الدراسات

فلسفة المدينة أو في جينالوجيا المكان عند باشلار

تمهيد

يبدأ باشلار[1] مساره كقارئ يوزع مجال اهتمامه بفضاءات المدينة ويقسمها كفيلسوف، رغم أنه يرفض هذا الحديث، محاولا تحليل أبعاده الزمانية والمكانية، رابطا كل بعد بأبعاد التجربة الذاتية، بمنهج ظاهراتي يتتبع الصور في كامل أبعادها خصوصا في بعدها الشعري الرمزي، إذ الشاعر حسبه قادر أكثر من غيره على وصف فضاء أكثر من غيره لأنه قادر على نقل تجربته الشخصية والتعبير عنها، بحيث نقدر على القول معه أن هذا ما كنا نريد قوله بالضبط. وبالاضافة إلى أن الشاعر يعبر بصور شعرية صادرة عن بيته الأول أي عبر تجربة الطفولة، فيسقطها على كل ما يعاينه في مراحله العمرية المتقدمة.

وهذا الأمر نفسه يقوم به قارئ صور الشاعر فيحاول معايشة الصور في إحالتها إلى الذات وتجاربها العائدة إلى مرحلة الطفولة بأمكنتها الأليفة. وتخلي باشلار عن الفلسفة والتحليل النفسي في مقاربة هذا الميدان وإقباله على الشعر له ما يبرره عند الرجل، أولا نظرا لطبيعة الموضوع الدي يريد التحدث عنه، فعندما درس العلم وتاريخه فقد استعمل مفاهيمه الخاصة ولغته الصارمة، وعندما يدرس موضوعا ينتمي إلى الفلسفة فيستعمل اللغة الفلسفية الحجاجية الصارمة المبنية على مقدمات تصدر عنها نتائج، أما والحال الحديث سيكون على المدينة فقد استثمر الصور النفسية النابعة من الشعر للتعبير عن مدى حميمية وصدق هاته الصور لأنها تلامس الخيال أكثر مما تتحسس العقل، ترتبط بالروح أكثر من ارتباطها بالهندسة ولغتها الصارمة، تلتصق بالشعر أكثر من التصاقها بالفلسفة.  فعندما أقبل على مقهى أتذكر بيت الطفولة الذي كنت أشرب في أركانه القهوة وأسمع حديث عن مشاغل الحياة، وحينما أشق سارعا وأمشي في أحيائه أستحضره دون شعور، حركة انتقالي في شوارع بيت الطفولة. وهكذا فلكل فضاء في المدينة ركن من أركان بيتي الصغير، بيت الطفولة الأكثر ألفة والذي نبحث عن تجلياته في كل حياتنا، و عندما ننزل للقبول أو نبني الكوخ أو نتلمس الأدراج وخزائن الملابس ونأخذ الأعشاش باهتمام أو نتأمل القواقع ونجمعها، وحينما نسكن في ركن وننكمش ونتقرفص… كل هذه الأفعال لها ما يماثلها في مرحلة الطفولة، وما نقوم به هو إسقاط ذكريات هذه المرحلة الأليفة على ما نجده أمامنا، ظانين أنها ظواهر أصلها في ماضي مجيد للذات.

وحتى نحيط بهذه الأبعاد المتشعبة  نتساءل: كيف حضرت هذه الأبعاد في تجربة باشلار؟ وما علاقتها بالمدينة؟ وهل للفيلسوف دور في بناء هذه الأبعاد من الكوخ مرورا بالصناديق والأركان وصولا عند رمزيات الاستدارة؟

للإجابة عن هذه الأسئلة نقف عند كتاب باشلار “شاعرية المكان” من خلال عدة محاور:

  1. عندما يكون البيت– المدينة أصل الكون ومنطلقه:
    • أ‌- من القبو إلى العلية دلالة الكوخ.
    • ب‌- البيت والكون.
    • ت‌- الأدراج والصناديق وخزائن الملابس
    • ث‌- الأعشاش.
    • ج‌- القواقع.
    • ح‌- الأركان.
  2. أبعاد تجربة المدينة ورمزياتها:
    • أ‌- المتناهي في الصغر.
    • ب‌- ألفة المتناهي في الكبر.
    • ت‌- جدل الداخل والخارج.
    • ث‌- ظاهرية الاستدارة.

فالبدء إذن من المحور الأول:

لاستكمال قراءة الدراسة يمكنكم تحميلها عبر النقر هنا 

ـــــــــــــــــــــ

[1] – يعدّ غاستون باشلار (18841962)  واحداً من أهم الفلاسفة الفرنسيين ، وهناك من يقول أنه أعظم فيلسوف ظاهري ، وربما أكثرهم عصرية أيضاً . فقد كرّس جزءاً كبيراً من حياته وعمله لفلسفة العلوم ، وقدّمَ أفكاراً متميزة في مجال الابستومولوجيا حيث تمثل مفاهيمه في العقبة المعرفية والقطيعة المعرفية والجدلية المعرفية والتاريخ التراجعي ، مساهمات لا يمكن تجاوزها بل تركت آثارها واضحة في فلسفة معاصريه ومن جاء بعده . ولعل أهم مؤلفاته في مجال فلسفة العلوم هي :العقل العلمي الجديد / 1934. تكوين العقل العلمي / 1938. العقلانية والتطبيقية / 1948. المادية العقلانية /1953.

هشام مبشور

باحث في الفلسفة الحديثة والمعاصرة. حاصل على الماستر الفلسفة تأويل وإبداع. أحضر أطروحة الدكتوراه ضمن مختبر : الفلسفة والمجتمع وعلوم الانسان في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن طفيل بالقنيطرة. نشرت له العديد من المقالات والدراسات العلمية ، وشارك في ندوات علمية وطنية ودولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى