الدراسات

الخطاب السياسي المغربي الحديث واستراتيجيات إنتاج السلطة

مدخل

لقد شغل مفهوم “الخطاب السياسي” حيزا مهما من اهتمامات الباحثين في مجال تحليل الخطاب بمختلف حقوله وتوجهاته المعرفية والإيديولوجية، ذلك نظرا لما يثيره هذا المفهوم وما فتئ يثيره من إشكالات وقضايا متباينة ترتبط أساسا بالحد والماهية والتطور والنشأة والتاريخ والبنية والوظيفة والسلطة…وغيرها من القضايا والإشكالات. وقد خضع هذا المفهوم في معظم استعمالاته لمبدأ التبني النظري وما قام عليه من خلفيات معرفية متنوعة فتباينت تحديداته ومحدداته وطرق استعماله وتوظيفه عبر منعطفات حتىأمكن القول إن مفهوم الخطاب السياسي هو تاريخ استعماله، وذلك راجع إلى أن هذا المفهوم قد شكل نقطة تقاطع ثلة من الحقول المعرفية من قبيل الفلسفة والتاريخ، والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية و القانونية، وعلوم الإعلام واللسانيات…وغيرها من الحقول المتباينة التي تقاطعت في مقاربتها هذا المفهوم في البحث “عن الفعل والحقيقة والسلطة والأقنعة والإيديولوجيا والقيم التي توجه وتتحكم في عقائد الفاعل والمؤسسة السياسيين”[1]، لاسيما بعد أن غدا الخطاب السياسي وتحليله تخصصا قائم الذات.

    ويعرف الخطاب السياسي عادة بوصفه كونا من الأفكار المنظمة والمؤسسة والمنبثقة من تراكم معرفي محايث للواقع ومنبثق عما يرتبط به من قضايا وأبعاد سياسية وثقافية واقتصادية…وغيرها، وهو أيضا منظومة فكرية وممارسة اجتماعية يعمل من خلالها منتجه فردا كان أو جماعة (حزب، أو نقابة، أو حكومة، أو جمعية…) على إيصال تصوره وتمثله السياسي والإيديولوجي للواقع والعالم وتمريرهإلى الجماهير. يقول ميلود بلقاضي في هذا السياق: “ومن هذه الزاوية، يعتبر الخطاب السياسي ممارسة اجتماعية تسمح للفاعل السياسي بتمرير أفكاره وآرائه وتصوراته في الفضاء العمومي بهدف التأثير وفرض حقائقه انطلاقا من الاستثمار في مختلف«الرساميل السياسية والثقافية والاجتماعية» ومختلف التصورات القائمة”[2].

ويتميز الخطاب السياسي بطابعه المؤسَّسيّ والسلطوي حيث يصدر في عملية إنتاجه عن المؤسسات الرسمية التي أنتجها لتحميه وتضفي الشرعية عليه وترسخ سلطته في وعي الجماهير وتمكنه من الهيمنة وإعادة الهيمنة على حقل الصراع الإيديولوجي وعلى سوق خيراته الرمزية، ذلك ما دام الخطاب -كما يرى بيير بورديو- يعيد إنتاج البنيات الاجتماعية عن طريق السلطة التي تحكم وتوجه وتأمر وتنهى وتتخذ ما شاء لها أن تتخذ من مواقف بناءً على موقعها في التصورات السياسية القابعة في بنية الخطاب السياسي الذي تنبثق عنه[3]، الأمر الذي يؤكد الارتباط الوثيق بين الخطاب السياسي والسلطة التي يحاول من خلالها فرضَ نظامه المقترح على الجماعة التي أُنتج في ظلها لضمان بقائه واستمراريته وسيرورته الأنطولوجية”باستمرار الآلة السلطوية التي ينتجها والتي تتخلل الجسد المعرفي بشتى تجلياته وتفريعاته”[4]، وذلك عن طريق مجموعة من الاستراتيجيات الخطابية السلطوية التي سنعمل في هذه الدراسة على مقاربة بعضهابالحفر في طبقات بعض الخطابات السياسية المغربية الحديثة.

1– استراتيجية الاحتماء بالمقدس وإنتاج السلطة في الخطاب السياسي المغربي الحديث

    تمثل استراتيجية«الاحتماء بالمقدس» أبرز الاستراتيجيات الخطابية السلطوية التي تمد الفاعل السياسي(الحكام والخلفاء والملوك والسلاطين والوزراء…وغيرهم) بالسلطة الكاريزمية وتخلق له رأسمالا رمزيا يوطد قدمه في مراكز القرار وصنعه، كما تمد خطابه أيضا بالسلطة وبالقوة التوجيهية الرمزية، خصوصا في المجتمعات الثيوقراطية القائمة على الحكم الفردي التي حاولت فيها الذات السياسية منذ القدم- كما ترى هند عروب- تأسيس تعاليها الرمزي والسياسي على محكوميها، رغبة منها في “عدم التشابه” مع رعاياها حتى لا يكون لهؤلاء الرعايا الحق في مشاركتها في الحكم أو محاسبتها[5]. ترسّخ هذه الاستراتيجيةُ في المخيال الشعبي فكرة كون الحاكم يحوز على مرتبة إله أو ابن إله أو نصف إله، كما كان الشأن عند الفراعنة والرومان والبزنطيين، أو كونه مفوضا من قبل الله على نحو ما رسخه الفكر السياسي العربي الإسلامي الذي جعل طاعة الخلفاء والسلاطين من طاعة الله لأنهم خليفة الله وظله في الأرض، مصداقا لقوله تعالى﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾[6]. وقد حاول الخلفاء والسلاطين المسلمون بعدها استغلال آلية التفويض الإلهي هاته المستمدة من الحقل الديني والاحتماء بها لإضفاء المشروعية على حكمهم وسلطتهم، ومن ثم على سلطة خطابهم ضمانا لاستمراره واستقراره- بما يحمله من مقاصد خطابية تم من خلالها إعادة إنتاج العالم وفق تصوراتهم الإيديولوجية الخاصة- في قلوب الجماهير وعقولهم، وكذا”للحصول على حكم إلهي وسياسة ألوهية لا يمكن لأي كان انتقادها، إذ أن منبعها«الله» أو بالأحرى فكرة«الإله المقدس»”[7]. وتجسد هذه السطوة السياسية على الحقل الديني- بحسب بورديو- رغبة الحاكم اللامتناهية “في إضفاء طابع القداسة على ما هو مدنس أصلا”[8].

    ويعتبر الخطاب السياسي المغربي الرسمي من الخطابات السياسية التي تتوسل باستراتيجية الاحتماء بالمقدس بدءا من الأدارسة وصولاً إلى العلويين. وقد قامت هذه الاستراتيجية أثناء اشتغالها في الخطاب السياسي المغربي-تحقيقا لمقاصده السلطوية وقوته التوجيهية الرمزية- على مجموعة من الآليات الخطابية السلطوية المستمدة من الحقل الديني، نظرا للتداخل الكبير- خاصة في المجتمعات الثيوقراطية- بين الديني والسياسي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1–1– آلية النسب الديني الشريف وإنتاج السلطة في الخطاب السياسي المغربي الحديث

    لقد دأب الفاعلالسياسي المغربي في خطاباته السياسية منذ قرون عديدة، على توظيف آلية النسب الشريف بوصفها استراتيجية طقسية مقدسة و”آلية للسلطة وضمانا لشرعيتها وإحدى الوسائل المستخدمة في إطار المنافسة السياسية”[9]، يضفي من خلالها هذا الفاعل الشرعية على رأسماله الرمزي ويمد بواسطتها خطاباته السياسية بالسلطة وبالقوة التوجيهية الرمزية.فعلى سبيل المثال سعى المهدي بن تومرت (ت522 هـ) مؤسس الدولة الموحدية، المنحدر من أصول أمازيغية إلى تحقيق شجرة سلالية تصله جينيالوجيا بالرسول تحقيقا لشرط القُرَشية ورفعة الانتماء لآل البيت خاصة«البيت العلوي» أي نسل «فاطمة وعلي بن أبي طالب»”[10]، ذلك إذا ما أدركنا أن «النسب الشريف» في المغرب قد صار منذ الأدارسة شرطا رئيسا من شروط البيعة والتعاقد السياسي بين السلطان والرعية.

    وهكذا سارت على نهج ابن تومرت-الذي سار على نهج من سبقه منذ الأدارسة- جل الأسر الملكية التي حكمت المغرب بعدئذ؛ كالمرينيين والسعديين والعلويين الذين أدركوا أن”الانتساب إلى آل البيت من شأنه إعطاء الشرعية الرمزية اللازمة لتسلم زمام الأمور”[11]، والتحكم في مراكز القرار وتوجيه الجماهير توجيها خطابيا رمزيا، لذلك ألفينا ملوك المغرب لا يتوقفون البتة في خطاباتهم عن تذكير رعيتهم بنسبهم الشريف، إضفاءً للشرعية والاستمرارية على حكمهم وتحقيقا لسلطة خطابهم ولقوته التوجيهية الرمزية، وذلك بتوظيف عبارات من قبيل أسلافنا الميامين وأسلافنا المنعمين،وجدنا الكريم(أي النبي صلى الله عليه وسلم)…وغيرها من العبارات الأخرى. وليس أدل على هذا الإدراك من خطاب الحسن الثاني الشهير الذي وجهه إلى زعماء وشعوب العالم الإسلامي بمناسبة حلول القرن الرابع عشر للهجرة، قائلا:

“إن من سنن الله في خلقه ورحمته بهم أن بعث فيهم سيدنا محمدا صلوات الله عليه برسالة إلهية هي خاتمة الرسالات(…) واقتضت حكمة الله أن يضع على رأس مهامهم الذود عن الشريعة والحفاظ على الدين وحماية المجتمع الإسلامي من كل زيغ أو ضلال مبين. وقد امتاز المغرب الإسلامي بتعاقب ملوك بررة(…) من بينهم ملوك شرفاء من آل البيت الكرام، في طليعتهم أسلافنا العلويون المنعمون في دار الإسلام”[12] .

    ونلمس هذه الآلية الخطابية السلطوية أيضا في خطاب سياسي تبريري آخر له تحدث فيه عن شرعية النظام الملكي في المغرب عبر التاريخ وعن شرعية خطابه الرسمي المستمدين من النسب الشريف ومن التاريخ نفسه الذي يتحول أحيانا، وفي حقول معينة كالدين والسياسة، إلى مقدس وإلى  استراتيجية خطابية سلطوية، ما دام الخطاب المتوسل به في المجتمعات التاريخية والدينية يجد”آذانا مصغية(يستهويها ويستميلها ويوجهها، لينزع سلطته ومشروعيته منها)، لذا فالسلطة السياسية في هذه المجتمعات تحرص أيما حرص على توظيف المعطى التاريخي بقوة في منظومتها الرمزية-التبريرية”[13]. وهو الأمر نفسه الذي أكده مارك باتسون، حين ذهب إلى أن” المجتمع الديني يتطلب أكثر من غيره من المجتمعات من حكامه أو الذين يريدون قيادته(ويريدون إضفاء السلطة والمشروعية على خطاباتهم الحاملة لهذه القصدية والرغبة) معرفة التاريخ والإحاطة به”[14]. يقول الحسن الثاني موظفا هاتين الآليتين السلطويتين(آلية النسب الشريف وآلية السيرورة التاريخية ذات الطابع المقدس قداسة هذا النسب):

“وعلى أرضنا أدركت الجماعات المتمتعة باستقلال عريض بدافع الغريزة، وفي وقت مبكر جدا، ضرورة قيام سلطة مركزية، واعتبر ظهور أمير منحدر من النسب الشريف بمثابة عناية إلهية وجهت إليهم من السماء(…) ووطدت سلطته التي كان مبعثها مميزاته الشخصية [يقصد إدريس الأكبر] في حركة معقولة بفعل رغبة شعبية أرادت منه أن يحكمها، وهذه بالذات طبيعة نظامنا الملكي الذي يفسر تنظيم سلطة مركزية من حول أسرة مختارة بالرغبة من الشعب، ويحقق وحدة البلد ويحافظ عليها رغم الغليان القبلي، وانقسام الآراء والمؤامرات والجرائم، وكلها متصلة اتصالا غريبا بمحاولات التسلط الأجنبي”[15].

    ولم تكن هذه الآلية الخطابية السلطوية حكرا على ملوك المغرب فحسب، بل لم يخل أي خطاب سياسي من خطابات الملوك والخلفاء والأمراء المسلمين أو خطابات من يمثلهم من الأشخاص والمؤسسات من توظيفها؛ فهذا الملك فاروق الأول في مصر- مثلا- حاول في بداية عهده تقديم نفسه في صورة الرجل الصالح المحب لرعيته والراعي لشؤونها بغية اكتساب الشرعية منها وترسيخ سلطته بوعيها للتمكن من توجيهها رمزيا اتجاه مقاصده الخطابية وتمثلاته الإيديولوجية كيف شاء ومتى شاء. ولم يكن ليصل إلى ذلك لولا توظيفه آلية النسب الشريف التي قدمه من خلالها محترفو السياسة، الذين يطمحون إلى السلطة ومراكز القرار، إلى المصريين في صورة الملك الصالح، كما ظـهر في الصور (بوصفها  استراتيجية خطابية سيميوطيقية وسلطوية تضفي السلطة والقوة التوجيهية الرمزية على الخطاب السياسي) “بلحيته ومسبحته ونصف إغفاءة من عينيه، وتسارع بعض رجال الدين (الطموحين) إلى المناداة به ملكا(وإماما) للمسلمين، واجتهد الأذكياء منهم في إثبات نسبه للرسول، وتبارى الإعلام(بوصفه رأسمالا رمزيا يخدم مصالح الطبقة المهيمنة، ويمد خطابها بالسلطة، ويوطد هيمنتها على مختلف الحقول الخطابية المتصارع عليها، وعلى سوق خيراتها الرمزية) في الإعلان عن هذا النسب وتأكيده”[16]، رغم أن نسبه من جهة أبيه ينتهي إلى محمد علي باشا الكبير وهو ألباني، وأنّ نسبه من جهة أمه ينتهي إلى سليمان باشا وهو فرنسي[17].

