولة.

ولعل هذا الدور كان مفروضا على حركات الإسلام السياسي أن تقوم به، على الأقل كإشارة منها على تمثيل الإسلام المتسامح مع الآخر، والمتعايش معه على امتداد التاريخ الإسلامي كما يدعون،  لكن العكس هو ما وقع فعلا، حيث الكره الدفين لكل أشكال الديموقراطية وللديانات السماوية الأخرى وللفكر الآخر بشكل عام.

  • خلاصة

الحصيلة أن كل أشكال التدين في مشاربها المتعددة ( الاسلام الرسمي للدولة ، الاسلام الشعبي ” التصوف “، الاسلام السياسي لبعض الاحزاب السياسية)، تشترك في كونها تنتمي للدين الإسلامي، بل تدعي أنها تستوحي تعاليمه وتسعى إلى وضع مبادئه في الحياة والمجتمع والسلطة موضع التطبيق. لكنها تعكس في نظرنا حقيقة تاريخية من الصعب إنكارها، وهي أنه لا يمكن اختزال كل أشكال التدين في نموذج واحد. والإقرار بأنها خاضعة للتحول والتطور بحكم طبيعتها الثقافية. ولفهم ذلك يجب التمييز بين عدة مستويات لفهم الاسلام :

أولا: الثابت في الإسلام وهو الدين، ويتناول الاسلام باعتباره مجموعة من القيم التي نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية ( الغايات الكبرى)، وهذه القيم تتصف في كونها ذات طابع وجودي أي تضفي معنى على الحياة، وتوفر حلا متميزا لمعضلات المبدإ والمصير، وهو ما يجعلها مبادئ تتجاوز الزمان والمكان، كما يمكن اعتبارها تمثيلا لجوهر الاسلام.

ثانيا: وهو يجمع بين الدين والتدين، أي مستوى الممارسة التاريخية للإسلام، وهي قابلة لتكون موضع نقاش ومساءلة لأنها بشرية، وبالتالي قد تكون ناقصة ومحدودة، كما قد تكون ناجحة.  فالمسلمون بعد انقطاع الوحي أصبحوا يعيشون ما يمكن أن نسميه ” الوضع التأويلي للدين ” فاجتهدوا ووضعوا المؤسسات بهدف تجسيد الدين في مختلف أوجه الحياة، وبرزت إلى السطح مجموعة من الاجتهادات في اطار ما عرف بالعلوم الإسلامية، والأكيد أنها تأثرت بدخول عدة عناصر غير عربية إلى الاسلام ( ايجابا وسلبا)، إضافة إلى نتاج العلاقة التي قامت بين العلماء المسلمين والسلطة السياسية والتضامن بينهما وفق المصالح غير المعلنة في الغالب الأعم. إضافة إلى بعض الفقهاء الذين نصبوا أنفسهم يتكلمون باسم الله تعالى، ليتسم خطابهم بالقداسة. وكل ذلك لنميز بين الاسلام كدين من جهة، وتاريخ الاسلام كممارسة يومية يساهم في تكونها الإنسان من جهة أخرى، وهنا يندرج الإسلام الرسمي للدولة والإسلام السياسي لبعض الاحزاب السياسية.

ثالثا: ويتعلق بالبعد الفردي في الإيمان وهو شكل من أشكال التدين، وعملية استبطان للقيم والمبادئ الإسلامية للفرد، وهنا يمكن تفسير اختلاف التعاطي مع الدين بين الفلاسفة والمتصوفة والعالم والباحث والعامي والأمي.. وذلك حسب شخصية المؤمن الذاتية وثقافته وبيئته ومحيطة وحتى الفترة العمرية التي تأثر فيها بإحدى أشكال التدين هاته، وهنا يندرج ما يمكن أن نسميه بالإسلام الشعبي.

وأخيرا، فبالرغم من إختلاف أشكال التدين وتنافسيتها، فيجب أن تتفق جميعها على ضرورة قراءة الدين وفهمه فهما معاصرا حديثا مواكبا للتطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، حتى يظل الدين في موقعه الطبيعي، أما في حالة العكس أي الحكم السياسي الديني بأشكاله المشوهة والهجينة ( التطرف الديني)، فعاجلا أم آجلا سيتعرض الخطاب الديني الإسلامي نفسه للتساؤلات التي تعرضت لها الديانة المسيحية بأوربا نهاية العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، والتي لم تعد قادرة تاريخيا على مواكبة التحولات الكبرى بفضل تطرف الباباوات وهيمنتهم المطلقة على الحقل الديني السياسي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ ادريس هاني: ” في التسلط الحافي والاستبداد كملهاة”  مقال منشور في مجلة وجهة نظر، العدد 49، السنة الرابعة عشرة 2011، ص 33 .[1]

[2] – ادريس هاني : المرجع السابق والصفحة 34.

[3] – يرى الماوردي في الخلافة  أنها  خلافة  النبوة في حراسة  الدين  وسياسة الدنيا :

أبي  الحسن الماوردي  ” الأحكام  السلطانية”، تحقيق  سمير  رباب  المكتبة  العصرية  بيروت  2001 ص: 13 .

[4] – ابن خلدون: المقدمة، تاريخ العلامة ابن خلدون، دار الكتاب اللبناني، مكتبة المدرسة، بيروت السنة 1972.

[5] – محمد عابد الجابري: العصبية والدولة، معالم نظرية خلدونية في التاريخ الاسلامي، دار الطليعة، بيروت ، 1972.

 5- للإشارة فقط فبالرغم من كون الأمر كان واقعا ام مفتعلا من طرف الاستعمار وأصحاب المصالح وغيرها، فلا يمكن انكار ان الواقع المعاش هو على هذه الصورة وهناك من ينفذ هكذا مشاريع.

[7] – خالد غزال: ” وجها لوجه مع الفكر الأصولي ” دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى ماي 2009، ص 126.

[8] – علي أو مليل : الخطاب  التاريخي ” دراسة  لمنهجية  ابن خلدون” المركز الثقافي  العربي  ط 3 1985

– محمد  عزيز  الحبابي “ابن خلدون معاصرا” ترجمة فاطمة  الجامعي  الحبابي دار  الحداثة  بيروت  ط 1 1984.

[9] – علي عبد الواحد وافي: ” عبد الرحمان بن خلدون، حياته وآثاره ومظاهر عبقريته” الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975.

[10] – خالد غزال : ” وجها لوجه..” مرجع سابق ص 130.

[11] – محمد المنوني: ” ورقات حول الحضارة المغربية في عهد الدولة المرينية” ، الرباط، 1979، ص. 258.

[12] – محمد المنوني: ” ورقات…” المرجع السابق ، ص 233.

[13] – عبد اللطيف أكنوش: ” السلطة والمؤسسات السياسية في مغرب الأمس واليوم”، مكتبة بروفانس البيضاء، 1988.

[14] – ابراهيم حركات: ” المغرب عبر التاريخ” الدار البيضاء، الجزء الثاني، ص 158.

[15] – عبد اللطيف أكنوش: ” السلطة والمؤسسات…” مرجع سابق 79.

[16] – ابن قتيبة: ” الامامة والسياسة ” ، مطابع سجل العرب، القاهرة، 1967، ص 6.7.

[17] – عبد اللطيف أكنوش : ” السلطة والمؤسسات…” مرجع سابق، ص 122.

[18] – عبد الصمد بلكبير: ” الدين والدولة: مؤسسة “إمارة المؤمنين” في المغرب” مجلة الأفق الديموقراطي،العدد 5 السنة 2013، مطبعة التيسير المغرب، ص 113.

[19] – عبد اللطيف أكنوش : ” السلطة والمؤسسات….” مرجع سابق، ص 80.

[20] – ابراهيم القادري  بوتشيش: ” تاريخ الغرب الإسلامي” دار الطليعة بيروت، الطبعة 1 السنة  1994 .

[21] – محمد بن شقرون:” مظاهر الثقافة المغربية في عهد المرينين” مطبعة الرسالة، الرباط، 1982، ص 123.

[22] – c ;A . Julien ; « Histoire de  l Afrique du Nord » paris ; 1978 ; p 197,

[23] – ماكسيم رود نسون:” الإسلام والرأسمالية” : دار الطليعة بيروت  الطبعة 4،

[24] – نور الدين الزاهي: ” الزاوية والحزب، الاسلام والسياسة في المجتمع المغربي”، افريقيا الشرق 2003، ط 2، ص 6.

 21- للمزيد من الاطلاع راجع. محمد ضريف: ” مؤسسة الزوايا بالغرب الاسلامي”، المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي، السنة الأولى، العدد الأول ،1986

 نور الدين الزاهي: المرجع السابق، ص 211.[26]

[27] – انظر إسهامات كل من كريستيان سوريو، واتيان برينو، وبول باسكون، وغيرهم، ضمن الأعمال الجماعية الصادرة عن المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا:le Maghreb musulman en 1979. Sous la direction de christiane souiau ; participation de paul pascon. Collection études de l Annuaire de l Afrique du nord ( paris : Editions du Centre national de la recherche scientifique ; 1979) ; Islam : Sociétés et communautés : Anthropologie du Maghreb ; sous la direction de Ernest gellner ( paris : Centre National de la Recherche Scientifique( CNRS) 1981 ; et Islam et politique au Maghreb ; table ronde du CRESM. Aix ; juin 1979 ;;;;

[28] – فوزي بوخريص: “موقع الحركة الاسلامية داخل الحقل السياسي الديني في المغرب. مقاربة سوسيولوجية لمواقف الطلبة من الحركة الاسلامية” مجلة إضافات ، ( المجلة العربية لعلم الاجتماع) العدد السادس، ربيع 2009.

[29] – فوزي بوخريص: ” موقع الحركات الاسلامية….” مرجع سابق، ص 91.

[30] – راجع ” موقع الحركة الاسلامية…” مرجع سابق ، ص 93.

– محمد أركون: ” الفكر الاسلامي: قراءة علمية.” ترجمة هاشم صالح، بيروت، مركز الانماء القومي.[31]

[32] -Geertz, Clifford «  Observer l islam : Changement religieux au Maroc et en Indonésie ; paris : Ed la Découverte ; 1992 ,

[33] – عبد الحكيم أبو اللوز: ” علاقة الحركات الاسلامية مع الأنظمة السياسية، الحالة التونسية، 1981- 1991م” ، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 22، ربيع 2009، ص 138.

[34] – عبد الباقي الهرماسي: ” المجتمع والدولة في المغرب العربي”، مشروع اسشراف مستقبل الوطن العربي، محور المجتمع والدولة ( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية)، 1987، ص 112.

[35]–  A. Hermassi : «  L Etat Tunisien et mouvement islamiste » dans L Annuaire de L Afrique nord ; Paris ; Edition du centre national de la recherche scintifique CNRS. 1989.P. 297 .

[36] – عبد الحكيم أبو اللوز: ” علاقة الحركة الاسلامية…” مرجع سابق، ص 142.

[37] – ” الاسلام السياسي: صوت الجنوب ”  ترجمة لورين زكري، مراجعة وتقديم نصر حامد أبو زيد ، الدار البيضاء: النجاح الجديدة، 1994، ص 157.

[38] – نجيب بودربالة: ” الثورة التونسية ” مجلة وجهة نظر العدد 49، صيف 2011 ، السنة الرابعة عشر، ص 50.

[39] – نفسه، والصفحة 50.

[40] – ” العلمنة والدين: الاسلام، المسيحية، الغرب” ترجمة هاشم صالح، دار الساقي ، بيروت، 1993، ص 23.

[41] – سمير أمين: ” ثورة مصر وما بعدها ” ، مجلة وجهة نظر، العدد 49، صيف 2011، السنة الرابعة عشر، ص 53.

عبدالرزاق السعيدي

باحث في التاريخ، متحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السلطان مولاي اسماعيل،مكناس-المغرب. من مؤلفاته: " جدلية الصراع والاندماج بالمجال المغاربي".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى