هل يتعين دمج الحجاج في تحليل الخطاب؟ إشكالات ورهانات
هل يتعين دمج الحجاج في تحليل الخطاب؟إشكالات ورهانات[i]
روث أموسي
ترجمة: جمال الدين العمارتي[1]
مقدمة
معلوم أن تحليل الخطاب، من جهة، ونظريات الحجاج أو البلاغة، من جهة أخرى، لم يتعايشا على الدوام. ففن الإقناع كان يبدو مدنسا بمقاصده،ولا يأبه كثيرا للمحددات الاجتماعية ولعلاقات السلطة لكي يسترعي انتباه محللي الخطاب الأوائل[ii].فهؤلاء بتأثير من بيشوPêcheux (1969) كانوا يسعون إلى الكشف في النص عن الأيديولوجية المؤطرة له، ويدينون سراب الذات المتحكمة في الدلالات. فلم يكن بوسعهم، استلهاما لفوكو وألتوسير وغيرهم، إلا أن يتجاهلوا البلاغة الجديدة لبيرلمان [Perelman] و[أولبريخت] تيتيكا [Olbrechts-Tyteca]، المستلهمة من أرسطو، رغم صدورها منذ 1958. وإذا كانت هذه “المدرسة الفرنسية” الأولى قد تراجعت تدريجيا مفسحة المجال لمقاربات أقل أيديولوجية، فإن توجهات تحليل الخطاب التي نشأت في الثمانينياتولا سيما سنة 1990واصلت ارتيابهامن التقليد البلاغي،رغم أنه كان مصدرا للدراسات حول اللغة بأبعادها العملية والتلفظية والتواصلية. ويعبر دومينيك منغينو [Dominique Maingueneau] عن هذا الاحتراز عندما يسجل في تقريره التركيبي الهام لسنة 1991:
تظل ما بين البلاغة وامتداداتها الحديثة (مختلف تقنيات التواصل الفعال والإقناع…)،وتحليل الخطاب، قطيعة غير قابلة للاختزال: فإذا كانت الأولى تفترض موضوعا سياديا “يستعمل” “إجراءات” تخدم غاية صريحة، فإن الثانية تعتبر أن أشكال الذاتية متضمنة في شروط إمكانيةتَشكلٍ خطابي (1991: 234).
ويبدو أن مسألة الفاعلية، العزيزة على البلاغة، هي إلى حد كبير مصدر هذه القطيعة[iii].كما أن الحجاج البلاغي[iv]مرفوض كذلك لأنه، في التقليد الأرسطي، يتأسس على كليات،وينغمس فيتصنيفات لا زمانية تعريفا.
ورغم ذلك فإن محاولات التقريب بين مجالي الدراسة بدأت ترى النور بالتدريج. والجدير بالذكر أن تكامل أو (اندماج) البلاغة والحجاج من جهة،وتحليل الخطاب من جهة ثانية،يندرج في فضاء أرحب للتفكير، يقيم علاقة وثيقةبين اللسانيات والبلاغة. ويعود تاريخ الأعمال الأولى إلى المقالات الرائدة لجاكبسون [Jakobson] (1963) وجماعة “مو”[groupe μ] (1970) التي انكبت أساسا على التحليل اللساني للصور من المنظور البنيوي السائد آنذاك. لكن رغم إقرار التيارات المنحدرة من العلوم اللغوية بالطبيعة الحجاجية للصور، فإنها انكبت أساسا على العبارة (elocutio) دونما اهتمام بفعل الإقناع في كليته. كما أن التيار المسمى بـ “تيار الحجاج داخل اللغة”-الذي أسسه كل من أنسكومبر و ديكرو [Anscombre et Ducrot] (1988)، والذي نعلم بأنه نظرية تداولية-دلالية حريصة على أن تبين بأن التوجيه الحجاجي للملفوظات يحدد معانيها – هو من أدرج بشكل مكثف مفهوم الحجاج في إطار علوم اللغة. فالحجاج بهذا المعنى عنصر مكون للغة وليس للخطاب. أضف إلى ذلك أن ديكرو (2004) يلح على أنه يهتم بالحجاج اللساني باعتباره تسلسلا للملفوظات وليس باعتباره لوغوس ذا مسعى إقناعي حيث الكلام عقل أيضا. هذان التياران – الدراسة اللسانية للصور،والحجاج داخلاللغة-يفتحان مجالات خصبة للبحث، لكنهما لا يصدران عما نروم إنجازه هنا: ربطلسانيات الخطاب،وبالضبط التيار الفرنسي لتحليل الخطاب،بالحجاج البلاغي.
للاطلاع على الترجمة كاملة يمكن تحميلها عبر النقر هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] باحث مغربي متخصص في لسانيات التواصل والترجمة.
[i]ترجمة مقال:
Ruth Amossy, « Faut-il intégrer l’argumentation dans l’analyse du discours ? Problématiques et enjeux », Argumentation et Analyse du Discours [En ligne], 9 | 2012, mis en ligne le 15 octobre 2012, Consulté le 25 septembre 2015. URL : http://aad.revues.org/1346
[ii] لأجل مزيد من التفاصيل حول أول مدرسة فرنسية لتحليل الخطاب يمكنالعودة إلى مقال دومينيك منغينو في هذا العدد من المجلة.
[iii] أثارت مسألة الفاعلية العديد من النقاشات داخل البلاغة الأمريكية على ضوء النظريات المعاصرة للذاتية. توجد آثار لذلك في كيسلير 2004، على سبيل المثال.
[iv] أتناول هنا البلاغة كما يعرفها التقليد الأرسطي، باعتبارها فنا للإقناع أي باعتبارها حجاجا. فاللفظان مترادفان، كما هو الشأن في مؤلف برلمان وتيتيكا المعنونب Traité de l’argumentation. La nouvelle rhétorique(مصنف في الحجاج. البلاغة الجديدة). بالنسبة للترجمة الإنجليزية، فقد قدمت في العنوان “البلاغة الجديدة” على “مصنف في الحجاج”. يمكننا إذن الحديث، دون تمييز، عن البلاغة الحجاجية(في مقابل بلاغة الصور، على سبيل المثال) أو عن الحجاج البلاغي (في مقابل الحجاج اللغوي عند ديكرو، مثلا) ‘وذلك حسب التيار الذي نود التمايز عنه. من أجل مزيد من التدقيق حول الموضوع يمكن العودة إلى:
Argumentation et Analyse du Discours 2, 2009, « Rhétorique et argumentation ».
تحية وتقدير لاثراء الثقافة العربية في مجالي الترجمة والسانيات