الدراسات

إشكالات في مباحث الإجماع.. وصف وتحليل

مقدمة

اعتنى الفكر الأصولي بمبحث الإجماع اعتناء بارزا، وقد كان القصد عند أهل الشأن -كما هي العادة دائما- ضبط مباحثه حتى يتسنى إعماله في محالّه والاستدلال به في موارده. ولقد كان ضبط الأصوليين عموما قائما على مفاهيم ناظمة، عليها ترتكز قضايا كل مبحث ومسائله، وغالبا ما يكون لهذه المفاهيم الأثر البارز على رسم تلك القضايا الأصولية التي تتعلق بكل باب على حدة؛ إذ يتم استثمارها استثمارا منهجيا في بناء المبحث وتقرير قضاياه وفاقا أو خلافا.

ومبحث الإجماع من ضمن المباحث التي أطرها الفكر الأصولي بمفاهيم مؤسسة لقضاياه، جامعة لشتات مسائله، ناظمة لما يتعلق بآراء الأصوليين فيها ردّا أو قبولا، وفاقا أو خلافا. ومن هذه المفاهيم: مفهوم الاتفاق، ومفهوم العصمة، ومفهوم القطع.

تأتي مركزية مفهوم الاتفاق من تنصيص الأصوليين على شرطيته في تحقّق الإجماع من غير خلاف قائم بينهم؛ إذ لم يعرف عن أحد منهم القول بتحقّق الإجماع مع عدم وجود الاتفاق.[1]

وتأتي مركزية مفهوم العصمة من كون المجمعين إذا اتفقوا على رأي فإنهم معصومون الخطأ فيه، بمقتضى الأخبار الدالة على ذلك، وقد علّق أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) عليها قائلا: “…فإن قيل: فما وجه الحجّة ودعوى التواتر في آحاد هذه الأخبار غير ممكن، ونقل الآحاد لا يفيد العلم؟ قلنا: في تقرير وجه الحجة طريقان: أحدهما: أن ندعي العلم الضروري بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عظّم شأن هذه الأمة، وأخبر عن عصمتها عن الخطأ بمجموع هذه الأخبار المتفرّقة وإن لم تتواتر آحادها…” [2]. وقد قرّر أبو الحسين البصري (ت 436 هـ) أن العصمة إنما تثبت لضربين من الناس: آحاد الأنبياء، وجماعة الأمة.[3]

وأما مفهوم القطع[4] فمركزيّته من كونه هو المسلك المعتمد عند الأصوليين في إقامة الحجّة على مشروعيّة الإجماع من حيث هو أصل من أصول الشريعة، وأنه هو الضابط في الرّ والقبول حين يتعلّق الأمر بإثبات أصول الشريعة وقواعدها “ولا يسوغ التمسك بالمحتملات في مطالب القطع”[5].

وقد أفضى النظر فيما قرّروه من قضايا في مباحث الإجماع إلى استشكال بعض مسائله، ووجه الإشكال أنها لا تبدو منسجمة مع تلك المفاهيم التي تؤطّر أصل الإجماع في الفكر الأصولي إجمالا؛ ومن ثم انصبّ النظر على مراجعة بعض مسائله احتكاما إلى تلك المفاهيم التي دأب الأصوليون على استثمارها استثمارا منهجيّا في مناقشة مسائل الإجماع وقضاياه.

نعرض هنا لمسائل ثلاث يمكن اعتبارها إشكالات في مبحث الإجماع: أوّلها: إشكال القول الثالث. وثانيها: إشكال نقل الإجماع. وثالثها: إشكال الاستدلال بالإجماع في مسائل الخلاف. وهو ما سنتطرق له في ثلاثة مباحث.

للاطلاع على الدراسة كاملة يمكنكم تحميلها عبر هذا الرابط 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  ينظر على سبيل المثال: الغزالي، أبو حامد. المستصفى من علم الأصول، تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي. (1413هـ – 1993م). الطبعة الأولى. بيروت: دار الكتب العلمية. ص 138.

[2] المستصفى، ص 139.

[3] ينظر: البَصْري، أبو الحسين. المعتمد في أصول الفقه. اعتنى به خليل الميس. (1403 هـ). الطبعة الأولى. بيروت: دار الكتب العلمية، 1/7.

[4] لم يرض معظم أهل الأصول مسلك الظن في إثبات الإجماع، جريا على عادتهم في الاستدلال على الأصول وبناء القواعد. ينظر على سبيل المثال: الجويني، عبد الملك، البرهان في أصول الفقه، تحقيق محمد بن صلاح بن عويضة. (1418 هـ – 1997م). الطبعة الأولى. بيروت: دار الكتب العلمية، 1/263. المستصفى، ص 138.

[5] البرهان في أصول الفقه، 1/435.

عبدالحميد الراقي

حاصل على الدكتوراه من دار الحديث الحسنية، تخصص الفقه والأصول، يشغل حاليا منصب أستاذ مساعد بمركز الموطأ للدراسات والتعليم، أبوظبي. وبجامعة محمد الخامس، أبوظبي. له العديد من الأعمال العلمية المنشورة ومنها: - السنة في الفكر الأصولي: أسسها المعرفية وإشكالاتها المنهجية. طبعة دار الأمان. - تطوّر مفهوم الدليل عند الأصوليين. تحت الطباعة حاليا. دار الخزانة الأزهرية. وله كذلك العديد من الدراسات العلمية المنشورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى