إدارة الألم زمن الجوائح
من المظاهر المصاحبة للأوبئة بشكل عام، الحجم الواسع (الافقي والعمودي)الذي تأخذه ظاهرة “الألم” فيها، مفهومًا مُجردًا وحالةً فرديةً واجتماعية متعينة.
لا يُنتَبَهُ عادة للألم في أوقات الجوائح إلا باعتباره مصدرا للمشاكل عند إدارة الجماعات، أو عند القيام بــ”إحصاء” تداعيات الوباء ومخلفاته.
ظل “الألم” طويلا حبيس هيمنة المقاربة الطبية والسيكولوجية، حتى تحرر في النصف الثاني من القرن العشرين وأصبح موضوعا للدراسات السوسيولوجية والأنثروبولوجية والفلسفية.[1]
فكيف نُقاربُ الألم ومراتبه بشكل عام؟ وكيف نُقاربه زمن الجائحة بشكل خاص؟ وما السبيل إلى مقاومة الألم في جائحة كوفيد 19 الحالية؟
الألم في المبنى والمعنى
ذهبت المعاجم العربية إلى أن الألم هو الوجَعُ،[2] ويدقق بعضهم فيجعله “شدّة الوجع”.[3]وهو في تعريف الجمعية العالمية لدراسة الألم”تجربةحسية وعاطفية بغيضة متعلقة بضرر نسيجي فعلي أو كامن”،[4] قد يصيب الأبدان بشكل فردي أو جماعي، وقد يصيب الأرواح؛ وهو في حالات الجائحة (مثلما هو الحال) يصيب الأبدان والأرواح معا. يتمكّن من البدن المفرد (حالة التوجّع)، ثم ينتقل سريعا وفي نفس الوقت: بشكل أفقي فيصيب الآخرين (العدوى)، وبشكل عمودي فينخر الجسم والروح الفرديتين سواء. يلاحق ضحيته كالوحش الكاسر، ينقضّ عليها بعد أن يتلذذ بتمكن الوجع من الجسد، فيرحل دون مقدمات، أو يُطيل من ألمه فيُحيله إلى الاضطراب النفسي والسلوكي أو إلى الانتحار أو إلى الصبر والاحتساب. الألم إذا ظاهرة معقدة وذاتية، ولكن الشعور به يكون مختلفا بحسب الشخص والبيئة والدين والثقافة؛[5]وهو أيضا ظاهرة اجتماعية متعددة المتداخلين؛ وإذا كان الألم “مفهوما طبيا، فإن العذاب هو مفهوم الذات التي تُحسّه”.[6]وفي حالالجائحة يزداد تعقيده لتجاور الآلام الفردية وتناميها السريع بما يؤثر ماديا على الألم الفردي من جهة، ولظهور آلام نفسية وروحية جماعيةعديدة جرّاء ذلك، يكون تأثيرها هي نفسها على الأفراد والجماعات بما يزيد من الإحساس بشدّته، من جهة أخرى.
قليلة هي الأدبيات العربية التي خُصصت للألم (من خارج المجال الطبي) كتجربة وجودية فلسفية واجتماعية، بالرغم من اختراقه لتاريخ البشرية، ومن حضوره في الكتابات المقدسة.
يعود تاريخ استعمال الكلمة (في العربية) بمعنى الوجع إلى عام 538 م في شعر جابر بن مالك الفزاري من قبيلة ذبيان.[7] واستعملت العرب مصطلح الآلَمُ (بفتح اللام) للتعبير عن شدة الألم، أي عن مستوى متقدم من الوجع.[8]
وقد ورد جذر أ. ل. م. في القرآن بالصيغة الإسمية “أليم” 72 مرة (68 مرة مرتبطة بالعذاب، 2 بالرجز، 1 بالعقاب، و1 في قوله ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ هود 102)؛ ولعل المعنى في هذه الآيات يقتصر على درجات الألم وشدّته في الآخرة. أما التألّم الدنيوي فقد رسم القرآن حقله الدلالي، مستعملا كلمات تدل على مستوييْه الحسي والمعنوي، إما بالجمع بينهما كما جاء في الصيغة الفعلية (يأْلَمُ)، ولم ترد إلا مرات ثلاثة في آية واحدة (النساء 104)، أو كما جاء في استعمال مصطلح القرح، بفتح القاف وضمها،(سورة آل عمران؛ آية 140 و 172)؛[9] أو بتخصيص كلمات يُمكن أن تشير لإحدى الحالتين كاستعماله لمصطلح العذاب[10]أو مصطلحات الحزن والأسف والضيق والكظم للتعبير عن حالات من التألّم النفسي والروحي.
أما الكتاب المقدس، وبالرغم عن كونه “يتكلّم مثلاً عن ألم الولادة في سفر التكوين وعن الألم المرتبط بالمرض في يوحنّا وعن ألم الشهداء في المزامير وسفر أيّوب، إنّما يركّز دائماً على ما يحيط بهذا الألم الجسدي. لأنّ الألم له طابع روحيّ أيضاً وليس فقط جسدي”.[11]ورغم أن علماء اللاهوت المسيحي يغلب عليهم القول إن سبب الألم الأصلي يعود إلى الخطيئة الأولى، فإن القديس يوحنا ذهبي الفم يذهب إلى أن “الله ليس مصدرا للألم، ولا الطبيعة، ولا القضاء والقدر، لكنه هو من عمل أرادتكم الحرة ورغبتكم”.[12] وهذا البُعد المزدوج للألم (جسدي – روحي) لا يعني أنهما طبيعتان متمايزتان، بحسب بروطون، فـــــ”ثنائية الألم والعذاب لا أساس لها، مثلها في ذلك مثل ثنائية الروح والجسد. فالشرط الإنساني هو أصلا، وبشكل غير قابل للاختزال، شرط جسداني”.[13] بل إن بروطون يذهب أبعد من ذلك عندما لا يعترف بوجود ألم سابق عن المعنى.[14]وحتى علماء التشريح ومختصو الألم الذين يؤكدون أن موطن الألم هو الدماغ (استشعارا له أو إحساسا به)،[15] فإنهم يعتقدون بإمكانية التحكم فيه انطلاقا من الدماغ، وذلك عبر الالتجاء إلى “حكمة الجسد والعقل”[16] التي تؤثثها بالضرورة الجغرافيا والتاريخ والثقافة والاجتماع.[17]
الوجعُ والألمُ والآلَمُ (أو العذاب) إذًا حلقاتٌ متداخلة (حالاتٌ) وليست مراتب أو درجات؛ ولأن العذاب هو قساوة الألم، ولأنه لا فكاك من الألم في مسيرة الانسان، فإنه يتحول من إحساس جسماني فردي إلى معنى إجتماعي ثقافي عام في حلقة دائرية يفتح أولها على آخرها. فالإنسان “لم يتوقف طيلة مسيرته التاريخية عن استعمال العذاب واستغلاله وتوظيفه، لعجزه عن التحكم في ردات فعله، وإدارة رغباته ومخاوفه”.[18]
إدارة الألم زمن الجائحة
وجوه عدّة يأخذها الألم في الجائحة، منها ما هو توجّع جسدي (عدوى الوباء)؛ ومنها ما هو نفسي فردي وجماعي وأساسه الخوف من الألم الذي يتحول إلى هاجس رُعبٍ اجتماعي تتساوى فيه البشرية بكاملها، فتتناقص الثقة عند الأفراد والمجموعات في إمكانية التعويل على الغير للتخفيف من الألم أو لإنهائه، ما يعود عليهم في شكل رُهابٍ جماعي يُحوّل الأفراد إلى كائنات “متوحشة”؛ ومنها ما هو وجودي: مواجهة الموت العاري، “اللامنطقي”، الخالي من كل استعداد ومن كل إمكانية للمرافقة. كل تلك الدوائر (الوجوه) تتحرك مع بعض في زمن قياسي،فتضغط على الكائن – الفرد، وعلى الفرد – الاجتماعي فتُضاعف إحساسهبالعذاب … وبالضياع.
أهم المظاهر التي ستُخلّفها “إدارة الألم” زمن الجائحة ثلاثة (وستكون كونية الحجم):
– سيدفع الألم عند عدد من الناس (يزيد وينقص بحسب الثقافات والمجتمعات) إلى تضخم أصابع الشروتعقّدهالديها،[19] فتسعى إلى تجويد طرائق استغلال الألم وتوظيفه لمزيد الظلم والقهر و”التألــّه”، عبر التحكم في مسالك الوقاية والدواء …الخ. وما مظاهر فرز قبول المرضى بفيروس كوفيد 19 في المستشفيات في بعض الدول الغربية، وحرمان بعض كبار السن من العلاج، إلا مثالا بسيطا على ذلك
– وسيصاب عدد كبير من الأفراد باضطرابات نفسية وشروخ سيكولوجية ضخمة (حجما وعمقا) يجعل من إعادة دورة الحياة بعد الجائحة إلى ما كانت عليه قبلها أمرا صعبا، ما سيدفع المجموعات والدول إلى هندسة إجتماعية وثقافية جديدة. بل إن بعض تلك الاضطرابات ستدفع بالأفراد “الفاقدين للأمل” إلى الانتحار الفردي أو الجماعي. ستبقى الندوب النفسية عالقة في الذاكرة الجماعية عقودًا عديدة، وستواصل تلك الذاكرة استدامة الرعب من ألم الجائحة، ألا يرتعش الأوربيون إلى اليوم من ذكرى طاعون القرون الوسطى أو الحُمّى الإسبانية.
– المظهر الثالث يُترجمه أولئك الذين “تعوّدوا” بشكل من الأشكال على معايشة الألم وإدراجه ضمن إمكانياتهم في التحكم، عبر طرائق متعددة، والذين تدربوا على ممارسة الصبر والتجلّد قبل حلول الألم (بأنواعه). يذهب الكاتب الإيراني مصطفى ملكيان إلى أن “الشخصية الإنسانية تتمظهر في ثلاث ساحات: ساحة العقائد، وساحة العواطف والمشاعر (وهي الساحة التي نستشعر فيها الألم والعذاب)، وساحة الإرادة”،[20] وهذه الساحة الأخيرة هي التي تُعبّر عن قدرة الانسان على المقاومة، بالصبر على التوجّع أولا، وبنشر الأمل تخفيفا على الناس ثانيا، وبانتهاج سلوكات إيجابية (بحسب حجم الإعاقة المادية التي يمثلها الألم) ثالثا، تَقْلِبُ وَصْم الألم (تَوجُّعًا كان أم عذابا) وتُضفي عليه معنى بنائيا جديدا.
ولعلنا هنا نستشعر الرؤية الأخلاقية القرآنية لظاهرة الألم، باعتبارها تُسبِغُ عليه المعنى الوجودي من ناحية، وتجعل منه “سلاحا” إيجابيا في يد الانسان يصنع به واقعه الجديد ويمارس به مسؤوليته.
الحقل الدلالي للألم في القرآن يحوّل المعاناة إلى “نعمة”، فرصة للإنسان لتجاوز بهيميته وليرتقي في طريق المعرفة والكشف. تُحددُ علامات ذلك الحقل آيات 140 – 143 من سورة آل عمران ﴿إنْ يَمْسَسْكم قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ (…) أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنكم ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ (*) ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾. نحن هنا أمام قاعدة موضوعية عامة: حصول الألم والمحن (القَرحُ) للناس أجمعين، مؤمنهم وكافرهم، أي أن الألم لازمة الطبيعة البشرية، كالحر والبرد، والخير والشر …الخ. وتفتحُ تلك القاعدة على مواجهة أعقد مستوى للألم: الموت العاري، بروحية مختلفة ﴿فقد رأيتموه [أي الموت] وأنتم تنظرون﴾. والموت العاري زمن الجوائح أخطر مولّد للرعب الجماعي، لأنك تواجه صورته وحدك، لا يمكنك أن تُعوّل على أحد يرافقك قبله أو عنده أو بعده؛ خوف تعرف أن غيرك من حولك يواجهه أيضا، وبنفس الطريقة، بقطع النظر عن طبيعة الآلام. هو كُرةُ ثلجٍ تتدحرج وتتعاظم داخل دوامة القلق.
أستحضر هنا كتابا “طريفا” في مقاربة الألم، تقوم على تثمين المنحة الإلهية للإحساس به، وتحويل تلك المنحة إلى طرائق في علاج عدد من الأمراض المستعصية كالجُذام والسرطان وغيرها، كتاب الطبيب الأمريكي بول براند بعنوان “THE GIFT NOBODY WANTS” (1993)، الذي تُرجم أخيرا إلى العربية تحت عنوان ” هِبة الألم، لماذا نُعذَّب وما موقفنا من ذلك”.[21] يذهب الطبيب – الكاتب إلى أن أجمل ما في الألم أنه يُنبئُك فورا إن كنت تؤذي نفسك، ويصل الى نتيجة –انطلاقا من معاينة إكلينيكية طويلة لمرضى مختلفين – أن “الخوف أقوى معزز للألم، إذا كان الشخص المصاب خائفًا فإن العضلات تتوتر وتتقلص مما يزيد الضغط على الأعصاب المتضررة ويسبب مزيدًا من الألم، يتغير ضغط الدم وتتوسع الأوعية أيضًا، وهذا ما يجعل الشخص المرعوب شاحبًا أو محمرًا”؛ لذلك فهو يركّز في نظامه العلاجي على التقليص من مستوى الخوف إلى أدنى مستوياته، والاستعانة بالمحيط القريب من المريض.
وعند التأمل في الحقول الدلالية التي يرسمها القرآن لدائرة الألم – العذاب وطرق مجابهته، نلاحظ تركيزا على مجابهة ذلك الخوف، بما يساعد على بث جرعات من الأمل المتبوع بالثقة والقدرة على التجاوز، وتدفع بالمتألم عبر نسيج الصبر والتجلّد والاحتساب الإيجابي إلى تحويل الوجيعة إلى “هبة” وفرصة لبلوغ الأهداف. يتحول الألم إلى قرار حرّ.
الرؤية الأخلاقية للألم تقوم على الفصل بين الألم وبين الخوف من الألم، فتعمل على تفكيك الثاني بموضوعية وعلمية، وبناء قاعدة الصبر والاحتساب لمواجهة الأول، وبذلك يُحوّل وجهته من الانهيار النفسي ثم الجسدي إلى فعل إيجابي وإرادةُ تغييرٍ.
وهذه الرؤية هي ما نُطلق عليه بــ”حُسن إدارة الألم” زمن الجوائح، ومنها جائحة الكورونا.
وتقوم هذه الإدارة على مصادرة وثلاث حالات:
فأما المقدّمة فهي الاقتناع بأن العذابَ والمشقّة والحزن هنا مُعَوْلَمٌ، وبالتالي فإن الخروج منه لا يمكن أن يكون فرديا أو أنانيًا، بل هو “محل الاشتراك الكوني”، أي أن يتعاون الجميع على المشاركة في إيجاده والانتفاع به؛ أن تفكّر بأن خلاصك رهين خلاص البشرية جمعاء.
وأما الحالات الثلاثة فهي بالترتيب الذي يؤدي أحدها للآخر:
* الاعتراف بأن ما يحصل للإنسانية من محنة إنما هو من فعلها واختياراتها “التدميرية” للطبيعة وللإنسان معًا؛ وأن طريق “التألّه” الذي اختاره الإنسان المعاصر، أخلاقا وسياسةً واقتصادًا واجتماعًا … الخ، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى ما نحن فيه. والإقرار بعدل الله في قوله ﴿وَمَا أصَابَكَ من مُصيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْديكُمْ﴾، وقوله تعالى ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، وأن هذا ينطبق على كل مصيبة عظيمها ودقيقها. التخلي عن التأله تغييرٌ للبوصلة، وإقرار بضرورة تصحيح المعنى.
* إذا اختارت البشرية هذا المسلك، علمتْ إن أول مراتب الحل الصبرُ اختيارًا لا اضطرارًا، وإنْ بَلَغَ الجَزَعُ غايته؛ فقد قال بعض الحكماء: “من لم يصبرْ صبرَ الكرام، سلا سلْوَ البهائم” لأن المحنة – كما ذهبنا إليه أعلاه – لازمةُ الطبيعة البشرية؛ وثاني المراتب أن تجتهد نُخبة الجماعات في السعي لرسم معالم الخلاص، ولا يكون ذاك طبيًا فقط أو ماديا أو سياسيا … فقط، بل كل ذلك معا، إيطيقيًا وماديا وعلميا وإداريًا … الخ. إذا انتهج الإنسان ذلك الطريق، وتعاون فيه مع الآخرين، سلَكَ سبيل الرحمة الإلهية، وحوّل المِـحْـنَة إلى مِـنْـحَة، هِبَةُ الطبيعة إليه كما غَضَبُـــها. يقول ابن القيم في الرحمة الحقيقية: “مما ينبغي أن يُعلَمَ أن الرحمة صفةٌ تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كَرِهَتْها نفسُه وشقّتْ عليها. هذه هي الرحمة الحقيقية؛ فَأَرْحَمُ الناس بك مَنْ شقّ عليك في إيصال مصالحك، ودفع المضار عنك”.[22]
أما إذا أصر الإنسان على محاولة تجيير الجائحة وعذاباتها خدمةً لمصالحه الأنانية الشريرة، وواصل طريق “التأله” المرضي معتبرا ما يحصل مجرد نتيجة سباق نحو السيطرة، فإن الجائحة ستزداد تعقّدًا وستفتحُ على “جوائح” أخرى أشد وأعظم. تلك سُنّة الله في خلقه.
* طريق الرحمة ذاك تهيئة كونية لصلاح كبير يعقب المحن. تماما كما أن أخصب الأرض هي تلك التي غمرتها حمم البراكين. تغيير معنى الأشياء، وأخْلَقَةُ الفعل الإنساني وتصوراته،وإضفاء المَرْحَمَة على الروابط التي تجمَعُ مختلف المخلوقات الكونية، هو الكفيل بتغيير إدراك الناس للألم وتعاملهم معه، وتحويل الإدراك إلى قَبَسٍ من الفعل الإيجابي، اهتداءً للخلاص وتحقيقا للرفاه.
يُطلق إدغار موران في ختام إحدى محاضراته حول جائحة الكورونا نداء للبشرية:
“Vivre bien c’est faire ce que nous croyons bon et nécessaire“[23] …
فهل من مدّكر !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أنظر عرضا للفتوحات الأولى في هذا المجال في الجزء الثاني من دراسةد. حسني إبراهيم عبد العظيم؛ “الألم الإنساني: رؤية مغايرة (2)”. موقع معنى. 18 مارس 2019. https://mana.net/archives/1241
[2] ابن منظور في لسان العرب؛ والجوهري في الصحاح؛ وابن فارس في مقاييس اللغة
[3] الراغب الاصفهاني مفردات ألفاظ القرآن؛ والسمين الحلبي في عمدة الحُفّاظ.
[4]https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%84%D9%85#cite_note-1
[5]https://www.frm.org/recherches-maladies-neurologiques/douleur/focus-douleur
[6]دافيد لوبروطون؛ تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث. تر. فريد الزاهي. المغرب: دار توبقال للنشر، 2017. ص 15. ولوبروطون يفرق بين الألم (douleur) والعذاب (souffrance)، ولكن دون أن يفصل بينهما.
[7] معجم الدوحة التاريخي العربي. مادة ألم. (تاريخ الإطلاع 17/04/2020)
https://www.dohadictionary.org/dictionary/ألم
[8] يُؤرَّخُ بعام 660 م، في قولة لعلي بن أبي طالب: “وصبرْتُ من كظْم الغيظِ على أمرّ من العَلْقَم، وآلَمَ للقلب من حزِّ الحديد”. أنظر معجم الدوحة التاريخي العربي؛ نفسه.
[9] وقال الفراء: كأنَّ القَرْحَ الجراحاتُ، وكأن القُرْحَ الألمُ.أبو جعفر النحاس أحمد بن محمد (تـ 338هـ)؛ معاني القرآن. جامعة أم القرى – مكة المرمة، ط1 /1409هــ
[10] ورد مصطلح العذاب 246 مرة، وجاء في عدد من استعمالاته بعلاقة بالمعاناة في الحياة الدنيا. أنظر على سبيل المثال الآيات 49 و 86 من سورة البقرة
[11] الخوري شربل شلالا؛ الألم في الكتاب المقدّس قراءة أدبيّة. مجلّة المنارة 12 أيار 2012
http://charbelchlela.over-blog.com/2017/05/-1.html
[12] القمص تادرس يعقوب ملطي؛ القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته).الإسكندرية: الكلية الإكليريكية، ط3 / 2007. فصل 51: الألم. موقع الأنبا كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت.(تاريخ الإطلاع 14/04/2020)
https://st-takla.org/books/fr-tadros-malaty/chrysostom/pain.html
[13] دافيد بروطون؛ نفسه. ص 14
[14]Le Breton, D. (2016). Anthropologie de l’expérience de la douleur chronique.
Anthropologie et Sociétés, 40 (3), 123–136. https://doi.org/10.7202/1038637ar
[15] أنظر على سبيل المثال العالم الألماني رويديغر فابيان، رئيس الجمعية الألمانية لعلاج الآلام بغرونيندايش في:
https://www.dw.com/ar/القوة-الذهنية-يمكن-أن-تحد-من-شدة-الألم/a-3799034
[16]Jon Kabat-Zinn, Full Catastrophe Living Using the Wisdom of Your Body and Mind to Face Stress, Pain, and Illness. United States : Paperbackedition, 2013
[17]Claire marin et Nathalie Zaccaï-reyners (sous la direction de), Souffrance et douleur : autour de Paul Ricoeur. Presses Universitaires de France, 2013. « Le soin n’est pas seulement la réponse technique et éthique aux besoins de l’homme qui souffre mais, à travers des expériences, des relations et des pratiques multiples, une dimension constitutive de la vie individuelle et collective. Il fait l’objet aujourd’hui des débats les plus vifs, de la médecine jusqu’à la philosophie morale et politique en passant par les sciences humaines et sociales, la littérature et les arts. »
[18]Jean Guilhot ; « Réflexions sur le Mal.Problématique d’une éthique universelle humaniste et agnostique ». L’Esprit du temps, « Imaginaire & Inconscient », 2007/1 n° 19 | pages 155 à 167
https://www.cairn.info/revue-imaginaire-et-inconscient-2007-1-page-155.htm
[19] نفسه.
[20] مصطفى ملكيان؛ التدين العقلاني. بغداد: مركز دراسات فلسفة الدين، 2005. ص 99
[21] د.بول براند وفيليب يانسي؛ هِبة الألم، لماذا نُعذّب وما موقفنا من ذلك. ترجمة آراك الشوشان. السعودية: مركز تكوين للدراسات والأبحاث، 2019.
[22] المجموع القيّم من كلام ابن القيّم، في الدعوة والتربية وأعمال القلوب. جمع وإعداد منصور بن محمد المقرن. السعودية: دار طيبة للنشر والتوزيع، 2005. ص 824
[23]https://www.youtube.com/watch?v=qERE3Yg265M&feature=youtu.be