الدراسات

معالم الخطاب الإبستمولوجي عند أبي إسحاق الشاطبي من خلال مقدمات “الموافقات”

تمهيد

 ساد تقليد علمي أصيل لدى علماء الأصول فحواه تصدير مؤلفاتهم بمقدمات مؤطرة للعمل الذي عقدوا العزم على القيام به، وللحقل العلمي الذي اشتغلوا فيه؛ وتتضمن مقدمات العلوم ومبادئها، والإطار المنهجي لعملهم.. ولا يخفى أن هذا العمل ذو علاقة بما تبحثه فلسفة العلم أو فقهه (الإبستمولوجيا، Epistemologie)[1]

ففلسفة العلوم تدرس العلوم من زاويتين؛ الأولى: بناء العلم من جهة مبادئه؛ وهي: المفهوم، والموضوع، والمنهج، والنتائج، والاستمداد. الثانية: البحث الوصفي والتاريخي والنقدي للمعرفة العلمية.

وقد أثارتني المقدمات الثلاثة عشرة التي صدّر بها الإمام الشاطبي كتابه الموافقات، فبنى بها القسم الأول من الكتاب؛ إذ شكلت الإطار النظري المؤطر لعلم الأصول عامة، ولمشروع الشاطبي التجديدي خاصة. كما أنها نموذج فريد للعمل العلمي الذي وفق بين الإحكام الإبستمولوجي والمنهجي العام، وبين العمل الأصولي الخاص.

تسعى هذه الورقة لمقاربة الموضوع من خلال الأسئلة التالية:

1- ما موقع مقدمات الموافقات ضمن التقليد العلمي؟

2- وما حقيقة الإتباع والإبداع فيها؟

3- ما الطبيعة الابستمولوجية لمقدمات الموافقات؟ وهل هي بحث أصولي؛ (أي: جزء من علم الأصول)؟ أم عمل موجِّه لعلم الأصول استحق الاندراج ضمن ” فلسفة الأصول”؟

4- ما معالم الخطاب الإبستمولوجي في مقدمات الموافقات؟

5- وما الثمرات والآفاق التي يعد بها هذا التقليد البديع لمقدمات الموافقات؟

الطبيعة الإبستمولوجية لمقدمات الموافقات.

     تميز كتاب الموافقات بخصائص عالية بوّأته للمساهمة في إرشاد العقل المسلم المعاصر، واستفزازه بعمق النظر وأصالة المنهج والمضمون، ومما استوقفنا في مقدمات الموافقات مسايرتها لتقليد علمي فريد تمثل في تصدير كتب الأصول بمقدمات نظرية تساءل العلم الذي تمهد له، وترسم إطاره النظري والمعرفي العام، مع استبطانها للحوار والجدل والنقد.

أصالة التقليد في مقدمات الموافقات؛ ( الإتباع والإبداع).

 

  • الفرع الأول مفهوم التقليد: التقليد مشتق من فعل:” قلّد. وتؤول دلالته -حسب ابن فارس-

لمعنيين؛ الأول: ” تعليق شيء على شيء.. ك: تقلد السيف.. والثاني: الحظّ والنصيب، يقال: سقينا أرضنا قِلدها؛ أي: حظها.” ومن مفرداته: القلادة، والقِلد بمعنى السِّوار..”[2].

فالتقليد يحيل دلاليا: على: الوجاهة، الصدارة، الأصالة، التعليق، الحمل، الحظ، الانتساب أو الاتباع، وهي دلالات تضفي على مفهوم التقليد أصالته وتميّزه، فالاتباع يتشابك مع الانتساب والانتماء الأصيل.. وهي المقصودة في سياق البحث، فإسناد التقليد للعلم ضميمة اصطلاحية تم نحتها وتداولها في تاريخ العلم وفلسفته، فاكتسب إجرائيته وتميزه لا ما يتوارد للذهن من المعنى المبتذل للتقليد بمعنى الإتباع بلا دليل، أو تبني الماضي بإطلاق.

والمعنى الاصطلاحي للتقليد العلمي نظفر به عند ادريس الجابري أنه: ” مجموع الأصول والقواعد الحية والمنتجة التي تأسست عليها المناهج والمعارف العلمية في مجال تداولي معين.”[3]  وهو ما جلاّه بناصر البعزاتي بأن: “التقليد العلمي هو مجموع تلك الخبرة المتراكمة من خلال تداول الأفكار العلمية بين مجموعة من العلماء – الجماعة العلمية – في ميدان معين، حيث تنبثق مفاهيم وتصورات في ارتباط مع الفكر السائد بمكوّناته الفلسفية والعقدية؛ فيكون لدينا تقليد علمي في الرياضيات وآخر في الفلسفة الطبيعية وآخر في الطب.. بالإضافة إلى تعليقات تعيش على هامش كل تقليد علمي، وليست بدون فائدة، لأنها تحفّز الفاعلية العقلية على التمحيص والمراجعة[4].

فالتقليد العلمي هو انتساب لجماعة علمية لها الصدارة والوجاهة في مجالها العلمي؛ اكتسابا لأهلية الانتماء وأحقية المساهمة العلمية المعتبرة. وقد تحقق الشاطبي رحمه الله بهذه الأهلية عن جدارة واجتهاد؛ فصار من الأيمة الذين جددوا في مجالهم، وشكل محطّة وحقبة مفصلية في تاريخ علم الأصول والمقاصد.

لاستكمال قراءة الدراسة، يمكنك تحميلها عبر النقر هنا 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] وتعني: ” الدرس النقدي لمبادئ مختلف العلوم وفرضياتها ونتائجها، الرامي إلى تحديد أصلها المنطقي؛ قيمتها ومداها الموضوعي موسوعة أندريه لالاند الفلسفية. مادة (Epistemologie). . تعريب أحمد خليل أحمد. طبع منشورات عويدات بيروت باريس.2/2001.

[2] معجم مقاييس اللغة لابن فارس. أبو الحسين احمد بن فارس. ت 395. باب قلد. تحقيق: عبد السلام هارون. دار الفكر.

[3] مقال: العقل العلمي وشروط ميلاد العلوم الإنسانية في نظام المعرفة الإسلامي الجديد علم النفس نموذجًا – مركز نهوض للدراسات والنشر (nohoudh-center.com). ادريس نغش الجابري.

[4]  حوار مع الدكتور بنّاصر البُعزّاتي – بوابة الرابطة المحمدية للعلماء ( (arrabita.ma.

حسن اهضار

حسن اهضار، باحث بكلية الشريعة جامعة ابن زهر، أكادير المغرب. حاصل على الماستر في موضوع: قواعد الاجتهاد والتنزيل بكلية الشريعة. موضوع البحث: فلسفة الفقه في الكتابات المعاصرة، دراسة تحليلة نقدية. 2020. وحاصل على دبلوم فلسفة العلوم ومناهج البحث. أكاديمية نماء للعلوم الإسلامية والإنسانية. 2021. وحاصل على الإجازة من كلية الشريعة، موضوع البحث: الاستقراء عند الإمام الشاطبي من خلال الموافقات. 2011. وبكالوريا التعليم العتيق، المدرسة العلمية إيكضي2008.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى