المقالات

نظرية مالتوس حول السكان وخلفياتها الاجتماعية والاقتصادية : نظرية نقدية

مقدمة:

اتسمت نظرية مالتوس المعروفة بـاسم “المالتوسية” التي بدأت بمقالة كتبها توماس مالتوس في سن الثانية والثلاثين حول “مبدأ السكان ” ، بجرأة سياسية وأخلاقية ودينية؛ وهو ما يؤكده في مقدمة الطبعة الأولى سنة (1798)” بقوله ” أنا لا أخدع نفسي لأنني اخترت دائمًا أفصل بين مجموعة من المواد المتاحة لدي لتوضيح الجزء الأول من العرض؛ ولا أُملق نفسي لأنني رتبتها بترتيب واضح. لكني آمل أن يسامحني جميع المهتمين بالمسائل الأخلاقية والسياسية”[1]

               إن النقد القوي الذي وجه للمالتوسية؛ خاصة من طرف المتأثرين بالفكر الماركسي، دفعنا إلى البحث في أسباب هذا النقد، مسترشدين بفرضية قائمةعلى أساس أنه مؤسس بدوافع موضوعية وأخرى إيديولوجية تصل حد المبالغة أحيانا؛ ذلك أن مالتوس من مناصري الليبرالية حيث تأثر بفكر آدام سميت.

المحور الأول: نظرية مالتوس حول السكان

مفهوم المالتوسية

توماس ألبرت مالتوس، اقتصادي وديمغرافي إنجليزي، بدأ حياته المهنية قسيسا في الكنيسة الأنجليكانية ثم تحول إلى تدريس التاريخ والاقتصاد السياسي والبحث في مجال علم السكان.

اشتهر مالتوس بنظريته المعروفة بـاسم “المالتوسية” التي حاولت تفسير ظاهرة تنامي  الفقرومشكلاته في العالم، حيث يعتبر أول من سعى لوضع نظرية متكاملة حول السكان والتخلف عام 1798، وتنطلق نظريته من ملاحظة الاختلال القائم بين التزايد السكاني الذي يتم بمتتالية هندسية وبالتالي تضاعف السكان خلال كل ربع قرن( 1, 2, 4, 8, 16, 32, 64, 128….) وبين تزايد الغذاء الذي يتم بمتتالية حسابية (1, 2, 3, 4, 5, 6, 7, 8….) ، الأمر الذي يقتضي العمل على خلق التوازن عبر عوامل سلبية من خلال تدخل الفاعل السياسي بمجموعة من الإجراءات كفرض تنظيم النسل وتحديده ومنع الفقراء من الزواج؛  فـأي تشجيع على الزواج يجب أن يؤدي بالضرورة إلى زيادة البؤس،أو عبر عوامل إيجابية التي تلعب دورا أساسيا في هذا التوازن في حالة فشلت العوامل السلبية، ويقصد بالعوامل الإيجابية الكوارث والأوبئة والمجاعات، ومن تمة ضرورة تدخل الدولة في صناعتها عبر عدم زيادة الأجور حتى لا يتمكن الفقراء من الزواج المبكر.

تاريخ الأوبئة وميلاد النظرية المالتوسية

                              من الأسس الرئيسية التي بنيت عليها النظرية المالتوسية،  تلك المرتبطة بالبعد التاريخي،  فقد إستلهم مالتوس من تاريخ الأوبئة التي ضربت أوربا خلال فترات تاريخية متفرقة، خاصة الطاعون الذي ضرب أورباخلال القرن  14الميلادي وأودى بحياة ما لا يقل عن  50 مليون نسمة، عوامله الضبطية، أو ما يسمى بــ  ”عوامل الضبط المالتوسي“ .

                              إن هذا الترابط الحتمي عند مالتوس بين التزايد السكاني وحتمية الأوبئة،  سيتم دحضه من داخل نفس البيئة التي انطلق منها  لبناء دراسته؛ نتيجة للثورة الصناعية التي سيترتب عليها ثورة في السلوك الوقائي والعلاجي وبالتالي انخفاض الوفيات بشكل لم يكن متوقع.

                              يدفعنا الإسقاط المباشر لهذا التصور على الواقع الراهن إلى الإشارة للضبابية التي تكتنف الحديث عن الأوبئة التي يشهدها العالم وأخرها موجة الكوفيد19وفرضية اختلاقها كمنطق رأسمالي هدفه الربح عقيدة في المنطلق والنهاية.

المبادئ  الديمغرافية والاقتصادية المؤطرة للنظرية المالتوسية

تتأطر النظرية المالتوسية بمجموعة من المباديء يمكن حصرها فيما يلي:

  • مبدأ تنظيم النمو السكاني:

               يعتبر مالتوس أن هناك قوانين حتمية تحكم نمو السكان، حيث يشير إلى أن معدلات النمو السكاني تتجاوز بشكل طبيعي قدرة البنية التحتية للموارد مما يؤدي إلى نقص الغذاء، وبالتالي وقوع المجاعات. فهل دفاع مالتوس عن ضرورة خلق التوازن مرتبط بهواجس إنسانية أم بنزعات تحيزيةمنطلقها حماية الفئات الغنية والحيلولة دون تحملها لأعباء الفقراء؟.

  • مبدأ النمو الطبيعي

يتوقع مالتوس أن يحدث نمو سكاني طبيعي في حالة عدم وجود تدخلات سلبية أو إيجابية.

  • مبدأ الضغط السكاني

يعتبر مالتوس أن هناك ضغطًا سكانيًا يمكن أن يتسبب في ارتفاع معدلات الفقر وقلة الموارد، وهو ما يحتم التدخل عبر وضع خطط لمنع زواج الفقراء أو على الاقل تأخيره والعمل على ما يسميه ” الموت الطبيعي“عوض إبطائه، في افق القضاء على ما يسميه بـ ”الفائض السكاني“(الفقراء).

  • تأثير الفقر على معدلات النمو

يميل مالتوس إلى النزعة القائلة بأن الفقر ونقص الموارد يمكن أن يؤديان إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني، حيث يميل الفقراء إلى الإنجاب أكثر.

  • مبدأ توازن النمو

يؤكد مالتوس على أهمية تحقيق توازن بين النمو السكاني والموارد لتجنب الازمات.

الإجراءات المالتوسية:

يقترح مالتوس نوعين من الضوابط السكانية للتحكم في التزايد السكاني، إستطاع التأثير بواسطتهما في السياسات العامة لمجموعة من الدول،  يتعلق الأمربالضوابط الوقائية، وهي إجراءات تتخذها الحكومات عبر مخططاتها، والضوابط الإيجابية، التي تمارس تأثيرها على النمو السكاني عن طريق زيادة معدل الوفيات، ويتم تطبيقها من قبل الطبيعة عبر الظواهرالطبيعية (الفيضانات، البراكين، الأعاصير، الزلازل)، أو عبرالإنسان (نشر الأمراض، ممارسة الأعمال الشاقة، الحروب، المجاعات، الفقر) كل ذلك كفيل بازدياد نسبة الوفيات؛ بالتالي تخفيض عدد السكان.

لإبراز تأثير هذين العاملين في الحكومات  نسوق مثالين:

  1. في النمسا، سنَّت السلطات قانونًا أصبح بمقتضاه من يريد الزواج ملزمًا بإثبات أنه صاحب وظيفة، أو أنه يمتلك مصادر أخرى للإيراد والكسب، ما سمح للحكومة بالامتناع عن إصدار تلك التصاريح للفقراء والمعدمين، وظل هذا القانون ساريًا في النمسا حتى الحرب العالمية الأولى.
  2. في ألمانياأصدر الجيش البروسي تعميمًا بمنع زواج الضباط حتى يصلوا إلى الرتب العليا ما لم تمتلك زوجاتهم مصادر دخل خاصة بهم.

مراحل التطور الديمغرافي وتموقعالمالتوسية

يرجع أصل مفهوم  الانتقال الديمغرافي إلى العالم الديمغرافي الفرنسي، أدولف لاندريه (1934)، ليتبلور بشكل أكثر نضجًا مع الاقتصادي الأميركي، نوتشتاين (1945) ، ويُقصد به، تلك التحولات التاريخية التي تطرأ على نسبة الوفيات والولادات والتطور السكاني في المجتمعات المعاصرة، وتأثيراتها على طبيعة وحجم الهرم السكاني وعلى السياسات والاقتصاديات الوطنية. لفهم تموقعالمالتوسية ضمن هذه النظرية سنرصد أهم التصورات الكبرى لهذه النظرية، ويمكن حصرها في  ثلاثةنماذج:

  • النموذج الثلاثي:  يقسم التحول الديمغرافي إلى ثلاثة مراحل متمايزة:
    • مرحلة النظام التقليدي، ويتميز بارتفاع معدلات الوفيات والولادات معًا وينتج عنه نمو سكاني ضئيل.
    • مرحلة الانتقال الديمغرافي، وتنقسم إلى مرحلتين: مرحلة الارتفاع؛ حيث تكون نسبة الولادات مرتفعة ونسبة الوفيات منخفضة، ومرحلة الانخفاض وتتميز بتراجع الولادات وعقلنة الخصوبة السكانية.
    • مرحلة النظام العصري أو ما بعد الانتقال الديمغرافي؛ حيث يعود النمو السكاني إلى حالة الضعف وذلك بتناقص معدلات المواليد والوفيات.

      من رواد هذا التوجه وارن تومسون (WarrenThompsonو الاقتصادي الامريكي نوتشتاين، و يوسف كرباج  (باحث في المعهد الوطني الفرنسي للدراسات السكانيّة بباريس) الذي يضيف ميزة تميز  العالم العربي وهيمرحلة الانتقال الديموغرافي العكسي.

  • النموذج الرباعي: يقسم مراحل التطور الديمغرافي الى أربعة مراحل: (ارثرهويت وتوماس كين) من خلال نموذج تطبيقي

مراحل الانتقال الديموغرافي من وجهه نظر ارثرهويت وتوماس كين 1998 نموذج فنلندا

معدل الزيادةمعدل الوفيات بالألافمعدل المواليد بالألفالفترةالمرحلة
0.632381790-1785الأولى
1.424381830-1825الثانية
1.217291915-1910الثالثة
0.310131990الرابعة

احمد عواد الخوالدة، دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد،43 العدد ،3 2016

  • النموذج الخماسي:  تقسيم بلكر

التصنيف المرحلي لنظرية الانتقال الديموغرافي التي وضعها بلكر عام 1947

النمو السكانيمعدل الوفياتمعدل المواليدالمرحلة
يكاد يكون معدوممرتفعمرتفعمرحلة المجتمع المتوقف
سريعآخذ في الانخفاضمرتفعمرحلة التوسع المبكر
اقل من المرحلة الثانيةآخذ في الانخفاضآخذ في الانخفاضمرحلة التوسع المتأخر
يكاد يكون معدوممنخفضمنخفضمرحلة المجتمع المتوقف الحديثة
سالبمنخفضاقل من معدل الوفياتمرحلة النمو السالب

احمد عواد الخوالدة، دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد،43 العدد ،3 2016

العوامل المفسرة للأمثلة التي وردت أعلاه، تبقى مرتهنة للبعد الإيديولوجي؛ حيث تحاول كل نظرية تأويل التطورات الديمغرافية حسب خلفياتها، لكن، إذا أخذنا المؤشرات التي ارتكز عليها مالتوس (الولادات والوفيات والخصوبة) يمكن أن نستشرف مستقبلا ديمغرافيا ميزته تزايد ساكنة المعمور بشكل معتدل حيث ستصل الساكنة إلى حوالي  9مليار نسمة حسب التنبؤات المعتدلة، وبشكل يقترب من التضاعف حسب التنبؤات المتشائمة؛ إذ يتوقع أن تصل الساكنة الى حوالي 12 مليار نسمة في أفق  2050. 

من جهة أخرى يمكن التمييز بين مسار الانتقال الديمغرافي في الدول النامية الذي يتم بشكل سريع وبين الدول الصناعية الذي يتم فيها بشكل معتدل الى بطيء، وهو ما يفسر تركز أزيد من 80% من مجموع سكان العالم في الدول النامية، مما يعرقل مسار التنمية المستدامة كون جل المشاريع تتجه نحو المجالات الاجتماعية.

المحور الثاني: نقد نظرية مالتوس حول السكان:

المالتوسية بين المنطق الحتمي والمنطق الإمكاني

               المنطق الحتمي في المالتوسية:

               مالتوس يشير إلى أن هناك قوانين حتمية تحكم النمو السكاني، حيث يعتبر أن هناك توازنًا حتميًا بين معدلات النمو السكاني ومعدلات الإنتاج الغذائي، وهو ما يعبرعنه بفترة “النمو الطبيعي“ حيثتنبأ بأن النمو السكاني سيزيد بشكل هندسي بينما يكون الإنتاج الغذائي يزيد بشكل طبيعي حسابي، مما يؤدي في النهاية إلى نقص الغذاء وتوازن النمو السكاني.

               المنطق الإمكاني في المالتوسية (الملتوسيون الجدد):

يفترض المنطق الإمكاني أن هناك تدخلات إمكانية لتحسين الظروف وتحقيق توازن بين النمو السكاني والموارد؛ ذلك أن التطورات الاقتصادية والتكنولوجية يمكن أن تزيد من إنتاجية الأراضي وتحسين إدارة الموارد، وتدعم السياسات الحكومية التي تعمل على تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية فكرة التدخل لتجنب الأزمات المتوقعة.

ببساطة، المنطق الحتمي في المالتوسية يشير إلى التوقعات السلبية للنمو السكاني في ظل نقص الموارد، بينما المنطق الإمكاني يفترض بوجود فرص لتحسين الظروف والتغلب على التحديات المتوقعة.

نقد المالتوسية:

رغم الخلفيات والمنطلقات الإيديولوجية والفكرية لمنتقدي نظرية مالتوس، إلا أننا نستطيع القول أن تمة إتفاق بينهم حول الإنتقادات التالية:

  1. تجاهل العوامل الاقتصادية والاحتماعية:يتهم مالتوس بتجاهل العوامل الاقتصادية والاجتماعية الهامة في تحديد معدلات النمو السكاني ومستويات المعيشة، حيث يُقدم النقاد حججًا بأن التغييرات في الظروف الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على نمط الحياة.
  2. تكنولوجيا الإنتاج والابتكار: ويعد الانتقاد الأساسي لنظرية مالتوسالتي أهملت قدرة التكنولوجيا والابتكار على زيادة قدرة الإنتاج؛  فبفضل التقدم التكنولوجي، تطورت طرق الزراعة والصناعة وزادت الإنتاجية، مما يعني أنه يمكن تلبية احتياجات السكان البشرية المتزايدة.
  3. مشكلة التوزيع: يُشير نقاد المالتوسيةإلى أن مشكلة السكان ليست فقط في نمو السكان نفسه، وإنما في التوزيع غير المتكافئ للثروة والموارد.  فهناك تركيز غير عادل للثروة والموارد في بعض المناطق، مما يؤدي إلى ظهور الفقر والجوع في بعض الأماكن، في حين يوجد استغلال زائد للموارد في أماكن أخرى.
  4. نمو السكان والاقتصاد: يُشير البعض إلى أن نمو السكان بحد ذاته لا يعد بالضرورة تهديدًا،  فمع توسع السكان، يزيد الطلب على المنتجات والخدمات، مما يحفز الابتكار ويدعم النمو الاقتصادي. ولذلك، فإن بعض الباحثين يرى أن الاهتمام يجب أن يكون على تعزيز النمو الاقتصادي وتنمية المجتمع بشكل شامل، بدلاً من التركيز فقط على اتساع النسل.
  5. الآثار البيئية وتدمير البيئة: من المعروف أن نمو السكان يمكن أن يفرض ضغوطًا على البيئة، مثل استنزاف الموارد الطبيعية وتلوث الهواء والمياه وفقدان التنوع البيولوجي. لذا، يُؤكد النقاد على ضرورة التركيز على الحفاظ على البيئة واستدامة الموارد بدلاً من التركيز فقط على اتساع النسل.
  6. عدم الاعتبار بالتغيرات الديموغرافية: تفترض النظرية أن معدلات النمو السكاني ثابتة على المدى الطويل، وهو افتراض غير واقعي نظرًا لتغيرات الخصوبة والموت والهجرة التي تحدث على مر الزمن.
  7. تجاهل الابتكار والتطور التكنولوجي: تستند النظرية إلى افتراض أن الفقر والنقص في الموارد لا يمكن التغلب عليهما بواسطة التقدم التكنولوجي والابتكار، مما يقلل من دور الابتكارات في تحسين إنتاجية الموارد وتوفير حلول لمشكلة النمو السكاني.
  8. تأثير سلبي على السياسات الاجتماعية: يؤدي الاعتماد على نظرية مالتوس في وضع السياسات الاجتماعية إلى تنفيذ إجراءات قاسية مثل تنظيم الأسرة أو تقنين الولادات، مما يعتبر تدخلاً في حرية الأفراد وقد يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان، وإلى تأثير أخلاقي من خلال إحساس المرأة بتحرر الجسد، ويرد مالتوس على ذلك بقوله في كتابه (ثلاث مقالات عن السكان   ThreeEssays on Population) [2]بقوله ” أن الحل يكمن في أن يُعلي الإنسان إرادته ورجاحة عقله فوق رغباته وغرائزه، وإن كان لا بد لهم من ممارسة الجنس والزواج، فليكن في مرحلة متأخرة من العمر“. وضرب مثلاً بنفسه كونه لم يتزوج إلا عندما بلغ الأربعين.
  9. عدم الأخذ بالاعتبار العواقب الاجتماعية: عموما فالنظرية لا تأخذ العواقب الاجتماعية المحتملة لتنفيذ إجراءات قاسية للتحكم في النمو السكاني، مثل زيادة الفقر والتفاوت الاجتماعي وتدهور الصحة وحقوق الإنسان

إستربوسيروبوالمالتوسية

إستربوسيروب،اقتصادية من أصل دنماركي، ولدت في 18 مايو 1910 في كوبنهاغن وتوفيت في 24 سبتمبر 1999، وتعد  من أهم منتقدي المالتوسية باستخدام نفس الميكانيزمات التي انطلق منها مالتوس نفسه.

إنطلقت إستربوسيروب في بناء تصوراتها من نفس المنطلقات المالتوسية لكن بشكل عكسي كما يتجلى في المثالين التاليين:

  • المثال الأول: إذا كان مالتوس يعتبر أن حجم ونمو السكان يعتمد على إمدادات الغذاء والزراعة، فإنها تعتبر أن الزراعة وإمدادات الأغذية الزراعية تعتمد على حجم السكان ونموهم،
  • المثال الثاني:  ينطلقمالتوس من منطق حتمي بينما إستر تنطلق من مبدأ قدرة الإنسان على التكيف وابتكار حلول ناجعة؛ فعندما لا تكون الإمدادات الغذائية كافية، فإن الإنسان سوف يخترع شيئًا ما (تقنية، آلة…)، وفي هذا الصدد تستدعي إستر منطلقات انتروبولوجية ـــ بحكم انتمائها لحقل الانتربولوجية ـــ للدفاع عن قناعتها من المالتوسية حيث تعتبر أن  السكان الذين يعانون من مشاكل اقتصادية يطورون بأنفسهم تقنياتهم (التكنولوجيا) الخاصة للاستجابة لها. وغالبا ما تكون هذه الحلول التكنولوجية متشابهة، لأن المشاكل هي نفسها، ولكن كل مجموعة سكانية يمكن أن تقدم استجابة مناسبة لمشاكلها، اعتمادا على خصائصها الثقافية.

تذهب إستر إلى أبعد من هذا ، من خلال حديثها عن ” المزارع التجاري ”الذي يتجاوز منطق الكفاف إلى منطق الربح. وبالتالي فإن انتقادها للمالتوسية لا يعني أنها تنزع إلى ضرورة خلق انفجار ديمغرافي جديد، بل تنزع إلى ضرورة إعادة النظر في مداخيل خلق توازن منطقي بين السكان والغذاء، ولتوضيح تصورها ركزت اهتماماتها على موضوع المرأة، خاصة في المناطق النامية كالهند والسينغال، وخلصت إلى  ” أن التعليم الأفضل للنساء سيسمح بتقليل الزيادة في عدد سكان البلدان النامية، وبالتالي سيجعل من الممكن تخفيف المشاكل الناجمة عن التغذية“.

خلاصة:

               استطاع مالتوس أن يؤسس لنقاش ديمغرافي وفق شروط تفرض نفسها على الباحثين في هذا المجال من مختلف المنطلقات الفكرية، فالولادات والوفيات والخصوبة وغيرها من المفاهيم الديمغرافية  تطرح وفق نسق معين لفهم مختلف التطورات الديمغرافية في كل الدول.

إن جرأة مالتوس على طرح أفكاره مؤطر بوعي تام بما يقوم به وإدراك بصعوبة تقبل ما يطرحه في ذلك الزمن؛ حيث يقول في كتابه ”مبدأ السكان“ ما يلي” آمل أن يسامحني جميع المهتمين بالمسائل الأخلاقية والسياسية، وأن تعوض حداثة الموضوع وأهميته في نظرهم عيوب عملي“[3]

صحيح أن الثورة الصناعية قد فندت جزءا مهما من نظريته، لكن التجارب الراهنة في بعض البلدان كالصين تنزع بشكل أو بأخر الى الطرح المالتوسي مع أخذ التطورات السياسية والاقتصادية وغيرها بعين الاعتبار.

نعتقد أن النظرية المالتوسية يجب إعادة قرائتها وفق شروط جديدة تبتعد عن المنطلقات الدوغمائية وتنزع إلى محاولة المساهمة في فهم الواقع الديمغرافي القطري والعالمي، حتى يتسنى للفاعلين السياسيين وفي مجال التنمية فهم اتجاهات السكان لصياغة مخططات عملية تجعل الانسان مبتدأها ونهايتها.

لائحة بأهم المراجع المعتمدة:

1.     توماس مالتوس، نظرية السكان ؛ مبحث في مبدأ السكان وتاثيره في مستقبل تطور المجتمع والنشر والتوزيع، يناير ” ترجمة فادي الطويل، دار الفرقد للطباعة 2016

2.     لحسن جنان، الجغرافية القروية من المقاربة الكلاسيكية إلى النظرة المعاصرة، منشورات مؤسسة مقاربات فاس،  2021

3.     مصطفى أيتخرواش، الحراك السياسي المغربي والديمغرافيا السياسية: إشكاليات الانتقال الديمقراطي والتنموي، تقارير مركز الجزيرة للدراسات مارس 2018

4.     رمزي (زكي 1983) : المشكلة السكانية، و خرافة المالتوسية الجديدة – سلسلة عالم المعرفة عدد 84 ربيع الأول 1004 هـ، الكويت.

5.     فؤاد (مرسي 1982) : التخلف و التنمية، دراسة في التطور الاقتصادي – دار المستقبل العربي، بيروت، لبنان

6.     يوسف كرباح، مجلة استشراف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الكتاب السنوي الخامس، 2020

7.     عبدالحق بنونة، التحولات الديمغرافية السريعة التي عرفها المجتمع المغربي غداة استقلاله (مقاربة كمية) مجلة المجال الجغرافي والمجتمع المغربي، مختبر الدراسات والأبحا الجغرافية والتهيئة والخرائطية، كليةوالاداب والعلوم الانسانية، سايس، فاس، العدد  66 ديسمبر  2022

8.     الخوالدة أحمد عواد، مجلة دراسات: العلوم الانسانية والإجتماعية، الجامعة الأردنية عمادة البحث العلمي، العدد  3 أكتوبر  2016

9.        ThreeEssays on Population – Malthus, Huxley &Osborn Mass MarketPaperback – January 1, 1960

  1. THOMAS Robert Malthus ; London, J. Johnson, 1 janvier 1798

11.    Céline ClémentCarole BrugeillesIntroduction à la démographie Armand Colin 2022

12.    L’évolution du nombre des hommes Jean-Noël Biraben POPULATION ET SOCIÉTÉ N 394 OCTOBRE 2023


[1]THOMAS Robert Malthus ; London, J. Johnson, 1 janvier 1798

 

[2]ThreeEssays on Population – Malthus, Huxley &Osborn Mass MarketPaperback – January 1, 1960

[3] THOMAS Robert Malthus ; London, J. Johnson, 1 janvier 1798

عزالدين أبرجي

باحث مغربي مهتم بقضايا التنمية الاقتصادية، وأستاذ حاصل على دبلوم السنة الخامسة من المدرسة العليا بفاس، عضو مركز أفكار للدراسات والأبحاث، باحث سابق بمركز IMPETUS التابع لجامعة بن الالمانية، فرع المغرب. من إصداراته كتاب: " إعتلاء التاريخ والجغرافيا"، وله العديد من الدراسات والمقالات المنشورة داخل المغرب وخارجه، إلى جانب المشاركات في الندوات الوطنية والدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى