التاريخ يتذكر الفائزين: على هامش حملة الإعلام الأوروبي على الفريق الوطني المغربي.
أخرج الإعلام الرياضي الغربي، في عمومه، أسوء مافيه، من تحيز، وغطرسة، واستعلاء. فقد أظهر أنه مازال يشرب من بئر واحدة، ملؤها النزعة الكولونيالية القائمة على احتقار الآخر غير الأوروبي؛ يستكثرون عليه التفوق والتميز حتى في اللعب، وفي قضايا الترفيه، ولما نصل بعد إلى قضايا العلوم والتقنيات والصناعات الثقيلة، واستقلال السياسات وممارسة السيادات، واستقلال الموارد والغذاء والمواقف… ففي كل لحظة يتنفس اللاشعور الجمعي الكولونيالي، ويطأ بجرة قلم تراث النهضة والأنوار، وقيم الحرية والأخوة الإنسانية والاعتراف بالآخر، ليتحول هذا الآخر إلى وحش كاسر، وإلى خطر يهدد وجود الكائن الكولونيالي وعشيرته. ويصبح كل تميز لغير الأوروبي خروج عن المنطق، وكسر لٱداب التفوق والتميز المخصوص بها الكولونيالي.
وتأتي فعاليات نهائيات كأس العالم لتفضح هذا اللاشعور/أو الخلايا النائمة الكولونيالية والمتحيزة. فقد استكثروا على قطر تنظيم التظاهرة، ونظروا إليها بمنطق دولة صغيرة بلا جغرافيا ولا تاريخ، وأنكروا عليها عمقها الثقافي والحضاري. وهاجمها الإعلام الغربي ومازال، وفاجأتهم بطاقاتها وإمكاناتها وقدراتها المدهشة في التنظيم ومازالت. وأرادوا إحراجها بجماعة وظيفية من مروجي الشذوذ والفاحشة، مما لا يمثل بالضرورة عموم المجتمع الغربي، وهو إحراج يعبر عن عدم الاعتراف بالٱخر مختلفا ثقافيا. وتعاملت معهم قطر بأسلوبين، واحد تشريعي والآخر تواصلي؛ فأما الأول ففيه التزام بالتشريع الوطني للدولة، ولا توجد في العالم دولة تضع تشريعا وتخرقه، فالتشريع القطري يمنع إعلان تصرفات وسلوكيات تصنفها ثقافته ومرجعيته الدينية والاجتماعية التي يرتديها مجتمعه ضمن الفاحشة. وأما الثاني فهو إجابة أمير قطر تميم على سؤال أحد الصحفيين حول استقبال الجماعة الوظيفية للشواذ في قطر، فقال لهم: مرحبا بالجميع في قطر، ونعول على زوار قطر في احترام ثقافة البلد وتقاليده كما هو متعارف عليه عالميا، وندعو الجميع للاستمتاع بالتعرف على ثقافة أخرى وأعراف أخرى ونمط حياة آخر بما يغني التنوع الإنساني، في إطار من التواصل والاحترام.
واستكثر الإعلام الأوروبي المتحيز تحديدا، واستكثاراته كثيرة، على الفريق الوطني المغربي تأهله إلى الدور الثاني. فقد أقصى لهم الفريق المدلل في أوروبا والمحبوب، فريق الشياطين الحمر، الفريق البلجيكي. ولم يتوقف هبله، أي الفريق الوطني، عند هذا الحد بل أقصى الفريق الإسباني، عريس فرق أوروبا ومجدها، وجل لاعبيه من محترفي التي كي طاكا. ومن يتتبع بين سطور الإعلام الرياضي الأوروبي، بخصوص الفريق الوطني، وقد قرأت الكثير من المقالات التحليلية لمباراة المغرب- إسبانيا، سيلحظ تضايق الإعلام من المدرب الموهوب وليد الركراكي، ومن تصريحاته، ومن استراتيجيته التاأطيرية للاعبين والقائمة على التحفيز المعنوي والروحي والدعم الأسري، فقد وصفه بعض المحللين الأوروبيين، بالفقيه، وبالراهب، وبالأيديولوجي، بل منهم من اعتبره يوظف النساء/الأمهات بشكل فج في خططه، وفي التأثير على اللاعبين! أرأيتم إلى أي حد يذهب الحقد والتحيز؟ إنهم يدركون أنها لعبة، لكنها تقف على أرضية القيم والمرجعيات، إنها معركة الجذور والانتماء والوجود. لذلك حاربوا مارادونا ولايذكرونه إلا أنه سرق كأس العالم1986، وسجل هدفا بيده، وكان الحكم تونسيا! ويتضايقون من اللغة الدينية للاعبين، ومن الاحتفالات/سجودا ودعاء، وهي تقاليد رافقت النجوم من مختلف العقائد والأديان في كل الرياضات عبر التاريخ. فالرياضة كانت في البدء طقسا عباديا، وظل الدين يسكن الرياضة والرياضة تسكنه. ولكن العقل الكولونيالي الوضعي المتطرف مازال يصر على خوض معركته الخاسرة ضد خطاب الدين وخطاب الهوية وخطاب اللغة وخطاب الانتماء. ومازال سجين نزعته الٱداتية، ولم تنل منه النزعة النقدية لمدرسة فرانكفورت، وكل نزعات نقد مابعد الحداثة إلا قليلا.
ولما حاول بعض كتاب المقالات التحليلية في الإعلام الغربي التعبير عن هذه التحيزات بشكل لطيف ومبطن توجهوا بالنقد لأداء المنتخب الوطني المغربي، وهو الآن في مرمى (سهامهم وأحقادهم التحليلية)، فقالوا إنه أفسد البطولة في مقابلة إسبانيا، بخطة دفاعية فجة، تحرم الجمهور من الاستمتاع والفرجة. وإذا افترضنا أن الخطة دفاعية، وهم يعلمون ويعلموننا أن الخطط توضع في ضوء الأهداف والإمكانيات والحاجيات، وفي ضوء السياقات الخاصة، وفي ضوء بعض التفاصيل الدقيقة، ليس في الرياضة وحسب، بل في أكثر المجالات حساسية في الحياة؛ في الصناعة، وفي البحث، وفي السياسة، وفي الحرب، وفي السلم … بله الرياضة! لذلك شنوا حملة شعواء على لاعب مغربي شاب يلعب بحماس ويستمتع بالدفاع عن قميص بلده اسمه سفيان امرابط، وكان نسخة من شقيقه نور الدين. رضعوا من ثدي واحدة الجد والاجتهاد وحب الوطن بدون ثمن. استكثروا عليه عنفوانه وحماسه كما لايستكثرون على أبنائهم وعلى شبابهم وعلى لاعبيهم ، بل يقدمونهم كملهمين لفئة الشباب عندهم. فما ذنب اللاعب الشاب الجميل والخجول أمرابط؟ كما استكثروا على اللاعبين المغاربة رفض اللعب للمنتخبات الأوروبية برغم الإغراءات وبرغم كل الترغيبات والترهيبات وفضلوا بلدهم الأم التحاما مع صوتهم الداخلي ومع رغبات أمهاتهم الوطنيات القانتات العابدات الملهمات… إنه العقل الأداتي الكولونيالي القاسي الذي لايوجد في قاموسه مخالف وٱخر متميز! وبذلك يهدر هذا العقل الأداتي كل تراث الأنوار، أو قل ( أكذوبة الأنوار).
ثم إن التاريخ يفضح هذا الزعم وهذا التحيز؛ ففي كأس العالم1982، بإسبانيا، فاجأ المنتخب الإيطالي العالم بفريق لم يكن مرشحا للفوز، وتأهل للدور الثاني بفارق الأهداف مع الكاميرون. بقيادة المدرب ولاعب الميلان السابق إنزو بيرزوتEnzo Bearzot، ولم يكن مشهورا. وتميز بخطته التي كان من مؤسسيها في كرة القدم وهي ( خطة الكماشة)، وهي طريقة لعب تنسجم مع فلسفة الإنسان الايطالي الواقعي والبراغماتي، والمؤمن بطاقاته الذاتية بلاحدود. وهي خطة تطورت اليوم مع جوزيف مورينو وحطم بها خرافة الكرة الشاملة التي خسرت بها هولندا كأسين عالميتين سنتي1974، و1978. وحولت فريق البارصا اليوم، بدون ميسي، إلى ٱلة متحركة بدون عقل، ترهق ذاتها بذاتها. وهو ماذهب ضحيته المنتخب الإسباني أمام الفريق الوطني. المهم أن ايطاليا دخلت نهائيات كأس العالم1982، بخطة واقعية، لأن المقابلات تقاس بالنتائج وجمع النقط وليس بالأداء بمعنى الفرجة. وفاجأ المنتخب الإيطالي العالم بفريق يقوده حارس مرعب اسمه دينو زووف(40سنة)، وبفريق دفاعي يوجد أمامه خط وسط بلاعب شرس لتكسير اللعب اسمه جونتيلي. قهر مارادونا وكامبيس ودياز من الارجنتين، وزيكو وسقراطيس ولوزينهو وايدير من البرازيل، ورومينيغه وهروبيش وبرايتنر من ألمانيا، وأمام خط الوسط مهاجم/ثعلب اسمه باولو روسي، خرج من السجن قبيل كأس العالم، وفاز بهداف البطولة. لم تمتع ايطاليا ولكن قهرت الكبار وفازت بالكأس. وعندما سئل اللاعبون لماذا تفوزون بكأس العالم بهذا الشكل وبدون أداء جيد كان يجيبهم المدرب إنزو بيرزوت أو الحارس/العميد دينو زووف بقولهما: الدفاع عن ايطاليا أكبر من مجرد فرجة ومتعة! وحفظ التاريخ في سجلاته ايطاليا الفائزة بكأس العالم. فلماذا يستكثرون على وليد وعلى منتخبنا روحهم وحبهم وحماسهم لوطنهم. سيحفظهم التاريخ جيدا في سجلاته وسيطوح بالمتحيزين والحاقدين في مزابله.