المقالات

قانون الكد والسعاية والرهانات الحضارية المعاصرة بالمغرب الإسلامي

مقدمة:

جاءت الشريعة الإسلامية داعية إلى الخير حافظة لحقوق العباد في كل مناحي حياتهم إذ كان للتشريع الإسلامي يد طولى في تحقيق إنسانية الإنسان وفي تقرير الجبلّة الأولى التي جبل الله الناس عليها، وقد كان أن زاد الإسلام اهتمامه بمجالات معينة ميّزها عن غيرها من المجالات الأخرى نظرا لأهميتها القصوى داخل المجتمع الإنساني عامة وداخل المجتمع الإسلامي على وجه الخصوص، ومما اهتم به الشارع اهتماما كبيرا مجال الأسرة والذي اعتبره النواة الأولى والأهم لنشر الدعوة الإسلامية أولا ثم لازدهار المجتمع الإسلامي ثانيا.

اتفق أهل العلم على الأصول الكبرى التي اهتم بها الإسلام في مجال الأسرة إلا أنهم اختلفوا اختلافا شديدا حول بعض المسائل التي لم يقررها القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة صراحة، إنما هي من اجتهاد الصحابة أو من اجتهاد بعض الفقهاء الذين نظروا في المصلحة العامة لمؤسسة الأسرة، مستندين في اجتهاداتهم على الفهم العام لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

  وقد كان لعلماء العدوتين –المغرب والأندلس – نصيبا غير يسير في تقرير بعض القوانين التي تحافظ على وحدة الأسرة وكذا على كرامة الأفراد داخل هذه المؤسسة، فاهتموا بحقوق الطفل وحقوق المرأة…، كما أنهم نظروا في المصلحة العامة التي تخدم الأسرة المغربية فقرروا بذلك قوانين مُلزمة سار عليها الناس قرونا عديدة فحفظت لهم بذلك حقوقهم وحافظت على المجتمع عبر المحافظة على أهم مؤسسة فيه وهي مؤسسة الأسرة.

وممن تحدث في هذا الشأن وبرز كأحد الفقهاء الكبار الذين نظّروا لنظام الأسرة واجتهدوا داخل مجالها، الفقيه الكبير ابن عرضون الشفشاوني المتوفى سنة 992 للهجرة، والذي اهتم بباب الأسرة حتى ألّف فيه  كتابا وسمه ب”مقنع المحتاج في آداب الأزواج”. اهتم ابن عرضون  رحمه الله بالمرأة حتى قيل أنه هو من ردّ إليها حقها، وذلك بعد أن تحدث ودعا إلى قانون الكد والسعاية، والتي تستطيع المرأة من خلاله أن تأخذ حقها دون نقصان، إلا أن الحديث عن الكد والسعاية قد جلب معه الجدال الطويل بين الفقهاء فاختلفوا فيه اختلافا فقهيا شديدا مما دعاهم إلى استدعاء الشواهد القرآنية وكذا السنية، والنظر في أصل هذا القانون والبحث في مقاصد الشريعة الإسلامية للوصول إلى مراد الشارع، والتنقيب في الآيات المعنية وتفسيراتها واستدعاء كتب السنن والسير…، الأمر الذي جعل الجدال محتدما منذ القرن العاشر إلى يوم الناس هذا.

وإذا علمنا أن قانون الكد والسعاية قانون يعطي للمرأة العاملة حقها عند هلاك زوجها وذلك قبل تقسيم الميراث بين مستحقيه، ونظرا لاندماج المرأة اليوم في سوق الشغل وبشكل كبير، وأخذا بالمؤشرات المؤسفة التي نرى بموجبها ارتفاع نسبة الطلاق في الأمة المغربية والتي وصلت إلى 600 ألف حالة طلاق بين سنتي 2017 و 2022 حسب تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإننا نتساءل هل سيكون هذا القانون – والذي كان اشتغاله في المجال القروي وعند أهل الجبال فقط- قادرا على التخفيف من حدّة هذه النسب أم  أنه سيزيد الأمر سوءا خصوصا مع عزوف الشباب المغربي عن الزواج خوفا من مثل هذه القوانين والتي يعتبرونها مجحفة إذ تقض مضجعهم مدّعين أنها تجعل الزوجين داخل شركة عملية لا داخل أسرة يقوم اندماج أفرادها على المودة والرحمة والسكينة!.

تكمن أهمية هذه الدراسة ابتداء في بيان مجهودات العلماء المغاربة التي اتسمت دائما بالجدة والنظر في مقاصد الشارع واشتغالهم الدائم بفقه الواقع، وكذا في اهتمامهم بحقوق المرأة والدفاع عنها على الرغم من الصعوبات التي كانوا يواجهونها نظرا للأعراف التي كانت سائدة في الغرب الإسلامي بل ومتجدّرة فيه، زيادة على أننا سنحاول دراسة هذا القانون –قانون الكد والسعاية – بُغية البحث في حقيقة أصله عند عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، وهل أصله موجود في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أم أنه مجرد اجتهاد تفرّد به الفقهاء استنباطا من الأحكام العامّة المسطّرة في الوحيين.

كما أننا سننظر مدى قدرة المشرع المغربي على استغلال هذا القانون وتكييفه مع القضايا المعاصرة للحفاظ على الأسرة المغربية، وهل سيكون هذا القانون قادرا على مواجهة التحديات المعاصرة خصوصا في ظل المعاهدات العالمية التي تفرض نفسها اليوم فرضا على كل الدول وخاصة منها الإسلامية وذلك عبر بعض الجمعيات العالمية غير الحكومية كالنسوية العالمية وغيرها!؟.

نروم في هذه الدراسة الإجابة عن إشكال رئيس يتحدد كالآتي:

هل سيكون قانون الكد والسعاية قادرا على الارتقاء بالأسرة المغربية للاستجابة للتحديات الحضارية المعاصرة دون المساس بإحدى أصول الشريعة أم أنه قانون عفا عنه الزمن وبالتالي لن يستطيع الصمود أمام هذه التحديات؟

تتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية نوردها كما يلي:

هل لقانون الكد والسعاية أصل في الشريعة الإسلامية؟ وهل قام عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه – فعلا بتفعيل هذا القانون؟ ما مدى قوة حضور هذا القانون في الساحة المغربية؟ كيف كانت استجابة فقهاء الغرب الإسلامي إبان عرض الفقيه ابن عرضون الشفشاوني لهذا القانون؟ وإذا علمنا أن قانون الكد والسعاية جاء للحديث عن المرأة القروية وكذا المرأة التي تقطن في الجبال فهل يمكننا القول أنه يمكن أن يعمم داخل المجتمع المغربي كافّة؟ هل يستطيع قانون الكد والسعاية تخفيض نسبة الطلاق المهولة بالمغرب الإسلامي أم أنه سيزيد من الهفوة القائمة بين الشباب المغربي وبين الزواج؟ كيف يمكننا استغلال قانون الكد والسعاية وتكييفه بصبغة حضارية داخل المجتمع المغربي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى