المقالات

كتاب : الدولة المدنية وتحديات الواقع العربي، مقاربات لتأسيس نظرية سياسية إسلامية معاصرة

أفرزتْ ما بات يُعرف بـأحداث وثورات “الربيع العربي” التي شهدتها بعض الدول العربية، تحولات كبيرة في نسيجها الاجتماعي والسياسي، إذ رُفعت الشعارات المدنيَّة المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة، وعلت الأصوات المنادية بالقطع مع الأنظمة السياسية السابقة التي كرَّست الاستبداد والتبعية والتهميش الاجتماعي. ورغم اتفاق غالبية الأصوات من مختلف الأيديولوجيات والأحزاب السياسية على ضرورة التغيير، إلا أنها اختلفت حول الأنموذج الأمثل للدولة. هذا الخلاف لا يلغي القول بوجود شبة إجماع على أهمية تجسيد نموذج الدولة المدنية في واقع الحياة، وأنها النموذج الأفضل لاستيعاب مختلف شرائح المجتمع السياسية والاجتماعية.

فقضية الدولة من القضايا المُلِّحة، التي تقتضي مجموعة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية في البلدان العربية والإسلامية، حيث تُوَاجه المطالب الإصلاحية رفضاً وممانعةً من بعض الجماعات التقليدية، التي تضع الدين على طرفي نقيض مع الإصلاح والتحديث؛ الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى تأسيس خطاب إسلامي متجدد وشامل، وفق منظومة فكرية وسياسية تؤسَّس عبر نقاشات عامة في الفضاء العربي والإسلامي العام، يشارك فيه جميع الناس، بمن فيهم غير المسلمين؛ لأن الجميع على اختلاف اتجاهاتهم وانتماءاتهم يحتاجون إلى عقد اجتماعي سلمي، يتيح لهم القدرة على الحياة بكرامة وعدالة وسلام. والخطاب الإسلامي يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية؛ كونه يستمد روحه من تعاليم الإسلام.

من هنا، جاءت هذه المحاولة في دراسة الدولة المدنية وتحديات الواقع العربي، مقاربات لتأسيس نظرية سياسية إسلامية معاصرة، للدكتور عبد القوي حسان، فهي دعوة لتضافر جهود المفكرين والمثقفين والباحثين للنقاش العقلاني والحوار العلمي والعملي؛ بغية بلورة مشروع يؤطر عملية الإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي في المجتمعات العربية.

جاء الكتاب في خمسة فصول رئيسية تحدث في الفصل الأول عن المفاهيم والسياقات للدولة المدنية ومقارنتها بالدولة الإسلامية من جهة والدولة العلمانية من جهة أخرى.

وفي الفصل الثاني تحدث الكتاب عن المنطلقات الفلسفية للدولة المدنية وإشكالية الدين والدولة مؤكدا على أهمية التمييز لا الفصل بين الدين والسياسة، وتوحيد المرجعية الوطنية. كما تطرق في هذا الفصل إلى مجالات الاتفاق والاختلاف بين نظريتي (البيعة في الفكر السياسي الإسلامي ونظرية العقد الاجتماعي في الفكر السياسي الغربي)، مستعرضا أهم الإشكالات النظرية والعملية حول موضوع البيعة سواء إشكالية أهل الحل والعقد أو الاستخلاف وولاية العهد، والإمام المتغلب وسلطة الأمر الواقع.

في الفصل الثالث تناول القيم الكبرى للدولة المدنية: الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، وحقوق الإنسان، والمواطنة المتساوية، والمرجعية الوطنية (سيادة الشعب) وسيادة القانون.

انتقل في الفصل الرابع إلى أبرز التحديات التي تواجه بناء الدولة المدنية في المجتمعات العربية، منها: الاستبداد، والطائفية، وإشكالية العلمانية في المجتمعات العربية، وفي الفصل الأخير قدم الكاتب ضمانات بناء الدولة المدنية في المجتمعات العربية مستعرضا أهمية تأسيس الدولة وفق مفاهيم ومضامين الشرعية السياسية.

في خاتمة الكتاب يؤكد الكاتب أن الأمة تمر اليوم بمرحلة حرجة من تاريخها، يتوجب على جميع الأطراف، دعم مساعي الحوار والنقاش البناء، وتحويل القضايا المتفق عليها إلى طريقة يتوافق عليها جميع الأطراف على شكل محدد من التنظيم السياسي. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق يبدو بعيد المنال، إلا أنه ليس مستحيلاً خصوصاً مع تجارب سياسية جمعت أحزاب إسلامية وأخرى ذات توجهات علمانية ويسارية وقومية على طاولة واحدة، فمثل هذه اللقاءات تفسح المجال للتفاهم، وتعمل على تضييق الهوة بين الأطراف، وبالتالي تقارب في وجهات النظر، والاتفاق على المشركات.

في وضع كهذا، تبدو الدولة المدينة كحاجة ملحة، كونها توفر أقصى قدر ممكن من الحماية للحقوق والحريات، والكرامة والمساواة لجميع مواطنيها بمختلف انتماءاتهم واتجاهاتهم، كما أنها تضمن أكبر قدر ممكن من التعددية والتعايش السلمي والحوار البناء بين مختلف المكونات فوق أرضية مشتركة لجميع المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى