المقالات

 آفاق إصلاح مدونة الأسرة

إنّ تنامي دور المرأة سواء على مستوى التّعليم، وخروج المرأة إلى العمل، وممارستها للحقوق السّياسية، إضافة إلى اعتبار الأسرة خيارا استراتيجيا لتحقيق التّنمية البشرية، جعل المشرّع يغيّر بعض أحكام مدوّنة الأحوال الشّخصية الملغاة، والتي استمدّت معظم أحكامها من قواعد الفقه المالكي، بما يحقّق قيم الإسلام في العدل والمساواة.

وهذا ما أكّده الملك محمد السادس يوم 27 أبريل 2001م، في خطاب تنصيب اللّجنة الاستشارية المكلّفة بمراجعة بنود مدوّنة الأحوال الشّخصية، وإعداد مشروع المدوّنة الجديدة، حيث قال: “واعتبارا لكون الشّريعة الإسلامية قائمة على الوسطية والاعتدال وتحرّي مقاصد الإصلاح الاجتماعي، فإنّنا حريصون على ضمان حقوق النّساء والرّجال على حدّ سواء، غايتنا في ذلك تماسك الأسرة وتضامن أفرادها، وتثبيت التّقاليد المغربية الأصيلة القائمة على روح المودّة والوئام والتّكافل الاجتماعي، الذي نحن مؤمنون على استمراره، لا سيّما في نواته الأساسية المتمثّلة في الأسرة”.

وقد شكّل صدور مدوّنة الأسرة المغربية عام 2004 منعطفا تاريخيا في التّقنين الأسري المغربي، حيث كان إنصاف المرأة، وحماية حقوق الطّفل، وصيانة كرامة الرّجل، أهمّ أبعادها وأهدافها الأساسية.

وقد تلقّاها المغاربة وغيرهم بالقبول الحسن لما تضمّنته مقتضياتها من تأهيل لمؤسّسة الأسرة، وضمان لاستقرارها، ولما حملته من أحكام جديدة واجتهادات فقهية متنوّعة تراعي مقاصد الشّريعة في حفظ كيان الأسرة.

وقد فرض الواقع التّعديل والإصلاح لمدونة الأسرة، يساير تلك الدّينامية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي عرفها واقع الأسرة المغربية، وذلك من خلال مراعاة منظومة الحلال والحرام التي تؤطّرها النّصوص الشّرعية القطعية من جهة، واحترام خصوصيات المجتمع المغربي، واعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح من جهة أخرى.

ولا شك أنّ إعادة النّظر في كيفية تنزيل أحكام مدوّنة الأسرة وتصويب الرّؤية إلى مقاصدها الكبرى، هو ما أشار إليه الخطاب الملكي، الذي ألقاه الملك محمد السّادس في 30 يوليوز 2022، حيث قال: ” وإذا كانت مدوّنة الأسرة قد شكّلت قفزة إلى الأمام، فإنّها أصبحت غير كافية؛ لأنّ التّجربة أبانت أن هناك عدّة عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها”.

ومن ثم كان لزاما على الباحثين والمتخصّصين، دراسة قضايا الأسرة ضمن رؤية مركزية، منطلقة من الهوّية الدّينية والوطنية، ومنفتحة على مختلف التّخصصات ذات الصّلة، في استحضار المشترك الإنساني بكلّ أبعاده العالمية وآفاقه الكونية، وذلك لضمان استمرارية وظيفتها التربوية والقيمية في مجال البناء المعماري.

وبما أنّ الاجتهاد ليس فوضى علمية، بل عملية علمية لحلّ إشكالات آنية ومستقبلية، وجوابا عن تحدّيات حارقة وأسئلة عالقة، وبما أنّ دراسة قضايا الأسرة تتجاذبها تخصّصات علمية وفكرية متنوعة، يكون من الأجدى تشكيل لجنة علمية مستقلة يعهد إليها إعادة النظر في بعض مواد مدونة الأسرة، وبالتالي تبقى الإشكالية التي تحاول هذه الدراسة الإجابة عنها: ما هي آفاق إصلاح مدونةالأسرة؟

للإجابة على هذه الإشكالية تناولت هذا البحث وفق مقاربة تحليليّة من خلال مطلبين:

المطلب الأول: الثّوابت في مدونة الأسرة.

المطلب الثاني: المتغيّرات الممكنة والثغرات المرصودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى