الدراسات

أنطولوجيا الاعتناء بالنفس: قراءة في كتاب ميشيل فوكو: تأويل الذات

تقديم

تقسيم الإنسان منذ القديم إلى مكوني النفس والجسم، يوضح أن لكل منها مطالب وحاجات وأغراض؛ قد يتوافقان على إنجازها ويعملان ككيان واحد. وقد تتخالف منازعهما وتتضارب مطالبهما وتتشاكس أهدافهما، فيعمل كل مكون على تحقيق رغبته ولو على حساب المكون الثاني، الأمر الذي يفسر الصراع السيكولوجي الذي تعيشه كل ذات، والقلق والتوتر الأنطولوجي الذي ترزح تحته عند كل اختيار صعب، وصعوبته كامنة في أن إرضاء أحد الطرفين إغضاب للطرف الثاني. ومخرج هذا الصراع تمثل في تدريب النفس والجسم وتعويدهما على التزهد والصبر والاحتمال. وبهذا فإننا نزاوج بين مطلبي معرفة النفس والاهتمام بالجسم بشكل متكامل لا نغضب فيه أي طرف بل نعطيه بقدر حاجته بلا زيادة أو نقصان. تتكلم الفلسفة اليونانية عن الفضيلة والاعتدال، وتربطها بالوسط الذهبي بين الإفراط والتفريط (الشجاعة وسط واعتدال الإفراط فيها تهور والتفريط منها جبن). ويشبه هذا التوازن أو الهرمونية بسائق عربة يجرها حصانين: أسود جامح وأبيض متراخي، يتدخل صاحب العربة أو سائسها(الذات) لاستنهاض الأبيض وحثه على الرفع من سرعته، ويكبح قوى الحصان الأسود ويرده. وكلما كان السائس قادرا على المحافظة على توازنها استطاع النجاة بالعربة. فما السبيل لإكساب السائس قوى التدبير والإدارة للنفس والجسم؟ ما آليات وأدوات الاعتناء بالنفس؟ وهل يتعارض هذا المبدأ مع مبدأ معرفتها؟ بمعنى هل الاعتناء بالنفس تضييع لمعرفتها والعكس صحيح؟

الفلسفة اليونانية وبداية الاعتناء بالنفس

ينطلق ميشيل فوكو من مقارنة سؤال الذات في الفلسفة اليونانية من منطلقي: اعرف نفسك واهتم بنفسك ليؤكد عكس التصورات القديمة أنه لم يكن أوج الفلسفة اليونانية اعرف نفسك بل اهتم بنفسك، وربما بؤرة الاهتمام بالأولى رمزيتها، إذ كتبت على مدخل معبد ديلفي وجاءت في شكل وصية من ألآلهة ديلفي: “أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك” لتؤسس لسؤال العلاقة مع الذات. وكما يتضح من الصيغة اعرف نفسك تشير إلى محدودية الإنسان وضعفه أمام قوى الإله فعليه احترام هذه التراتبية، وتفيد أيضا أن اسأل وتعلم المزيد والمزيد خصوصا ما تعلق بذاتك. لتهتم بها تعتني لا تسيء إليها بأي وجه من الوجوه. ولعل أكبر إساءة أن تحملها على الجهل وتمنعها من سلك سبل المعرفة. لذا كانت مهمة سقراط تنبيه ودفع وإثارة الآخرين -خصوصا منهم المهملين وهم الأغلبية الساحقة- للاهتمام بها[1]. هي الدعوة التي تأدت بسقراط للمحاكمة بتهمة إفساد عقول الشباب، إذ لم يعرف ما قام به من شر، وعليه أن يعترف في جميع الأحوال بذنبه ويشعر بالخزي والعار لما اقترفه في حق مدينته أثينا وأدت إلى انهزامها أمام اسبرطة. على العكس سقراط رجل حكيم وفاضل يحب الحقيقة ومخلص لقولها كواجب عليه لأهل مدينته، ولو أنها تنكرت له وأعدمته فقد ظل وفيا لها متعهدا أن لو عاش مرة أخرى سيسلك نفس السلوك، فيتشبث بدعوته للاعتناء بالنفس ومعرفتها حتى في الرمق الأخير من الحياة.

لاستكمال قراءة الدراسة يمكنك تحميلها عبر النقر هنا 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – مشيل فوكو: تأويل الذات. ترجمة: الزواوي بغوره. ط1(بيروت: دار الطليعة. 2011). ص 13.

هشام مبشور

باحث في الفلسفة الحديثة والمعاصرة. حاصل على الماستر الفلسفة تأويل وإبداع. أحضر أطروحة الدكتوراه ضمن مختبر : الفلسفة والمجتمع وعلوم الانسان في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن طفيل بالقنيطرة. نشرت له العديد من المقالات والدراسات العلمية ، وشارك في ندوات علمية وطنية ودولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى