المقالات

في ذكرى رحيله.. أبرز صفات العلامة الشيخ الإمام محمد الغزالي

1 تلميذ حسن البنا وشيخ القرضاوي

لقد كان العلامة الشيخ محمد الغزالي واحدا من أنجب تلاميذ الشهيد حسن البنا، مجدد الإسلام في القرن العشرين. منذ أن تعرف الغزالي على أستاذه البنا سنة 1937 قرر أن يسير معه على درب واحد لخدمة الإسلام والمسلمين. وامتدت حياته المباركة تسعة وسبعين عاما إلى أن التحق بالرفيق الأعلى يوم التاسع من مارس سنة 1996 بالمدينة المنورة، ودفن بالبقيع بجوار الصحابة الكرام. وإن الدور الذي لعبه الشيخ جمال الدين الأفغاني في حياة الشيخ الإمام محمد عبده هو نفسه – أو أكثر منه- الدور الذي لعبه الشهيد حسن البنا في حياة الشيخ الغزالي. فقد اعترف الأستاذ الإمام محمد عبده بأن ميراثه من أستاذه جمال الدين الأفغاني أقدس من ميراثه الأبوي لأنه ميراث في الروح يجمعه بصفوة الرسل والقديسين، و في نفس المنحى يقول الغزالي واصفا الأبوة الروحية التي تجمعه بحسن البنا: ” أنا أعرف حسن البنا معرفة جيدة، وهو أستاذي ولا أستطيع أن أقول  إلا أنني تعلمت منه الكثير جدا في حياتي”.

وكما كان محمد عبده محتفظا بشخصيته المستقلة عن أستاذه الأفغاني فكذلك كان الشيخ الغزالي ذا شخصية مستقلة عن أستاذه الأكبر الإمام البنا، كما كان مستقلا في آرائه الفقهية عن العلماء الكبار الذين تلقى عنهم العلم كالشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد ابي زهرة، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ محمد عبد الله دراز، والشيخ عبد العظيم الزرقاني …الخ

لقد أمضى عمره المديد في الدعوة إلى الله، والدفاع عن الإسلام، والمرابطة على ثغوره، وصد الهجمات المختلفة على عقائده، وحضارته، وأمته، سواء في مجال الخطابة والوعظ، أو في مجال تأطير الشباب في المخيمات والمنتديات العامة، أو في مجال الأحاديث الإذاعية والتلفزية (أورد د. محمد عمارة في بعض كتبه أن أحاديث الغزالي الإذاعية بمكة المكرمة حين كان أستاذا بجامعتها بلغت ألف حديث)، أو في مجال التدريس الجامعي والأكاديمي، أو في مجال الكتابة والصحافة أو في مجال العمل الخيري والإغاثي أو في المجال الحركي التنظيمي.

وفي سبيل هذا الهدف السامي جاب جميعَ أنحاء العالم، شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، حتى إن وفاتَه صادفت سفر المفكر الإسلامي المعروف ذ. فهمي هويدي خارج مصر فتحولت رحلته إلى جولة في مجالس العزاء ومحافل التأبين للشيخ الجليل وعبر عن هذا قائلا : ” من ماليزيا إلى ولاية فلوريدا ظل المسلمون ولايزالون يتبادلون العزاء في مشهد مثير يعبر عن حالة فريدة في تاريخنا المعاصر”.

يكفي الشيخ فخرا أن يكون من تلاميذه: فقيه فقهاء العصر، العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – وهو من هو فقها، وعلما، ودعوة، واجتهادا، وجهادا، وشهرة- حتى قال هذا الأخيرُ عن شيخه: ” أشهد أنني أحب الشيخ محمد الغزالي وأتقرب إلى الله بحبه”. غير أن تلامذته يُعدُّون بعشرات الآلاف في كل أرجاء المعمور، نذكر في المقدمة منهم كوكبةً من أعلام التجديد المعاصرين: طارق البشري، عبد الحليم عويس، عماد الدين خليل، أحمد العسال، فهمي هويدي، راشد الغنوشي، طه جابر العلواني، محمد عمارة، محمد سليم العوا، أحمد الريسوني، عمار الطالبي، اسحاق الفرحان، عمر عبيد حسنة …. وغيرهم من أعلام تيار الوسطية والاعتدال.

-2 صِفاتٌ قَلَّ أن اجتمعت في غيره من العلماء والدعاة

إن من يستعرض حياة الشيخ الإمام محمد الغزالي لابد أن يتساءل عن (السر) الذي جعل منه علَما من أعلام التجديد، والفكر، والدعوة، في القرن العشرين، حتى ملأ الدنيا وشغل الناس في حياته وبعد مماته؟

– ما الذي جعله يتربع على عرش أبرز الدعاة، والمفكرين، والمجددين في القرن الماضي؟

– ما الذي أعطاه تلك القدرة الهائلة على التصدي لأبرز قضايا الدولة، والأمة والمجتمع، وأن يقتحم ذلك العدد الكبير من المعارك المتواصلة، وفي جبهات متعددة، من داخل وخارج الصف الإسلامي ؟

-كيف أمكنه أن يقاوم كل تلك التحديات، والصعاب، ومختلف العراقيل التي اعترضته في سبيل إنجاح مشروعه الدعوي والفكري؟

– من أين واتته تلك الشجاعة النادرة، وذلك الإقدام الباهر، للبوح بما آمن به قلبُه، واقتنع به عقلُه، دون ممالأة لأي حاكم من الحكام، أو للنخب المؤثرة، أو للجماهير الهادرة؟

لقد أجمع الدارسون لحياة وعطاء الشيخ الغزالي على أنه يتميز بخصائص وسمات هي الجواب عن الأسئلة السالفة،

منها على سبيل المثال لا الحصر:

أ-الارتباط الشديد بالقرآن الكريم: الدارس لتراث الغزالي يخلص بيقين إلى أنه، بتعبير القرضاوي” رجل قرآني، فهو مع القرآن أبدا، يديم القراءة له، والتأمل فيه، والتدبر لآياته, وهو لا يتعامل معه بعقله وحده بل بعقله وقلبه معا”.

ب-الاجتهاد القائم على أصول الإسلام الجامعة، ومقاصد شريعته، وقواعده الكلية، وغاياته العليا.

ت-السماحة والاعتدال حتى إن أغلب معاركه الأخيرة خاضها في مواجهة فكر الانغلاق والتشدد.

ث-الفهم الدقيق لوسطية الإسلام.

ج- الغيرة الصادقة على قضايا الأمة جمعاء، فكل هموم الأمة همومه.

ح- المزاوجة بين العقل والنقل في تناغم عجيب.

خ- الاستعداد الدائم لمراجعة أفكاره ومواقفه وإعلان ذلك أمام الملأ. وقد وصفه د. محمد عمارة بالرجل الأواب أي الذي يؤوب إلى الحق والصواب إذا ظهر له. وأدرج عمارة في كتابه عن الشيخ شهادة مهمة جدا حول هذه الخصيصة وقعت له شخصيا مع الشيخ، فكان لها أعمق الأثر النفسي والعقلي عليه.

د- الجرأة في قول الحق: تشهد على ذلك مواقفه المعلنة من حكم الملك فاروق، ومعارضته الصريحة للتوجه الشيوعي أيام عبد الناصر، ورفضه الشديد لاتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات مع الكيان الصهيوني، و شهادته الجريئة وغير المتوقعة في قضية فرج فودة في عهد مبارك …

ذ- عاطفة قوية مشبوبة حتى قال مرة عن نفسه” كل كتاب كتبته، وكل محاضرة أو ندوة أو مداخلة شاركت فيها، إنما هي قلب يحترق، وعاطفة تتحرك. كل ذلك أُقدِّمه بين يدي ربي عز وجل يوم القيامة أسأله أن يتقبل ذلك خالصا لوجهه تعالى “.

ر-النضالية العالية أو الجهاد المتواصل: الحياة كدح نحو الله عز وجل، والإنسان الرسالي لا يتوقف عنه حتى يأتيه اليقين، فهو في جهاد دائم ومتواصل من لحظة الوعي بذاته إلى لحظة مماته، وقليل من يستجمع هذا الخلق، والشيخ الغزالي واحد من هذا القليل حسب شهادات عارفيه. يقول رحمه الله: ” نحن المسلمين – في هذه الفترة من تاريخنا- نحتاج إلى استجلاء صور من أدب القوة، وفن المقاومة، وشرف الحفاظ على الدين، والعرض، والتشبث بأداء الواجب إلى آخر رمق”.

-3 إنتاج علمي غزير وعطاء دعوي وفير

الغزالي، علاوة على صفته الدعوية، هو كاتب، ومفكر، ومؤلف، وأديب، بلغ إنتاجه الفكري حوالي سبعين كتابا عدا المئات من المقالات والحوارات المنشورة في عدد كبير من المجلات، والدوريات، والصحف السيارة. وهو في كل هذه الكتابات له” قلم متميز ببلاغته، وروعة أسلوبه، وقوة منطقه، جَنَّده للدعوة من أول يوم لتوضيح معالم الإسلام، وبيان حقائقه، والرد على أباطيل خصومه في الداخل، وأعدائه في الخارج، وإضاءة طريق البعث لأمته حتى تعرف غايتها، وتستبين طريقها بين أضاليل المضللين، وشبهات المبطلين. ومن قرأ للغزالي أدرك أنه أمام كاتب مقالة من الطراز الأول، وأن القلم في يده أشبه بالسيف في يد ابن الوليد، أو صلاح الدين، فهو سيف الله المسلول على أعدائه، به يُدافع، وبه يُهاجم ، وهو قوي في دفاعه، قوي في هجومه، دون أن يعتدي على أحد فإن الله لا يحب المعتدين” (ص 60/61 من كتاب الشيخ الغزالي كما عرفته للقرضاوي).

وتعتبر مؤلفات الغزالي، كما سجل الأستاذ عمر عبيد حسنة بحق، ” سجلا لتاريخ الدعوة الفكري لدرجة أننا نستطيع أن نترسم الملامح الرئيسية للدعوة الإسلامية الحديثة وتطورها من خلال هذه المؤلفات. ذلك أن فهمه للقضية الإسلامية لم يكن فهمَ مؤلفات وأوراق بعيدةٍ عن دخان المعركة، ومُثار نقْعِها، وجلَبة سلاحها، وإنما جاءت كتاباته من أرض المعركة وبأحد أسلحتها”. كل كتاب يلخص معركة من معارك الشيخ في سبيل الدفاع عن الإسلام، سواء في مواجهة تيارات التغريب المختلفة (العلمانية، الصليبية، الاستشراق، القومية، الاشتراكية، الشيوعية، التنصير، الصهيونية …) أو في مواجهة الذات الاسلامية التي عانت من الاستلاب للوافد الغربي أو لعصور الانحطاط، أو في مواجهة فكر الانغلاق والتطرف.

وخلال العشرين سنة الأخيرة من حياته كرس رحمه الله أغلب جهوده لموضوع ترشيد الصحوة الإسلامية، وإعادة تشكيل العقل الإسلامي المعاصر، ومواجهة الفهم الحرفي الظاهري لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

وقد لاقى في ذلك عنتا كبيرا خاصة بعد صدور كتابه الفذ (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) الذي أثار، بتعبير محمد عمارة، واحدة من المعارك الكبرى في الفكر الإسلامي المعاصر، وكشف عن الأبعاد المعاصرة للتدافع الفكري بين قوى التجديد والتقليد في الثقافة الإسلامية الحديثة.

الجدة في المواضيع المطروقة، والعمق في التحليل والتفكيك والتركيب، والدراسة المجردة، والاستقلالية في النظر والمعالجة ، والجرأة في الإفصاح عن الموقف، واستعمال العقل والنقد، والأسلوب الأدبي الأخاذ، والسخرية الهادفة، وفقه الواقع محليا وعالميا، وحرية النقد لكل القضايا دينية أو اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك، وعدم المداهنة سواء لأصحاب السلطة أو للجماهير، واتخاذ التأليف رسالة في الحياة لا وسيلة للتكسب والتجارة، كلها عناصر جذبت – في نظرنا – القراء إلى كتب الشيخ فتلقفوها كما يتلقف العطشان كوب ماء يطفئ ظمأه.

– 4 من أقوال الشيخ المفعمة بالحكمة والنور

لولا أن الذي أوتي جوامع الكلم هو رسول الرحمة والهداية، محمد صلى الله عليه وسلم، لقُلتُ إن الشيخ الغزالي قد أوتي هو أيضا جوامع الكلم. ولكن دعونا نقول فقط بأنه أوتي قدرة فائقة على تكثيف المعاني في ألفاظ وعبارات موجزة” أشبه بالطلقة التي تصيب الهدف في خط مستقيم”. وهذه أمثلة قليلة جدا من تلك الحكم الغزالية:

– المُلك قد يدوم مع الكفر ولكن لا يدوم مع الظلم.

-الفساد السياسي يعتمد على رجال دين باعوا ذممهم للشيطان … فإن شهوة الملق عند شيخ منافق أوغل في الفساد من شهوة الزنى عند شاب طائش.

– الإسلام والاستبداد ضدان لا يلتقيان لأن تعاليمَ الإسلام تنتهي بالناس إلى عبادة ربهم وحده، أما الاستبداد فينتهي بالناس إلى وثنية عمياء.

– إن الصحافة سلاحٌ أفتك من أسلحة البر، والبحر، والجو.

– إن احترامَنا للعقل قائمٌ، ونزولَنا على منطقه حتمٌ، وعَدُوُّنا في هذه الحياة التقليدُ البليد، والتعصب الأعمى. وسلاحنا العتيد “قل هاتوا برهانكم”.

– في كل معركة تشتجر فيها الأدلة لابد أن يخرج الإسلام منتصرا.

– لو كنت مَلِكا لَأَبَيْتُ إلاَّ الانتظام في سلك الأخوة المطلقة مع الجماهير الدنيا، أخدمهم ويخدموني على سواء.

– الدولة المحترمة إفراز طبيعي لمجتمع محترم، والحكومة الصالحة نتيجة طبيعية لأمة صالحة.

-لا دين حيث لا حرية.

– هناك موضعان ينكشف فيهما النفاق، ويبدو وجهُه الدميم: الأول كراهية الحكم بما أنزل الله، والآخر: كراهية الدفاع عن الحق، والقتال في سبيل الله.

وهناك كتاب بعنوان (هكذا علمني محمد الغزالي- أفكار للحياة وللإنسان ولبناء غد أفضل” من تأليف علاء الدين آل رشي يحتوي على 554 حكمة من درر الشيخ الغزالي فليُرجَع إليه.

-5 الشيخ الامام الغزالي والقضية الفلسطينية

من الصعب ونحن نعيش أجواء عملية طوفان الأقصى البطولية وما تلاها من الحرب الوحشية التي تشنها اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وقادة الدول الغربية على قطاع غزة، من أن نصعب ألا نتطرق ولو بشكل موجز إلى نظرة الشيخ الغزالي للقضية الفلسطينية. ولذلك سأوجز أبرز معالم تلك النظرة عسى أن تتاح الفرصة مستقبلا لمزيد من التفاصيل.

أ- التوسع اليهودي الصهيوني لا حدود له: يؤكد الشيخ أن المخطط الغربي لا يقتصر على إقامة اسرائيل وكفى، بل إنه مخطط أخطر مما هو معلن بكثير. يقول رحمه الله:” إسرائيل الكبرى تمتد شرقا وغربا من الفرات إلى النيل، وتهبط جنوبا حتى تشمل الحجاز، وتستوعب مكة والمدينة”. و” إن الهدف المخطط له من اليهود والدول الغربية المساندة لهم هو إزالة الدين الإسلامي من الوجود ومحو الأمة الإسلامية من الخريطة”.

ب- التحالف بين الصهيونية والصليبية الجديدة حقيقة قائمة: أول الحاقدين على العرب والمسلمين هم الصليبيون الجدد في الغرب. ولذلك فإن الساسة الأمريكيين والأوروبيين المبغضين للإسلام وأمته يرون في إقامة دولة لليهود على أرض فلسطين خطوة لها ما بعدها في زلزلة الكيان الإسلامي كله. ومن ثم حرص أولئك الساسة الغربيون على خِذْلانِنا في كل ميدان، وتخييب آمالنا في كل سعي، ولم نر منذ بدأ احتلال اليهود لفلسطين سياسيا مسيحيا يعارض اليهود أو يرثي للعرب المنكوبين. والواقع – يضيف الشيخ – أن السلاح الأمريكي، والفرنسي، والإنجليزي، هو الذي سفك دمنا، ونهب حقنا، واستباح وجودنا، وأنكر حاضرنا ومستقبلنا.

ج- إبعاد الإسلام عن المعركة سبب هزيمة العرب أمام اسرائيل: اسرائيل خاضت جميع الحروب السابقة مع العرب باسم الديانة اليهودية وبشعارات التوراة والتلمود. أما العرب فقد قاتلوا بعيدا عن الإسلام وما يَبثُّه في أتباعه من روح التضحية والجهاد. يقول الشيخ: “إننا نميط اللثام عن حقيقة مخيفة وهي أن الدين (الإسلامي) أُبْعِد إبعادا متعمدا عن ميادين الحرب والسلام جميعا. وهذا الإبعاد ليس إلا عملا لحساب اسرائيل أو لحساب القوى التي تساندها كليا أو جزئيا؟” ويؤكد على أن “إقصاء الدين الإسلامي من المعركة معناه هلاك الأبد”. وإذا كان البعض يرى في هذا التفكير حربا دينية فإن الغزالي يرد عليه بأن الذي جعلها كذلك هي إسرائيل التي” تَسمَّت باسم نبي قديم، وألغت كل القوميات الحديثة، وصهرت يهود اليمن مع يهود نيويورك في أخوة دينية شاملة، وألهبت المشاعر الدينية عند النصارى المؤمنين بالعهد القديم، وحركت ذكرياتهم الصليبية الدفينة ليهجموا على المسلمين”.

ح- معركتنا مع اليهود الصهاينة معركة بقاء أو فناء: يرى الشيخ أن معركة العرب والمسلمين مع الصهاينة ليست معركة طارئة أو عارضة، إنما هي معركة بقاء أو فناء أي أنها معركة وجود لا حدود، فإما انتصر المسلمون عليهم وإما أتمَّتْ الأجيال المقبلة ما عجز عنه هذا الجيل. فإن نجح أبناؤنا فَبِها ونِعْمت كما يقول الشيخ وَإِلاَّ فعلى الأحفاد استئنافُ النضال إلى آخر الدهر. هكذا تحدث الغزالي عن ضرورة توريث القضية الفلسطينية للمسلمين جيلا بعد جيل لأنها أرض وقف إسلامية إلى قيام الساعة.

خ – الطبيعية الدينية للصراع العربي الاسرائيلي: في كل كتاباته حول فلسطين يؤكد الغزالي على البعد الديني للصراع ويحذر من أولئك الذين يرددون بدون وعي هذه الأقاويل. ولو أن واحدا من هؤلاء، كما يقول الشيخ، ذهب إلى أقرب مكتبة، ودفع قروشا قليلة أو كثيرة، واشترى العهد القديم وحده أو الكتاب المقدس كله، ثم كلف خاطره القراءة لوجد التخطيط الديني لإسرائيل الكبرى واضحا في صحائفه، ولَوجَد الكفنَ يلُفُّ رفات العرب منسوجا من كلماته، ولَوجَد حرب الإبادة التي تعرضوا لها (أي العرب) ناضحة بين سطوره.

د- لا فصل بين الصهيونية واليهودية: يرفض الغزالي الفصل بين اليهودية والصهيونية كما يشيع ذلك كثير من الكتاب والساسة الذين يزعمون أن” اليهودية لا أطماع لها في فلسطين، وأنها لم تُبيِّت عدوانا على العرب الآمنين، وأن التوراة والتلمود وسائر الأسفار المقدسة بريئةٌ مما تفعله دولة اسرائيل، وأن الحرب المعلنة علينا من خمسين سنة ليست دينية” وأن الحركة الصهيونية هي التي أنشأت دولة اسرائيل ولا علاقة لليهودية بالمشروع الصهيوني. وللرد على هذه المزاعم أورد الشيخُ عشراتِ النصوص من التوراة والتلمود وإصحاحات العهد القديم التي يتعبد اليهود في المشرق والمغرب بتلاوتها والتي يستوحون منها سياستهم في القديم ولحديث على سواء. وتنفيذا لتعاليمها جاءوا الى فلسطين باعتبارها أرض الميعاد، وقاموا بحرب الإبادة ضد سكان فلسطين العزل. ثم قائلا مستنكرا” ولكن عصابة من الكتاب العرب أخذت على عاتقها تغطية هذه الحقائق الدينية والزعم بأن “إسرائيل” تمثل الصهيونية ولا تمثل اليهودية، وأن الدين لا علاقة له بهذه الحرب الناشئة لإبادة العرب وتهويد فلسطين !!” (من كتابه حصاد الغرور).

ذ-الايمان صانع العجائب في حرب رمضان: كان الغزالي واحدا من العلماء والدعاة الذين أشعلوا جمرة الإيمان في نفوس، وقلوب، وعقول الضباط والجنود المصريين خلال حرب رمضان. وفي ذلك يقول الشيخ: “يدلنا الشيخ حافظ سلامة (أحد ابطال حرب رمضان المعروفين) على أماكن عملنا فنذهب إليها لننفخ روح القوة والأمل، ونروي فصولا من السيرة النبوية، وفتوح الخلفاء، ومقاتلة الصليبيين على امتداد قرنين، ويتحول السمر الديني بالليل والدرس الحماسي بالنهار إلى تيار كهربائي متصل فما نترك الفرق المعسكرة على ضفاف القناة إِلاَّ وهي ترجو الشهادة وتنتظر اليوم الموعود”. وحكى الشيخ أن الجنود يعلمون أن الإفطار في رمضان جائز لهم لكن بعضهم أبى أن يفطر وقال: لعل فطوري يكون في الجنة” (الحق المر، ج 5)

رحم الله الشيخ الامام محمد الغزالي الذي سيبقى قمة من قمم الدعوة الإسلامية المعاصرة، وأحد اعمدتها السامقة، وصاحب مشروع إصلاحي ضخم عنوانه الكبير: الاجتهاد والتجديد.

————————————————————————————

* الكاتب يعد حاليا للطبع كتابا حول “الفقه السياسي الإسلامي من منظور الشيخ الغزالي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى