الدراسات

قراءة في كتاب: خلافا للوجود أوما وراء الماهية لإيمانويل ليفيناس

صدر سنة 1974 كتاب بعنوان: “خلافا للوجود أوما وراء الماهية“، للفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس، ضمن سلسلة “فينومينولوجيكا PHAENOMENOLOGICA” بعددها الرابع والخمسين، والتي نُشرت برعاية مراكز أرشيف هوسرل. الكتاب من الحجم المتوسط، يضم بين دفتيه 233 صفحة، موزعة على ملاحظة أولية وستة فصول؛ يعرض أولها الحجج التي اعتمدها المؤلف، بينما يستعرض الفصل الثاني، والثالث، والرابع، والخامس الأطروحة التي يحاول المؤلف إثباتها، أما الفصل الأخير فيشكل استنتاجا وخلاصة لما ورد في فصول الكتاب. لقد شكل هذا الأخير أرضية لنقاشات وندوات فكرية، أهمها قراءة بول ريكورP. Ricoeur، وأحدثها، ندوة فكرية سنة 2014 بمناسبة مرور أربعين عاما على صدوره[1]. يعتبر المؤلف من بين أعلام الفلسفة المعاصرة، الذين أثروا في المشهد الفكري الفرنسي خاصة، حيث يعود إليه الفضل في تعرف مفكري فرنسا ومثقفيها على المنهج الفينومينولوجي، وعلى فلسفة إدموند هوسرل، بما لها من أثر في مسار تفكير هذا الفيلسوف الفرنسي ذي الأصول اللتوانية، مثلما تأثر بغيره من أعلام الفلسفة المعاصرة، وبأحداث الحرب العالمية الثانية، خاصة أنه من أصول يهودية، مما جعل تجربة الحرب محورية في تفكيره. تبدو عناوين الفصول ومضامينها متنافرة غير منسجمة، لكنه ارتباك ظاهري يتبدد بالتقدم في القراءة، إذ الكتاب تجميع لعدد من المقالات سبق نشرها في مجلات متخصصة، مثل “مجلة لوفان Louvain “، و”مجلة الميتافيزيقا  و الأخلاق“، “Métaphysique et de Moral  Revue de“، أو عقب انعقاد ندوات فكرية، مثل المؤتمر الذي نظمه كل من المعهد الدولي للدراسات الإنسانية، و معهد الدراسات الفلسفية بروما سنة 1972، لذلك تظهر المضامين مستقلة عن بعضها البعض، رغم التعديلات والاستدراكات التي أقحمها المؤلف، من أجل محوهذه الاستقلالية والانفصال، و هو الأمر الذي يعترف به ليفيناس نفسه.

صعوبة العنوان

ليس من اليسير تعريب العنوان، إذ ترتبط ألفاظه بمبحث الأنطولوجيا والميتافيزيقا، وما أبدعته من مفاهيم ومصطلحات، مع الفلاسفة الألمان عامة، ومارتن هايدغر خاصة، حيث يحضر تحديده المفاهيمي في العنوان، كما في باقي مضامين المتن، لذلك خص ليفيناس ملاحظاته الأولية لتوضيح توظيفه للمفهوم، ولحمولاته الدلالية؛ فليس الوجود être، هو الموجود étant، هذا التمييز الهايدغري الذي تمت بواسطته مجاوزة الميتافيزيقا الغربية، التي غرقت في النسيان، مُسْتَعمَل من بداية مؤلَّف ليفيناس إلى نهايته، لذلك ينبه هذا الفيلسوف القُراء إلى عدم الخلط بين المفهومين أولا، وإلى ضرورة المطابقة بين الوجود والماهية ثانيا، وأخيرا إلى استعاضته بمفهوم الأقنوم Eidos، عن مفهوم الماهية Essence، إذ سعى جاهدا إلى تفادي استعمال دلالته التقليدية.

الماهية لغة هي الجواب على السؤال بما هو؟، وهي الجوهر الثابت في مقابل الأعراض المتغيرة اصطلاحا، أوهي الصفة التي لا يمكن تحديد الموجود بدونها. لكن يتخذ مفهوم Essence منعطفات دلالية معقدة ومتداخلة في اللغات الأوروبية؛ فكلمة Sein الألمانية تختلف عن كلمة Seiendes، فبينما تعني الأولى الوجود، تشير الثانية إلى الموجودات أوالكائنات، وليست كلمة Esse اللاتينية مطابقة للفظة Ens السكولائية، لأن الأولى تعني الوجود والكينونة، في حين تشير الأخيرة إلى الكائن أوالموجود. لم يجرؤ أحد على كتابة Essance، كما يفرض ذلك تاريخ اللغة؛ فأصل اللاحقة Ance هوالجذر Antia أوEntia، الذي يعني الكيان، والذي ولّد أسماء مجردة للفعل. من هنا تبدو تفكيكية ديريدا مؤثرة في الكتاب، فعلى غرار كلمة Differance، يحاول ليفيناس التأصيل لكلمة Essance، وتحميلها دلالات جديدة، تتمركز حول فكرة فعل الوجود بوصفه سيرورة وديمومة واختلافا، وليس باعتباره مقولة ثابتة مجردة. تشد الذاتية أركان أطروحة ليفيناس، لأنها تُعبر عن الانفصال بين الماهية، والموجود، وعن الاختلاف بينهما، ما دام ارتباطهما مدركا باعتباره جوهريا في الذات، أي النواة الصلبة لما هومُفرد في الأنا، لتصبح الهوية غير متطابقة مع ذاتها، بل تقوم مقام الغير، وتنبني على نكران الذات وعلى الوجود من أجل الغير، في أفق إقامة ذاتية مختلفة عن الذاتية المتعالية، التي تظل منغلقة تسعى إلى الاستيعاب والاحتواء، بل ذاتية تسعى إلى الاستقبال والاستضافة، لقد حجبت الأهواء ومحدودية الفكر حسب ليفيناس قيام ذاتية مماثلة، ودفعت إلى اشتقاق الممارسة والمعرفة في العالم، من القابلية الممتنعة عن الاستبدال.

يعرض عنوان الكتاب موضوعة جديدة، حين يبحث فيما وراء الماهية؛ إنها محاولة للإصغاء إلى إله لم تنتقل إليه عدوى الوجود، لأنه إمكانية إنسانية مهمة، وأكثر تماسكا من محاولة انتشال الوجود من النسيان، الذي أغرقه أكثر في الميتافيزيقا والأنطولوجيا حسب ليفيناس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] https://www.youtube.com/watch?v=6GusqA25Bik&list=PLOMyVuRpZKx2mbOwUU6LzCVxF0oTytoj4

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لاستكمال قراءة الدراسة يمكنكم تحميلها عبر النقر هنا 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى