الدراسات

إناسة «الجاهليّة» من أجل إناسة الإسلام

مقدّمة

لا يختلف اثنان على أنّ انبثاق الإسلام في القرن السابع الميلادي في جزيرة العرب قد جاء في إطار صراع دينيّ بين الدين «الجاهلي» والدين الجديد في المقام الأوّل، قبل أن يدخل في مواجهة مع الأديان الأخرى المنتشرة آنذاك في قبائل العرب وعلى رأسها اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة. ومن هنا، فإنّ الحديث عن صراع دينيّ يوجب، من زاوية المنهجيّة العلميّة، بيان طبيعة الدّينين المتصارعين وملامح التّعارض بينهما. وبما أنّنا ننطلق من مصادرة مفادها أنّنا على دراية وافية بالإسلام، وهي مصادرة نظريّة مفترضة فحسب نرى أنّها تحتاج إلى تحقيق، فإنّنا بالمقابل لا ندّعي الإحاطة بـالدّين «الجاهليّ» وطبيعته، وأقصى ما ندّعيه هو الإلمام بنُبَذٍ يسيرة من معتقداته ونُتَفٍ من الأخبار التي تناولت طقوسه. ومن هنا، رأينا أنّ من أهمّ الواجبات المطروحة على إناسة الإسلام محاولة بيان طبيعة الديّن «الجاهليّ» عبر نقد جملة المصادرات التي رسّخها الخطاب الإسلاميّ التّقليديّ في ذاكرتنا الجمعيّة والتي شكّلت منظومة الأحكام المتعلّقة به، إذ لا شيء أدعى إلى الشكّ في تلك الأحكام من انبنائها على مصادرات لم تتعرّض قطّ للنّقد والسّؤال إمّا خوفاً من المساس بالمصادرات التي انبني عليها الدّين المضادّ، وهذا ديدن المقالة الإسلاميّة في العموم، أو طمعاً في نقض تلك المصادرات خدمة لأهداف إيديولوجيّة غالباً أو دينيّة أحياناً لكن غير إسلاميّة وغير «جاهليّة» أيضاً، ممّا يجعل الحديث حولها مشبعاً في نفس الوقت بأحكام قيميّة حول الإسلام وحول الدّين «الجاهليّ»، وهذا هو ديدن المقالة الاستشراقيّـة في العموم.

وقد بدا لنا تناول المسألة يقتضي تحقّق أمرين هامّين على المستوى المعرفيّ:

1- معرفة شاملة بالرّحم التي تشكّل فيها الإسلام، أي ما اصطلح على تسميته «المجتمع العربيّ الجاهليّ» من حيث بناه الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة وبيئته وعقائده وعاداته، وتتبّع مسارات تلك المظاهر الحياتيّة وتطوّراتها وتحوّلاتها التي سمحت في لحظة تاريخيّة محدّدة بانبثاق عناصر جديدة تمكّنت من التّأثير في المجتمع الجاهليّ  برمّته وتحويله إلى مجتمع «إسلاميّ».

2- معرفة عميقة بالبنى الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة والبيئيّة والعقديّة التي مسّها التغيّر والأسباب التي أدّت إليه أو سمحت به، وتعيين العنصر أو جملة العناصر التي كان تغيّرها حاسماً في حصول التغيّر الكلّي، وبيان الكيفيّات التي تمّت بها تلك التغيّرات الجزئيّة، ثمّ بيان الظّروف الموضوعيّة العامّة للتغيّر الكلّي وجملة الممانعات التي لاقاها والدّوافع البنيويّة العميقة التّي شجّعت عليه…

وفي هذا الإطار، نطمح في هذه الورقة إلى إلقاء بعض الضّوء على مسألة التحوّل الهيكليّ العميق الذي عاشه المجتمع العربي «الجاهليّ» في انتقاله إلى مجتمع «إسلاميّ»، دون أن يحدث ما يوصف بأنّه «قطيعة جذريّة» بين المجتمعين (إن جاز اعتبار نفس المجتمع المتحوّل مجتمعين)، حيث تواصل وجود عناصر جاهليّة (يصفها البعض بأنّها وثنيّة على المستوى العقديّ) صلب البنيات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعقديّة للمجتمع «الإسلاميّ» حتّى على عهد النبيّ، ومن ثمّ استمرارها عبر جميع مراحل تاريخه وإن بصورة تحتيّة.

ومن هنا، فإنّ «الواقعة الإسلاميّة» المعبّر عنها بالخطابين القرآنيّ والنّبويّ لا يمكن فهمها إلاّ عبر فهم «الواقعة الجاهليّة» التي يعبّر عنها خطابها. فالخطاب الجاهليّ وإن كان معارضاً، فهو مؤسّس أيضاً للحدث الإسلاميّ بنفس القوّة والفعاليّة التي ساهم بها الخطاب الإسلاميّ، بل هو مؤسّس كذلك – تبعاً لقانون الفعل وردّ الفعل– للخطابين القرآنيّ والنّبويّ، وإن بطريقة ثاوية، بحيث لا يمكن فهمهما إلاّ به ومن خلاله.

في سبيل قراءة جديدة للدّين العربي الجاهلي

لقد ذهبت الخطابات التي تناولت الدّين العربيّ «الجاهليّ» مذاهب شتّـى:

  • إمّا في بيان فساد عقائده من حيث هو «دين شرك وأوثان وعبادة أحجار»، وهذا ديدن الخطاب الإسلاميّ بالخصوص الذي ما زال تأثيره ظاهراً في عموم الدّراسات المعاصـرة.
  • وإمّا في بيان أنّه كان «ديناً طوطميّاً»، وهو ما لا يتماشى مع طبيعة ذلك الدّين كما نرى، وكما سنحاول البرهنة عليه لاحقـاً.
  • وإمّا لبيان وجود «أطوار دينيّة مختلفة ومتراكبة» في ذلك الدّين من عبادة الحيوان والأشجار ومنابع الماء وعبادة الجنّ والنّجوم والأوثان([1])، إلى جانب عقيدة دهريّة، وكلّ ذلك مختلط بمظاهر سطحيّة من ديانات أخرى كالمسيحيّة واليهوديّة والمانويّة والزرادشتيّة، إلخ… إلاّ أنّ هذا النّمط من الدّراسات يكتفي عموماً بالإشارة إلى «تشوّش» تلك الأطوار متعجّباً من «تعايشها في تناغم غريب» ([2])، دون أن يتوّلى تفسير ذاك الخليط والحضور «المتزامن» لمركّباته المتنافرة وأسباب «تعايشهـا».

ولن ندخل هنا في نقاش مع هذه الرّؤى، إنّما سبيلنا أن نشير فحسب إلى بعض الملاحظات التي تبدو لنا أساسيّة باعتبارها مدخلاً مناسباً لفهم الديانة الجاهليّة ودورها المركزيّ في نشوء تلك الطّائفة المتداخلة من المعتقدات والطّقوس الموصوفة عموماً بأنّها «جاهليّة». وتتّصل الملاحظة الأولى بخصوصيّة الدّيانة الجاهليّة التي نرى أنّها كانت بالأساس «نجوميّة»، وهو ما تنتج عنه الملاحظة الثّانية المختصّة بالعقيدة الجاهليّة ونرى أنّها كانت «دهريّة» أساسها التّماثل الرّمزي بين كلّ ما هو سماويّ وما هو أرضيّ، ومن هنا نقض ما ارتآه البعض من أنّ تلك الدّيانة كانت فقيرة من حيث افتقادها للطّقوس والأساطير([3])، وهو ما يمهّد للملاحظة الثّالثة وتتعلّق ببيان أهميّة دراسة الخطابين الشّعري والأسطوريّ «الجاهليّين» لا بوصفهما حاملين للعقيدة الدّهريّة ومعبّرين عن منظومة التّماثل الرّمزيّ المنوّه بها فحسب، بل باعتبارهما متضمّنين أيضاً لكثير من الشّذرات المتعلّقة بجملة كبيرة ومتنوّعة من الطّقوس والأساطير التي كان عرب الجاهليّة يؤمنون بها أيّما إيمان، وهو ما يقود إلى الملاحظة الرّابعة التي تختصّ بالإشارة إلى قوّة نزعة التديّن عند عرب «الجاهليّة» وعمقها على عكس ما يراه معظم الباحثيـن.

نجوميّة الدّيانة العربيّة «الجاهليّـة»

نشير هنا إلى خطل الفكرة السّائدة عن الدّين العربيّ «الجاهليّ» باعتباره ديناً وثنيّاً مختصّاً بعبادة الأصنام والحجارة. كما نشير إلى أنّه لم يكن البتّة ديناً طوطميّاً كما قد توحي به بعض الأخبار ويفترضه بعض الباحثين، نافين ثالثاً أنّه كان يحوي طبقات متعايشة رغم تنافرها البيّن من حيث مرجعيّتها الفلسفيّة والميتافيزيقيّة. فعندنا أنّ الدّين العربيّ الجاهليّ، كان ينبني على «عقيدة إحيائيّة فلكيّة» (L’astrobiologie) بالمعنى الذي يسنده إليها رينيه بارتيلو Barthelot) (René ويصفها بأنّها «منظومة واسعة من الأفكار والرّموز المرتبطة بالدّورة النباتيّة القمريّة» ([4])، وهي منظومة رمزيّة عالميّة شاملة تنتظم عدداً كبيراً من الثقافات المتباعدة من العالم القديم في  أمريكا إلى الثّقافات الصّينيّة والهنديّة واليهوديّة المسيحيّـة…

ولئن كان المظهر الأساسي الأوّل لهذه العقيدة أنّها قائمة على عبادة النّجوم أو تقديسها، فإنّ التّدليل على أنّها كانت العقيدة السّائدة عند معظم عرب الجاهليّة([5]) من شأنه تفسير احتوائها على ما يوصف عادة بأنّه «بقايا من الطّوطميّة» ([6]) وتقديس المنابع والأشجار والاعتقاد في الجنّ وبعض المظاهر السّطحيّة التي يُظَنّ غالباً أنّها مقتبسة أو منقولة عن الدّيانات الكتابيّة كاليهوديّة والمسيحيّة والمانويّة، إذ أنّ التّنقيب في ما تحويه العقيدة «النّجوميّة» الجاهليّة من معتقدات وطقوس ورموز وأساطير من شأنه بيان أنّ تلك البقايا» و«المظاهر السّطحيّة» ما هي إلاّ صور لنفس «المبدأ الفلكيّ الأحيائيّ» الذي تقوم عليه تلك العقيدة العالميّة التي أثّرت في العرب كما في غيرهم من الأمم والتي سيطبعها العرب بلا شكّ بطابعهم الخاصّ الحامل بالخصوص لبصمات بيئتهم الصّحراويّـة.

ونحن نعتقد أنّ بيان اعتماد عرب الجاهليّة لهذا المبدأ الفلكيّ الأحيائيّ من شأنه أن يفسّر، في جملة ما يفسّر، ما يبدو اختلافاً بين المصادر الإسلاميّة حين يشير بعضها مثلاً إلى أنّ المعبودة (العُزَّى) كانت شيطانة([7])، فيما يشير بعض آخر إلى أنّها كانت صنماً([8])، وآخر إلى أنّها كانت شجرة([9]) أو ثلاث شجرات ([10]) أو صخرة بيضاء([11]) أو ثلاثة أحجار مسنودة إلى شجرة([12]). فبدل التّشكيك في صدقيّة تلك المصادر ورميها بالتخبّط والخلط، فإنّ ما نطرحه هنا من شأنه لا إعادة الثّقة بتلك المصادر فحسب، بل اعتبارها منظوراً غنيّاً بما توفّره من دلالات قد تؤسّس لرؤية جديدة لمسألة الدّين الجاهليّ وتعيد النّظر في كثير من «أشياء الجاهليّة» التي استقرّت في الأذهان كما أريد لها أن تكون منذ قـرون.

ومن شأن هذا المنظور أيضاً أن يفسّر ما يطرحه بعض الباحثين المعاصرين الذين يرون أنّهم يقدّمون أشياء جديدة حين يعلنون اكتشافاتهم الخاصّة بتصوّر العرب للأجرام السماويّة المؤلّهة من قبيل أنّ المعبودة (اللاّت) كانت تمثّل الشّمس وتمّ التّعبير عنها في الشّعر بالمهاة والغزالة والفرس والنّخلة، أو أنّ المعبود (ودّ) كان يمثّل القمر وتمّ التّعبير عنه بالثّور والأسد والنّسر… ونرى أنّ هذه «الاكتشافات» مبعثرة تفتقد إلى رؤية شموليّة تربط بينها من جهة، وتصلها مع ما ترويه المصادر من جهة أخرى، ثمّ تربطها أخيراً مع الرّؤية القرآنيّة اللاّحقة التي ربطت بين «أشياء الجاهليّة» والعقيدة النجوميّة ربطاً مذهلاً هو ما ندّعي أنّ هذا البحث سار على نهجـه.

على أنّ أهمّ ما نتج عن إيمان عرب الجاهليّة بعقيدتهم «النجوميّة» في رأينا، هو أمران على غاية من الأهميّة هما الاعتقاد بوحدة الوجود والتّعبير عن ذلك بواسطة منظومة تماثل رمزيّ شاملة، والاعتقاد بوحدة الزّمان أو الدّهريّـة.

وحدة الوجود أو منظومة التّماثل الرّمزي «الجاهليّـة»

ثمثّل العرب الغابرة عالماً أسطوريّاً بحيوانه ونباته وإنسانه وتماثيله يتأسّس على شعور قويّ وإيمان فطريّ بوحدة الثّالوث الكوسمولوجي: الكون، الطّبيعة، الإنسان([13]). فما يحدث في أحد هذه العوالم الثّلاثة يحدث ما يماثله في العالمين الآخرين، بمعنى أنّه من شأن أي خلل يصيب أحد العوالم الثّلاثة أن يصيب أيضاً بصفة آليّة العالمين الآخرين([14]). فالعوالم الثّلاثة متداخلة وبعضها متضمّن لبعض في تراتب هرميّ: «الكون يحتوي الطّبيعة، والطّبيعة تحتوي الإنسان، والكون يحتوي كلاً من الطّبيعة والإنسـان» ([15]).

فرؤية «الأشياء الجاهليّة» عبر هذا التّصنيف قد تعين على فهم أفضل لما يبدو أنّه تداخل بين المعتقدات في الجنّ مثلاً بوصفها مخلوقات ماورائيّة وبين المعتقدات في الآبار وفي الأحجار وفي الحيوانات وفي النّباتات في وقت واحد. كما قد تُعين أيضاً على فهم ما يبدو أنّه خلط بين النّزعة التّوحيديّة تجاه المتعالي التي نلحظها في الشّعر الجاهليّ مثلاً والقول بتعدّد الآلهة. كما أنّها قد تعين أخيراً على فهم أفضل للطّقوس الجاهليّة من حيث انتماء بعض القبائل إلى حيوان معيّن أو الاعتقاد فيه وما يقابل ذاك الحيوان من نبات على نفس صعيد التّصنيف الذي ينتمي إليه الحيوان، ثمّ ما يقابل ذاك الحيوان وذاك النّبات في عالم النّجوم وفي عالم الأرواح السّفلى، وما يقابل كلّ ذلك من أداء طقسيّ مخصوص بتلك الوحدة التي يكوّنها ذاك الحيوان وذاك النّبات وذاك النّجم وذاك الجنّ، سواء كان الأداء كلاماً (سجعا أو شعراً) أو رقصاً أو إيماءات تنتمي هي أيضا لنفس الفئة التي تنتمي إليها تلك الوحدة ([16]).

ومن البديهي أن يكون هذا التّقسيم من فعل الإنسان نفسه، فالنّزعة التّصنيفيّة للأشياء أمر غريزيّ لدى الإنسان وهو «لا يقتصر على قسمة المجتمع الإنسانيّ إلى طبقات وقبائل وعشائر مختلفة تختلف في وظائفها وعاداتها وواجباتها الاجتماعيّة، إذ يظهر تقسيم مماثل في شتّى جوانب الطّبيعة، فيعدّ عالم الطّبيعة صورة مناظرة ومطابقة للعالم الاجتماعي، وتخضع النّباتات والحيوانات والكائنات العضويّة وموضوعات الطّبيعة اللاّعضويّة والجواهر والكيفيّات بالمثل لهذا التّصنيف، فتنتمي مثلاً إلى فئة معيّنة كلّ من الجهات الأصليّة الأربع والألوان المختلفة والأجرام السماويّـة » ([17]).

إلاّ أنّ هذا التّقسيم وهذا التّصنيف الإنسانيّين يتمّان عادة في إطار جامع وشامل، هو إطار «اللّغة الرّمزيّة الشّاملة والفطريّة التي ترمي بجذورها في خصائص الجسد البشريّ نفسها، خصائص الحسّ والذهن، وهي خصائص مشتركة بين جميع البشر» ([18]). وتلعب الرّموز (les symboles) بوصفها محور الحياة المتخيّلة دوراً هامّاً في تشكيل السّلوكيّات البشريّة، ذلك أنّها تكسب الرّغبات الإنسانيّة وجهها وتدعو إلى انتهاج مسالك فعل دون أخرى، فهي موجودة في الخطاب والحركات وحتّى في الأحلام سواء بصفة واعية أو غير واعية([19])، ولكنّها مختلفة إلى درجة قد تصل التضادّ. فنموذج الصّراع بين الخير والشرّ هو كونيّ، لكنّه قد يتبدّى في صور رمزيّة مختلفة بحسب البشر وظروفهم ووضعيّاتهم، فهو حيناً صراع بين بطل ووحش وحيناً بين ملاك وحيّة وأحياناً بين الظّلام والنّور… وقل الأمر نفسه في صور الرّمز (الأسد، القَمَر، الماء،…)، فهي قد تكون كونيّة ولازمنيّة بما هي منغرسة في بنية الخيال الإنسانيّ، إلاّ أنّ معانيها قد تختلف بحسب البشر واختلاف ظروف عيشهم([20]).

 ولم يشذّ العرب «الجاهليّون» عن هذا المبدأ الإنسانيّ الكونيّ ([21])، فبنوا عالماً رمزيّاً في إطار رؤية شموليّة للكون والإنسان والطّبيعة أدمجوا فيها جملة إشكالات نظريّة وأخلاقيّة ورمزيّة على مرّ العصور بهدف تحديد مواقف كبرى من الوجود والعالم هي ما نطلق عليه اسم (العقيدة الجاهليّة)، بما تتضمّنه هذه العبارة من بعد دينيّ كان هو اللبّ والمحور للوجود الجاهليّ برمّته. وقد صدرت هذه العقيدة عمّا يمكن تسميته (المنظومة الخياليّة الرّمزيّة) وهي «منظومة الوعي الأولى في كلّ ثقافة» ([22])، أي مصدر الدّلالات الأعمّ والأشمل والأقرب إلى الواقع اليوميّ «الجاهلي» المعيش، ومصدر الحقائق اليوميّة الحيّة المباشرة في تعاطيها مع خصوصيّات بيئة العرب الصّحراويّة وما فرضته من اقتصاد رعويّ كان سبيله التكيّف في آنٍ مع تلك الرّؤية وتلك البيئة بقدر ما كيّفهما هو أيضاً. فقد كانت (العقيدة الجاهليّة) الوسيط الرّمزي بين البيئة الصّحراويّة والإنسان العربي «الجاهليّ»، بينما كان الاقتصاد – الرّعويّ أساساً – الوسيط الأداتي بينهما.

ومن هنا، يمكن القول بأنّ رؤية الإنسان العربيّ الجاهليّ للوجود بأنّها كانت معبّرة عن «وحدة الوجود بأفق طبيعي مادّي بمعنى وظيفيّ نفعيّ مباشر» ([23])، وأنّها قائمة على تصوّري «الخصب» و«العقم» اللذين فرضهما المعطى المجاليّ. كما يُمكن القول بأنّ العالم الأسطوريّ العربيّ في ذلك العصر قد اتّخذ من خلال التصوّر الدّينيّ الهرميّ المذكور أعلاه، ثلاثة مستويات منفصلة ماديّاً ومتّصلة اتّصالاً وثيقاً من النّاحية العقديّة سواء الرّوحيّة أو الأسطوريّة. الأوّل مادّي، هو عالم النّجوم البعيدة حيث تعيش الآلهة. والثّاني، رمزيّ إشاريّ، هو تلك العلاقات الرّوحيّة الّتي كان الإنسان الجاهليّ يقيمها أو يراها بين الطّبيعة والكون، بين الحيوانات والنّباتات وغيرها من الموجودات على الأرض وبين عالم النّجوم والسّماء([24]). وأمّا الثّالث، فهو تعبيريّ، هو ذلك الوجود الأدبيّ الذي نجده خاصّة في شعر الجاهليّين ذي النّزعة التّصويريّة الغالبة([25]).

ولقد كانت تلك «العقيدة الجاهليّة» تتّصف بالامتداد والدّيمومة وكانت مبدعة ومنظّمة لحقل الدّلالات الحسيّة المباشرة وموجّهة بدرجة أولى للتّجربة الشّعوريّة والانفعاليّة للجماعة الجاهليّة. ورغم تبلور تلك الدّلالات في «ترسيمات أوّليّة» (schèmes) بانية ومنشئة لعالم الصّور والمعاني الأولى، وهي بهذا المعنى ثابتة ومتكرّرة وصالحة لحقب طويلة، إلاّ أنّ ذلك لا يعني عدم تعرّضها للتغيّر والتبدّل. فتجاه وضعيّات إكراهيّة، فإنّ الجماعة تعيد شحن تلك البنى وتغيّر من طرائق توظيفها بحسب استراتيجيّات ترسمها تجاه ما يستجدّ من وضعيّات إكراهيّة بما يسمح بتفادي انكسارها، وهذا ما يمكن ملاحظته عموماً بشأن ما يوصف عادة باستدماج الإسلام لبنى «جاهليّة متكيّفة» كانت من القوّة، من النّاحية الوظيفيّة، بحيث لم يسع الإسلام إلاّ استدماجها وأسلمتها على غرار «الحجّ الجاهليّ» الذي فُكّ ارتباطه بالعقيدة الجاهليّة وأعيد شحنه بدلالات جديدة، ومن ثمّ استلحاقه بالعقيدة التّوحيديّة النّاهضة([26]).

وحدة الزّمان أو الدّهريّة «الجاهليّـة»

اعتقد العرب بوحدة الزّمان كما اعتقدوا بوحدة الوجود، فأصبح الزّمان واحداً أبديّاً سرمديّاً يدور في دورات متعاقبة دوران اللّيل والنّهار ودوران الكواكب المسبّب لدورة الفصول الطبيعيّة الأزليّة، وهو ما سمّاه العرب (الدّهر) أو (القدَر) ([27]).

فإذا ما كان القدَر مرتبطاً بالزّمان، وهذا الأخير مرتبط أساساً بحركات النّجوم بوصفها أسهل وسيلة لقياس الزّمن، فإنّه من باب أولى أن يرتبط القدَرُ بالنّجوم وحركاتها فتُضحي هي المتحكّمة في أقدار الكائنات بحسب تحرّكاتها في الأفلاك([28])، وهذا هو جوهر ما يمكن أن نُسمّيه (العقيدة الدّهريّة) عند العرب الجاهليّين والتي أشار إليها القرآن حكاية عنهم في قوله:{إنْ هِيَ إلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ…} (الجاثية، 24)، وأشار إليه عبيد بن الأبرص في قولـه [الطّويل]:

فَنَيْتُ وَأَفْنَانِي الزَّمَانُ وَأَصْبَحَتْ       لِدَاتِي بَنُو نَعْشٍ وَزُهْرُ الفَرَاقِدِ([29])

وقد ذهب الطبريّ ومعظم أهل التّأويل إلى أنّ «هذه الآية نزلت من أجل أنّ أهل الشّرك كانوا يقولون: الذي يُهلكنا ويُفنينا الدّهر والزّمان، ثمّ يسبّون ما يُفنيهم ويُهلكهم، وهم يرون أنّهم يسبّون بذلك الدّهر والزّمان، فقال الله عزّ وجلّ لهم: أنا الذي أُفنيكم وأُهلككم، لا الدّهر والزّمان بيدي اللّيل والنّهار»، بمعنى أنّ الله هو الفاعل لا «مرّ اللّيالي والأيّام» بمعنى تأثير حركة النّجوم في الفلك، إذ «لولا اللّيل والنّهار والشّمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب الدّهر والزّمـان» ([30]).

ورغم معقوليّة هذا التّفسير الذي يذهب إلى بيان اعتقاد العرب في تأثير حركة النّجوم في الفلك، فإنّه يمكن تأويل هذه الآية بأنّ الجاهليّين ربّما ماهوا بين (الدّهر) والقوّة الإلهيّة العظمى أي (الله) بوصفه النّاظم لحركة النّجوم المتحكّمة في المصائر، وهو على ما يبدو مناط الحديث النبويّ المعروف : «لاتسبّوا الدّهر، فإنّ الدّهر هو الله» ([31])، وهو على كلّ حال ما فهمه بعض المحدثين مثل مصطفى عبد اللّطيف جياووك وقد ذهب إلى أنّ الجاهليّين كانوا يعبدون الدّهر([32])، أو عليّ البطل حين يقرّر نفس الفكرة مستخلصاً أنّ «الزّمن من أقدم الآلهة التي تعبّد لها الإنسان» ([33]). ورغم الشّطط الظّاهريّ لهذا التّأويل فإنّه يمكن العثور في الشّعر الجاهليّ على ما يبرّره، ومن ذلك على سبيل المثال قول زهير بن أبي سلمى مماهياً بين الله والدّهـر [الطّويل]:

أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَرَى النَّاسُ مَا أَرَى       مِنَ الأَمْرِ أَوْ يَبْدُو لَهُمْ مَا بَدَا لِيَا

بَـدَا لِـيَ أَنَّ اللهَ حَـقٌّ فَـزَادَنِـي                    إِلَى الحَقِّ تَقْوَى اللهِ مَا كَانَ بَادِيَا

بَدَا لِيَ أَنَّ النَّـاسَ تَفْنَـى نُفُوسُهُـمْ                وَأَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَرَى الدَّهْرَ فَانِيَا ([34])

ونحن نجد مثل هذا التّأويل لهذه «العقيدة الدّهريّة الجاهليّة» المتمحورة حول فكرة القدَر أيضاً أحد القدماء الأفذاذ وهو العلاّمة أبو عليّ المرزوقي الذي نرى أنّه انفرد دون غيره من السّابقين واللاّحقين بتأويل عجيب لتلك العقيدة من شأنه أن يسهم في تأصيل رؤية جديدة لها تنزع عنها ما شابها من رؤى تصمها بأنّها كانت عقيدة وثنيّة جاهليّة جهلاء بلهاء تقدّس الأحجار دون وجود أيّ بعد فلسفي راقٍ لديها يسوّغ وجودها([35])، فقد ربط علاّمتنا تلك العقيدة برؤية وجوديّة كونيّة للحياة ترتقي بها إلى مصاف العقائد الإنسانيّة الّتي تستحقّ أن يُتوقّف عندها لتُدرَس وتُتمحّص، فرأى ببصيرة نافذة أنّ الاعتقاد في الدّهر أو ما تصحّ تسميته، بحسب المفسّرين (العقيدة الدّهريّة) لا يمكن تناولها بمعزل عن اعتقادات العرب في النّجوم، أو ما نزعم أنّه عقيدة صابئيّة، بل هو يماثل بين العقيدتين حين يقول عن العرب في جاهليّتها: «فمنهم من اعتقد أنّ تلك الحوادث من أفعال الكواكب، وأنّها هي المدبّرة لها والآتية بها حتّى صارت كالعلل فيها والأسباب، وأنّ للأزمنة تأثيراً في أهلها كما أنّ للأمكنة تأثيراً في أهلها، ولذلك أخذ قرنٌ عن قرنٍ: النّاسُ بزمانهم أشبه منهم بآبائهم. قالوا: فتصاريف الأزمان تؤثّر في الخلق والأخلاق والصّور والألوان والمتاجر والمكاسب والهمم والمآرب والدّواعي والطّبائع واللِّسَن والبلاغات والحِكَم والآداب، فذمّ الله تعالى طرائقهم ونعى عليهم عقائدهم، وقال حاكياً عنهم: {إنْ هِيَ إلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} (الجاثية، 24)، وهذا تجهيل من الله تعالى لهم … [و] قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: لا تسبّوا الدّهرَ فإنّ الله هو الدّهرُ، لأنّه رآهم يقولون لذلك الاعتقاد الفاسد: أباد بني فلان وأفناهم اللّياليومعنى قوله صلّى الله عليه وسلّم: لا تسبّوا الدّهر، أي لا تسبّوا الذي يفعل هذه الأشياء فإنّكم إذا سببتم فاعلها فإنّما يقع السبّ على الله تعالى. ومنهم من اعتقد أنّ تلك الحوادث من فعله تعالى، لكنّه أجرى العادة بأن يفعلها عند طلوع تلك النّجوم أو أفولـها» ([36]).

فإذا أخذنا بهذا التّأويل الذي يطرحه المرزوقي، أمكن اعتبار «العقيدة الدّهريّة الجاهليّة» ذات أساس فلسفي وجودي، وأنّها كانت صادرة عن رؤية للوجود وللحياة وللكون تُرجع كلّ الحوادث على الأرض إلى تأثيرات الكواكب في سيرها الدّوري المتعاقب، وهو ما يساعد على فهم اعتقادات عرب الجاهليّة في الدّهر بوصفه دورة زمنيّة ثابتة ومتكرّرة، ويفسّر بالتّالي رفضهم الدّائم والمستميت لأيّ تغيّر قد يخرجهم من الدّهر بوصفه قدراً محتوماً وحكماً إلهيّاً لا مجال للتهرّب منه إلى التّاريخ بوصفه فعلاً إراديّاً إنسانيّا([37]). ونظنّ أنّ «عقيدة العرب الدهريّة» هذه كانت من جملة ما كانوا يشتركون فيه مع غيرهم من الأمم القريبة منهم والبعيدة، وأنّها لا تعدو أن تكون صورة عربيّة من الإحيائيّة الفلكيّة (L’astrobiologie) التي كانت سائدة بالخصوص في الدّيانة البابليّة التي يرى البعض، ونحن منهم، أنّها كانت الأصل في «منظومة التّماثل الرّمزيّ» بين ما هو أرضيّ وما هو سماويّ عند العرب([38]). ففهم هذه العقيدة ومنظومة التّماثل الرّمزيّ المتولّدة عنها قد يكون هو المفتاح لفهم ما استغلق علينا إلى حدّ الآن من «أشياء الجاهليّة»، وهي أشياء تبدو متنافرة بل ومتناقضة لا يجمع بينها منطق دينيّ واحد في الظّاهر ولا رؤية وجوديّة موحّدة، وهو ما يدعو بإلحاح إلى أن تُدرَس كافّة مجالات الحياة العربيّة الجاهليّة السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة وشتّى مناحي الإبداع العربيّ الجاهليّ بحسب منهج تقارن فيه العقيدة الدّهريّة الجاهليّة مع غيرها من العقائد الّتي كانت سائدة قبيل الإسلام وسط جزيرة العرب أو على تخومها، والتّي قد تكون ما زالت سائدة إلى اليوم([39])، وهو ما يدخل هذا البحث في إطـاره.

منظومة التّعبير الرّمزي «الجاهليّة»: خطاب الشّعر والأسطـورة

وينتج عن القول بوجود مثل هذا التصوّر الأسطوريّ للعالم رؤية جديدة لمسألتين على غاية من الأهميّة في سبيل إنجاز دراستنا، بل في سبيل إنجاز أيّ عمل يمتح من النّصوص الجاهليّة أو من المرويّات التي نقلها الإخباريّون العرب والتي زهد فيها الباحثون المعاصرون إذ رأوا فيها مجرّد تهويمات وخرافات لا قيمة تاريخيّة لها، وهما: الخطاب الشعريّ والخطاب الأسطوريّ عند العـرب.

إنّ لهذين الخطابين أهميّة بالغة في ما نحن بصدده لا من حيث كونهما السّبيلين الوحيدين المتوّفرين حاليّاً لرسم صورة أقرب ما تكون من الحقيقة لتصوّرات عرب الجاهليّة حول اجتماعهم وسلوكهم العامّ الاقتصاديّ والدّينيّ والسّياسيّ، بل وبالخصوص لأنّ كليهما من وجهة نظر بنيويّة خطاب لغويّ رمزيّ غير مباشر، أي خطاب من درجة ثانية يمتح من نظام سيميائيّ ثان فوق نظام اللّغة الطبيعيّ باعتبارها النّظام الأوّل، وذا صلة بالمقدّس. كما أنّ كليهما من وجهة نظر وظيفيّة «يهدف إلى المصالحة بين سلسلة من المتناقضات: بين الإنسان وواقعه، بين الإنسان والمتعالي، وبين إرادة الحياة لدى الإنسان وحتميّة الموت» ([40])، أي باختصار التّعبير كما ينبغي على مستوى إشاريّ رمزيّ عن الوحدة العميقة بين الإنسان والطّبيعة والكـون.

ويتّخذ التّعبير عن منظومة التّماثل الرّمزيّ بين السّماوي والأرضيّ عدّة سبل، فهو يتمّ عبر الحكايات السّرديّة التي يقوم عليها خطاب الحقيقة الأزليّة المقدّسة أو الخطاب التّأصيلي أي الأسطورة، كما يتمّ أيضاً عبر الشّعر. وسواء نظرنا إلى هذين الخطابين بوصفهما منبثقين عن مصدر واحد غائب ومتعال وإن اتّخذ البشر طرائق له (الشّعر من الجنّ والأساطير من الأجداد)، أو نظرنا إليهما بوصفهما من مصدر واحد هو المتخيّل الجماعيّ (L’imaginaire collectif)، فإنّ توحّد وظيفتهما التّعبيريّة ربّما ساعد على تفهمّ تداخلهما والحضور الدّائم لأحدهما في الآخر، وهو ما نلحظه في كثافة حضور الأسطورة في الشّعر الجاهليّ – والشّعراء مبدعو أساطير في جميع الثّقافات([41])– وفي ما تتضمّنه أساطير تلك الحقبة من حضور واسع للشّعر، بل إنّنا ندّعي أنّ هذه السّبيل ربّما قدّمت، في الحدّ الأقصى، مبرّراً للقول بتوحّد هذين الخطابين بنية ووظيفـة.

وبهذا، فإنّ اعتمادنا الأسطورة يبرّره أنّنا نراها معبّرة عن حقائق تتعلّق بأصل الأشياء والمعتقدات المعاشة فعليّاً من قبل المؤمنين بها. ومن هنا، فإنّنا نتبنّى التّمييز الصّارم والجليّ الذي يقوم به بول ريكور (Ricœur Paul) بين مفهوم (البداية) المرتبط بالتّاريخ بوصفه جملة من الأحداث الواقعيّة ومفهوم (الأصل) المرتبط بالأسطورة، «فإذا ما كانت البداية دائماً تاريخيّة، فإنّ الأصل هو دائماً أسطوريّ([42]). إلاّ أنّنا نخالفه أيضا بخصوص صرامة التّمييز بين المفهومين إذا ما نزّلناهما في سياق تاريخنا العربيّ. فإذا ما كان التّاريخ العربيّ الجاهليّ مليئاً بالأساطير، وهذا ما يظنّه معظم كتّاب التّاريخ العرب المحدثون، فإنّ الأساطير أيضاً «قد تكون مليئة بالتّاريخ الضّائع وغير المدوّن» ([43]) أي  تاريخ «أشياء الجاهليّة» ورموزها التي تستخدم الأساطير أداة تعبيريّة لكي تتمظهر في اللّغة والخطاب.

عمق النّزعة الدّينيّة عند الإنسان «الجاهليّ»

يصرّ معظم الباحثين في حقبتي الجاهليّة وصدر الإسلام من عرب ومستشرقين، على اختلاف مشاربهم، على تأكيد عدم تديّن العرب «الجاهليّين» ([44])، والحال أنّ المصادر الإسلاميّة المتقدّمة، وعلى رأسها القرآن، تشير كلّها إلى نزعة التديّن تلك وقوّتها، وهو ما يخفي مدى جهلنا بالأثر السّوسيولوجي النّاتج عن الحميّة الدّينيّة في المجتمع «الجاهليّ» ([45])، وجهلنا بالتّالي بالأساس الدّيني لتصوّرات كلّ قبيلة حول نفسها بوصفها وحدة اجتماعيّة تنتسب إلى معبود معيّن دون غيره بهدف تحقيق تمايزها، وهو ما ينعكس على فهمنا لبعض الرّهانات التي صارعت القبائل العربيّة من أجلها في مواجهة ما يطرحه الإسلام من توحيد دينيّ وبالتّالي من توحيد سياسيّ. فعلى عكس ما نرى من أنّ الدّين كان هو المحور الأساسيّ الذي تدور عليه الحياة الجاهليّة، يرى باحثون آخرون أنّ العربيّ «الجاهليّ» كان يتميّز بلامبالاة شديدة تجاه كل ما يتعلّق بالدّين. وفي ما يلي بعضاً من الأمثلة التي تحفل بها المصادر عن مدى تعلّق الجاهليّين بدينهـم.

المثال الأوّل: جاء في الأخبار بخصوص هدم الصّنم المسمّى (ذو الخلصة) أو (الكعبة اليمانيّة) في السّنة التّاسعة للهجرة أنّه قُتِل دونَه مائة سادن له ومئتان من أتباعه، ونصّ الخبر كما ينقله ابن الكلبي: «فلمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة وأسلمت العرب ووفدت عليه وفودها، قدم عليه جرير بن عبد الله مسلماً فقال له: يا جرير ألا تكفيني ذا الخلصة؟ فقال: بلى. فوجّه إليه. فخرج حتّى أتى بني أحمس من بجيلة، فسار بهم إليه. فقاتلته خثعم وباهلة دونه، فقتل من سدنته من باهلة يومئذ مائة رجل، وأكثر في خثعم، وقتل مائتين من بني قحافة بن عامر بن خثعم. فظفر بهم وهزمهم، وهدم بنيان ذي الخلصة، وأضرم فيه النّار فاحتـرق» ([46]).

المثال الثّاني: يتعلّق باعتراض رجال قبيلتي بني عبد ودّ وبني عامر الأجدار للصّحابي خالد بن الوليد حين بعثه النّبيّ لهدم صنم (ودّ)، إذ أرادوا الحيلولة بينه وبين هدمه« فقاتلهم وأوجعهم، وقتل منهم» ([47]) قبل أن يهدم الصّنـم.

المثال الثّالث: يتعلّق بتمنّع قبيلة (ثقيف) عن الإسلام وتمسّكها الشّديد بصنم (اللاّت) في (الطّائف) بعد أن استقرّت أمور (مكّة) بأيدي المسلمين، ويروى في السّيرة أنّ النّبيّ كلّف عروة بن مسعود الثّقفي في السّنة التّاسعة للهجرة بدعوة قومه إلى الإسلام «فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما يتحدّث قومه: إنّهم قاتلوك، وعرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم، فقال: يا رسول الله أنا أحبّ إليهم من أبكارهمفخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف لهم على علية له وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنّبلفأصابه سهم فقتله ». وتضيف السّيرة ما يدعم القول بتمسّك قبيلة (ثقيف) بدين الأجداد إذ «كان فيما سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يدع لهم الطّاغية وهي اللاّت لا يهدمها ثلاث سنين، فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذلك عليهم، فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم حتّى سألوا شهراً واحداً بعد مقدمهم فأبى عليهم أن يدعها شيئاً مسمّى، وإنّما يريدون بذلك فيما يظهر أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ويكرهون أن يروّعوا قومهم بهدمها حتّى يدخلوهم الإسلام. فأبى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلاّ أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها. وقد كانوا سألوه مع ترك الطّاغية أن يعفيهم من الصّلاة وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمّا كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه، وأمّا الصّلاة فإنّه لا خير في دين لا صلاة فيه، فقالوا: يا محمّد فسنؤتيكها وإن كانت دناءةفلمّا فرغوا من أمرهم وتوجّهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة في هدم الطّاغيةفلمّا دخل المغيرة بن شعبة، علاها يضربها بالمعول وقام قومه دونه… وخرج نساء ثقيف حسّراً يبكين عليها ويقلن: لِتَبكِيَّنَ دِفَاعْ * أسْلَمَهَا الرَّضَاعْ * لَمْ يُحْسِنُوا المَصَـاعْ» ([48]).

إلاّ أنّ وضوح هذه الأمثلة، وغيرها كثير بلا شكّ، لم ينل من حدّة المواقف التي ترى عدم تديّن العرب قبل الإسلام. ومن بين المستشرقين الذين وقفوا هذا الموقف نجد مونتغمري واط الذي يقول عن الدّيانة الجاهليّة: «وكانت تلك الدّيانة ثمرة تطوّر طويل. وكانت الحجارة والأشجار هي الأصل من بين أوائل الأشياء المعبودةوكانوا يعتقدون أنّها على علاقة بالكائنات السّماويّة. ويبدو أنّ البدو لم يؤمنوا بها كثيراً، وربّما كان ذلك لأنّها كانت في الأصل آلهة مجتمعات زراعيّة» ([49]). بل نجد هذا المستشرق يذهب بعيداً في القول بعدم تديّن الجاهليّين عشيّة البعثة المحمّدية حين يقول: « نجد ما يمكن تسميته بالنّزعة الإنسانيّة القبليّة، وهي على عكس الدّيانة القديمة كانت تلك ديانة العرب الفعليّة أيّام محمّد، وإن كانت في طورها الأوّل أيضـا» ([50]).

وهذا هو تقريباً نفس موقف المستشرق دي لاسي أوليري الذي يلخّصه قوله أنّ «العرب القدماء قبلوا فكرة إله واحد متعال، ولكنهم قليلاً ما فكّروا فيه، إذ أنّهم لم يكونوا ليعتبروا الإله المتعالي متدخّلاً في شؤونهم ومصالحهم الشّخصيّة المتعلِّقة بالآلهة القبليّة الصّغرى الّتي كانوا يظنّون أنّها تُعنى بالشّؤون القبليّة، والتي كانت تُعذل عذلاً موجعاً حينما يتبيّنون أنّها تهمل مصالح مواليها. ولم يكن رجل الصّحراء ليميل بأفكاره المتسامية إلى الله – كما يؤثر عنه أحياناً – كما لم يكن يكنّ أي احترام للآلهة الصغار». بل إنّ هذا المستشرق يزيد موقفه توضيحاً حين يقرّر بكل حسم: «كان عربيّ الصّحراء القحّ، وسيبقى، شاكّاً وماديّاً في قرارة نفسهولم يكن فضوليّاً أو مصدّقاً بالأشياء اللاّماديّة واللاّمحسوسة. ثمّ إنّ طبيعته الأنانيّة، والمعتمدة على ذاته، لم تجد مكاناً أو تشعر بحاجة إلى إله قويّ بإمكانه أن يحميه، شرط أن يقيم له الشّعائر الدينيّة وينكر ذاتـه إزاءه» ([51]).

كذلك يقول المستشرق الهولندي دوزي (Dozy) بعدم تديّن العرب، فالعربيّ «غير متديّن بطبيعته، ولم يتمكّن أيّ كان من جعله متديّناً...فبما أنّه عديم الخيال، فهو عاجز عن اكتناه الأسرار الدّينيّة التي تؤثّر على الخيال أكثر من العقـل» ([52]).

أمّا المستشرق الإيطاليّ غويدي (Guidi)، فينكر على عرب الجاهليّة لا الإيمان فحسب، بل وحتّى الطّقوس المنتظمة التي لم يعرفوها، حسب زعمه، إلاّ بعد تأثّرهم في مرحلة متأخّرة بالتيّار المسيحيّ اليهوديّ، وهو هنا يقصد الإسلام طبعـاً([53]).

كما لم تشذّ عن هذا الموقف أيضاً الكتابات المعاصرة التي تناولت المسألة في إطار اهتمامها المتجدّد بالإسلام في خضمّ الغليان السياسيّ والأحداث الجسيمة التي يشهدها العالم الإسلاميّ، فنجد روجي كاراتيني (Roger Caratini) مثلاً يقرّر ببساطة شديدة لا عدم تديّن عرب الجزيرة أثناء الفترة النبويّة وخاصّة منهم البدو، ولا افتقادهم لأيّ نوع من الإيمان فحسب، بل وأيضاً غياب أيّ معنى للمتعالي عندهم في ديانة يصفها بأنّها «عبادة للأحجار والأشجار والآبار بوصفها مساكن للشّياطين التي لا يقدّسها العربيّ بقدر ما يخشاهـا» ([54]) !

وتتردّد هذه الآراء التي أوردناها عند معظم الباحثين العرب المعاصرين الذين يمكن تصنيف مواقفهم تصاعديّا إلى ثلاثة أصناف: من نفي التديّن عن الجاهليّ إلى الاعتراف بوجود دين «بدائي» إلى نفي صفة الدّين جملة عن الاعتقادات والطّقوس الجاهليّة ([55]):

  • نفاة التديّن: هم المشكّكون في تديّن العرب قبل الإسلام مع اعترافهم بصفة الدّين لجملة الاعتقادات وما يتبعها من ممارسات طقوسيّة. ومن بينهم محمّد عابد الجابري الذي يصف الجاهليّين بأنّهم «لم يكونوا يعطون للدّين كبير وزن في حياتهم» ([56])، وكذلك يحي وهيب الجبوري الذي يقرّر أنّ «وثنيّة ذلك العهد لم تكن وثنيّة راسخة يتمسّك بها الجاهليّون» ([57])، وهو نفس رأي عبد المحسن عاطف سالم الذي يعمّم لامبالاة «الجاهليّ» تجاه كلّ الأديان حيث يرى أنّه «على الرّغم من وجود الأديان، إلاّ أنّ العربيّ البدويّ لم يكن يأبه كثيراً بها ولم يكن يؤدّي طقوسها بانتظـام» ([58]).
  • القائلون ببدائيّة الدّين الجاهلي: وهم متّبعون في هذا لما تقول به الرّؤية الإسلاميّة التّقليديّة، ومن بينهم محمّد إبراهيم الفيومي الذي يقول عن الجاهليّين: «دينهم لا حياة فيه ولا معنى له ولا يساعد أحداً منهم على أن يحدّد العلاقات الّتي تربط هذه الآلهة المتعدّدة بالبشـر» ([59]).
  • النّافون صفة الدّين جملة، ومن بينهم العادل خضر الذي يقرّر أنّ «العرب لم يكن لهم تصوّر واضح عن مفهوم الدّين قبل مجيء الإسلام. فليس في ثقافة العرب، والبدو منهم بصفة خاصّة، ما يقابل مفهوم الدّين الذي لا يمكن أن ينشأ إلاّ في مجتمعات متطوّرة تعرف الكتابة. فكلّ ما كان عندهم مجموعة من المعتقدات والطّقوس تتطوّر باستمرار وتتغيّر، إضافة إلى كونها تختلف من قبيلة إلى أخرى لأنّها معتقدات لا يشترك فيها كلّ النّاس، وطقوس لا يمكن أن تمارس إلاّ من قبل أصحابهـا([60])».

هذه بعض النّبذ التي نرى أنّها حكمت على الدّيانة الجاهليّة حكماً انطباعيّاً عامّاً لا يستند إلى أبحاث علميّة موضوعيّة متأنّية، بقدر ما هي متأثّرة شديد التأثّر بأقوال المسلمين في مرحلة لاحقة للاستنقاص من «الجاهليّة». ولا يعني هذا عدم وجود من يدحض مقولة فقر الدّيانة العربيّة من حيث افتقادها للطّقوس والأساطير، فالباحث توفيق فهد مثلاً ممّن يؤكّد تديّن العربيّ «الجاهليّ» تديّناً عميقاً بل هو ممّن يرى أنّ «الدّين كان يتحكّم في كلّ مراحل حياته من المهد إلى اللّحد» وأنّ «الدّيانة الجاهليّة تتوفّر على كلّ العناصر التي كانت تمكّن التّقوى من التّمظهر: أماكن عبادة، وتصوّرات خاصّة بالمقدّس، وطقوس دينيّة، وقيّمون على كلّ ذلـك» ([61]).

خاتمة

لقد سعينا من خلال هذا البحث إلى بيان أنّ أيّ عمل يروم الغوص في خفايا الدّين الجاهليّ وغوامض طقوسه وخفايا عادات الإنسان العربيّ «الجاهليّ» في حياته اليوميّة، لا بدّ له من مراعاة الصّيغ الذهنيّة للظّواهر الاجتماعيّة والاقتصاديّة والدينيّة والسياسيّة كما كان يتمثّلها ذاك الإنسان، وهو ما يستلزم إعادة الاعتبار لمختلف تعبيرات اللاّوعي الجمعيّ العربيّ الجاهليّ بوصفها مؤسِّسة على صعيد الواقع الحيّ لما سيتولّد من حركيّة اجتماعيّة كليّة كانت المخاض لما نسميّه الإسلام. إلاّ أنّ الأخذ بهذه الاعتبارات لا يمكن أن يعني بأيّ حال إهمال التّفسيرات السببيّة أو عدم إيلائها ما تستحقّ من أهميّة، إذ نظلّ دوماً في حاجة إلى «إيجاد تفسيرات سببيّة للأشياء الإنسانيّة التي من الضّروريّ جدّاً فهمها في مرحلة أولى» ([62]) قبل محاولة النّفاذ إلى منطقها الدّاخلي الذي يتحكّم فيها ويشكّلها كما هـي.

المصادر

  1. ابن الكَلْبِيّ (أبو المنذر، هشام بن محمّد بن السّائب)، كتاب الأصنام، تحقيق: أحمد زكيّ، (نسخة مصوّرة عن طبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1924)، الدّار القوميّة للطّباعة والنّشر، القاهرة، 1965.
  2. ابن هشام (أبو محمّد، عبد الملك بن هشام الحميري)، السّيرة النّبويّة، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، ط 1، بيروت 1991، 6 أجزاء.
  3. أبو عليّ (محمّد توفيق)، الأمثال العربيّة والعصر الجاهليّ، دار النّفائس، بيروت، 1988.
  4. أُولِيرِي (دِي لاَسِي)، الفكر العربيّ ومركزه في التاريخ، تعريب: إسماعيل البيطار، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982.
  5. بروكلمان (كارل)، العرب والإمبراطوريّة العربيّة، ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، طبعة بيروت، د.ت.
  6. البطل (عليّ)، الصّورة في الشّعر العربيّ حتّى آخر القرن الثّاني الهجري: دراسة أصولها وتطوّرها، ط 3، دار الأندلس، بيروت، 1983.
  7. بيضون (أحمد)، كَلَمُن: من مفردات اللّغة إلى مركّبات الثقافة، ط 1، دار الجديد، بيروت، 1997.
  8. تيزيني (طيّب)، الفكر العربيّ في بواكيره وآفاقه الأولى، ط 1، دار دمشق، دمشق/بيروت، 1982.
  9. الجابري (محمّد عابد)، العقل السياسيّ العربيّ، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1990.
  10. جيبّ (هـ.أ.ر)، علم الأديان وبنية الفكر الإسلاميّ، ترجمة وتصدير: عادل العوّا، ط 1، منشورات عويدات، بيروت-باريس، 1977.
  11. الجُبُوريّ (يحيى وهيب)، المستشرقون والشّعر الجاهليّ: بين الشكّ والتّوثيق، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، 1997.
  12. الجزائري (محمّد)، المندائيّون الصّابئة، منشورات المعهد الملكيّ للدّراسات الدّينيّة، عمّان، 2000.
  13. جعيط (هشام): في السّيرة النّبويّة، الجزء الثّاني: تاريخيّة الدّعوة المحمّديّة في مَكَّة، دار الطّليعة، بيروت 2007.
  14. جياووك (مصطفى عبد اللطيف)، الحياة والموت في الشّعر الجاهليّ، منشورات وزارة الإعلام، الجمهوريّة العراقيّة، بغداد، 1977.
  15. حسن (حسن إبراهيم)، تاريخ الإسلام السياسيّ والدينيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ، ط 14، مكتبة النهضة، القاهرة، 1996، 5 أجزاء.
  16. خان (محمّد عبد المعيد)، الأساطير والخرافات عند العرب، ط 4، دار الحداثة، بيروت، 1993.
  17. خضر (العادل)، الأدب عند العرب، منشورات كلّية الآداب بمنّوبة، ط 1، دار سحر للنّشر، تونس، 2004.
  18. ديوان زهير بن أبي سلمى (صنعة ثعلب)، دار الكتب المصريّة، القاهرة/ 1944.
  19. الرّبيعي (فاضل)، أبطال دون تاريخ: الميثولوجيا الإغريقيّة والأساطير العربيّة، دار الفرقد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، دمشق، 2005.
  20. روميّة (وهب أحمد)، شعرنا القديم والنّقد الجديد، سلسلة عالم المعرفة، العدد 207، الكويت، 1996.
  21. سالم (السيّد عبد العزيز)، تاريخ العرب في عصر الجاهليّة، دار النّهضة العربيّة، بيروت، د.ت.
  22. السّجستاني (أبو حاتم، سهل بن محمّد بن عثمان) المعمّرون والوصايا، تحقيق: عبد المنعم عامر، ط 1، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة، 1961.
  1. سلام (عبد المحسن عاطف)، حيوات العرب: دراسة لتاريخ القوميّة العربيّة، ط 2، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1978.
  1. السيوطي (جلال الدّين، عبد الرّحمان بن أبي بكر)، الدرّ المنثور في التّفسير بالمأثور، ط 1، دار الفكر، بيروت 1993، 8 أجزاء.
  2. الشّوكاني (محمّد بن عليّ بن محمّد)، فتح القدير الجامع بين فنّي الرّواية والدّراية من علم التّفسير، دار الفكر، بيروت، د.ت، 5 أجزاء.
  3. الطبريّ (أبو جعفر، محمّد بن جرير بن يزيد بن خالد)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ط 1، دار الفكر، بيروت 1984، 30 جزء.
  4. العابد (مفيد) وقبيسي (محمّد بهجت)، “دراسة في ملامح الصّفات الحضاريّة للوطن العربيّ في العصور الكلاسيكيّة (333 ق.م-284 ق.م)”، في: الوحدة الحضاريّة للوطن العربيّ من خلال المكتشفات الأثريّة، المنظمّة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، تونس 2001، (ص 377-401).
  5. عبد البديع (لطفي)، عبقريّة العربيّة في رؤية الإنسان والحيوان والسّماء والكواكب، ط 2، النّادي الأدبيّ الثّقافيّ، جدّة، 1986.
  6. عجينة (محمّد)، “الشعريّ والأسطوريّ في ديوان أبي نواس: الخمر وأسماؤها الحسنى”، في: قراءات في النصّ الشعريّ القديم، ندوة منّوبة أفريل 2003، مهداة إلى الأستاذ محمّد عبد السّلام، دار المعلّمين العليا، تونس، 2004.
  7. عجينة (محمّد)، “حفريّات أدبيّة في شعر محمود درويش: مشروع قراءة في قصيدة الهدهد”، مجلّة “ألف” للبلاغة المقارنة، العدد 24، لسنة 2004.
  8. عجينة (محمّد)، موسوعة أساطير العرب (عن الجاهليّة ودلالاتها)، ط 1، دار الفارابي- بيروت/العربيّة محمّد علي الحامي – تونس 1994.
  9. عوض الله (أحمد أبو الفضل)، مكّة في عصر ما قبل الإسلام، ط 2، الرّياض، 1981.
  10. الفرّاء (أبو محمّد، الحسين بن مسعود البغوي)، معالم التّنزيل، تحقيق: خالد العكّ ومروان سوار، ط 2، دار المعرفة، بيروت 1987، 4 أجزاء.
  11. الفيّومي (محمّد إبراهيم)، في الفكر الدينيّ الجاهلي قبل الإسلام، عالم الكتب، القاهرة، 1979.
  12. القرطبي (محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري)، الجامع لأحكام القرآن الكريم، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، ط 2، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 1985، 20 جزء.
  1. كاسيرر (ارنست)، الدّولة والأسطورة، ترجمة: أحمد حمدي محمود، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1975.
  1. كبّة (نجاح هادي)، “آثار من طوطميّة الحيوان عند العرب”، مجلّة التّراث الشعبيّ، العدد 12 لسنة 1977.
  2. محمّد (إبراهيم عبد الرّحمان)، “التّفسير الأسطوريّ للشّعر الجاهليّ”، مجلّة فصول، المجلّد 1، العدد 3، القاهرة، 1981.
  3. المرزوقي (أبو عليّ، أحمد بن محمّد بن الحسن)، الأزمنة والأمكنة، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1996، جزءان.
  4. مسلم (أبو الحسين، مسلم بن الحجّاج القشيري النّيسابوريّ)، الجامع الصّحيح، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 1987، 5 أجزاء.
  5. مونتغمري واط ( وليام): محمّد في مَكَّة، تعريب: شعبان بركات، المكتبة العصريّة، صيدا/بيروت، د.ت.
  6. ميكل (أندريه)، الإسلام وحضارته، ترجمة: زينب عبد العزيز، المكتبة العصريّة، صيدا، لبنان، د.ت.
  7. ياقوت الحمويّ (أبو عبد الله، شهاب الدّين، ياقوت بن عبد الله)، معجم البلدان، دار صادر، بيروت 1955-1957، 5 أجزاء.
  8. Barthelot (René), La Pensée de l’Asie et l’astrobiologie: essai sur les origines des sciences et des théories morales, Paris, Payot, 1938.
  9. Bastide (Roger), L’homme africain à travers sa Religion traditionnelle, in : Présence Africaine, 1er trimestre, Paris, 1962.
  10. Caratini (Roger), Le Génie du l’Islamisme, éd. Michel Lafon, Paris, 1992.
  11. Clastres (Pierre), « Les Prophètes de la forêt», in Echanges et communications (Mélanges offerts à Claude Lévi-Strauss à l’occasion de son 60 è anniversaire), éd. Mouton, Paris, 1970.
  12. Dictionnaire des symboles, Collectif , sous la direction de Chevalier (Jean) & Gheerbrant (Alain), éditions Robert Laffont/Jupiter, Paris 1982, (L’introduction par : Jean Chevalier).
  13. Dozy (Reinhart), Essai sur l’histoire de l’Islamisme, trad. du hollandais par V. Chauvin, Leiden-Paris 1879.
  14. Durand (Gilbert), Beaux arts et archétypes, P.U.F, Paris, 1989.
  15. Durand (Gilbert), Les Structures anthropologiques de l’imaginaire,10ème édition, Bordas, Paris,1984.
  16. Durand : L’imagination symbolique, 2ème édition, U.F, Paris, 1968.
  1. Fahd (Toufic), La divination arabe : études religieuses, sociologiques et folkloriques sur le milieu natif de l’Islam, Sindbad, Paris, 1987.
  1. Fromm (Eric), Le langage oublié, Payot, Paris, 1975.
  2. Griaule (M.) & Dieterlen (G.), Le renard pâle, tome I : le mythe cosmogonique, Institut d’ethnologie, Paris, 1965.
  3. Guidi (Ignacio), L’Arabie antéislamique, Geuthner, Paris, 1921.
  4. Guillaume (Alfred), Prophétie et divination Chez Les Sémites, Payot, Paris, 1941.
  5. Gusdorf (Georges), Mythe et métaphysique, Flammarion, Paris, 1953.
  6. Lammens (Henri), L’Islam: Croyances et Institutions, Imprimerie catholique, Beyrout, 1943.
  7. Maffesoli (Michel), Éloge de la raison sensible, Grasset, Paris, 1996.
  8. Ndaw (Allassane), La pensée africaine : Recherches sur les fondements de la pensée négro-africaine, Les Nouvelles Éditions Africaines, Dakar, 1983.
  9. Ricœur (Paul), La Mémoire, l’Histoire, l’Oubli. L’ordre philosophique, Seuil, Paris, 2000.
  10. Terray (Emmanuel), « Une Nouvelle anthropologie politique?», L’Homme n° 110,  XXIX (2), École des Hautes Études Sociales, Paris, 1989.

 

[1]– ممّن يرى هذا التّراكب هشام جعيط حين يقول :”إنّا نلمس عنصراً خارجيّاً استُجلب من الشّمال أو من الجنوب، وهي الآلهة التي تمثّل نمطاً جديداً من التديّن لدى عرب الشّمال المتحضّرين أو في وسط الجزيرة عند أبناء معدّ، وعنصراً قديماً ذاتيّاً أتى من الغياهب متمثّلاً في التبرّك بالحجارة والأشجار المحرّمة وفي مؤسّسة الحرم…”.

انظر: جعيط (هشام): في السّيرة النّبويّة، الجزء الثّاني: تاريخيّة الدّعوة المحمّديّة في مَكَّة، دار الطّليعة، بيروت 2007، ص 96.

إلاّ أنّ جعيط لا يبيّن دوافع استيراد العرب الآلهة ولا كيفيّة تعايشها وظيفيّا وبنيويّا مع طقوس “التبرّك” بالأحجار والأشجار. وإن كان جعيط ينكر القول بعبادة العرب الأحجار، فهو يقول بتقديسها لأنّها مستقرّ الآلهة. ولا ندري هنا هل كان تقديس الأحجار موجودا قبل استيراد الآلهة أم أنّه حادث بعدها ؟

لكن الواضح أنّ جعيط يقول بالطّابع الأحيائي للدّيانة العربيّة الجاهليّة، وهو طرح عديد المستشرقين على غرار ألكسندر هاميلتون جيبّ (Alexander Hamilton Rosskeen Gibb). إلاّ أنّ طرح هذا المستشرق يتميّز برؤية الإسلام مستوعباً الأبعاد الاحيائيّة في الدّين الجاهليّ في إطار “توحيديّة صارمة“، بينما يرى فيها جعيط “ترسّبات” استعصت على الإسلام.

انظر: جيبّ(هـ.أ.ر)، علم الأديان وبنية الفكر الإسلاميّ، ترجمة وتصدير: عادل العوّا، ط 1، منشورات عويدات، بيروت-باريس 1977 (الفصل الأوّل: الحامل الأحيائي، ص 87-104).

[2]– كان أستاذنا محمّد عجينة من بين من نبّه إلى ضرورة تناول هذه المسألة في أطروحته لدكتوراه الدّولة حول أساطير العرب، وقد كان لملاحظاته في هذا الصّدد دور كبير في إعادة النّظر في مسألة طبيعة الدّين الجاهليّ ودراستها دراسة علميّة على ما نروم القيام به.

انظر بالخصوص: عجينة (محمّد)، موسوعة أساطير العرب (عن الجاهليّة ودلالاتها)، ط 1، دار الفارابي- بيروت/العربيّة محمّد علي الحامي – تونس 1994، وخاصّة ص 225.

[3]– هذا مثلا موقف كلّ من غيّوم ولامنس. انظر:

  • Guillaume (Alfred), Prophétie et divination Chez Les Sémites, Payot, Paris, 1941, p.65.
  • Lammens (Henri), L’Islam: Croyances et Institutions, Imprimerie catholique, Beyrout, 1943, p.24.

وقد تابع عدد من الدّارسين العرب هذا الرّأي المنطلق من تعريف معياري للأسطورة يقيسها باليونانيّة. وعلى سبيل المثال، نشير إلى ما يقوله وهب روميّة الذي ينفي وجود منظومة أسطوريّة عربيّة :”كان للإغريق منظومة أسطوريّة متكاملة تشمل الحياة والموت جميعاولم يكن للعرب مثل هذه المنظومة ولا ما يشبههاوجلّ ما كان لدى العرب الجاهليّين آلهة مبعثرة لا تقوم بينها صلات، ولا تنشب بينها حروب، ولا تكشف عن تفكير أسطوري متماسك أو شامل“.

انظر: روميّة (وهب أحمد)، شعرنا القديم والنّقد الجديد، سلسلة عالم المعرفة، العدد 207، الكويت، 1996، ص 104.

[4]– Barthelot (René), La Pensée de l’Asie et  l’astrobiologie: essai sur les origines des sciences et des théories morales, Paris : Payot, 1938, p.46.

[5]– قد تكون بعض القبائل العربيّة (أو أفراد منها) قد اعتنقت اليهوديّة أو النّصرانيّة أو حتّى المجوسيّة كما تؤكّد الأخبار، إلاّ أنّنا نرى أنّ النّزعة التّوحيديّة عند شعراء تلك القبائل والتي غالبا ما عزاها الباحثون إلى تأثير تلك الدّيانات إنّما تعود بالأساس إلى ثراء العقيدة النجوميّة العربيّة الأقدم زمنيّا من تلك الدّيانات التّوحيديّة وتضمّنها بصفة أساسيّة للتّوحيد ولو بصفة جنينيّة، وهو ما يجعل المسار الحقيقيّ لتلك التّأثيرات معكوسا في الواقع إذ أنّ تلك الدّيانات هي المتأثّرة بالدّيانة العربيّة النجوميّة لا العكس.

[6]– يذهب بعض الباحثين إلى أنّ تسمّي بعض القبائل بأسماء حيوانات وتقديس العرب لبعضها كالحيّة والجمل وخوفهم من بعضها كالجراد والغراب ورمزهم للآلهة بصور حيوانيّة هي أسباب كافية للقول بوجود طوطميّة عند العرب.

انظر مثلاً: كبّة (نجاح هادي)، “آثار من طوطميّة الحيوان عند العرب”، مجلّة التّراث الشعبيّ، العدد 12 لسنة 1977.

[7]– “ كانت العزّى شيطانة“.

انظر: ابن الكَلْبِيّ (أبو المنذر، هشام بن محمّد بن السّائب)، كتاب الأصنام، تحقيق: أحمد زكيّ، (نسخة مصوّرة عن طبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1924)، الدّار القوميّة للطّباعة والنّشر، القاهرة، 1965، ص 25.

وروي “عن ابن عبّاس قال: كانت العزّى شيطانة“.

انظر: القرطبي (محمّد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد عبد العليم البردوني، ط 2، دار الشّعب، القاهرة 1953، ج 17، ص 99.

[8]– “العزّى: صنم قريش وبني كنانة“.

انظر: الشّوكاني (محمّد بن عليّ بن محمّد)، فتح القدير الجامع بين فنّي الرّواية والدّراية من علم التّفسير، دار الفكر، بيروت، د.ت، ج 5، ص 108.

[9]– “والعزّى سمرة كانت لغطفان يعبدونهاوقال ابن حبيب: العزّى شجرة كانت بنخلة عندها وثن تعبده غطفان“.

انظر: ياقوت الحمويّ (أبو عبد الله، شهاب الدّين، ياقوت بن عبد الله)، معجم البلدان، دار صادر، بيروت 1955-1957، ج 4، ص 117.

[10]– “عن ابن عبّاس قال: كانت العزّى شيطانة تأتي ثلاث سَمُرات ببطن نخلة“.

انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، م.م.س، ج 17، ص 99.

[11]– “وقال سعيد بن جبير: العزّى حجر أبيض كانوا يعبدونه“.

انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، م.م.س، ج 17، ص 99؛ وكذلك: الشّوكاني، فتح القدير…، م.م.س، ج 5، ص 108.

[12]– “والعزّىقال الضحّاك: هي صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفانيّ ثمّ أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة فقال: هذا ربّكم. فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة حتّى افتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكّة فأمر برفع الحجارة وبعث خالد بن الوليد إلى العزّى فقطعها“.

انظر: الفرّاء (أبو محمّد، الحسين بن مسعود البغوي)، معالم التّنزيل، تحقيق: خالد العكّ ومروان سوار، ط 2، دار المعرفة، بيروت 1987، ج 17، ص 99.

[13]– Durand (Gilbert), Les Structures anthropologiques de l’imaginaire,10ème édition, Bordas, Paris,1984, p.57.

[14]– وهذا ما قد يكون في أصل الكهانة التي تعتمد فيما تعتمد النّظر في النّجوم المنهيّ عنه إسلاميّا لعلاقته بالعقيدة الدّهريّة على ما نرى. فقد “أخرج أبو يعلى وابن مردويه والخطيب عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:  أخاف على أمّتي خصلتين: تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنّجوم، وفي لفظ: وحذقا بالنّجوموأخرج الخطيب عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عبّاس أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله وإيّاك وعلم النّجوم فإنّه يدعو إلى الكهانة“.

انظر: السيوطي (جلال الدّين، عبد الرّحمان بن أبي بكر)، الدرّ المنثور في التّفسير بالمأثور، ط 1، دار الفكر، بيروت 1993، ج 3، ص 330.

[15]– كاسيرر (ارنست)، الدّولة والأسطورة، ترجمة: أحمد حمدي محمود، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة 1975، ص 30.

[16] – فالبحث عن الوحدة وراء الكثرة قد يمكّن مثلاً من القول بأنّ طقس التّسليع الجاهليّ الذي يقوم على طلب السّقيا زمن القحط عبر حرق شجر السَّلْع المربوط في ذيل ثور يصعّد إلى قمّة جبل باتّجاه الغرب يقتضي أن تكون هناك رابطة سببيّة مّا علينا البحث عنها بين كلّ من القحط وجهة الغرب والماء والجبل والثّور وشجر السّلع والنّار أو الدّخان، وهو ما سيساعد حتما لا على مزيد فهم هذا الطّقس فحسب بل وأيضا على لملمة شتات اعتقادات الجاهليّين في كلّ تلك الأشياء المتنافرة ظاهريّا في وحدة اعتقاديّة واحدة بعد أن دأب الباحثون على القول بأنّها مجرّد “بقايا” من اعتقادات قديمة مختلفة المصادر أومن أحقاب دينيّة مختلفة لا رابط بينها مادام بعضها يعود إلى فترة عبادة الحيوان والآخر إلى فترة تقديس الأحجار والآخر إلى فترة عبادة النّار… أو القول بأنّها مقتبسة من ديانات أقوام كانوا مجاورين للعرب كعبّاد البقر أو عبّاد النّار أو عبّاد الحجارة…

[17]– نفس المصدر السابق.

[18]– Fromm (Eric), Le langage oublié, Payot, Paris, 1975,  p.20.

[19]– ويتميّز الرّمز (symbole) عن الإشارة (signal) بمعناها الاصطلاحيّ في علم الدّلائل (sémiologie). فلئن كانت الإشارة جزء من العالم الطّبيعيّ شأن السّحاب في إيذانه بقرب نزول المطر، فإنّ الرّمز جزء من العالم البشريّ يفترض النيّة والقصد. كما يختلف الرّمز عن الدّليل اللّغويّ (signe) من حيث علاقة الدّال بالمدلول أي علاقة المتصوّر بسلسلة الأصوات الممثّلة له في اللّغة، فهي في الدّليل اللّغويّ علاقة اعتباطيّة تقوم على المواضعة وتترك بالتّالي الدّال والمدلول (الشّيء أو الموضوع) غريبين عن بعضهما، بينما يقتضي الرّمز توحّدهما. فلئن كان كلّ شيء قابلا لأن يكون رمزا، فإنّه لا يمكن أن نحلّ محلّ صورة الهلال رمز الإسلام مثلا أيّة صورة أخرى كما اتّفق، مثلما هو الشّأن في اللّغة. انظر لمزيد تبيّن الفرق بين الرّمز والإشارة والدّليل اللّغويّ:

  • Durand (Gilbert), L’imagination symbolique, 2ème édition, U.F, Paris, 1968, p. 9.
  • Dictionnaire des symboles, Collectif , sous la direction de Chevalier (Jean) & Gheerbrant (Alain), éditions Robert Laffont/Jupiter, Paris 1982, (L’introduction par : Jean Chevalier).

ونحن وإن استشهدنا بالرّأي الشّائع لرائد علم الدّلائل فردينان دي سوسور (Ferdinand de Saussure) بخصوص اعتباطيّة العلاقة بين الدّال والمدلول في الدّليل اللّغويّ، إلاّ أنّنا نرى أنّه لا ينطبق تمام الانطباق على اللّغة العربيّة. ودون الدّخول في نقاش طويل بخصوص هذه المسألة، نشير فحسب إلى أنّ أحمد بيضون مثلاً، يرى في اعتباطيّة الدّليل اللّغويّ مجرّد افتراض منهجيّ هدفه حصر الأسئلة التي تبيحها طاقة الوضع الرّاهن للنّظر العلميّ في اللّغة، أي مجرّد وسيلة يدافع بها اللّغويّ عن نفسه في مواجهة السّؤال الماورائيّ عن العلاقة بين الفكر والعالم. أمّا عن مبدأ دي سوسور الثّاني المتعلّق بخطيّة الدّال أي انبساطه سمعيّا في الزّمن وحده، فيقبله أحمد بيضون لكن شريطة أمرين: الأوّل أن لا تعني وحدة البعد وحدة الوجهة، أي أن لا يمتنع تقليب الكلام لتحليله (نموذج الاشتقاق الأكبر). والثاني أن لا يردّنا اعتبار الدالّ سمعيّاً إلى اعتباطيّة الدّليل اللّغويّ، أي أن يبقى محتملاً وَهْمُ الوحدة فيه بين الدالّ والمدلول.

راجع: بيضون (أحمد)، كَلَمُن: من مفردات اللّغة إلى مركّبات الثقافة، ط 1، دار الجديد، بيروت، 1997، ص 54.

[20]Dictionnaire des symboles, (L’introduction).

[21]– قارن بمنظومة التّماثل بين السّماوي والأرضي عند بعض القبائل الإفريقيّة (الزّوني والدّوغون والبامبارا) في:

  • Ndaw (Allassane), La pensée africaine : Recherches sur les fondements de la pensée négro-africaine, Les Nouvelles Éditions Africaines, Dakar, 1983, p. 139.
  • Bastide (Roger), L’homme africain à travers sa Religion traditionnelle, in : Présence Africaine, 1er trimestre 1962, Paris, p.62.
  • Griaule (M.) & Dieterlen (G.), Le renard pâle, tome I : le mythe cosmogonique, Institut d’ethnologie, Paris, 1965, p.544.

[22]– يطلق جيلبير دوران على هذه المنظومة اسم “الحوض الدّلاليّ” (Le bassin sémantique).

Cf. Durand (Gilbert), Beaux arts et archétypes, P.U.F, Paris, 1989,  p.21.

[23]– تيزيني (طيّب)، الفكر العربيّ في بواكيره وآفاقه الأولى، ط 1، دار دمشق، دمشق/بيروت، 1982، ص 450.

[24]– يرى جيلبير دوران أنّ الأحيائيّة الفلكيّة ثمثّل منهجا عالميّا واسعا وموحّدا لتفسير الوجود سواء على المستوى الفرديّ أو الاجتماعيّ أو على صعيد تفسير الظّواهر الكونيّة، وهو ما يفترض وجود منظومة رمزيّة تماثل بين العِدَادَة الفلكيّة (الأرقام المرتبطة بالكواكب) وحركات النّجوم وحركة الحياة في الإنسان والحيوان والنّبات وتتابع الفصول.

Cf. Durand (Gilbert), Les Structures anthropologiques de l’imaginaire, op. cit., p.274.

أمّا جورج غوسدورف (Gusdorf  Georges)، فيرى أنّ «هذه المنظومة الرمزيّة هي الرّحم التي ولدت فيها فكرة القانون وأنّها شكّلت الفكرة ما قبل العلميّة للكون وهيّأت لبداية إدراك العقل المنظّم للكون»، ومن ثمّ نشوء المفهوم العلميّ له.

Cf. Gusdorf (Georges), Mythe et métaphysique, Flammarion, Paris, 1953, p.71.

[25]– محمّد (إبراهيم عبد الرّحمان)، “التّفسير الأسطوريّ للشّعر الجاهليّ”، مجلّة فصول، المجلّد 1، العدد 3، القاهرة 1981، ص 127– 140.

على أنّه جدير بالذّكر هنا أمران على غاية من الأهميّة: «عدم وصول كلّ ما قيل في الجاهليّة من شعر»، و«تناسي المسلمين للشّعر الذي يحوي إشارات دينيّة متعارضة مع الإسلام».

انظر: الجُبُوريّ (يحيى وهيب)، المستشرقون والشّعر الجاهليّ: بين الشكّ والتّوثيق، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت 1997.

[26]– يفترض القول بـ«أسلمة» مؤسّسة الحجّ الجاهليّ القول بوجود بنى «جاهليّة» أخرى كانت لحظة انبثاق الإسلام فاقدة لفعاليّتها الوظيفيّة أو أنّ تلك الفعاليّة كانت مضادّة لروح الإسلام بوصفه حركة تغيير شامل، وهو ما استدعى دمغها بالتّحريم.

[27]– كان القدر “مركز أفكار العرب، والمحور الذي تدور حوله رحى التصوّرات الجاهليّة، ولقّبه الشّعراء بأسماء مختلفة مثل (المنون) و(المنيّة) و(الدّهر) و(الزّمان) وأشباه ذلـك“.

انظر: خان (محمّد عبد المعيد)، الأساطير والخرافات عند العرب، ط 4، دار الحداثة، بيروت 1993، ص 134.

[28]– يلاحظ لطفي عبد البديع أنّ:”السّماوات عند العرب يقال لها الأفلاك من هذه الجهة التي تتضمّن مصير البشر على الأرض، والعرب في ذلك كالكلدانيّين وغيرهم ممّن ذهبوا إلى تأثير العالم العلويّ في العالم السّفليّ“.

انظر: عبد البديع (لطفي)، عبقريّة العربيّة في رؤية الإنسان والحيوان والسّماء والكواكب، ط 2، النّادي الأدبيّ الثّقافيّ، جدّة 1986، ص 129.

[29]– السّجستاني (أبو حاتم، سهل بن محمّد بن عثمان) المعمّرون والوصايا، تحقيق: عبد المنعم عامر، ط 1، دار إحياء الكتب العربيّة، القاهرة 1961، ص 71.

[30]– الطبريّ (أبو جعفر، محمّد بن جرير بن يزيد بن خالد)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ط 1، دار الفكر، بيروت 1984، ج 25، ص 152.

[31]– مسلم (أبو الحسين، مسلم بن الحجّاج القشيري النّيسابوريّ)، الجامع الصّحيح، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التّراث العربيّ، بيروت، 1987، ج 4، ص 1762، الحديث رقم 2246.

[32]– يرى مصطفى عبد اللّطيف جياووك أنّه:”كان للجاهليّين موقفان من الدّهر: الأوّل ويتجلّى في أنّ بعضهم قد عبده، أمّا الثّاني فيتجلّى في أنّ الجاهليّين، على اختلاف نزعاتهم وميولهم وأهوائهم ومعتقداتهم، كانوا يرجعون كلّ ما يصيبهم إلى الدّهر وكانوا في توجّعهم منه ينسبون إليه ما يكرهون من فرقة أو فقر أو موت“.

انظر: جياووك (مصطفى عبد اللطيف)، الحياة والموت في الشّعر الجاهليّ، منشورات وزارة الإعلام، الجمهوريّة العراقيّة، بغداد، 1977، ص 91.

[33]– البطل (عليّ)، الصّورة في الشّعر العربيّ حتّى آخر القرن الثّاني الهجري: دراسة أصولها وتطوّرها، ط 3، دار الأندلس، بيروت 1983، ص 132.

[34]ديوان زهير بن أبي سلمى (صنعة ثعلب)، دار الكتب المصريّة، القاهرة 1944، ص 285.

[35]– سبق للباحث محمّد توفيق أبو عليّ التّأكيد على أنّ الجاهليّين “كانوا يؤمنون بخلود الجبال والنّجوم“، واستشهد في كتابه الأمثال العربيّة والعصر الجاهليّ وهو في الأصل أطروحة دكتورا على الدّلالة الأولى بمثلين هما: (أثقل من شَمَام)، و(أطول صحبة من ابني شَمَام)، وشَمَام جبل بأرض الحجاز له رأسان يسمّيان ابني شَمَام، وشواهده من الشّعر الجاهليّ بيت لبيد بن ربيعة العامري [الوافر]:

فَهَلْ نُبِّئْتَ عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا       عَلَى الأَيَّامِ إِلاَّ اِبْنَيْ شَمَامِ

وكذلك قول لبيد [الخفيف]:

عِشْتُ دَهْراً وَلاَ يَدُومُ عَلَى الأَيْـ       يَـامِ إِلاَّ يَرَمْـرَمٌ وَتِـعَـارُ

وَالنُّجُـومُ الَّتِـي تَتَابَـعُ بِاللَّيْـ       ـلِ وَفِيهَا ذَاتَ اليَمِينِ اِزْوِرَارُ

وقوله أيضا [الطّويل]:

بَلِينَا وَمَا تَبْلَى النُّجُومُ الطَّوَالِعُ       وَتَبْقَى الجِبَالُ بَعْدَنَا وَالمَصَانِعُ

وقول زهير بن أبي سلمى [الطّويل]:

أَلاَ لاَ أَرَى عَلَى الحَوَادِثِ بَاقِيَا       وَلاَ خَالِداً إِلاَّ الجِبَالَ الرَّوَاسِيَا

وَإِلاَّ السَّمَاءَ وَالبِـلاَدَ وَرَبَّنَـا       وَأَيَّامَنَا مَعْـدُودَةً وَاللَّيَالِيَـا

أمّا دلالة خلود النّجوم، فمستقاة من المثل (أطول صحبة من الفرقدين)، والشّاهد بيت الشّاعر المخضرم حضرمي بن عامر [الوافر]:

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ       لَعَمْرُ أَبِيكَ إِلاَّ الفَرْقَدَانِ

ويستخلص أبو عليّ أنّه “ربّما كان إيمان الجاهليّ بعدم زوال الجبال والنّجوم هو أحد الدّوافع الأساسيّة لعبادة الأصنام والنّجوم، فهو يراها أقوى من الموت، ولعلّ الصّورة هذه تبدو أكثر سطوعا في تلك الأصنام المنحوتة التي تشعر الجاهليّ أنّه يبدع آلهة تهيمن على الفناء“.

انظر: أبو عليّ (محمّد توفيق)، الأمثال العربيّة والعصر الجاهليّ، دار النّفائس، بيروت 1988، ص 239-240.

ورغم ربط هذا الباحث بين فكرة الدّهريّة وعبادة النّجوم والأصنام، إلاّ أنّه غلّب الرّؤية التّقليديّة المماثلة بين الدهريّة والزّندقة بمعنى مذهب الثّنويّة الفارسي.

[36]– المرزوقي (أبو عليّ، أحمد بن محمّد بن الحسن)، الأزمنة والأمكنة، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلميّة، بيروت 1996، ج 1، ص 69 – 70.

[37]– هذه العقيدة الدّهريّة هي أحد روادف النّزعة اللّقاحيّة العربيّة الرّافضة لمبدأ الدّولة بوصف حدوث الدّولة تغيّرا ودخولاً إلى التّاريخ. وهذا المبدأ لم يكن خاصّاً بالعرب، بل نجده عند كلّ مجتمعات ما قبل الدّولة على ما يقول الأنّاس الفرنسي عمّانويل تيراي.

Cf. Terray (Emmanuel), « Une Nouvelle anthropologie politique? », L’Homme n° 110,  fasc. XXIX (2), École des Hautes Études Sociales, Paris , 1989, p.12.

[38]– وهذا ما توصّل إليه مفيد العابد ومحمّد بهجت قبيسي في دراستهما انتشار عبادة النّجوم في المنطقة العربيّة في العصور الكلاسيكيّة:”بذلت بابل جهدا محموما لتطوير إحدى العبادات على المستوى العالمي وهي عبادة النّجوم والتي كان يطلق عليها البعض اسم (التّنجيم). وهي عبادة أدّت بخبراتها المتراكمة إلى اعتماد مذهب في العلاقة الحتميّة والثّابتة بين الكواكب والأرض والإنسان، وهو مذهب (القضاء المحتوم) الذي يتحكّم في مصائر جميع الكائنات الحيّة بقوّة باقية لا تتبدّل، وهي قوّة لا علاقة لها بالأخلاق ولا تعرف الحبّ أو الكراهيّة وتواظب على مسارها بشكل لا هوادة فيه تماثل مواظبة الكواكب في مسارها عبر الفضاء الخارجي. ورغم غرابة هذا المذهبإلا أنّ سرعة انتشاره بلغت مبلغا لا سبيل إلى مقاومته في عالم البحر المتوسّطومع إطلالة القرن الأوّل الميلادي أصبحت عقيدة القضاء والقدر المحتوم فيصلا في حيوات النّاس والمجتمعات في العالم المعروف وقتئذ. وتمكّنت هذه من مناهضة عقيدة (الحظّ) الأوسع رحمةونشبت كما هو متوقّع معركة حامية الوطيس بين العقيدتين الشرقيّتين (الحظّ) و(القضاء المحتوم) أساسا، واستخدم المتحاورون من انصارهما كلّ فنون المناطقة والفلسفة وحتى السّوفسطائيّة…”.

انظر: العابد (مفيد) وقبيسي (محمّد بهجت)، “دراسة في ملامح الصّفات الحضاريّة للوطن العربيّ في العصور الكلاسيكيّة (333 ق.م-284 ق.م)”، في: الوحدة الحضاريّة للوطن العربيّ من خلال المكتشفات الأثريّة، المنظمّة العربيّة للتّربية والثّقافة والعلوم، تونس 2001، ص 394 (ص 377-401).

ويقول محمّد الجزائري في معرض حديثه عن العقيدة البابليّة في النّجوم :”إنّ غريزة السببيّة لدى أبناء الرّافدين، آنذاك، تجمع عين الأسباب إلى عين النّتائج، وما الشوّاذ التي بوسعها أن تحدث في العالم السّماوي سوى علامات لما قد يحدث من إزعاجات مستقبليّة في نظام الأمور“.

انظر: الجزائري (محمّد)، المندائيّون الصّابئة، منشورات المعهد الملكيّ للدّراسات الدّينيّة، عمّان، 2000، ص 240.

وانظر حول تأثّر الوثنيّة العربيّة الشّماليّة بالوثنيّة البابليّة:

  • عوض الله (أحمد أبو الفضل)، مكّة في عصر ما قبل الإسلام، ط 2، الرّياض 1981، ص 73.
  • سالم (السيّد عبد العزيز)، تاريخ العرب في عصر الجاهليّة، دار النّهضة العربيّة، بيروت، د.ت، ص 463.

[39]– على عكس ما توخّاه بعض من يروم طرق السّبل السّهلة الممهّدة بضروب من الأقوال المرسلة التي لا تقوم عليها أيّ أدلّة مباشرة أو حتّى قرائن من قبيل قول المستشرق أندريه ميكل (André Miquel) مثلا بأنّ الوثنيّة العربيّة “قد تغيّرت باتّصالها بالدّيانتين التّوحيديّتين القائمتين آنذاك“.

انظر: ميكل (أندريه)، الإسلام وحضارته، ترجمة: زينب عبد العزيز، المكتبة العصريّة، صيدا، لبنان، د.ت، ص 51.

أو ما يذهب إليه المؤرّخ حسن إبراهيم حسن من أنّ “اليهود عندما نشروا تعاليم التّوراة بين عرب الجزيرة كان لذلك أثره في الوثنيّة الحجازيّة“.

انظر: حسن (حسن إبراهيم)، تاريخ الإسلام السياسيّ والدينيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ، ط 14، مكتبة النهضة، القاهرة، 1996، ج 1، ص 27.

فنحن لا نعرف بالضّبط ما كانت عليه الوثنيّة العربيّة بعد اتّصالها بالدّيانتين اليهوديّة والمسيحيّة، ناهيك عمّا كانت عليه قبله. ثمّ إنّ هناك من الدّلائل ما يشير إلى أنّ التّوحيد كان أصيلا في عموم المنطقة العربيّة وأنّ اليهود مجرّد نقلة في هذا الخصوص لما كان منتشرا في الحجاز واليمن وأوغاريت (كنعان) وبابل ومصر منذ أقدم العصور.

[40]– عجينة (محمّد)، “الشعريّ والأسطوريّ في ديوان أبي نواس: الخمر وأسماؤها الحسنى”، في: قراءات في النصّ الشعريّ القديم، ندوة منّوبة أفريل 2003، مهداة إلى الأستاذ محمّد عبد السّلام، دار المعلّمين العليا، تونس 2004، ص 196.

[41]– عجينة (محمّد)، “حفريّات أدبيّة في شعر محمود درويش: مشروع قراءة في قصيدة الهدهد”، مجلّة “ألف” للبلاغة المقارنة، العدد 24،  لسنة 2004، ص 24.

[42]–  Ricœur (Paul), La Mémoire, l’Histoire, l’Oubli. L’ordre philosophique, Seuil, Paris, 2000, p.174.

[43]– الرّبيعي (فاضل)، أبطال دون تاريخ: الميثولوجيا الإغريقيّة والأساطير العربيّة، دار الفرقد للطّباعة والنّشر والتّوزيع، دمشق 2005، ص 134.

[44]– الأمثلة على ذلك كثيرة نكتفي منها برأي المستشرق كارل بروكلمان الذي يقول: “وليس من شكّ في أنّ العرب كانوا في أوّل الأمر يؤدّون الشّعائر الدّينيّة إلى تلك الآلهة التي كانت أقرب إليهم من ربّ العالمين العظيم، حتّى إذا أوشك فجر الإسلام أن يبزغ لم تكن هذه العبادة قادرة على أن تملأ وجدان العرب الدّينيّ، وهكذا انحطّ شأن هذه العبادة وانحطّت دلالتها انحطاطا متواصلا، وكان يرافقه أبدا تعاظم في أهميّة الشّعور الدّينيّ العامّ القائم على أساس الإيمان بالله“.

انظر: بروكلمان (كارل)، العرب والإمبراطوريّة العربيّة، ترجمة: نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي، طبعة بيروت، د.ت، ص 27.

[45]– كان بيار كلاستر قد نبّه إلى ضرورة إيلاء ما يسمّيه “الوهم الدّيني” ما يستحقّ من أهميّة لفهم نظام المعتقدات والقيم في المجتمعات البدائيّة، معتبرا أنّ “الاحترام الدّائم التي تبديه المجتمعات البدائيّة للقواعد والتّحريمات، هو الذي يشكّل الجماعة البدائيّة اجتماعيّا كما هي عليه“.

Cf. Clastres (Pierre), « Les Prophètes de la forêt », in Échanges et communications (Mélanges offerts à Claude Lévi-Strauss à l’occasion de son 60 è anniversaire), éd. Mouton, Paris, 1970.

[46]– ابن الكلبي (أبو المنذر، هشام بن محمّد السائب)، كتاب الأصنام، تحقيق: أحمد زكيّ باشا، الدار القوميّة، القاهرة، د.ت، ص 39.

[47]– ن.م.س، ص 55.

[48]– ابن هشام (أبو محمّد، عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري)، السّيرة النّبويّة، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، ط 1، بيروت 1991، ج 5، ص 222 وما بعدها.

[49]– مونتغمري واط ( وليام): محمّد في مَكَّة، تعريب: شعبان بركات، المكتبة العصريّة، صيدا/بيروت، د.ت، ص 52.

[50]– ن.م.س، ص 53.

[51]– أُولِيرِي (دِي لاَسِي)، الفكر العربيّ ومركزه في التاريخ، تعريب: إسماعيل البيطار، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982، ص 53، ص 60.

[52]– Dozy (Reinhart), Essai sur l’histoire de l’Islamisme, trad. du hollandais par V. Chauvin, Leiden-Paris 1879, p.14.

[53]– Guidi (Ignacio), L’Arabie antéislamique, Geuthner, Paris, 1921, p. 47.

[54]– Caratini (Roger), Le Génie du l’Islamisme, éd. Michel Lafon, Paris 1992, p.75.

[55] – هذه الطّروحات هي السّائدة حاليّا في الدّراسات الجاهليّة، وما قدّمناه هو نبذ يسيرة من مواقف المستشرقين والباحثين العرب فحسب إذ أنّ المجال لا يسمح بالإشارة إلى كلّ المواقف.

[56]– الجابري (محمّد عابد)، العقل السياسيّ العربيّ، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1990، ص 100.

[57]-الجبوري، المستشرقون والشّعر الجاهليّ، م.م.س، ص 101.

[58]– سلام (عبد المحسن عاطف)، حيوات العرب: دراسة لتاريخ القوميّة العربيّة، ط 2، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 1978، ص 191.

[59]– الفيّومي (محمّد إبراهيم)، في الفكر الدينيّ الجاهلي قبل الإسلام، عالم الكتب، القاهرة، 1979، ص 209.

[60]– خضر (العادل)، الأدب عند العرب، منشورات كلّية الآداب بمنّوبة، ط 1، دار سحر للنّشر، تونس، 2004، ص 115.

[61]– Fahd (Toufic), La divination arabe : études religieuses, sociologiques et folkloriques sur le milieu natif de l’Islam, Sindbad, Paris, 1987, p.13.

[62]–  Maffesoli (Michel), Éloge de la raison sensible , Grasset, Paris, 1996, p. 246.

محمد الحاج سالم

باحث تونسي في الإناسة الدينية، ومترجم. له العديد من الدراسات والأبحاث والترجمات المنشورة، من مثل أطروحته للدكتوراه في منوبة والتي نشرت بعنوان " من الميسر الجاهلي إلى الزكاة الإسلامية: قراءة إناسية في نشأة الدولة الإسلامية"، ونشرت له كذلك ترجمة لكتاب مارسيل موس بعنوان "الصلاة"، إلى جانب العديد من المؤلفات والدراسات الأخرى، والترجمات والمشاركات المختلفة في ندوات دولية عديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى