المقالات

تداعيات خطاب ماكرون :أزمة ” إسلام” أم أزمة “علمانية” فرنسا ؟

 

أحمد ت. كورو – أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية سان دييغو.[1]

Ahmet T. Kuru is Professor of Political Science at San Diego State University.

ترجمة : عثمان أمكور – باحث أكاديمي

تم ذبح  مدرس فرنسي في  مدرسة ثانوية كان قد عرض لصفه رسومًا كاريكاتورية للنبي محمد وذلك يوم  16 أكتوبر من قبل لاجئ مسلم يبلغ من العمر 18 عامًا، وهو ما  وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه “هجوم إرهابي إسلاموي”.

وهو أحدث هجوم قام  به  متطرف مسلم في فرنسا، بعد مذبحة عام 2015 التي تعرضت لها مجلة شارلي إيبدو  وكذلك هجوم شاحنة عام 2016 في نيس. هذا الحادث وقع  بعد أسبوعين من إلقاء ماكرون خطابًا مثيرًا للجدل قال  فيه بأن الإسلام “دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم”.

فرنسا، التي استعمرت العديد من الأراضي ذات الأغلبية المسلمة في إفريقيا والمشرق خلال  القرنين التاسع عشر والعشرين، كالجزائر ومالي، لديها أكبر أقلية مسلمة في أوروبا الغربية –أي ما يقارب  6  ملايين نسمة وهو ما يساوي 9٪ من سكانها.

من مخرجات  خطاب ماكرون في 2 أكتوبر / تشرين الأول تقديمه لاقتراح  تشريعي  لمحاربة “الانفصالية الإسلاموية”. إذا تم تمرير هذا التشريع  في البرلمان ، فسيُحظر بشكل أساسي التعليم المنزلي لجميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات وما فوق ويمنع الأئمة الذين تم تكوينهم   خارج فرنسا  من إمامة  المساجد الفرنسية الكبيرة.  حيث قال الرئيس إن الهدف هو “بناء إسلام في فرنسا يمكن أن يتوافق مع التنوير”.

يخلص تحليل ماكرون – ببساطة – إلى أن الإسلام يتعارض بطريقة ما مع المجتمع الغربي الحديث. لكن دراساتي  حول علمانية الدولة والدين تُظهر أن الواقع أكثر تعقيدًا.

العلمانية الفرنسية في مقابل نظيرتها الأمريكية

العلمانية الفرنسية ، التي يقوم بتبنيها اليسار التقدمي واليمين المعادي للإسلام، تتنافى  مع المفهوم الديمقراطي الأمريكي لفصل الدين عن الدولة. “اللائكية” (laïcité) ، هذا المفهوم  يقصي بشكل جذري الرموز الدينية من المؤسسات العامة.  فقد حظرت فرنسا الحجاب على المسلمات في المدارس  وفي كل مكان. مثيل هذا الحظر لا يمكن أن نجده في الولايات المتحدة.

بينما تقوم كل من أمريكا وفرنسا بنقاشات مستمرة حول “الأصولية الإسلامية  ” و “الإرهابيين المسلمين” وتحظى وجهات النظر التي يمكن تعريفها على أنها معادية للإسلام ببعض الدعم الشعبي ، فإن الديمقراطية الأمريكية توفر عمومًا فرصًا أفضل لدمج الجماعات الدينية المختلفة.

ففي فرنسا، يكتفي الدستور بتعريف  الدولة على أنها علمانية ، دون تحديد معالم  تلك العلمانية. وفي الولايات المتحدة ، يقيد التعديل الأول تعامل الدولة العلمانية مع الدين ، قائلاً إن الحكومة لا تستطيع أن تؤسس دينًا ولا أن  تقوم بحظر الممارسة الحرة لأي دين.

وهو ما يجعل من  الصعب على الولايات المتحدة أن تقوم بنفس  فعل ماكرون، الذي ترعاه الدولة الرامي  “لتشكيل إسلام  من نوع مستنير”.

في الواقع ، قبل خطاب ماكرون المستفز  بأحد عشر عامًا ، ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابًا شهيرًا عن الإسلام في مصر وذلك عام 2009 ، في محاولة لإعادة العلاقة بين أمريكا والعالم الإسلامي.

كما أشاد  أوباما بمساهمات المسلمين في المجتمع ، بقوله “من المهم أن تتجنب الدول الغربية منع المواطنين المسلمين من ممارسة الدين بالطريقة التي يرونها مناسبة ؛ على سبيل المثال ، وقضية ملابس المرأة المسلمة  ومسألة الإملاءات المطبقة عليها “.

يعكس خطاب أوباما بوتقة انصهار أمريكية مثالية ، لمكان تواجد فيه الهويات المترابطة  – مثل ما هو حاصل عند المسلم الأمريكي.

العلمانية الفرنسية لا ترى هويات مترابطة – فقط هوية فرنسية أو أخرى غير فرنسية.

الإسلام والدولة العلمانية

يرى البعض في فرنسا أيضًا أن هذه العلمانية الحازمة غير مؤهلة  لمواجه تحديات التعددية الثقافية والهجرة. فالباحث البارز جون بوبيرو (Jean Bauberot)  على سبيل المثال ، يدافع عن “علمانية أكثر تعددية” ؛ تتسامح مع رموز دينية معينة في المؤسسات العامة.

في الواقع ، قدمت فرنسا استثناءات كثيرة للكاثوليك. حيث توفر الحكومة تمويلًا حكوميًا كبيرًا للمدارس الكاثوليكية الخاصة، التي تقوم بتعليم حوالي ربع الطلاب في مراحل K-12  (المراحل التعليمية من رياض الأطفال إلى الصف الثاني عشر)، كما أن ستة من أصل أحد عشر عطلة رسمية في فرنسا هي عطلات كاثوليكية.

في كثير من الأحيان ، تُترجم العلمانية  ( laïcité) إلى عدم الرغبة في تلبية الاحتياجات الدينية للمسلمين.

في عام 2015  ، رفعت منظمة إسلامية دعوى قضائية ضد سلطة بلدية تقع في منطقة بورغندي (Burgundy) الفرنسية لرفضها بأن تقوم بتقديم  بديل لحم الخنزير في مقاهي المدارس العامة. فأرغمت المحكمة البلدة على تغيير  سياستها ، ليس بسبب أنها  انتهكت الحرية الدينية.  بل كانت ذريعة المحكمة هنا  انتهاك  لحقوق الأطفال.

التزام فرنسا التأسيسي بالمساواة بموجب القانون يحبط النقاش الاجتماعي الهادف حول التمييز العنصري ؛ إحصاء رسمي للسكان لا يجمع معلومات عن العرق. على الرغم من أن أكبر أقلية في فرنسا تتكون في الغالب من المهاجرين المسلمين غير البيض القادمين من  مستعمراتها السابقة في إفريقيا هم وأحفادهم ، خطاب ماكرون أشار فقط  لمحطة الاستعمار الفرنسي.

الكفر

بعد ما تم التقديم  به ، يمكن القول أن هناك بعض الحقيقة في خطاب ماكرون. لكن “الأزمة” التي يواجهها الإسلام تكمن في الإخفاقات التاريخية والسياسية التي عرفها العالم الإسلامي، وليس في الإسلام كدين.

يرصد كتابي الصادر عام  2019 ،  والمعنون بـ “الإسلام والسلطوية والتأخر ”  (Islam, Authoritarianism, and Underdevelopment)  ، فالعديد من الدول الإسلامية كمصر وإيران والمملكة العربية السعودية التي تمتلك  أنظمة استبدادية بالإضافة لتواجد تخلف مزمن داخلها  . وهو الموجود عند  إتنان وثلاثين  دولة من أصل تسع وأربعين  ذات أغلبية مسلمة في العالم ، تعاقب قوانين الردة  المرتدين  بتهمة  “تدنيس” المقدسات وذلك في ستة دول ،حيث تعتبر هذه  الدول “الكفر” جريمة كبرى عقوبتها “الإعدام”.

تظهر دراستي أن هذه القوانين، التي تعيق حرية التعبير، قد تأصلت بسبب ارتباطها بمصالح علماء الدين والحكام المستبدين أكثر من كونها  جزء من  العقيدة الإسلامية. حيث إنها  تتعارض مع العديد من الآيات القرآنية التي تحث المسلمين على عدم الإكراه أو إيذاء  أتباع الديانات الأخرى.

ومع ذلك، ففي البلدان الغربية التي يشكل المسلمون  أقلية داخلها ، يأخذ المتطرفون على عاتقهم أحيانًا دور معاقبة أولئك الذين  يسخرون من النبي محمد حسب رأيهم  . وقد تسبب ذلك في جدل عالمي مرتبط بالرسوم والأفلام ، في فرنسا وخارجها ، أدى ذلك إلى محصلة مرفوضة وهي “القتل”.

إن عمليات التقتيل هذه ، سواء على أيدي الدولة أو الأفراد   يشكل مأساة حقيقية. لكن تصويرها على أنها مشكلة دينية بحتة هو أمر قائم على تجاهل  الأصول الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لقوانين التكفير الإسلامية ، والآثار الثقافية المناهضة للديمقراطية  المناصرة للاستبداد في العديد من البلدان الإسلامية.

كما أنه يتجاهل الحقيقة المرة  المتجسدة  في كون  العزلة الاجتماعية هي العامل الأساسي لِلتطرف عند  بعض الشباب المسلم  في الغرب.

تعدد العلمانيات، تعدد الإسلام

قدم خطاب ماكرون بعض الإشارات نحو مزيد من الإدماج، حيث أشار إلى اثنين من المفكرين المسلمين البارزين في القرنين الثاني عشر والرابع عشر، وهو يقول“أريد أن تصبح فرنسا دولة يمكننا فيها تدريس أفكار ابن رشد وابن خلدون”، ليتصور “دولة تتفوق في دراسة الحضارات الإسلامية. “

إن صيغة الجمع في “الحضارات” لها معنى يُحيل إلى أن الإسلام ليس صورة متجانسة. ولا العلمانية الفرنسية كذلك؛ كلاهما  يحمل داخله أنظمة معقدة تقبل تفسيرات متنوعة بين طياتهما.

في الواقع، لا يحتاج ماكرون إلى “بناء إسلام في فرنسا يكون متوافقًا مع التنوير” ، لأن هذا محقق سلفاً ، فالتحدي المطلوب هو أن تكون  العلمانية الفرنسية (laïcité)  قادرة على التكيف مع الإسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  العنوان الأصلي للمقال : “Beheading in France could bolster president’s claim that Islam is in ‘crisis’ – but so is French secularism”

رابط المقال الأصلي : https://theconversation.com/beheading-in-france-could-bolster-presidents-claim-that-islam-is-in-crisis-but-so-is-french-secularism-148070?utm_medium=Social&utm_source=Facebook&fbclid=IwAR0xE3zrb-Fm806UzFS_kh1EkWRABIwF_n1F9g7vUG3Cf-n2Xt2dp1OjHAk#Echobox=1603236706

 

 

عثمان أمكور

باحث في السياسة والفكر الديني، حاصل على ماجستير علم اجتماع ديني من جامعة بادوفا –ايطاليا، ماجستير علوم سياسية جامعة محمد الخامس أكدال، له مساهمات بحثية محكمة في مجموعات منشورة في مراكز بحثية، وبعض المساهمات في كتب جماعية مثل كتاب “علوم القرآن في ابستمولوجيا المعاصرة: مقاربة تفكيكية نقدية”، وتأطير كورس أكاديمي لأكاديمية الشرق، كما اشتغل في مجموعة من الهيئات البحثية مشرفاً على بعض الملفات البحثية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى