الدراسات

طقوس التفاعل عند إرفنغ غوفمان – دومينيك بيكار

توطئة المترجم:

  • عن الموضوع:

تعود بنا الكاتبة في هذا المقال المترجم إلى الأساس الاجتماعي لنظريات التأدب، وهو مفهوم “طقوس التفاعل” الذي ابتكره عالم الاجتماع الأمريكي إرفنغ غوفمان Erving Goffman، وطور في إطاره نظرية للتأدب، استحدث فيها مفاهيم جديدة كان لها تأثيرها الكبير في الدراسات اللسانية التداولية.

لكن ما هو التأدب؟

من المعلوم أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، إذ لا يعيش البشر عادة في عزلة، بل يميلون إلى أن يكونوا جزءًا من مجتمع معين وأن يتفاعلوا مع أقرانهم على أساس منتظم. وليس هذا التفاعل فوضويًا ولا يتم بطريقة عشوائية. تشكل هذه الحقيقة (التي تم تضييقها إلى التفاعل اللغوي) المبدأ الأساسي في مقالة غرايس Grice التي صارت ورقة تأسيسية “المنطق والتخاطب” (1975)، والتي وضع فيها الأسس لنظريته حول مبدأ التعاون وقواعد التخاطب وطرق إجراء الاستلزامات التخاطبية.

Dominique Picard

والتفاعل البشري، أكان لغويا أم غير ذلك، مقيد إلى درجة معينة؛ تتحكم فيه “قوانين” صريحة وضمنية. عندما يكبر الأطفال، فإنهم يكتسبون ببطء إطار المجتمع الذي يعيشون فيه، ويتحكمون تدريجياً في “القوانين” التي تتحكم في التفاعل البشري. ومن ثم، يكتشفون ما هو السلوك المناسب (المقبول اجتماعيًا، المؤدب) وما هو غير ذلك وكيفية استخدام هذه القوانين أو التلاعب بها للحصول على منافع معينة. بإيجاز، يدرك البشر، باعتبارهم كائنات اجتماعية عقلانية (قادرة على التخطيط الاستراتيجي)، حقيقة أن هناك قيودًا قوية على التفاعل (مثل التأدب)، وأن التواصل بطريقة ما ينطوي على أكثر من مجرد تبليغ رسالة. فالتواصل هو كذلك وسيلة لإقامة علاقة اجتماعية أو الحفاظ عليها أو تغييرها. ويمتلك معظمنا إحساسًا بما يشكل سلوكًا مؤدبًا، ويمكنه بشكل عام التعرف على الحالات التي يتم فيها انتهاك قواعد التأدب. والحق أن التأدب عنصر مركزي في التفاعل الاجتماعي، ويعتمد أداؤه الناجح على فهم الأطراف المعنية واحترامها لاتفاقيات السلوك المهذب. ومعظم هذه الأعراف تكون مفهومة ضمنيًا، بيد أنها تتحقق في اللغة التي نوظفها أثناء مشاركتنا في التفاعل الاجتماعي.

لقد أصبحت هذه العلاقة بين التأدب واللغة محط اهتمام كبير من قبل اللغويين. وحقيقة أن التأدب يمثل معيارًا اجتماعيًا يمكن ملاحظته تجريبيًا في اللغة وتحليله بشكل موثوق عن طريق اللغة قد جعله لفترة طويلة موضوعًا مهمًا للدراسة في اللسانيات. ويمكن لدراسة التأدب أن تساعدنا على فهم العلاقة بين اللغة والواقع الاجتماعي، وقد أكدت رائدة دراسات التأدب روبين لاكوف إمكانية أن يصير هذا المبحث «كقوة موحدة تجمع بين نظرية اللغة ونظريات الدوافع الإنسانية والسلوك والثقافة» (Lakoff, R., & Ide, S. (Eds.) 2005: Broadening the horizon of linguistic politeness, Amsterdam, Netherlands: John Benjamins: 3).

بالنسبة لبعض الباحثين، يمثل التأدب وسيلة لتقليل احتمالية الصراع؛ ولهذا تؤكد لاكوف، على سبيل المثال، أن «التأدب يتم تطويره من قبل المجتمعات لتقليل الاحتكاك في التفاعل الشخصي» (Lakoff, R. 1975: Language and women’s place. New York, NY: Harper: 75) بينما تعد بينلوب براون Penelope Brown وستيفن ليفينسونStephen Levinson التأدب وسيلة لتليين الأفعال التي تهدد وجه المتفاعلين، وهو المفهوم الذي اقتبسه من أعمال إرفنغ غوفمان. ومن هذا المنظور يعد التأدب أداة للتوفيق بين الرغبة المشتركة للحفاظ على ماء وجه المتفاعلين (الوجه الإيجابي) وبين التهديد المحتمل الذي تحدثه أغلب الأفعال الكلامية، كالأمر والنهي والتحذير (الوجه السلبي) (Brown, P & Levinson, S 1987: Politeness_ Some Universals in Language Usage, Cambridge University Press: 61).

ــــــــــــــــــــــــ

لاستكمال قراءة الترجمة يمكنكم تحميلها كاملة عبر النقر هنا 

إبراهيم أمغار

أستاذ جامعي بكلية اللغة العربية، جامعة القاضي عياض بمراكش، حاصل على الدكتوراه في الدراسات اللغوية، تخصص: الدلالة والتداولية (2015)، من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، ظهر المهراز، فاس. له العديد من الدراسات والترجمات والأبحاث العلمية المنشورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى