مشكلة الشرّ في العدد الجديد 73-74 لمجلة قضايا اسلامية معاصرة
بعد 24 عاما من عملها على بناء فضاءٍ للتفكير النقدي والنقاش والبحث في فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، والخروج من تكرار الشروح والكتابات الوعظية والتبجيلية المكرّرة، استطاعت مجلة قضايا إسلامية معاصرة تخصيص 72 عددا من أعدادها الصادرة في سنواتها الماضية لدراسة الموضوعات المحورية في فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد.
يصدر في بيروت هذا الأسبوع العدد الجديد 73-74 من مجلة قضايا إسلامية معاصرة. تخصّص المجلة هذا العدد للقسم الأول من دراسة: (مشكلة الشر – 1)، وتعمل على أن تستكمل البحث والنقاش في هذا الموضوع في العدد القادم، وربما في عدد ثالث يليه إن وجدت إسهامات جادّة بالعربية، أو موضوعات مترجمة من اللغات الأخرى.
تقدّم هذه الدورية منجزَها هذا للأساتذة والباحثين وطلاب الدراسات العليا في الجامعات ومعاهد التعليم الديني والحوزات، وكلّ المهتمين بفلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، عسى أن يتنبه الخبراء لدراسة هذا الموضوع، الحاضر على الدوام في الكلام حول وجود الله وعلمه وقدرته وإرادته وأفعاله وعدالته.
كانت مشكلة الشرّ ومازالت من القضايا التي لم يتعطّل فيها التفكر، يتساءل الناس عن الكوارث الطبيعية والزلازل والأعاصير والأوبئة وغيرها، يتساءل عن ذلك الناس بمختلف درجات وعيهم، وهكذا يتساءلون عن الظلم والعنف الذي يصدر عن الإنسان، واعتداء الإنسان على أخيه الإنسان، واعتداء الإنسان على الكائنات الأخرى في الأرض، واعتداء الإنسان على الطبيعة وتخريبها.
على الرغم من شدّة الحاجة لدراسة مشكلة الشرّ، وفرض سؤال الشرّ لحضوره كسؤال ميتافيزيقي إنكاري معلن في أحاديث وكتابات بعض الباحثين والأساتذة والتلامذة، ومختبئ أحيانا لدى غيرهم من البشر. طالما أعلن السؤالُ الإنكاري عن الشرّ حضورَه بكلمات وعبارات لا تخلو من استغاثة وعتب واحتجاج على لسان الأمهات والآباء الذين يفجعون يفقدان أبنائهم، والناس الذين يتعرضون لمصائب ونكبات شتّى في كلّ المجتمعات.
التأليف والبحث في موضوع الشرّ مازل فقيرا باللغة العربية، فلم نقرأ دورية فلسفية أو دينية عربية أفردت عددا لـ”مشكلة الشر”، ولم نقرأ كتابات جادّة تتناول الأسئلة الكبرى في هذا الموضوع الأبدي، ولم نعرف تخصيصَ ساعات في الدراسات العليا تهتم بدراسته فلسفيا ولاهوتيا وكلاميا. ظلّ هذا الموضوع للأسف مهملا في الدراسات العليا في كليات الفلسفة والكليات اللاهوتية والدينية، وغفل عنه أغلبُ التلامذة والأساتذة.
من هنا بادرت قضايا إسلامية معاصرة لدراسة هذا الموضوع، وانشغلت بالإعداد له منذ سنوات، كانت الصعوبةُ في ندرة الخبرة البحثية في مشكلة الشرّ بالعربية، لذلك هاتفت المجلة وراسلت باحثات وباحثين تحترم تكوينَهم الأكاديمي وخبرتَهم العلمية والبحثية في الفلسفة واللاهوت والأديان، وترجمت مادة وفيرة من لغات أخرى، ولم تصدر هذا العدد إلا بعد أن تراكمت لديها مادة وفيرة تغطي أكثر من عدد. بادرت قضايا إسلامية معاصرة لدراسة “مشكلة الشر”، بمداخل متنوعة: فلسفية، ولاهوتية، وكلامية، وأخلاقية، ودينية مقارنة، عسى أن نستمع لصوت يتحدّث لغة بديلة تحدّثنا بما لم نقرأه من قبل. تعرب مجلة قضايا إسلامية معاصر عن امتنانها لكلّ المشاركين فيها من الكتّاب والمترجمين، ولكلّ من دعمها ووقف معها في مسيرتها الطويلة، وكلّ من اهتم بها وقرأها ونقدها.
كما تعرب عن امتنانها لعائلة صبورة أنفقت جهودا منهكة، وكافحت لسنوات طويلة من أجل أن تفرض مجلة قضايا إسلامية معاصرة حضورَها النوعي للانتقال بالاجتهاد والتجديد لآفاق بديلة للتفكير الديني، تنتزعه من ركام الكلام المكرّر منذ قرون، والانسداد الذي أرهقه الأزمنة السابقة. وقد استطاعت أن تنجز شيئا من أحلامها في بناء حقل دراسات فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد بالعربية الذي دشّنته منذ ربع قرن تقريبا. قضايا إسلامية معاصرة نجحت في تدشين فضاء رحب للتفكير الديني، وسمحت لكتّابها بالبحث والنقاش بحرية في كلّ موضوع يتناولونه في الدين والدنيا، وإن كان ذلك الموضوع من الممنوع التفكير فيه.
تحية وامتنانا للأستاذة انتزال الجبوري، الأم، سكرتيرة التحرير، ومحرّرة النصوص الذكية.
تحية وامتنانا للدكتور محمد حسين الرفاعي، الابن، مدير التحرير، واستاذ علم الاجتماع والفلسفة اليوم في الجامعة اللبنانية والجامعة اليسوعية ببيروت، والذي لولا جهوده منذ وقت مبكر من حياته لم تصدر هذه المجلة، ولولا إصراره على المضي في الطريق، لم تواصل مسيرتَها كلّ هذه السنوات الطويلة.كنا كلّما تعبنا من العمل المنهك وقرّرنا التوقف يرفض محمد حسين ذلك بشدّة، ويصرّ على المضي في الطريق مهما كانت العوائق.