1–2– آلية إمارة المؤمنين وإنتاج السلطة في الخطاب السياسي المغربي الحديث

    بالإضافة إلى النسب الشريف تتوسل الخطابات السياسية المغربية الرسمية الحديثة المحتمية بالمقدس بآلية خطابية دينية أخرى تحتمي بها لتحفظها من الزوال وتمدها بالسلطة وتمكنها من تحقيق قصدية التوجيه الرمزي، هي آلية «إمارة المؤمنين» بوصفها شكلا من أشكال التعالي الرمزي الذي يمكن الذات السياسية المخاطِبة بعد انتخابها أو مبايعتها من كسب الجماهير بعد كسب الشرعية منها ثم توجيهها – عبر خطاباتها السياسية- نحو منحاها الإيديولوجي الرسمي في حقل الصراع الخطابي، لأنها تستند في ذلك إلى الحقل الديني الذي”يشكل في الثقافة المجتمعية(خاصة الثيوقراطية) رمزا للقداسة والمطلق والخضوع لطاعة الله ورضوانه، وأي مس لهذا المقدس هو افتئات على عقيدة الله وخروج عن طاعته”[18]، لذا وجب على الذات المخاطَبة من خلال هذه الآلية الخضوع المطلق للذات المخاطِبة والإذعان لمقاصدها الخطابية حتى لا تخرج عن دائرة الطاعة، مادامت طاعة السلاطين من طاعة الله. يقول الحسن الثاني بهذا الصدد في خطاب تعيينيّ مخاطبا أحد الضباط السامين أثناء تعيينه ومحذرا إياه من الخروج عن طاعته وأوامره التي هي من طاعة الله وأوامره، أو التهاون في محاربة من خرج عن هذه الطاعة المقدسة من المتمردين موظفا آلية إمارة المؤمنين السلطوية:

“كل من قلدناه مهمة مدنية أو عسكرية عليه أن يعكس مأموريتنا ومسؤوليتنا، ومأمورية أمير المؤمنين أن يكون ظل الله في الأرض ورمحه، الظل الذي يستظل به، والرمح الذي يدافع به، فكن سيفنا وظلنا ليستظل تحت ظلك من أراد أن يستظل تحت أمير المؤمنين، وكن رمحنا لتدافع وتحارب كل من خرج عن وحدة الصف وكل من خرج عن إمارة المؤمنين”[19].

من هذا المنطلق إذاً، فكل تمرد على المقاصد الخطابية للذات السياسية المخاطِبة/ أمير المؤمنين تمردٌ على أوامر الله، لأن هذه الذات تمثل خليفة الله وظله في أرضه”يربطه بالرعية رباط مقدس الذي هو البيعة، وكل خروج عن هذا الرباط يعتبر تطاولا على المقدس وحرمة جماعة المسلمين التي أجمعت على شرعية الملك(الذات المخاطِبة) في الحكم”[20]، وفي إصدار الأوامر وتوجيه الرعية توجيهيا خطابيا رمزيا، بناء على رباط مقدس يربط الطرفين هو رباط البيعة المشحون بشحنة رمزية قوية “توجب طاعة الإمام وتفويضه مطلق السلطة، ونيجة ذلك، تجعل من الطاعة والخضوع بالذات(ومن ثم الإذعان للمقاصد الخطابية المحمولة في خطاب هذه الذات السياسية) شرطا ضروريا لوجود وتحقق الواجب الديني نفسه”[21]. ولعل هذا الحرص الكبير على التوسل بآلية «إمارة المؤمنين» بوصفها  استراتيجية خطابية سلطوية هو ما نلمسه بجلاء في كثير من الخطابات السياسية المغربية الحديثة الرسمية والهادفة إلى انتزاع مشروعية السلطة والحكم ممن تحكمهم، وليس أدل على ذلك من خطاب محمد الخامس الشهير الذي ألقاه على الشعب بعد الاستقلال لإضفاء سمة القداسة والمشروعية على حكمه حين قال:

“وقد علمتم أن بيعتنا الشرعية قد انعقد عليها الإجماع، فالخارج عنها يعد خارجا عن جماعة المسلمين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «يد الله مع الجماعة» فقد حذرناكم وأنذرناكم، ولتتمسكوا بالعروة الوثقى وتلزموا الجماعة وتحافظوا على ما أمر الله به من الاعتصام بحبل الله الوثيق، حيث يقول عز وجل:﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ وإياكم والتفرقة والنكث، فقد قال تعالى:﴿ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما﴾”[22].

لهذا السبب ألفينا الخطاب الدستوري المغربي الجديد(دستور 2011) بوصفه أسمى خطاب سياسي في المجتمع المغربي تستمد منه كل «المؤسسات الخطابية» سلطتها وشرعيتها، قد عمل على ترسيخ هذه الاستراتيجية الخطابية في الوعي الجماعي المغربي وجعلها قانونا لا ينبغي الإخلال به أو التمرد عليه، حفاظا على شرعية النظام الملكي واستمراريته وعلى سلطة خطابه وقوته التوجيهية الرمزية التي يوجه بها الرعية صوب مقاصده وتوجهاته وتمثلاته الإيديولوجية، وذلك في الفصلين الأربعين والواحد والأربعين اللذين نصا على أن الملك”أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية(…) ورئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والجماعات(…) هو الضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة”[23]، ذلك بعدما جعله دستور 1996 شخصا مقدسا لا تنتهك حرمته، وجعل خطابه تبعا لذلك مقدسا وسلطويا ومهيمنا ونافذا وغير قابل للنقاش من حيث مضامينه ومقاصده الخطابية، حيث له الحق-بوصفه أمير المؤمنين- “أن يخاطب الأمة والبرلمان ويتلو خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش”[24].

2– الاستراتيجية الميثولوجية وإنتاج السلطة في الخطاب السياسي المغربي الحديث

    إن توظيف  استراتيجية الاحتماء بالمقدس من خلال آليتي النسب الشريف وإمارة المؤمنين في الخطاب السياسي المغربي الحديث من شأنه أن يحوّل الذات السياسية المخاطِبة في أعين الناس إلى زعيم أو بطل أسطوري، تنسج حوله الأساطير والخوارق التي تتحول إلى  استراتيجية طقسية خطابية وسلطوية تجعل هؤلاء الناس يتهافتون على الظفر ببركاته والخضوع له وتعظيمه وتقديسه، بعد الخضوع لمقاصده الخطابية، ذلك ما دام فرعا من أصل مقدس (الرسول صلى الله عليه وسلم) وشخصية رمزية ومركزية في وجدان الجماعة الخطابية. ولعل ذلك ما حاول الحسن الثاني توضيحه في أحد خطاباته السياسية حين أكد أنه”ليس الحسن الثاني من يتم تقديسه، إنه وريث سلالة(…) إنهم ينحنون ليس أمام شخصي، ولكن أمام خط المنحدرين من نسل الرسول”[25].

ويعتبر الملك محمد الخامس أكثر من جسَّد «الاستراتيجية الميثولوجية» في الفكر السياسي المغربي الحديث، حيث تميزت شخصيته بطابع ميثولوجي ألبسه ثوب البطل الأسطوري الذي لا يقهر وذلك حين تداولت الذاكرة الشعبية المغربية قصة رؤية صورته في القمر الذي جعلت منه الإرادة الشعبية آنئذ”وطنا له بديلا ساميا عن الوطن المستعمر ورفعت له عرشا في القمر كبديل عن العرش المغتصب. وهكذا أصبحت الأعين تراه هناك بعيدا قريبا والأصابع تشير إليه كلما ارتفع القمر في السماء”[26]. وهو ما جعل المغاربة وقتها يقدسون الملككما يقدسون الأنبياء والأولياء، إذ لم يعد بيت من البيوت بعدها يخلو من صورته الأسطورية للتبرك بها حيث ملأت الدنيا وشغلت الناس ما دام الانتماء”للبيت النبوي يضمن انتقال البركة من السلف إلى الخلف ويضفي على الوظيفة الملكية هيبة روحية على نمط الهيبة التي يتمتع بها الأولياء الصالحون”[27]. الأمر الذي مكن ملك المغرب آنئذ من ترسيخ سلطته الكاريزمية في وعي الشعب المغربي بوصفها -بحسب ماكس فيبر- سلطة فردية أسطورية ترتبط بشخصية الفرد المثالي المتميز بثلة من الصفات الخارقة، أو صفات القداسة والصلاح التي تدفع أفراد المجتمع إلى تزكيته والإيمانبصلاحيته لتمثيل المنصب الذي يسند إليه كسلطة الأنبياء والأولياء أو سلطة شخصيات أخرى مثالية تعبر عن طموحات الجماهير، كما مكنه أيضا من ترسيخ سلطة خطابه الذي غدا مظهرا من مظاهر شخصيته الأسطورية والسلطوية أو مظهرا من مظاهر المقدس الواجب الإذعان له والخضوع لمقاصده. وهي القصة التي حاولت بعدها بعض الخطابات الأخرى المتماهية مع إيديولوجيا الخطاب السياسي المغربي الرسمي إعادة إنتاجها لترسيخ السيرورة الأنطولوجية لسلطة هذا الخطاب في وعي الجماهير عبر مختلف المنعطفات التاريخية، وهو الأمر الذي نلمسه بجلاء من خلال الخطاب التربوي التالي الموجه إلى تلاميذ السنة الخامسة من التعليم الابتدائي:

“- التلميذة: سمعت في الإذاعة أن الشعب المغربي خلّد في سنة 2003 ذكرى مرور خمسين سنة على نفي الملك، وقيام «ثورة الملك والشعب»، فما معنى ذلك؟.

– الجد يجيب: أذكر أن جلالة الملك محمد بن يوسف رفض أمر المستعمرين الفرنسيين بالتخلي عن المطالبة باستقلال بلاد المغرب، فنفوه مع أسرته. لذلك أخذناجميعا، رجالا ونساء نحتج ونردد في الشوارع «ملكنا واحد، محمد الخامس» و«ابن يوسف إلى عرشه»،وأصبحنا نتعلق بصورته التي كانت تظهر لنا ليلا على وجه القمر”[28].

بالإضافة إلى قصة القمر نسجت الذاكرة الشعبية المغربية حوله أيضا قصصا أخرى ذات بناء ميثولوجي زادت من شعبيته ورسخت سلطته الكاريزمية وقداسته وسلطة خطابه في وعي الشعب المغربي، الذي دافع عنه بالنفس والنفيس ولم يرتض عنه بديلا. ومن هذه القصص قصة نفيه إلى مدغشقر التي أضفت عليها هذه الذاكرة طابعا أسطوريا مفاده أن المستعمر تعمّد عدم شحن الطائرة بالبنزين الكافي حتى تسقط قبل وصولها، بيد أن قداسة الملك المنبثقة من قداسة نسبه الشريف مكنته من ملء خزان البنزين بعد أن بلّل منديلا بدموعه وأمر الربان أن يضعه على هذا الخزان. وقد تداولت الذاكرة الشعبية المغربية هذه القصة على شكل أغنيات وأهازيج درامية تثبت مكانة الملك الكبيرة في قلوب المغاربة بوصفه أمير المؤمنين وسلطانا عليهم، وموجها لهم وحامي مصالحهم وراعي شؤونهم، نذكر من هذه الأهازيج:

“رفدوالخاميس يا ولدي وكاع بكينا عليه.

داروه في الطيارة يا سيدي وليصانص قليل ليه، والشيفور مْكْري عليه.

هز عينو فيه، وكالو رانا اعنيت عليه.

داك شي اللي كاينانلحكو بيه”[29].

وقد سادت بعد عملية النفي هاته أجواء كبيرة من الحسرة والحزن والتمزق النفسي، و”انعدم الفرح وحرّم المغاربة على أنفسهم كافة أشكال الزينة والاحتفالية”[30]، ما داموا قد افتقدوا إلى رمز وحدتهم وإلى زعيمهم وبطلهم الأسطوري، وهو ما يجسده المقطع الخطابي التالي:

“انت يا عْرِيشْ الْبَنَانْ، يا الْمْغَطِّينَابْوْراقو

عندنا مَليك واحد ما سْخينا بْفراقوا

سيدي غادي مرفود، الخاميس غادي مرفود

دموعنا على الخدود ما صبنا لو مجهود

الطيارة شُبيك رافدة الملك

أنا حالفة بديني ما نعيدْ عيدي

ما نحني يدي حتى يرجع سيدي

لبس لكحل وحط لكحل حتى يجي سيدي الفحل”[31].

    هكذا إذا، يتضح جليا أن الاستراتيجية الميثولوجية استراتيجية خطابية سلطوية تتوسل بها الذات السياسية كي تحفظ لها سلطتها وهيمنتها ورأسمالها الرمزي بعد أن تمد خطابها السياسي بالسلطة والقوة التوجيهية الرمزية التي تمكنه من إعادة إنتاج العالم في جملة من «المقاصد الإيديولوجية»المؤسَّسيّة، يرسخها هذا الخطاب في وعي الجماهير كي يستميل قلوبها وعقولها كي يستمد منها سلطته وينتزع منها الاعتراف بشرعيته ومن ثم استمراريته الأنطولوجية في حقل الصراع الخطابي مع خطاب سياسي آخر مضاد يتموقع في الحقل الخطابي نفسه، بوصفه(الحقل الخطابي)  استراتيجية خطابية سلطوية تسهم كذلك في مد الخطاب السياسي المنتصر بالسلطة على نحو ما سنوضح في الفقرات اللاحقة.

3– استراتيجية الحقل الخطابي وإنتاج السلطة في الخطاب السياسي المغربي الحديث

    لا نقصد بالحقل في هذا المقام معناه العادي الذي يحيل فيه الخطاب على فضاء أو مجال بعينه كالمجال العلمي والمجال الثقافي والرياضي والسياسي…وغيرها من المجالات، بل نقصد به مجموعة من القواعد والنظم والقوانين التي تقسم المجتمع –بحسب تصور بيير بورديو- إلى عوالم صغرى مستقلة نسبيا وذات طابع مؤسسيٍّ، يمثل كل عالَم منها حقلا قائم الذاتيملك “رهانات ومواضيع ومصالح خاصةبه (الحقل الأدبي، والعلمي، والقانوني، والمقاولاتي، والديني، والصحفي)”[32]، وخاضعة للسيرورة التاريخية الناتجة عن النزاعات والصراعات، متجاوزا بذلك نظرية الميدان عند كورت لوين K.Lewin، ونظرية جهاز الهيمنة والأجهزة الإيديولوجية في التصور الماركسي؛ خاصة عند أنطونيو غرامشيA.Gramsci، ولوي ألتوسيرL.Althusser، التي حصرت سمة النزاع في الدولة وأجهزتها، لتنزع عنه طابعه التاريخي فيصبح بعدها- بحسب بورديو- كأنه “آلة جهنمية، مبرمجة من أجل الوصول إلى أهداف معينة، ولا يهم أين ومتى وكيف”[33]. ومن هذا المنطلق يغدو النظام المدرسي والكنيسة والأحزاب السياسية والنقابات والدولة أيضا حقولا وليست أجهزة[34]، وقد أكد بورديو أن الحقل يمكن أن يشتغل كجهاز في شروط تاريخية معينة، خاصة في حال تمكن الطرف المسيطِر على الحقل من التحكم في المسيطَر عليه وإبطال مطالبه وطموحاته، وهو”ما يعني إيقاف التاريخ، طالما التاريخ شديد الارتباط بالنزاع والجدال والمقاومة، لكنه ما فتئ يلح على تجاوز نظرية النسق عند الشكلانيين والبنيويين. وإن وُجدت مواطن التشابه بين نظريتي الحقل والنسق، فإن “الاختلافات بين النظريتين تعد مع ذلك جذرية، (لأن) مفهوم الحقل يستبعد الوظيفانيةوالعضوانية؛ إذ يمكن أن تكون نتاجات حقل معين نسقية، دون أن تكون نتاجاتٍ لنسق، (…ولأن) حقلا ما ليست له أجزاء أو مكونات، فكل حقل فرعي له منطقه الخاص، قواعده وانتظاماته الخاصة، وكل مرحلة في تقسيم حقل ما تحدث قفزة نوعية حقيقة(كما هي الحال مثلا عندما يقع المرور من مستوى الحقل الأدبي في مجموعة إلى الحقل الفرعي للرواية أو لمسرح)”[35].

ويمثل كل حقل من الحقول الاجتماعية الميكروفيزيائية فضاءً للعلاقات المتشابكة وللعب والصراع بين القوى والفاعلين والمؤسسات من أجل السلطة الرمزية والهيمنة، بما تمتلكه هذه القوى والمؤسسات من رأسمال رمزي[36]، مادام الحقل عنده شديد الارتباط بالرأسمال الرمزي. يقول بورديو بهذا الصدد: “إن حقلا ما يمكن أن يحدد بصفته شبكة أو تشكيلا من العلاقات الموضوعية بين أوضاع، وهذه الأوضاع محددة موضوعيا في وجودها وفي التحديدات التي تفرضها على المحتلين لها سواء أكانوا فاعلين أم مؤسسات، بواسطة موقعهم الحالي والمحتمل في بنية توزيع مختلف ضروب السلطة (رأس المال) التي يتطلب امتلاكها بلوغ الأرباح الخاصة التي هي موضوع اللعب في الحقل؛ وفي الوقت نفسه، بواسطة علاقته الموضوعية بالأوضاع الأخرى (سيطرة، تبعية، تطابق…)”[37]؛ أي أن الحقل في معناه السوسيولوجي هو بالضرورة”«حقل(فضاء) قوة» فيه يتفاعل ويتجاذب الأفراد بهدف الاستحواذ على مواقع ومراتب. ومثلما الأمر في لعبة الشطرنج- بل في جميع أنواع اللعب- فإن مواقع وقيمة كل عنصر لا تهم في ذاتها؛ بل في علائقها مع المواقع المحترمة الخاصة بهؤلاء وأولئك”[38].

    مما سبق يتبين أن «الحقل» نظامٌ من العلاقات المتشابكة تشكل فضاءً مغناطيسيا للتجاذب والصراع بين القوى والمؤسسات حول مراكز السلطة والسيطرة وإعادة الإنتاج، وحول امتلاك «سوق الخيرات الرمزية» داخل المجتمع، ومن ثم -وقياسا على ذلك- يمكن اعتبار «الحقل الخطابي» في الفضاء السياسي كلَّ عالَم اجتماعي ميكروفيزيائي يصبح موضوع الرغبة والصراع بين الخطابات، حيث يشكل الظفر به ظفرا بالسلطة والهيمنة وبمراكز القرار ما دام الحقل -في هذه الحال- يتحول وجوبا إلى مؤسسة رسمية وإلى خطاب مهيمن يصدر قوانينه وقوانين الانخراط فيه، يلزم بها الخطابات الراغبة في الاندماج والتماهي معه كي تستمد منه سلطتها.

وتقوم العلاقة داخل حقل الصراع الإيديولوجي بين الخطاب السياسي المهيمن على الحقل وعلى سوق خيراته الرمزية وبين الخطابات السياسية المضادة والمنافسة له على هذا الحقل على آليتين خطابيتين سلطويتين اثنتين رئيستين هما التاليتان.

3–1– آلية الإدماج والاحتواء

وهي آلية خطابية سلطوية يحاول من خلالها الخطاب السياسي المهيمن إدماج الخطابات السياسية المضادة والطامحة إلى امتلاك السلطة داخل حقل الصراع، واحتوائها إلى حد التماهي بعد امتثالها للقوانين والطقوس المؤسَّسيّة لهذا الحقل حتى وإن كانت توجهاتهما الإيديولوجية متباينة، ومن ثم يعمل الخطاب الرسمي المهيمن على مد هذه الخطابات السياسية المندمجة والمتماهية معه بالسلطة والقوة التوجيهية الرمزية التي تستميل بها أعناق الجماعة الخطابية وتسيطر من خلالها على سوق الخيرات الرمزية وتضمن عن طريقها استمراريتها الأنطولوجية في مراكز القرار وصنعها، كما ترسخ من خلالها شرعيتها في وعي الجماعة الخطابية المستهدفة، ذلك كله كي يجعل منها الخطاب السياسي المهيمن وسيلة دفاع يدافع بها عن بقائه في مركز الحقل المتصارَع عليه خطابيا أمام الخطابات الأخرى المتمردة وغير القابلة للاحتواء والاندماج. وليس أدل على ذلك في تاريخ الفكر السياسي العربي الإسلامي من الخطابات السلطانية التي كان الخطاب السياسي الرسمي المهيمن على حقل الصراع وعلى قوانينه المؤسَّسيّة آنئذ يجعلها -بعد احتوائها- سلاحا مهما يشهره في وجه الخطابات السياسية المعارضة والمتمردة على قوانين الحقل الخطابي من جهة، ويستمد منها شرعيته من جهة أخرى.

ويمكن أن نمثل لذلك قديما بخطابات بعض الفقهاء السلطانيين المغاربة(الغرب الإسلامي) أمثال أبي بكر الطرطوشي (ت520 هـ) الذي جعل خطاباته الفقهية السياسية المندمجة في خدمة الخطاب السياسي الرسمي آنئذ وفي خدمة مقاصده الخطابية وتمثلاته الإيديولوجية، حيث ألفيناه يحث الناس من خلال خطاباته تلك على الإذعان لنوازع السلطان والامتثال لأوامره ونواهيه القابعة في بنياته الخطابية حتى وإن كان هذا السلطان ظالما ومستبدا، وذلك بأمر خفي من الخطاب السياسي الرسمي نفسه تجنبا لخوضه في صراع مباشر مع الخطابات السياسية المتمردة عليه والمعارضة له والطامحة إلى السلطة والهيمنة على حقل الصراع الخطابي. يقول الطرطوشي محاولا إقناع الجماعة الخطابية المستهدفة بأهمية وجود السلطان وبقدسيته من خلال ربطه للسياسي الدنيوي والمادي بالديني السماوي والروحي المقدس:”اعلموا أن في وجود السلطان في الأرض حكمة الله تعالى عظيمة ونعمة على العباد جزيلة”[39]. كما يقول أيضا محاولا تشريع العنف والاستبداد للسلطان وتسويغهما دينيا بمقولة الطاعة لتقوية سلطته ونفوذه وسلطة خطابه كي يضمن من خلاله استمرارية سلطته الخطابية وقوته التوجيهية الرمزية:”فطاعة الأئمة فرضٌ على الرعية، طاعة السلطان مقرونةٌ بطاعة الله تعالى، اتقوا الله بحقه والسلطان بطاعته، من إجلال الله تعالى إجلالُ السلطان عادلا كان أو جائرا، الطاعة تؤلف شمل الدين وتنظم أمر المسلمين”[40].

وقد صار هذا الأمر دأب الكثير من الفقهاء ورجال الدين المغاربة المحدثين الذين تمكنوا –من خلال هذه الآلية الخطابية السلطوية- من تحقيق سلطتهم الرمزية ونفوذهم وهيمنتهم على الحقل الديني بعد قبولهم دمج خطاباتهم الفقهية-السياسية في الخطاب السياسي الرسمي وبعد إذعانهم لشروط الحقل والامتثال لقوانينه المؤسَّسيّة، حيث سَخَّروا المؤسسةَ الدينية التي يمثلونها (المساجد، والزوايا، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والإعلام الديني) للترويج خطابيا(عن طريق الفتاوى والمحاضرات والدروس الدينية والبرامج التليفزيونية…وغيرها) لتوجهات النظام السياسي الرسمي ولإعادة إنتاج رؤيته الإيديولوجية للعالم، ومحاولة ترسيخها في وعي الجماعة الخطابية المستهدفة بعد استمالة أعناقها، وذلك باستغلالهم للحقل الديني -لما له من أبعاد غيبية ورمزية مقدسة- الذي يجيّشون به مخيال الناس ويسحرون به ألبابهم ويسيطرون به على مشاعرهم، الأمر الذي مكن الخطاب السياسي المغربي الرسمي الحديث -من خلال آلية الإدماج هاته- من تأسيس سلطته وهيمنته وتعاليه الرمزي وترسيخها في وعي الشعب، كما مكّن هذه الخطابات السياسية المندمجة في حقله من تشكيل سلطتها ورأسمالها الرمزيين، وهيمنتها على الحقل الديني وعلى سوق خيراته الرمزية.

لم تكن آلية الإدماج السلطوية حكرا على الخطاب السياسي المغربي فحسب، بل شكلت نقطة تقاطع العديد من الخطابات السياسية العربية الحديثة التي عملت كذلك على إدماج وامتصاص الكثير من الخطابات السياسية القابلة للاندماج والاحتواء الخطابي خدمةً لمقاصدها الإيديولوجية، وتحقيقا لشرعية سلطتها السياسية وهيمنتها على حقل الصراع الإيديولوجي. ولا أدلَّ على ذلك في الفكر السياسي العربي الحديث من خطابات يوسف القرضاوي التي ملأت الدنيا وفتنت الناس؛ وقد عمل الخطاب القطري الرسمي على احتوائها عن طريق ما يملكه من رأسمال مادي ورمزي (المال والإعلام خاصة)، ومن ثم مدها بالسلطة والقوة التوجيهية الرمزية لتوجيه الجماعة الخطابية تجاه مقاصده الإيديولوجية.

ومن هذا المنطلق ألفينا الشيخالقرضاوي يطل على الناس كل مرة بفتوى جديدة تبيح قتل الرؤساء المستبدين والعلماء المدافعين -في نظره- عن الأنظمة الفاسدة كالشيخ محمد سعيد رمضان البوطي مثلا، الذي اتهمه بالدفاع عن نظام بشار الأسد وخدمة مصالحه السلطوية، والترويج لمقاصده الإيديولوجية داخل حقل الصراع الخطابي مع المعارضة السورية[41]، أو تبيح قتل كل معارض للنظام القطري ولإيديولوجيته على نحو ما حصل لخالد الهيل زعيم المعارضة القطرية، الذي أفتى -بتوجيه من الخطاب الرسمي القطري- بإهدار دمه بعد انتقاده النظام السياسي القطري[42]،أوتحث على الجهاد وعلى التعاون مع القوى الخارجية الأجنبية لتطهير الداخل من الفساد والاستبداد، وهو ما يبرزه بجلاء خطابه الشهير الذي قال فيه:”لو بُعث محمد صلى الله عليه وسلم من جديد لوضع يده في يد الناتو”[43]، والذي هدف من خلاله -بما يحمله في بنياته الخطابية من التمثلات الإيديولوجية الخاصة بالخطاب السياسي القطري الرسمي- إلى إقناع الجماعة الخطابية المستهدفة بالموافقة على التدخل الأجنبي في البلدان العربية الثائرة لإسقاط أنظمتها الفاسدة والمستبدة ونشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها.

لقد أثارت خطابات القرضاوي السياسية هاته حفيظة العديد من العلماء والسياسيين أمثال الشيخ البوطي الذي أكد تعجبه من هذه الفتاوى الغريبة التي اعتبرها القرضاوي مدخلا إلى إصلاح الوضع السياسي والاجتماعي في العالم العربي، رغم ما تثيره من نعرات وصراعات طائفية ومذهبية داخل الحقل السياسي، لأن “الطريقة الغوغائية لا تصلح الفساد(وإنما) تفتح باب الفتنة (وتخلق) الفساد”[44]. وأمثال خالد الهيل الذي امتعض من فتوى إهدار دمه وذلك حين رد على الشيخ القرضاوي قائلا:”أنا مستاء وحزين جدا بسبب هذه الفتوى القبيحة التي أصدرها القرضاوي بإهدار دمي وبالأخص أنها خرجت من عالم يدعي الفضيلة والإسلام ويعيش ويأكل من خير قطر”[45]. وكذا أمثال محمود الهباش وزير الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية الذي انتقد في خطاب القرضاوي السياسي ربطَه بين توجه الرسول صلى الله عليه وسلم السلمي والمدافع عن الحق وتوجه الناتو العنصري والمدافع عن مصالحه الإمبريالية الخاصة، متهما إياه في ذلك- على غرار الشيخ البوطي- بإشعال نار الفتن الطائفية الداخلية بخطاباته الإيديولوجية هاته، المندمجة في الخطاب السياسي القطري الرسمي الهادف إلى ملء الفراغ القيادي الذي يهيمن على الحقل السياسي العربي ومن ثم إلى السيطرة عليه. يقول محمود الهباش في خطاب له بهذا الصدد:”الشيخ القرضاوي يناقض نفسه دائما، حيث قال قبل فترة ليست ببعيدة:«لو بعث محمد صلى الله عليه وسلم من جديد لوضع يده بيد الناتو» (…) من أين يأتي القرضاوي بهذا الكلام؟ (…) القرضاوي لم يتحدث عن قضية الأسرى ولم يتطرق لقضيتهم إطلاقا، ولكن عندما يكون الأمر يتعلق بخلاف فلسطيني- فلسطيني يستل سيفه لينحر طرفاً لصالح طرف، ولكن لا يتحدث عن الاحتلال (بعد فتواه) حول تحريم زيارة القدس”[46].

3–2– آلية الإقصاء الرمزي

بالإضافة إلى الإدماج والاحتواء يعتبر الإقصاء الرمزي آلية مهمة من الآليات السلطوية التي يستعين بها الخطاب السياسي المهيمن على حقل الصراع في مواجهة الخطابات المتصارعة على الحقل نفسه وغير القابلة للاحتواء والاندماج، حيث يعمل من خلالها هذا الخطاب المهيمن بما يملكه من رأسمال مادي ورمزي على إقصاء وطرد تلك الخطابات المتصارعة والمنافسة وإضعاف سلطتها وتهميشها ثم إبعادها رمزيا وطمس آثارها. وتتخذ الخطابات المنافسة في هذه الحال اتجاهين اثنين: أولاهما أن تنهزم أمام قوة وسلطة الخطاب المهيمن على الحقل قبل أن تتعرض للتهميش والإقصاء الرمزي، وذلك على نحو ما حصل قديما لكثير من الخطابات السياسية العربية الإسلامية في مختلف حقول الصراع من قبيل بعض خطابات المعتزلة والشيعة حول الخلافة والإمامة وخلق القرآن وجمعه وحفظه…وغيرها، التي طردها الخطاب السياسي الرسمي المهيمن على حقل الصراع الإيديولوجي وهمشها أثناء تكوين العقل العربي خلال مرحلة التدوين بوصفها عملية مؤسسية وسلطوية. أو على نحو ما حصل حديثا لبعض خطابات الإسلام السياسي بالمغرب، كخطاب العدل والإحسان مثلا الذي همشه الخطاب السياسي المغربي الرسمي في عهد الملك الحسن الثاني، وطرده من حقل الصراع السياسي وحاصره إما بواسطة خطابات إسلامية أخرى حقق من خلالها مقاصده الإيديولوجية وشرعية حكمه، ما دام النظام الملكي يستند في تحقيق شرعيته -كما ذكرنا سابقاً- إلى الحقل الديني، وذلك من قبيل خطاب العدالة والتنمية حين قبوله الاحتواء والاندماج بعد عملية انشقاق معظم ممثليه في مرحلة انتمائهم إلى الشبيبة الإسلامية واتهامهم الأنظمة العربية بالجهل والفساد، ثم تكفيرهم للنظام المغربي وشن الحرب عليه[47]. وإما بواسطة «استراتيجية العنف» المشروع بنوعيه المادي والرمزي بوصفها استراتيجية خطابية تسهم في إنتاج السلطة في الخطاب المهيمن وتضمن استمرارها واستقرارها، خاصة إذا ما أدركنا أن استراتيجية«إمارة المؤمنين» و«البيعة»، تبيحان للملك في هذه الحال، بناء على استراتيجية التفويض الإلهي الذي تتحد فيه إرادة الأمة مع إرادة الله، “أن يتصدى شرعيا لكل تمرد. لأن التمرد خروج عن الإجماع، والمتمردون يعصون الله ورسوله”[48].

بالإضافة إلى العدل والإحسان طرد الخطاب السياسي المغربي الرسمي الحديث من حقله أيضا خطابات بعض التيارات الشيوعية؛ كالحزب الشيوعي المغربي الذي قضت محكمة الاستئناف بالرباط في بداية الستينيات من القرن العشرين بحله وتجريم مؤسسيه، وذلك مباشرة بعد خطاب الملك محمد الخامس الشهير الذي أكد فيه أن لا مجال في الحقل السياسي المغربي الذي يهيمن عليه ويسن قوانينه، للأفكار المادية لأن الإسلام -الذي يشكل الإطار المرجعي لخطابه الرسمي- وحده كاف[49].

ثانيهما أن تقاوم وتصمد فتستطيع بعدها فرض نفسها بالقوة والفعل أمام الخطاب السياسي الرسمي المهيمن على حقل الصراع الإيديولوجي وعلى سوق خيراته الرمزية، وذلك على نحو ما حصل لكثير من خطابات الحراك العربي التي كانت في الماضي محظورة ومحاصرة في حقل الصراع السياسي قبل أن تعصف بالخطابات السياسية الرسمية المهيمنة على هذا الحقل ثم تحتله.

هكذا إذا، يتضح أن الحقل الخطابي استراتيجيةٌ خطابية سلطوية تمد الخطاب السياسي المهيمن على حقل الصراع الإيديولوجي، والخطابات السياسية القابلة للاندماج أو المنتصرة في حقل الصراع، بالسلطة والقوة التوجيهية الرمزية التي يتم من خلالها توجيه «الجماعة الخطابية»، والتحكم في طريقة فهمها وإدراكها للعالم ثم تنميطها وتقنينها وتعميمها. ولا يمكن للذات السياسية المخاطِبة الطامحة إلى السلطة أن تحقق ذلك إلا بعد تمكنها من فهم قواعد الحقل الخطابيوقوانينه فهما دقيقا، وتمكنها أيضا من إدراك الأسس والأبعاد الإيديولوجية والمؤسَّسيّة المتحكمة في الخطاب المهيمن على الحقل، ذلك إذا ما أدركنا أن كل حقل خطابي،بما هو سلطة مهيمنة على عالم من العوالم الاجتماعية الميكروفيزيائية، له طقوسه وشروطه وقوانينه التي ينبغي للخطاب السياسي -الطامح بما له من «رأسمال خطابي رمزي» إلى امتلاك سلطة رمزية تمكن منتجه والمتلفظ به من السيطرة على مراكز القرار -الإذعان لها وإلا سيطرد من ساحة اللعبة والصراع الإيديولوجي، ويهمش رمزيا من قبل الخطاب المسيطر على هذا الحقل الخطابي وعلى سوق خيراته الرمزية، لأنه”في كل لعبة، كما هو معلوم، يوجد من يعرفون الخيوط، ويوجد من يجهلونها ومن لا يتقنون حبك نولها وسداها. ويترتب عن الجهل، كما عن عدم الإتقان، الإقصاء والتحييد والتهميش خارج الحدود التي تتوقف فيها مفاعيل الحقل -بوصفه مجال قوة- وجاذبيته”[50].

بيبليوغرافيا

  •  
  • القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
  • الأزدي عبد الجليل بن محمد،بيير بورديو، الفتى المتعدد والمضياف، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،د.ط، 2009.
  • بلقاضي ميلود، الخطاب السياسي بين خطاب السلطة وسلطة الخطاب، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، الطبعة الأولى، 2011.
  • الدستور(1996)، الأمانة العامة للحكومة، المطبعة الرسمية، الرباط د.ط، 1996.
  • دستور المملكة المغربية،Edisoft للنشر، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2012.
  • حمودي عبد الله، الشيخ والمريد، النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة عبد المجيد جحفة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1999.
  • سطي عبد الإله، الملكية والإسلاميون في المغرب، منشورات دفاتر وجهة نظر، الرباط، العدد 25، الطبعة الأولى، 2012.
  • سليكي خالد، الخطاب النقدي بين اندماج التراث، وأفق التأويل، سليكي إخوان، طنجة، الطبعة الأولى2007.
  • الطرطوشي أبو بكر محمد بن الوليد، سراج الملوك، تحقيق جعفر البياتي، دار رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى، 1990.
  • عروب هند، مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي، منشورات دار الأمان، لرباط،د.ط، 2009.
  • فودة فرج، الحقيقة الغائبة، اتصالات سبو، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الثانية، 2006.
  • المريني فريد، صراع الحداثة والتقليد معيقات التحول الليبرالي في المغرب، الرباط، منشورات دفاتر وجهة نظر، الرباط، العدد 10، الطبعة الأولى، 2006.

المراجع المترجمة

  • شوفالييه ستيفان وشوفيريكريستيان، معجم بورديو، ترجمة الزهرة إبراهيم، AL NAYA للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، الجزائر، وDar El Djazair، والشركة الجزائرية السورية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2013.

المجلات والدوريات والجرائد

  • جريدة المساء، بتاريخ، 23 أكتوبر، 2008، العدد، 651.
  • شكاك صالح، عرش في القمر، أو محمد الخامس في الذاكرة الشعبية”، مجلة وجهة نظر، شتاء 2010، العدد 47.

المواقع الإلكترونية:


[1]– ميلود بلقاضي، الخطاب السياسي بين خطاب السلطة وسلطة الخطاب، الرباط، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2011، ص. 47.

[2]– نفسه، ص. 52.

[3]– يُنظر بهذا الصدد المرجع السالف نفسه، ص. 53.

[4]– خالد سليكي، الخطاب النقدي بين إدماج التراث وأفق التأويل، طنجة، سليكي إخوان، الطبعة الأولى، 2007، ص. 40.

[5]– يُنظر بهذا الشأن، هند عروب، مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي، الرباط، منشورات دار الأمان، الطبعة الأولى، 2009، ص. 150.

[6]– سورة النساء، الآية 59.

[7]– هند عروب، مرجع مذكور، ص. 149.

[8]– نفسه.

[9]– عبد الإله سطي، الملكية والإسلاميون في المغرب، الرباط، منشورات دفاتر وجهة نظر، العدد 25، الطبعة الأولى، 2012، ص.24.

[10]– هند عروب، مرجع مذكور، ص. 166.

[11]– نفسه.

[12]– الحسن الثاني، خطب وندوات صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني، 3 مارس 1982، الرباط، وزارة الإعلام، مطابع الأنباء، 1982، ص ص. 323، 324. نقلا عن هند عروب، مرجع مذكور، ص. 168.

13- هند عروب، مرجع مذكور، ص. 170.

[14]– نفسه.

[15]– الحسن الثاني، التحدي، المطبعة الملكية، الطبعة الثانية، 1995، ص ص. 236، 237. نقلا عن هند عروب، مرجع مذكور، ص ص. 171، 172، 173.

[16]– فرج فودة، الحقيقة الغائبة، الدار البيضاء، اتصالات سبو، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، 2006، ص. 18.

[17]– ينظر المرجع السالف نفسه، الهامش 1، ص. 18.

[18]– عبد الإله سطي، مرجع مذكور، ص. 22.

[19]– الحسن الثاني، خطاب افتتاح الدورة التشريعية الثانية لمجلس النواب، في خطب وندوات الحسن الثاني، وزارة الإعلام، مطبعة الإعلام، 1989، المجلد 6، الجزء، 24، ص. 99. نقلا عن المرجع السالف نفسه، ص. 29.

[20]– عبد الإله سطي، مرجع مذكور، ص ص. 29، 30.

[21]– فريد المريني صراع الحداثة والتقليد معيقات التحول الليبرالي في المغرب، الرباط، منشورات دفاتر وجهة نظر، العدد 10، الطبعة الأولى، 2006، ص ص. 150، 151.

[22]– محمد الخامس، “صاحب الجلالة يوجه نداء إلى الشعب المغربي”، 26 يناير 1954، خطب محمد الخامس، المجلد 2، ص. 29. نقلا عن عبد الإله السطي، مرجع مذكور، ص ص. 28، 29.

[23]– دستور المملكة المغربية(2011)، دستور المملكة المغربية، الدار البيضاء، Edisoft للنشر، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الثانية، 2012، ص ص. 29، 30.

[24]– الدستور(1996): الرباط، الأمانة العامة للحكومة، المطبعة الرسمية، د.ط، 1996، ص.8.

[25]– هند عروب، مرجع مذكور، ص. 157.

[26]– صالح شكاك “عرش في القمر، أو محمد الخامس في الذاكرة الشعبية”، مجلة وجهة نظر، شتاء 2010، العدد47، ص.33.

[27]– هند عروب، مرجع مذكور، ص ص. 168، 169.

[28]– كتاب المفيد في الاجتماعيات، السنة الخامسة من التعليم الابتدائي، ص33.

[29]– يُنظر صالح شكاك، مرجع مذكور، ص. 32.

[30]– نفسه.

[31]– نفسه، ص ص. 32، 33.

[32]– ستيفان شوفالييه وكريستيان شوفيري، معجم بورديو، ترجمة الزهرة إبراهيم، دمشق، الجزائر، AL NAYA للدراسات والنشر والتوزيع، وDar El Djazair، والشركة الجزائرية السورية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2013، ص. 147.

[33]– عبد الجليل بن محمد الأزدي، بيير بورديو، الفتى المتعدد والمضياف، الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، د.ط، 2009، ص ص. 34، 35.

[34]– نفسه، ص. 35.

[35]– نفسه، ص ص. 33، 34.

[36]– يمثل الرأسمال الرمزي استراتيجية من استراتيجيات تحقيق السلطة الرمزية وإعادة إنتاج المواقع والأدوار الاجتماعية، ويتجسد الرأسمال الرمزي- مثلا- في الشهادات والمعارف المكتسبة وطرق الحديث…وغيرها.

[37]– عبد الجليل بن محمد الأزدي، مرجع مذكور، ص ص. 30، 31.

[38]– نفسه، ص. 52.

[39]– أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، سراج الملوك، تحقيق جعفر البياتي، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى، 1990، ص. 156.

[40]– نفسه، ص. 158.

[41]– يُنظر بهذا الصددالرابط الإلكتروني التالي، http.//www.youtube.com/watch?v=cNLaxZox9DM

[42]– يُنظر الموقع الإلكتروني التالي: http.//www.el-balad.com/1241354

[43]http.//alharah2.net/alharah/t45571.html

[44]http.//www.youtube.com/watch?v=x9ZjlQLljmo

[45]–http.//www.el-balad.com/1241354

[46]http.//alharah2.net/alharah/t45571.html

[47]– قال عبد الإله بن كيران بهذا الصدد:”في الشبيبة الإسلامية كنا نعارض بقوة النظام الملكي. ويحدث أن لا أدعو للملك حين أؤدي الصلاة…كانت درجة تديّن الملك تضايقنا في مرحلة«الشبيبة الإسلامية»، وإن كانت مسألة إمارة المؤمنين غير قابلة للنقاش في تلك الفترة”. يُنظر عبد الإله بنكيران، حوار مع جريدة المساء، 23/10/2008، العدد 651.

[48]– عبد الله حمودي، الشيخ والمريد، النسق الثقافي للسلطة في المجتمعات العربية الحديثة، ترجمة عبد المجيد جحفة، الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، 1999، ص. 105.

[49]– يُنظر عبد الإله سطي، مرجع مذكور، ص. 31.

[50]– عبد الجليل بن محمد الأزدي، مرجع مذكور، ص. 31.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى