مدونة الأسرة المغربية: سياق التعديل والمقترحات

تعتبر الأسرة النواة الأولى والخلية الأساس للمجتمع ورمز صلاحه واستقراره، حيث إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا أسست على دعائم راسخة من الدين والخلق والترابط الحميم، فإنها تشكل لبنة قوية في بنيان الأمة وسبب في إصلاح الأمة وازدهارها.
ولذلك فقد أولت الشريعة الإسلامية الغراء، مؤسسة الأسرة عناية فائقة من خلال تنظيمها للروابط الأسرية التي تجمع أفرادها تنظيما محكما ودقيقا من أجل استقرارها واستمرارها ضمانا لإنشاء أسر مستقرة ومحمية من التفكك والانحلال، فحثت على تكوين الأسرة ودعت إلى حمايتها وذلك باعتبارها الوضع الفطري الذي ارتضاه الحق تبارك وتعالى لحياة الناس ، وذلك من خلال تشريع الزواج وجعله ميثاقا غليظا ومقدسا يربط بين الرجل والمرأة، والأساس لقيام الخلية الأولى للمجتمع لقوله تعالى : ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [1] ، قائما على أساس المودة والرحمة و التساكن وإقامة التعاون بين الزوجين،في إطار احترام الحقوق والالتزام بالواجبات في تكامل بين الزوجين لتحقيق التوازن والتماسك ،مصداقا لقوله الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2]، ولذلك فإن الإنسان عندما يقدم على إبرام عقد الزواج، فإنه يبرمه على سبيل الدوام، وهذه هي القاعدة العامة في عقود الزواج، ولا يلجأ إلى الطلاق إلا بوجود عارض حال دون استمرار هذه العلاقة الزوجية، وهو ما حاولت التشريعات الوضعية بلورته في تشريعاتها الداخلية خاصة الأسرية، بوضع نصوص قانونية تحمي مختلف مكونات الأسرة ويضمن استمراريتها، لكن التغيرات والتطورات الحاصلة في شتى مناحي الحياة جعل الأسرة تواجه تحديات كبيرة أبان عليها الواقع العملي للمحاكم المغربية ، ولذلك يأتي الحديث عن موضوع مدونة الاسرة المغربية رهانات التعديل وإشكالات التنزيل، في سياق نقاش مجتمعي ضم مختلف الفاعلين ، خصوصا بعد خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي دعا الى ضرورة تعديل مدونة الاسرة ،مما جعل ضرورة التدخل التشريعي لإدخال إصلاحات جديدة لمدونة الأسرة واقع لا يرتفع ، وذلك بمدها بنفس جديدة لمجابهة نواقصها ومواكبة التحديات الوطنية والدولية لوضعية الاسرة في وسط اجتماعي متغير الأمر الذي يطرح إشكالية رئيسة مفادها : إلى أي حد ساهمت مدونة الاسرة في تحقيق الامن الاسري وضمان استمراريته ؟.
للجواب على هذه الإشكالية سوف نتبع التقسيم المنهجي التالي:
أولا: السياق العام لتعديل مدونة الأسرة المغربية وأهم القضايا المطروحة في ضوئه.
ثانيا: أبرز التعديلات المقترحة في تعديل مدونة الأسرة المغربية.
[1] -سورة النساء الآية 20.
[2] -سورة الروم الآية 21.