حماية الرابطة الزوجية بين التشريع الزجري ومبادئ الاستقرار الأسري:(قراءة نقدية تحليلية في ضوء الواقع المعاصر)

يُثير اعتماد التشريعات الوضعية على العقوبات الزجرية باعتبارها وسيلة أساسية لحماية الرابطة الزوجية إشكاليةً جادة حول مدى فعاليتها في تحقيق الاستقرار الأسري. فبينما تُقرّ هذه التشريعات عقوباتٍ على الأفعال المُخِلَّة بقدسية الزواج، كالعنف الأسري والخيانة الزوجية والإهمال الأسري، فإنّها تُغفل في كثير من الأحيان الأسباب الجذرية لهذه المشكلات، ولا تُقدّم حلولا شاملة تُعالجها من جذورها. وفي المقابل، تُقدّم الشريعة الإسلامية رؤيةً مُغايرةً تُركّز على الوقاية قبل العقاب، ومقاربة شاملة تعمل على تعزيز مبادئ الاستقرار الأسري عبر غرس قيم السكن والمودة والإحصان والعفاف، والتوعية بأهمية ميثاق الزوج، مما يُسهم في معالجة المشكلات من جذورها بدلًا من الاكتفاء بالعقوبات الرادعة.
وهذه المبادئ هي من أساسيات “المساكنة الشرعية” و “المعاشرة بالمعروف”، اللذان يُعتبران أساسا لاستقرار الحياة الزوجية، بعيدا عن النصوص القانونية الجافة التي تُقدّس الصياغة والشكليات، وتُغفل الروح الأخلاقية والمقاصدية التي يجب أن تحكم العلاقة الزوجية. فالشريعة الإسلامية لا تنظر إلى عقد الزواج على أنه مجرد اتفاق قانوني، بل تراه ميثاقًا غليظًا يحمل في طياته قيمًا سامية مثل الوفاء والرحمة والمودة، وهي تمثل بحق قمة الأخلاق الإنسانية. وهذا يُظهر أن الإسلام يهدف إلى بناء علاقة زوجية قائمة على التعاون والتفاهم، وليس على الحسابات القانونية الباردة. وهذا التأسيس الشرعي يُسهم في تكوين وعيٍ لدى الأفراد بأهمية الحفاظ على قدسية الزواج، وتجنّب كلّ ما يُهدّد استقراره.
ولا يقتصر دور الشريعة الإسلامية على التوعية والإرشاد، بل تُقرّ عقوباتٍ رادعةً على الأفعال التي تُخِلّ بقدسية الزواج، كالزنا الذي يُعاقَب عليه بالرجم في حالة المُحصَن، وبالجلد في حالة غير المُحصَن. وهذه العقوبات، تهدف إلى حماية المجتمع من الفساد، وصيانة كيان الأسرة، وردع الجناة عن ارتكاب مثل هذه الأفعال. كما تحث الشريعة على التوبة والاستغفار باعتبارهما وسيلة للتطهير من الذنوب، والعودة إلى جادة الصواب.
إنَّ هذا النهج الشامل الذي تتبعه الشريعة الإسلامية يُسهم في بناء أُسَرٍ قويةٍ مُتماسِكة، ويُحقّق الاستقرار الأسري والمجتمعي. وهذا ما يفتقر إليه التشريع الوضعي الذي يكتفي في الغالب بالحلول الجزئية، ولا يُعالج المشكلة من جذورها. ولعلّ في استلهام مبادئ الشريعة الإسلامية، والجمع بينها وبين ما هو مُناسب من أحكام التشريع الوضعي، سبيلًا إلى حماية الرابطة الزوجية، وتحقيق الاستقرار الأسري المنشود.
لذلك، فلمعالجة هذا الموضوع، اخترت مبدأين أساسيين هما محور استقرار العلاقات الزوجية، بعيدًا عن الشكليات القانونية التي تركز على الصياغة المجردة وتغفل المعاني الأعمق لميثاق الزواج، التي ترتبط بالسكن والمودة والإحصان والعفاف. لذا، أقسم هذا الموضوع إلى محورين أساسيين:
المحور الأول: السكن والمودة في الزواج: أسس شرعية لاستقرار الرابطة الزوجية.
المحور الثاني: الإحصان والعفاف في الزواج: أسس الاستقرار وانعكاسات غيابهما.
ماشاء الله تبارك الرحمن.زادكم الله علما