الدراسات

الرأسمالية واقتصاد الاغتناء من الكوارث قراءة في كتاب “رأسمالية الكوارث” لأنتوني لوينشتاين

تقديم

ما يشهده العالم كل مرة من أزمات خانقة وكوارث قوية تهدد الحياة البشرية، يطرح أكثر من سؤال وإشكال: هل هي كوارث عفوية تقع بشكل تلقائي أم فعل قصدي ينطوي على نية مبيتة؟ ما أسباب هذه الكوارث؟ وما مدى خطورتها على الحياة الاجتماعية؟ هل يمكن التخلص منها ورفعها؟

حقيقة يصعب الإجابة عن هذه الأسئلة أمام ضعف المعطيات والتكتم الشديد حولها من طرف الدول التي تعتبرها أسرار قومية. وبالتالي يظل ما يقدم مجرد تخمينات ومحاولات للفهم والتفسير لاسيما بعد تسريبات موقع “ويكليكس” التي أظهرت في بعض وثائقها العلاقة الوطيدة بين الكوارث الاقتصادية المالية والبيئية والحروب، وندعي أن الوبائية تدخل بدورها في هذا الإطار رغم أننا لا نؤمن بنظرية المؤامرة، وبين الشركات المتعددة الجنسيات التي تتغذى من شريان هذه الكوارث. فكلما وقعت كارثة إلا دخلت على الخط مباشرة وازدادت أرباحها واستثماراتها في هذه الحالات الطارئة؛ لكأنها تبدو لمؤلف كتاب “رأسمالية الكوارث” أنتوني لوينشتاين[1] مساهم فعلي في إنتاج هذه الكوارث، ودافع كبير لزيادة حجمها وتوسيع مداها وتطويل مددها. وهو كتاب أصدرته سلسلة عالم المعرفة(الكويت) في عددها 478 في نونبر 2019 من ترجمة أحمد عبد الحميد. وهو كتاب متوسط الحجم من 439 صفحة، ويحتوي على مقدمة وخاتمة من جزئين في كل جزء أربعة فصول. جاء الجزء الأول تحت عنوان اقتصاد ماد ماكس[2]، وتشكل من أربع فصول، كل فصل يتابع كارثة من الكوارث في أربع بلدان. الأول حول باكستان وأفغانستان. والثاني حول اليونان. والثالث يناقش مأساة هايتي. فيما الرابع خاض في الحديث عن بابوا غينيا الجديدة. أما الجزء الثاني فعنون فصله الأول بالولايات المتحدة. والثاني تكلم عن المملكة المتحدة. وأخيرا تابع في الفصل الرابع معاناة اللاجئين وتعامل الحكومة الاسترالية معهم. فكيف تستفيد الشركات المتعددة الجنسيات من الكوارث؟ هل استطاعت التحكم في الاقتصاد العالمي عن طريق هذه الكوارث؟ هل هي التي تنتجها؟ وإلى أي حد استطاعت الحكومات والدول السيطرة على هذه الكوارث؟ وهل النظام الرأسمالي قادر على الاستجابة لحاجات كل الناس؟

في بداية المقدمة نشعر نبرة تشاؤمية عند الكاتب أنتوني لوينشتاين الذي يستدل بالكاتب بات راندرز المحذر من أخطار النمو السكاني المتزايد على حساب نقص في المصادر والموارد المعيشية، والأكثر خطرا أن الاستثمار المرتفع في الطاقات الأحفورية والارتفاع المهول للصناعة تأدى لأثار مدمرة على الطبيعة والبيئة الذي لم يتابعه أي إجراء للتقليل من الانبعاث المضر بالطبيعة والجو. لذا اقترح الرجل على بلده النرويج فرض ضريبة إضافية قدرها 250 يورو يدفعها كل مواطن كل عام مدة جيل واحد، تستثمر في خفض الانبعاثات الغازية والتقليل من تداعيات الاحتباس الحراري، ومن شأن هذا التصرف أن يقدم مثلا تقتضي به باقي دول العالم[3]. وسمى هذه السياسة بالديكتاتورية المستنيرة، المشجعة على الاستثمار في الطاقات الريحية والشمسية الأكثر تكلفة والأقل إضرارا بالبيئة. لكن من سيقوم بمثل هذه الثورة لا يمكنه ذلك ومن المستحيل أن يفكر فيها، لكونه المستثمر الأكبر في السوق والمدبر لكل ثوراتها والمتحكم في استثماراته. وهؤلاء أقلية في العالم 0,01 تستولي على حوالي 46 في المائة من اقتصاده. فكيف بها تقوم بثورة ضد اقتصادها وأرباحها لصالح البيئة؟

لا نذيع سرا عندما نقول أنه حتى الحكومات (الأمريكية نموذجا) باتت متورطة في هذا الاقتصاد بعد أن تحكمت فيها لوبيات ومافيات التحكم الاقتصادي، فجعلتها تبيع حصتها من المؤسسات التابعة لها، وتتخلى عن ما كان يسمى في الأدبيات السياسية بالدولة الخدماتية إلى الدولة التسيرية، ظنا منها أنها تقلل من تكاليفها ومصاريفها وتتنصل من تحمل مسؤولية إدارة هذا المجال الحيوي. والحال أنها تطلق يد الخواص للتحكم فيها أكثر فأكثر وتمزق العلاقة بينها وبين مواطنيها. يكتب لوينشتاين عن هذه الشركات المتعددة الجنسيات: «يجوب صندوق النقد الدولي كل بقاع العالم، بمؤازرة من النخبويين الغربيين والدول ذات التسليح القوي، سعيا وراء خصخصة مواردها وحثها على فتح أسواقها أمام الشركات متعددة الجنسيات»[4]. فبرنامج الخصخصة وتخفيف الرقابة الحكومية وإطلاق يد الرأسمالية المتوحشة والشركات الكبرى…كل ذلك أسهم وبشكل مباشر في صعود رأسمالية الكوارث the rise of disaster capitalism، وهي نوع من الرأسمالية تنتعش في حالات الكوارث وتتغذى على مآسي الناس كالحروب والوباء…تأخذ من الحكومات صفقات تدبير هذه الكوارث. فلا نستغرب بعد هذا إن سمعنا أنها هي من أنتجها أو ساعد وشجع على بقائها، وكأننا بهذه الشركات أقوى من الحكومة أو الدولة. أمست تملي إرادتها وتفرض شروطها وتكتسب في كل محطة موطئ قدم، وفي كل مكان لها من يدافع عن مصالحها إما اشترتهم أو تداخلت مصالحهم وتشابكت أرباحهم.

وعليه؛ ظلت الرأسمالية بشركاتها الأخطبوطية المتعددة الجنسيات مستأسدة، خارج النقد أو المناقشة أو المراقبة القانونية. ومن يقوى على مجابهة منظمة كصندوق النقد الدولي ذراع هذه الشركات؟ وأي حكومة تستطيع ضبط أو توجيه هذه الشركات؟

فحق توصيف الكاتب لها بكونها رأسمالية مفترسة بدون قيم أو مثل أخلاقية توجه نشاطها اللهم إلا قيم الربح ومراكمة الثورة ولو على حساب معاناة الناس وآلامهم في دول كهايتي، باكستان، أفغانستان…يصرح: «تسهم الشركات متعددة الجنسيات الغربية العاملة في إنتاج الأغذية والمشروبات في المعدلات المتزايدة للإصابة بأمراض السكري، والسمنة، وأمراض القلب»[5] كيما تبيع منتجاتها الصيدلانية وأدوائها ومستحضراتها…وكلما ارتفعت معدلات أرباحها كلما استثمرت أكثر فأكثر في نشر الأمراض والأوبئة، وانتعشت وتقوت وتصعدت من المحلي إلى الدولي حتى تتحول لشركات كبرى برأسمال يفوق بكثير رأسمال الدولة إن لم نقل مجموعة من الدول. وهي إلى ذلك تمول صندوق النقد الدولي فتصبح عضو من مجلس إدارته تفرض عليه رؤيتها وتشرع سياسته لكل دولة تريد الاقتراض يلزمها احترام أجندته وبرنامجه كتحرير السوق، تعويم العملة، الخصخصة أي بيع حصص الدولة من مؤسسات ومنشآت اجتماعية لهذه الشركات التي لا خلاق لها إلا جني المال على أوسع نطاق. تشعل الحروب في كل مكان أو سوق لتحرره وتفتحه أمام رساميلها وصفقاتها، شهدنا هذا في ليبيا والعراق…

لاستكمال قراءة المقالة يمكنكم تحميلها عبر النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــ

[1] – صحفي وكاتب رأي في صحيفة الغارديان The Guardian البريطانية، ومنتج أفلام وثائقية أسترالي الأصل.

[2] – عنوان عن فيلم أمريكي Mad Max الذي يحكي عن كيف يعيش مجتمع بشكل متخلف بناء على كوارث.يحاول ماكس إنقاذ نساء. يلعبن دور الأمهات المطلوب منهم ولادة الأبطال، وهو ومجموعة من الثوار يحاولون استعادة النظام وتحرير شعبهم من مجتمع القهر.

[3] – لوينشتاين، أنتوني: رأسمالية الكوارث. ترجمة: أحمد عبد الحميد. العدد 478 (الكويت: عالم المعرفة. 2019). ص 12.

[4] – نفسه، ص 15.

[5] – نفسه، ص 26.

هشام مبشور

باحث في الفلسفة الحديثة والمعاصرة. حاصل على الماستر الفلسفة تأويل وإبداع. أحضر أطروحة الدكتوراه ضمن مختبر : الفلسفة والمجتمع وعلوم الانسان في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن طفيل بالقنيطرة. نشرت له العديد من المقالات والدراسات العلمية ، وشارك في ندوات علمية وطنية ودولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى