المقالات

الفيلسوف برتراند رسل يرد من قبره على هابرماس : رسالة رسل الأخيرة حول إسرائيل وفلسطين

ترجمها عن الإنجليزية

 د. محمد الأشهب و ذ. حمزة الخليفي

يعود تاريخ هذا البيان حول الشرق الأوسط إلى 31 يناير/كانون الثاني 1970، وتمت قراءته في الثالث من فبراير/شباط في المؤتمر الدولي للبرلمانيين المنعقد في القاهرة، أي يوما بعد  وفاة  برتراند رسل.

نص الرسالة الأخيرة لرسل*

«إن المرحلة الأخيرة من الحرب غير المعلنة في الشرق الأوسط مبنية على سوء تقدير شديد. فالغارات الجوية في عمق الأراضي المصرية لن تقنع السكان المدنيين بالاستسلام، بل ستجعل عزيمتهم أكثر إصرارا على المقاومة. وهذا هو الدرس المستفاد من كل قصف جوي. فالفيتناميون، الذين تحملوا لسنوات القصف الأمريكي العنيف، لم يردوا على ذلك بالاستسلام، بل بإسقاط المزيد من طائرات العدو. وفي عام 1940، قاوم أبناء وطني الإنجليز غارات هتلر بالقنابل بوحدة وعزيمة قل نظيرهما من قبل. ولهذا السبب، فإن الهجمات الإسرائيلية الحالية ستفشل لامحالة  في تحقيق هدفها الأساسي، ولكن في الوقت نفسه يجب إدانتها بقوة في جميع أنحاء العالم.

إن تطور الأزمة في الشرق الأوسط أمر خطير ومفيد في الآن نفسه. لقد توسعت إسرائيل وما زالت تتوسع بقوة السلاح على مدى أكثر من 20 عاماً [ والان تجاوزت  70 عاما ]. وبعد كل مرحلة من هذا التوسع، كانت إسرائيل تناشد العدو وتدعوه إلى “التعقل” وتقترح “المفاوضات”. وهذا هو الدور التقليدي للقوة الإمبريالية، لأنها تتطلع إلى تثبيت ما أخذته بالعنف بأقل ما يمكن من التكلفة و الصعوبة. وكل احتلال جديد يصبح الأساس الجديد للتفاوض المقترح من موقع القوة، يتجاهل كل أشكال الظلم المقترف من لدن العدوان السابق. ولهذا لابد من إدانة العدوان الذي ترتكبه إسرائيل، ليس فقط لأنه لا يحق لأي دولة ضم أراضي خارج مجالها الترابي، بل لأن كل توسع هو بمثابة اختبار لمعرفة مدى تسامح العالم مع المزيد من العدوان. [وهذه هي الفلسفة التي تقوم عليها السياسة الإسرائيلية منذ بداية الاحتلال].

لقد وصف مؤخراً الصحافي الواشنطوني  ستون I.F. Stone    اللاجئين الذين يحيطون بفلسطين بمئات الآلاف  باعتبارهم العبء الأخلاقي الثقيل الذي يطوق عنق أتباع الديانة اليهودية حول العالم. وقد دخل العديد من اللاجئين الآن العقد الثالث [الآن العقد السابع والمعاناة لا زالت متواصلة] من حياتهم غير المستقرة في مخيمات مؤقتة. فمأساة شعب فلسطين هي أن دولتهم “منحتها ” سلطة  أجنبية لشعب آخر من أجل إنشاء دولة جديدة. و نتيجة ذلك،  فإن مئات الآلاف من الأبرياء شُردوا بشكل دائم بعدما أصبحوا بدون مأوى. ومع كل صراع جديد يتزايد عددهم. فإلى متى سيظل العالم على استعداد لتحمل مشهد القسوة الوحشية هذا؟ ومن الواضح تمامًا أن للاجئين كل الحق في الوطن الذي طُردوا منه، وإنكار هذا الحق هو أساس هذا الصراع الدائم.

لن يقبل أي شعب في أي مكان في العالم أن يتعرض لطرد جماعي من بلده؛ فكيف يمكن لأحد أن يطلب من الفلسطينيين القبول بعقوبة لا يتحملها أحد؟ إن التوطين العادل الدائم للاجئين في وطنهم يشكل عنصرا أساسيا لأي تسوية حقيقية وممكنة في الشرق الأوسط.

يقال لنا دائما إنه يجب علينا أن نتعاطف مع إسرائيل بسبب معاناة اليهود في أوروبا التي طالتهم  على أيدي النازيين. ولكنني لا أرى في هذا الطلب أي سبب لاستدامة أي معاناة [للشعب الفلسطيني طبعا].

إن ما تفعله إسرائيل اليوم لا يمكن التغاضي عنه، كما أن استحضار فظائع الماضي لتبرير فظائع الحاضر هو نفاق جسيم. ولا تكتفي إسرائيل بالحكم على عدد كبير من اللاجئين بالبؤس والحرمان؛ كما لا تكتفي بالحكم على العديد من العرب الذين يرزحون تحت سلطة الاحتلال بالحكم العسكري؛ بل إن إسرائيل تتحكم أيضاً في الدول العربية التي خرجت حديثاً من الوضع الاستعماري، بالفقر المستدام ما دامت المطالب العسكرية هي التي  تحظى بالأسبقية على التنمية الوطنية في الأجندة السياسية لهذه الدول.

يتعين على كل من يريد أن يرى نهاية لسفك الدماء في الشرق الأوسط أن يتأكد من عدم احتواء أي تسوية على بذور مؤججة للصراع في المستقبل.  فالعدالة تتطلب أن تكون الخطوة الأولى نحو التسوية هي الانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي التي احتلتها في يونيو/حزيران 1967. ولهذا فالحاجة ملحة للقيام بحملة عالمية جديدة للمساعدة في تحقيق العدالة لشعوب الشرق الأوسط التي طالت معاناتها مع الاحتلال.»

برتراند رسل


*  – http://www.connenxions.org/CxLibrary/Docs/CX5576-RussellMidEast.htm

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى