المسألة الدينية ومسارات التحول السياسية والاجتماعية في الدول المغاربية
مراجعة في الكتاب الجماعي الصادر عن مركز أفكار للدراسات والأبحاث ومركز نماء للبحوث والدراسات
(بيروت، لبنان : مركز نماء للبحوث والدراسات ،سلسلة دراسات فكرية (11)، الطبعة الأولى 2017، 424 ص)
هذا الكتاب الجماعي يتضمن أعمال الملتقى المغاربي الثاني للباحثين الشباب في العلوم الاجتماعية والإنسانية، والمنظم بمدينة الرباط أيام 16ـ17ـ18 أكتوبر من سنة 2015، حول موضوع ” المسألة الدينية ومسارات التحول في الدول المغاربية”، من طرف مركز أفكار للدراسات والأبحاث بتعاون مع مؤسسة هانس زايدل الألمانية.
إن الإسهامات التي يتضمنها هذا العمل كانت نتاج بحث ونقاش هادئ وأصيل انصب على فهم ما يقع في المجتمعات المغاربية من أشكال التدين ومظاهره وحضور وتمثل الرصيد الديني، والأسباب التي تفسر توظيفه من طرف الجماعات الدينية المتطرفة، وجماعات الإسلام السياسي، وكذا عند المؤسسات الدينية الرسمية ذات الطابع التقليدي، من خلال اعتماد المقاربات والمناهج المعتمدة في العلوم الإنسانية.
وكانت محاور الملتقى _الذي ضم هذا العمل بعض إسهامات المشاركين فيه_ قد توزعت على قضايا تأثير الدين في المجال العام، وحدود التأثير والتأثر بين المؤسسة الدينية والدولة المغاربية، وعلاقة المسألة الدينية بالانتقال الديمقراطي ودور الفاعل الديني في تلك العملية من خلال خبرات وتجارب، ثم حضور الديني في المؤسسات الحزبية، وفي الوثيقة الدستورية، وأخيرا إشكالية تعددية الخطاب الديني أهو مؤشر على ممارسةٍ ديمقراطية أم على فوضىً روحية ؟
في موضوعه الدولة والشأن الديني بالمغرب أو مسار بناء “الإسلامية” في المغرب المستقل (1956ـ2015) تتبع الباحث المغربي امحمد جبرون الشأن الديني بالمغرب منذ ما بعد الاستقلال، فسنة 1961 هي البداية الفعلية لمشروع تحديث الحقل الديني بالمغرب وإدماجه في بنية الدولة الحديثة، وقد تميز عهد الحسن الثاني ـ في نظره ـ باستعادة الوعي بالخصوصية وبالبحث عن النموذج السياسي الديني، وتميز في عهد محمد السادس باستكمال بناء “الدولة الإسلامية” من خلال اهتمام استثنائي بالشأن الديني همّ الهيكلة والتكوين والإعلام…ليخلص الباحث إلى أن الجهود التي بذلتها الدولة المغربية في اتجاه إدماج الدين في السياسة والتخلص من الجوهر العلماني للدولة الحديثة أفضت في النهاية إلى بناء ما سمّاه بـ “الدولة الإسلامية” الحديثة و”النموذجية بكل المقاييس” التي يتكامل فيها الدين مع السياسة ولا يتصارعان.
وفي ورقة المؤسسات الدينية السياسية ودورها في التحولات الراهنة ـ مقاربة سوسيوتاريخية تناول الباحث عبد الرزاق السعيدي أشكال التدين والتعاطي مع تاريخ المجال المغاربي (الإسلام الرسمي،الإسلام الشعبي،الإسلام السياسي)، وخلص إلى أنه لا يمكن اختزال كل أشكال التدين في نموذج واحد، إذ لا بد من الإقرار بأن تلك الأشكال خاضعة للتطور والتحول بحكم طبيعتها الثقافية، الشيء الذي يتطلب في نظره التمييز بين عدة مستويات لفهم الإسلام؛ المستوى القيمي الثابت في الإسلام ذو الطابع الوجودي التي يتجاوز الزمان والمكان بل ويمثل جوهر الإسلام. أما مستوى الممارسة التاريخية للإسلام التي لها طابع بشري نسبي، فإنها تأسست على فاعلية تأويلية لتبيئة مبادئ الدين مع الحياة وأنتجت جملة من الاجتهادات الفقهية التي قامت عليها العلوم الإسلامية من جهة، وأنتجت علاقة العلماء المسلمين مع السلطة السياسية من جهة لأخرى، كما أدى إلى إضفاء القداسة على بعض الخطابات الفقهية، مما يستدعي التمييز بين الإسلام كدين أولا، وتاريخ الإسلام كممارسة يومية ذات طابع إنساني ثانيا، وهنا يُدرج الباحث الإسلام الرسمي للدولة والإسلام السياسي لبعض التنظيمات السياسية. أما مستوى البعد الفردي في الإيمان كشكل من أشكال التدين فيتيح إمكانية تفسير اختلاف التعاطي مع الدين بين الفلاسفة والمتصوفة والفقهاء والعوام…وذلك تبعا لطبيعة شخصية المتدين ومحيطه وثقافته.
ويلح الباحث على “ضرورة قراءة الدين وفهمه فهما معاصرا حديثا مواكبا للتطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية…” رغم اختلاف أشكال وأنماط التدين وتنافسها، وإلا فإن مختلف أشكال التطرف الديني والتوظيف السياسي الهجين للدين ستفضي لا محالة إلى تكرار تجربة المسيحية في أوروبا نهاية العصور الوسطى وبداية العصر الحديث، حين عجزت عن مواكبة التحولات الكبرى بسبب هيمنة رجال الدين على الحقل الديني والسياسي معا.
أما الباحث المغربي يونس الوكيلي فتطرق في موضوع “الجسد وأمراضه : قراءة أنتروبولوجية في المهمل من أشكال الدعوة الوهابية بالمغرب”، لمرتكزات الدعوة الوهابية وأسسها النظرية والمنهجية، وحضورها بالمغرب منذ القرن 18 م، متوقفا عند مسألة “الرقية الشرعية” عند التيار السلفي الوهابي بوصفها مسألة جديدة مختلفة عن غيرها أولا، واستنادها إلى كتابات دعاة الوهابية ثانيا، ويخلص إلى تماهي المعالجين بالرقية مع الخطاب والمرجعية السلفية متجسدة في هيئة كبار العلماء (العثيمين، ابن باز، آل الفوزان…) مما أنتج مرقين محليين، كما هو الشأن بالنسبة لمصطفى لقصير بالمغرب، الذي تشرب المرجعية الوهابية من الدعاة السلفيين المغاربة (محمد زحل، القاضي برهون، المغراوي، المدني، الهلالي…).
ولم يغفل الباحث الرهانات الإيديولوجية للرقية الشرعية، والتي تجلت أولا؛ على صعيد دينيٌّ باعتبار الرقية في نظر الوهابيين من صميم الدعوة لذلك كانت ممارسةً تطوعية تستهدف علاج المسحورين والممسوسين…مجانا مع دعوة المريض والجن معا إلى طاعة الله والامتثال لأوامره حسب لقصير، إنه علاج عن طريق ممارسة التلاوة والتحصين كطقوس حمائية تتحقق بتفاعل الجسد مع الدين كتعبير مقدس شافٍ في محاولة للتعالي عن المدنس (الدنيوي) الذي ليس إلا مدخلا من مداخل الجن والشيطان والمرض، لاسيما إذا كانت المظاهر باذخة مخالفة لدين الله. وثانيا؛ على صعيد اجتماعي(المرأة) حيث يُشترط في علاج المرأة لباس الحجاب وإخفاء كل مظاهر الجسد إلى درجة المبالغة في عدد الإزارات المستعملة للتغطية لأن الراقي يعرف النساء بكونهن “كائنات جنسية” يُعرفن بأعضائهن الجنسية أكثر مما يعرفن بواسطة معتقداتهن(ص81)، كما أن هذا يمنع الراقي من وضع يده على المريضة، بل منهم من صار يمتنع عن معالجة النساء حاليا لما يخلقه لهم ذلك من متاعب. على أن مكان العلاج هو المنزل ومن لواحق العلاج أن ينصح الراقي المرأة بالحجاب لأنه يحصنها من أمراض الجن (المسُّ العاشق خصوصا)، ويجعل المجتمع في مأمن من فتنتها.
وهكذا لا تنفصل الرقية كشكل علاجي في التصور الوهابي عن رؤية إيديولوجية متكاملة حول الجسد والمجتمع، الذكورة والأنوثة، في علاقة مع المنظومة الأخلاقية التي تعمل على تشيئ جسد المرأة و على تأثيمه معا، ما يؤكد بشكل أو بآخر حسب الباحث حضور النظرة الإيروتيكية للجسد.
تحت عنوان الدين والدولة في المجتمعات الإسلامية؛ مقاربة في فض الاشتباك، يعرض الباحث اليمني عبد القوي حسان مقاربة لإشكال الدين والدولة باعتباره معضلة تقليدية عاد إليها السجال الفكري بعد “الربيع العربي” بظهور دعوات مطالبة بفصل الدولة عن الدين وعلمنة الدولة وعقلنة التراث…وبعد وقوفه على جذور الإشكالية وتحريرها، خلص إلى وجود اتجاهين رئيسين؛ اتجاه يرى أن الإسلام دين لا دولة، وآخر يرى أن الإسلام دين ودولة، وبعد وقوفه على مرتكزات وأسس ومفاهيم التصورين، خلص الباحث إلى أن الرؤية التمايزية لا تدمج الدين بالدولة، ولا تفصل بين الأمرين لوجود الرابط الوثيق في نظره بينهما، وهذه الرؤية تؤكد على أن الممارسة السياسية تدور بين الخطأ والصواب لا بين الحق والباطل، مما يستوجب سحب المفردات العقدية من الممارسة السياسية (ص112)، لذا فالتمييز بين الدين والسياسة يؤسس لأرضية الاعتراف الآخر وحقه في التقدير ودوره في الفعل السياسي .
وفي موضوع “المؤسسات الدينية العبادية مجالا للصراع الإيديولوجي ؛ المساجد أنموذجا” تناول الباحث سعيد جليل عبر مقاربة سوسيولوجية علاقة المسجد بالحياة الدينية للمغاربة بخصوصياتها، ومسألة ارتباط المساجد بالمجال، وكذا علاقة المسجد بالمؤسسات الدينية الأخرى؛ وهل هي علاقة اتصال أم انفصال؟ ثم وقف عند حالة المساجد بين الضبط الرسمي والانفلات “المذهبي”، والاستقطاب الديني، والمساجد بين الشكل المغربي وبعض مضامين ومظاهر التمذهب السلفية الوافدة، وصولا إلى المسجد بوصفه مجالا لصراع الخطابات والأنماط التدينية المختلفة التي تدّعي كلها الانتماء إلى أصل واحد موحِّد ويحمل خطابها رسائل التوحيد ونبذ التفرقة، بالقدر الذي تعكس الممارسات التدينية للفاعل الديني الانكفاء على مرجعية خصوصية تمايزية تدّعي امتلاك الحقيقة واحتكار تأويل وتجسيد المقدس !
وكل ذلك بمنظور اجتماعي ديناميكي وليس بمنظور نصوصي أو حتى تشريعي سكوني، أي النظر إلى المؤسسة الدينية في محيطها السوسيوثقافي وما يخضع له من دينامية وتحولات قد لا تكون جلية بما فيه الكفاية، ذلك أن الدين يقوم من خلال مؤسساته بوظائف متعددة، ويلبي حاجات مختلفة تعرف تغيرات معينة، ولاتصال الدين بكثير من المؤسسات الأخرى السياسية والاجتماعية والاقتصادية فمن الطبيعي أن يكون متأثرا ومؤثرا، فاعلا ومنفعلا في ذات الوقت.
أما الباحث يوسف بن الغياثية فقد استند في ورقته بلدان المغارب بين كوابح الخطاب الديني وحوافز الدين المؤسِّس : قضايا أساسية على ما اعتبره قضايا أساسية ثلاث هي؛ قضايا الوحي، أيّ إسلام نريد؟ ثم إعادة صياغة النموذج Paradigm ليصل إلى قضية حرية التفكير وفصل الدولة عن الدين التي لها راهتيتها مذكرا بخطاب فيخته (1762-1814م) حول حرية التعبير والتفكير وضرورة فصل السلطات وإقرار حقوق إنسان كونية…وإذ يتوقف الباحث عند الحالة الدينية في بلدان الغرب الإسلامي الحديثة، يتساءل عن طبيعة الخطاب الديني المناسب للخروج من حالة الاحتقان والتطرف الحداثوي والتديني معا، في ظل التقلبات والتحديات التي تواجهها الحالة الدينية مغاربيا لاسيما وأن الإشكالية القديمة الجديدة التي تتمثل في علاقة الدين بالمؤسسة السياسية تتعقد أكثر فأكثر.
وفي محاولة لمواكبة النقد، من الضروري التساؤل عن موضوعه، أهو موجَّهٌ لفهم القرآن أم هو للقرآن ذاته ؟ مع ما يستتبعه ذلك من أسئلة فرعية تستدعيها مكانة النص المؤسس في المنظومة الاعتقادية والسلوكية للأمة. وفي علاقة ذلك بالتاريخ الديني تبدو جملة من الثنائيات التصنيفية التي تضر بكل عمل تشاركي والتي تتطلب الفحص والتمعن، وهي : ثنائية علماني/ديني، وضعي/شرعي،قرآن/حديث…
يخلص الباحث إلى ضرورة الانتقال إلى عصر جديد، وهو ما يتطلب انقلابا إيمانيا قائما على ثورة أخلاقية وثورة اجتماعية من ناحية، وضرورة دراسة الحالة الدينية لبلاد المغارب المرتبط ارتباطا وثيقا بقضايا الهوية، مع الحسم في قضية فصل الدين عن السياسة وقضايا المرأة والعلاقة مع الآخر وتأويل النص الديني من ناحية أخرى.(ص 172ـ173)
يقف الباحث التونسي بدر الدين هوشاتي عند موضوع الحركات الدينية وإشكاليات الانتقال الديمقراطي في البلدان المغاربية، حالة تونس ما بعد الثورة، متسائلا في البداية حول ما إذا كانت هناك مواصفات دينية للديمقراطية أولا، وكيفية تطبيق الديمقراطية في مجتمع غالبيته متدينة ثانيا، متناولا الإشكال من زاوية منطقيةـاعتقادية، ثم تاريخية ،ثم إديولوجية. متوقفا عند الحرية مشتركا بين الديمقراطية والإسلام وبتناوله للحالة التونسية يُسائل الباحث الاتجاه الإسلامي، خصوصا حركة النهضة، وما عرفته من انتقالات ومواجهات مع السلطة، ثم محاولاتها للاندماج والتكيف مع مكونات المشهد السياسي التونسي من خلال القبول بالديمقراطية منهجا في الحكم (ص 197). ويسجل الباحث انتهاءً أن أهم تحدٍ يواجه التيارات الإسلامية هو العجز عن تحويل أمل الناس في الكرامة والحرية والعدالة… إلى نظام سياسي ديموقراطي يضمن مشاركة الجميع في الشأن العام ويصون حقوقهم(ص200).
وحظي الدين في الوثيقة الدستورية للدول المغاربية باهتمام الباحثة المغربية في العلوم السياسية فاطمة الزهراء هيرات حيث تتبعت حضور الدين الإسلامي في الوثائق الدستورية للبلدان المغاربية باعتباره مكونا رئيسا لهوية الدول المغاربية، ودينا لرئيس الدولة، ثم مصدرا هاما من مصادر التشريع، ثم علاقة الدين بالقانون والحريات الدينية، ومختلف الضمانات الدستورية التي تكفل الحق في ممارسة الشعائر الدينية، وحماية الأقليات الدينية ومحاربة التمييز على أساس الانتماء الديني، وكذا حماية دور العبادة دستوريا، حيث أصبح الدستور التونسي الجديد مثلا، ينص على ضمان الدولة لحياد المساجد ودُور العبادة بعيدا عن الخلافات السياسية(ص230) وحفظا للتوازنات والتوافقات القائمة، كما نصت دساتير الدول المغاربية الأخرى على مؤسسات دستورية دينية (المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر وموريتانيا، المجلس العلمي الأعلى بالمغرب…) لحفظ الهوية الدينية للبلاد وضبط الفتوى…
أما التدين وسياقاته ما بين الشرط الموضوعي والفاعل الثقافي فقد عرض له الباحث جمال لخلوفي من خلال النبش في العلاقة بين أنماط التدين التي عرفها المغرب عبر تاريخه وبين السياقات التاريخية والثقافية التي نشأت فيها وتأثرت بها وتفاعلت معها، ساعيا إلى المزاوجة بين تحليل الفعل الإنساني وبين الشروط والعوامل الموضوعية التي تحيط به، وقد حدد العنصر الأول في المحاكاة التي جسدت نوعا من الإبداع يهدف إلى تجاوز المفارقات التي طرحها الإسلام أمام المغاربة إبان دخوله إلى المغرب. أما العنصر الثاني فهو تحليل شكل المحاكاة التي ارتبطت بالصلاح والولاية، فيما تجسد العنصر الثالث في النسب أو “الشرف” حيث اتجه فعل المحاكاة إلى تجربة النبوة معبرا عن مرحلة الجمود الفكري والانغلاق الثقافي.
يوظف الباحث مفهوم المحاكاة لتناول الحركات الجهادية من خلال فحص رؤيتها للتاريخ متوصلا إلى أنها تحاول استعادة الماضي وإلغاء التاريخ، مدفوعة بالرغبة في استنساخ الحدث التاريخي وإعادته، سواء كان معجزات أو غزوات أو طقوس…في ما يشبه “العود الأبدي”، ما يسم رؤيتها بالثبات والانتقائية ويجعلها أسيرة تمثل المخيال الجماعي للتاريخ.
في موضوع الإسلام السياسي في موريتانيا…بين جدلية الدور ومشكل الإطار؛ يقدم الباحث الموريتاني محمد بابا ولد موهدا،عرضا وتقييما شاملا عن 45 سنة من تجربة الحركة الإسلامية في موريتانيا في المجال السياسي والنقابي والثقافي والمدني والإنساني، والتي واجهت خلالها مسألة “الدور” الذي عليها أن تلعبه أهو دعوي-ثقافي أم سياسي؟ ومسألة “الإطار” الذي عليها أن تعمل من خلاله؛ أتكون مستقلة به أم تكون فيه مع تكتلات سياسية أخرى؟ متتبعا تياراتها ورؤاها، نجاحاتها ومكاسبها وطموحاتها، مسجلا الوتيرة البطيئة لتطور الحركة الإسلامية، والتي يعزوها إلى أسباب سياسية كالصراع مع النظام والانقسامات والصراعات الداخلية بين أجنحة الحركة ذاتها.
أما الحركات الإسلامية ومستقبل التحول الديمقراطي في الأنموذج الليبي، فكانت موضوع اهتمام الباحثة المصرية مروة وصفي حيث وقفت عند تداعيات انهيار نظام القذافي بليبيا وتأثيره على الدولة الليبية، مقارنة بتونس ومصر التي أبدت فيها الدولة مقاومة ولم تتأثر كثيرا بانهيار النظام، وتبحث ديناميات الخريطة السياسية الليبية التي تجسدت لديها في النظام القبلي وتوازناته، والذي لعب عليه النظام السابق، واعتمده لتقسيم الثروات وخلق الولاءات، ثم الثروة النفطية كمورد اقتصادي محرك للسياسة، فالدين الإسلامي كمحدد هوياتي يدين به أغلبية الليبيين.
وتتناول الباحثة معضلة المنطقة الشرقية والحركات الإسلامية التي ظهرت بليبيا عقب سقوط نظام القذافي وحددتها في : جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية المقاتلة، تنظيم الدولة الإسلامية، تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة…وهذه الحركات أدت دورا مهما في رسم خريطة المرحلة الانتقالية. وقد أسهت عدة عوامل في جنوح ميزان القوى لصالح الحركات الإسلامية، وانقسام ليبيا إلى كتلتين : تحالف الكرامة بزعامة خليفة حفتر، وفجر ليبيا المساند للحركات الإسلامية، مما يطرح مشكلة إعادة بناء الدولة والنظام والمؤسسات، وإنهاء التناحر الداخلي واستثباب الأمن…وهو ما يُعقّد فرص بناء الدولة على المدى القصير.
انكبّ الباحث المغربي عبد الرحمن الشعيري منظور على علاقة علماء الدين بالتحول الديمقراطي بالمغرب، وضرورة الانتقال من الحياد إلى التأثير منطلقا من أن تطوير المسار الديمقراطي يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى إدماج نخبة العلماء بمختلف أطيافهم في سياق الدعم الديني والثقافي للديمقراطية الناشئة في المجتمع وذلك عبر الإقرار الدستوري باستقلاليتهم التنظيمية ماليا وإداريا، والتعايش الإيجابي مع العلماء المستقلين، كمدخل للإسهام في التحول الديمقراطي، وسلطتهم العلمية في مجال المعرفة الدينية، الذي يرتكز بالأساس على المنظومة التعاقدية والتنظيمية للدولة المدنية الحديثة الضامنة لحقهم في الوجود الاعتباري الفاعل ضمن المؤسسات التمثيلية المتعلقة بالخبرة والاستشارة والتحكيم، وبالحضور الاقتراحي في المجتمع المدني، وذلك بوصفهم نخبة مجتمعية فاعلة ومؤثرة.
إن الحضور المؤسسي للعالم برأي الباحث قمين بتقوية الجبهة الوطنية الديمقراطية في اتجاه تجذير الوسطية الدينية وتحرير الخطاب الديني من نزعات التسييس المفرطة والتمركز حول الحكم إلى الاهتمام بالقيم والتغيير الحضاري الإنساني (ص 389).
ومن زاوية نظر تاريخية بحث محمد مزيان التدين في المغرب بين التقليد والتحديث منطلقا من الأسئلة : هل هناك تطابق بين الدين والتدين ؟ وهل المغاربة متدينون بالطريقة نفسها؟ وما تأثير الحداثة على التدين؟ وما الموقف منها؟ لذا فقد سعى الباحث بداية إلى التمييز بين مفهومي الدين والتدين مستندا إلى المرجعيات النظرية السوسيولوجية والأنتروبولوجية (دوركهايم، فيبر، غيرتز…)، ثم وقف عند الإسلام المغربي ومؤشراته الظاهرة (ارتياد المساجد، الصوم، الحج، التعليم الديني، اللباس…) ليصل إلى مستويات التدين المغربي والتي حددها في أربعة : التدين المعياري، التدين الشعبي، التدين الوسطي والتدين الحركي (الإسلام السياسي/الحركة الإسلامية).
أما بخصوص مدى تأثير الحداثة في التدين والموقف منها، فيظهر من كلام الباحث نوع من المقاومة التي تبديها مختلف أشكال التدين إزاء الحداثة من خلال التمسك بالنصوص والطقوس، أو بالتقاليد والقيم الدينية المتوارثة مع أن العولمة الثقافية والاتصالية تدفع نحو خلق نوع من التناغم بين المعتقدات الدينية وروح الحداثة، وهو ما يتجلى في انفجار وتناسل المواقع الدينية على الفضائيات والأنترنيت (ص 418). لكن السؤال المطروح هو؛ هل يُعتبر توظيف النواتج التقنية للحداثة من طرف التقليد انخراطا في الحداثة أم تكريسا للتقليد وإعادة لإنتاجه ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشرت هذه المراجعة في مجلة “المستقبل العربي” الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية. السنة 40. العدد 470. نيسان/أبريل 2018.