ملخص
كنا قد وقفنا في موضع سابق على الدعاوى المركزية التي سجلها مؤرخو الفلسفة في الإسلام، من مستشرقين وغيرهم، في ما يتعلق، أولا، بالربط بين تهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي وموت الفلسفة في الإسلام؛ وفي ما يتعلق، ثانيا، بمصير فلسفة أبي الوليد ابن رشد في العالم الإسلامي، وقد تبينا بعض حدودها ومآزقها وآثارها. أما في هذه الدراسة التي نقدمها اليوم، من نافذة مركز أفكار، فإننا نسعى إلى مراجعة ما ورد في النسخة أو النسخ العربية للنقاش بخصوص المسألتين المشار إليهما للتو، أعني دور تهافت الفلاسفة ومصير فلسفة ابن رشد. وكما لم تكن المادة المدروسة في المقال الأول تشمل كل ما قيل في الموضوع، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا، فإن المادة المنتقاة للعرض والنقد في هذا المقال، هي أيضا، لا تطمع في أن تكون شاملة لكل ما قيل ونُشر؛ ولذلك، وقع اختيارنا على سبع دراسات مؤلفة من قبل دارسين محسوبين على العالم العربي، نتصور أنها، تتمتع بسمعة مُعتبرة في أوساط المهتمين والقراء، من غير أن يعني هذا أن ما لم نقف عليه، قصدًا، أو ذهلنا عنه غير جدير بالذكر والاعتبار. والهدف الأساس من دراستنا هذه هي أن نتبين، في هذه الدراسات، وجوهَ التأثر بتلك الدعاوى الاستشراقية وكذا محاولات الانفكاك منها؛ ونفحص، بموازاة ذلك، مدى التزامها بمقتضيات البحث العلمي، من احتكام إلى الوثائق والشواهد النصية المؤيدة لما أطلقه أصحابها أو استعادوه من أحكام، والتزام بمبدأ التراكم في تطرقهم لموضوع تظل فيه للوثائق والنصوص الكلمة الأولى. وأخيرا، نلتمس من القارئ (ة) الكريم (ة) العودة إلى مقالنا المذكور آنفا قبل الإقدام على قراءة هذا المقال الذي نعتبره تكملة له، ولا يستقيم، بأي حال، الوقوف على ما فيه من تفاصيل تخص المسألتين المشار إليهما أعلاه إلا بالوقوف على المقال الأول.
تقديم
ليس يتسع المقام هنا للعودة إلى الأعمال المبكرة التي أصدرها دارسون ينتمون إلى ما صار يطلق عليه في العصر الحديث بـ”العالم العربي“ بخصوص موت الفلسفة في السياقات الإسلامية.[1] ولذلك، فقد حددنا بداية موضوع دراستنا هذه في ستينيات القرن الماضي[2] وصولا إلى العقد الأول من القرن الحالي؛ ونتصور أن اختيار هذه المرحلة المتأخرة، نسبيا، بالقياس إلى ما ذكرناه، في موضع آخر،[3] من دراسات استشراقية سيسمح لنا بفحص مظاهر الاستعادة والتأثير والمراجعة والنقد التي يُفترض أنها حصلت في الاتجاهين معا، وتجلت في الكتابات الصادرة عن دارسين ينتمون، عموما، إلى العالم العربي، بغض النظر عن اللغة التي كتبوا بها دراساتهم تلك. كما لا يتسع المقام للوقوف عند كل ما كُتب في الموضوع؛ ولذلك فقد انتقينا سبع عينات لدراستها، مع الإشارة في هوامش بحثنا إلى بعض المواقف التي وردت في بعض الكتابات الأخرى دون أن نخصص لأصحابها حيزا منفردا في متن الدراسة. ونتصور أن هذا العدد من الدراسات، وإن لم يكن كبيرا، هو كاف لتكوين فكرة عامة عن طبائع التعاطي التي حصلت فيها مع موت الفلسفة في الإسلام.
1
دأبت الجامعة الأمريكية منذ تأسيسها في بيروت على عقد حلقات دراسية هامة؛ وقد عقدت العام 1961 حلقتها السنوية الحادية عشرة لموضوع: الفكر الفلسفي في مائة عامة؛ وذلك ربما بمناسبة مرور قرن من الزمان على نشر مُؤلَّف فلسفي عربي.[4] ومن بين المشاركين في هذه الحلقة ماجد فخري الذي تقدم فيها بورقة هامة عن ”الدراسات الفلسفية العربية“، نشرت سنة بعد ذلك ضمن أعمال تلك الحلقة.[5] وفخري واحد من مؤرخي الفلسفة الإسلامية المعروفين دوليا، وأحد المشتغلين على نصوص ابن رشد وعلى الغزالي، لذلك كان متوقعا أن يتعرض لمسألة ضمور الفكر الفلسفي في الإسلام وعلاقته بتهافت الفلاسفة لأبي حامد في أكثر من موضع من أعماله. وفي ما يلي سنقف بشيء من الإجمال عند الدعوى المركزية التي دافع عنها تلك المواضع.
لعله مما يجدر بنا أن نذكره، بدايةً، أن ماجد فخري يميز تمييزا لا لبس فيه بين مصير فلسفة الإشراق في العالم الإسلامي ومصير الفلسفة المشائية والأفلاطونية المحدثة في العالم نفسه. ومن هنا فالموت الذي نتحدث عنه لم يصب سوى الفلسفة الأخيرة؛ أما فلسفة الإشراق فقد عرفت انتشارا واسعا. ويقول في هذا المعنى: «ومع أن وفاة ابن رشد سنة 1198، تمثل خاتمة النشاط الفلسفي الخلاق عند العرب، فقد قامت فلسفة الإشراق، كرد فعل فكري على رواج المشائية والأفلاطونية المحدثة بين العرب، منذ وضع أسسها السهروردي المقتول (توفي 1191)، حتى أواسط القرن السابع عشر، الذي أنجب صدر الدين الشيرازي (ت 1640)»[6] ولن يبقى للفلسفة العربية، وخاصة في صورتها المشائية، من ملاذ سوى أوربا حيث سيتواصل وجودها لردح من الزمن.[7]
يولي ماجد فخري أبا حامد الغزالي أهميةً كبرى في الرد على الفلاسفة، وتحديدًا في «تفنيد الغزالي لأقوال الفلاسفة العرب وأثره في تاريخ الفكر الإسلامي اللاحق.»[8] وتهافت الفلاسفة، حسب فخري، أولُ محاولة من نوعها، أي أولُ محاولة لدحض آراء الفلاسفة دحضًا مؤسسا تأسيسًا فلسفيا. يقول عن هذا: «ولما لم يكن أحد قبل الغزالي قد اضطلع بهذه المهمة الشاقة، فقد شعر أنه مدعو لأن يتجرد لها بكل قوته.»[9] لذلك كان أبو حامد مضطرا للإحاطة بكتابات الفلاسفة وبمنطقهم؛ وهو الأمر الذي تحقق في أعماله التي تظهر فهما ما لفلسفة الأفلاطونية المحدثة، ممثلة في ابن سينا. وبعبارة فخري: «تكمن مساهمة الغزالي […] في تبنيه لقضية مناوئي الفلسفة وسعيه لإثبات ضلال الفلاسفة، على أسس فلسفية. من هنا كانت أهميته في تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام.»[10] أما عن أثر تهافت الفلاسفة، فيقول: «كانت حملة الغزالي على الأفلاطونية المحدثة قد عرّضت وضعَ الفلسفة للخطر الشديد؛»[11] سيما وأن نقده لها كان «نقدا مدمرا».[12] وبالجملة، فـ«مما لا مراء فيه أن تهافت الفلاسفة كان عاملا من العوامل الفعالة في تدهور الحركة الفلسفية في العالم الإسلامي بعد القرن الثاني عشر. فقد أوجزه الغزالي إيجازا دقيقا محكما أهمَّ مآخذ الفقهاء والمتكلمين على الفلسفة اليونانية، وأعرب إعرابا بليغا عما كان يعتلج في ضمير العالم الإسلامي من التبرم بها وبما شاكلها من الحركات أو البدع الدخيلة.»[13]
ودونما حاجة لاستقراء الكتب المؤلفة في الموضوع، يقرر فخري أنه لم يُؤَلَّف أي رد ذي بال من قبل الفلاسفة على هذا الكتاب، و«لم ينهض للرد عليه كاتب يُعتد به حتى أواخر القرن الثاني عشر، حيث ألف ابن رشد رده على التهافت حوالي 1180.»[14] ولكن هذا الرد، وهو المعروف بتهافت التهافت «لم يقل الفلسفة من عثارها.»[15] وكأنه لم يعد هناك من مجال لإيقاف هذا الانحدار الحاصل في الأنشطة الفلسفية والعلمية في العالم الإسلامي. وفي نظر فخري، لم يكن، بعد ابن رشد، شيءٌ في مستوى فلسفة هذا الأخير؛ إذ يقول: «ومع أن القرنين اللاحقين شهدا ظهور بعض المحاولات الفلسفية الهزيلة، فإنه يمكننا القول إن الدور الإبداعي في تاريخ الفكر الإسلامي ينتهي بوفاة فيلسوف قرطبة سنة 1198، أعظم فلاسفة العرب على الإطلاق وأشهر شراح أرسطو في العصور الوسطى.» [16]
ويبدو من تحليل فخري أن الفلسفة قد فشلت في التغلغل في بنيات الحياة الفكرية والاجتماعية في العالم الإسلامي، وقد كان انهزامها، أساسا، أمام الكلام الأشعري تارة، وأمام المذهب الحنبلي تارة أخرى؛ «وهكذا كتب لنجم الفلسفة الأفولُ بعد ثلاثة قرون ونيف من النضال المتواصل عملت خلالها على النفوذ إلى صميم الحياة العقلية والروحية في الإسلام دون جدوى.» [17] ومن هنا نفهم أن «حملة الغزالي على الفلسفة لم تكن إلا المرحلة الأخيرة في سيرة النزاع بين الفكر الأشعري والفكر اليوناني الذي انتهى بفوز الكلام الأشعري وتقلص جميع الحركات الفكرية التي كانت تأخذ من الفكر اليوناني بطرف- كالمعتزلة والمدرسة الأرسطاطاليسية العربية والأفلاطونية المحدثة وسواها- تقلصا تدريجيا.»[18] وما نكاد نصل القرن الرابع عشر الميلادي حتى كان «ابن تيمية وأتباعه قد ضمنوا للحنبلية الجديدة التغلبَ على حركة الكلام والفلسفة.»[19]
خلاصة القول، إن مسؤولية تهافت الفلاسفة للغزالي في ضمور الفكر الفلسفي في الإسلام واضحة في مقالة ماجد فخري. فلقد امتد أثر هذا الكتاب حتى زمن ابن رشد الذي لم ينجح في إيقاف مسار الانحطاط الذي دخلت فيه الحركة الفكرية عامة؛ ذلك المسار الذي بلغ مداه بظهور ابن تيمية وابن القيم الجوزية اللذين أمّنا للحنبلية وللسلفية انتصارا ساحقا على التيارات العقلية.
قد لا يحتاج المرء إلى الكثير من الجهد من أجل أن يتبين تأثر ماجد فخري ببعض الدعاوى المركزية المستندة بشكل أو بآخر على مقالة مطولة وهامة للمستشرق المجري إغناس غولدسيهر، تتبع فيها مظاهر الصراع المرير الذي عانته علوم الأوائل في العالم الإسلامي أمام مواقف أهل السنة القدامى (والحنبلية) الذين خاصموا هذه العلوم، وناصبوها العداء؛[20] والنتيجة هي أن هذه العلوم ظلت على هامش المجتمع الإسلامي. وهذا ما كان الراحل عبد الحميد صبره قد أسماه بـ”دعوى الهامشية“، ومفادها «أن الفاعلية الفلسفية والعلمية في إسلام القرون الوسطى لم يكن لها أي تأثير حقيقي في المؤسسات الدينية والتربوية والاجتماعية، وأن الذين حافظوا على حياة التراث اليوناني في أراضي الإسلام لم يكونوا سوى جماعة صغيرة من النظار لا علاقة كبيرة لها بالحياة الروحية للمسلمين، ولم تسهم إسهاما هاما في التيارات الرئيسية للحياة الفكرية الإسلامية، وأن أعمالها واهتماماتها كانت تقع على هامش الاهتمامات المركزية للمجتمع الإسلامي.»[21] لكن الواقع أنه يصعب على المرء أن يساير ماجد فخري في قوله ذاك، لأن الحركية الفلسفية والعلمية التي عرفتها الفترة التي تلت الغزالي لا توحي بأي تراجع أو انحطاط؛ وهذا أمر يسهل الوقوف عليه باستقصاء الأعمال الفلسفية والعلمية الكثيرة التي ألفت في هذه الحقبة. وإلى ذلك فليس يسهل اعتبار ابن تيمية وتلميذه ابن القيم مناهضين للقول الفلسفي؛ لأنه إن كان المعتمد في هذا الاعتبار نصوصهما، فقد يمكن القول إن انشغال هذين السلفيين، وخاصة ابن تيمية، بالنظر العقلي وتعاطيهما للكتب الفلسفية لدليل أيضا، على انتشار المقالات والأفكار الفلسفية واختراقها للدوائر التي عادة ما صُنفت مخاصمة للقول الفلسفي.
2
ولد عبد الرحمن بدوي في فبراير 1917 وتوفي في يوليوز 2002. وقد كان عمره لا يتجاوز 23 سنة عندما نشر كتابه الشهير الذي ترجم فيه مقالات هامة جدا لثلة من المستشرقين، أعني: التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية. قدم بدوي لهذا العمل بمقدمة عامة تحمل الكثير من الأحكام الجازمة والتي يفيد بعضها أن الفلسفة والعلوم العقلية عامة لا يمكن أن تكون في الحضارة الإسلامية إلا هامشية، خلاف الحضارة اليونانية؛ وذلك لأسباب أنطلوجية من قبيل افتقار المسلمين إلى ”روح الذاتية“. يقول مثلا عن الفلسفة والإسلام: «الفلسفة منافية لطبيعة الروح الإسلامية، ولهذا لم يقدر لهذه الروح أن تنتج فلسفة، بل ولم تستطع أن تفهم روح الفلسفة اليونانية، وأن تنفذ إلى لبابها، وإنما هي تعلقت بظواهرها، ولم يكن عند واحد من المشتغلين بالفلسفة اليونانية من المسلمين روح فلسفية بالمعنى الصحيح، وإلا لهضموا هذه الفلسفة وتمثلوها، واندفعوا إلى الإنتاج الحقيقي فيها وأوجدوا فلسفة جديدة، شاءوا ذلك أو لم يشاؤوا.»[22] وبالجملة، هناك جوانب من أعمال عبد الرحمن بدوي الكثيرة التي يمكن أن يجد فيها المرء تأثرا واضحا ببعض الدعاوى الاستشراقية التقليدية.[23] ومع أن بعضا من هذه الدعاوى قد فقد الكثير من جاذبيته اليوم، فإنه أيضا سيكون من الظلم لصاحبها أن نعتبر ما عبر عنه بدوي، تأثرا بها، مواقف نهائية له؛ خاصة وأن الرجل قد عرف مسارا استثنائيا طويلا احتك فيه بالنصوص القديمة العربية وغيرها، وخبر التحقيق وتفاعل مع الأدبيات الحديثة بلغات عدة. وقد أسهم، فعلا، في مراجعة الكثير من الأوهام والمبالغات[24] التي سقط فيها الدارسون المهتمون بالفلسفة الإسلامية، من المستشرقين وغيرهم.
وفي هذا الباب، فلعل بدوي من المؤلفين العرب الأوائل الذين نبهوا إلى زيف القول بمسؤولية تهافت الفلاسفة لأبي حامد عن موت الفلسفة الإسلامية. وقد خصص مقالا يعدد فيه الأوهام التي تحوم حول الغزالي.[25] فعلى الرغم من أن الربط بين الغزالي ونهاية الفلسفة يعتبر «شائعا»،[26] فإن الأمر لا يعدو أن يكون من باب «الأوهام» في تقدير بدوي، بل من أولها وأخطرها. ويقول في هذا المعنى: «أول [الأوهام] وأخطرها الزعم بأن هجوم الغزالي على الفلسفة والفلاسفة في كتابه تهافت الفلاسفة قد سدد ضربة قاضية للفلسفة الإسلامية، لم تنهض منها.»[27]
والدليل على هذا الوهم وجود العديد من الأسماء التي تشهد لتواصل الفاعلية الفلسفية في العالم الإسلامي بعد الغزالي. وفي هذا السياق يورد عبد الرحمن بدوي في دراسته المذكورة أعلاه أسماء مثل عبد الكريم الشهرستاني (ت. 548ه/1153م) وعمر الكاتبي (ت. 675هـ/1276م) وسعد الدين التفتازاني (ت. 792ه/1390م) وعضد الدين الإيجي (ت. 756 ه/ 1355م) والجلال الدّواني (ت. 918ه/ 1512م)…وهذه الشخصيات التي «يمكن أن نضيف إليها أبا البركات البغدادي (المتوفي بعد سنة 560هـ/1165م) وأثير الدين الأبهري (المتوفى سنة 663 هـ/ 1264م) ونصير الدين الطوسي (المتوفى سنة 672هـ/ 1274م) وقطب الدين الرازي التحتاني (المتوفى سنة 766ه/1364م) ثم ملا صدرا الشيرازي[28] (المنطق والطبيعيات والإلهيات) [كُلها] تقطع بأنه لم يكن لهجوم الغزالي على الفلسفة والفلاسفة أثر عند المشتغلين بالفلسفة. وربما كان أثره عند المتكلمين أكثر.»[29]
ويجب أن نقول إن هذا الموقف من عبد الرحمن بدوي ليس جديدا في مساره، بل يعود إلى سنين عديدة من قبل. فهو، وإن لم يقف عنده بشكل واضح في كتابه عن تاريخ الفلسفة في الإسلام،[30] وقد صدر بالفرنسية العام 1972، فإنه قد تعرض له في مقالة نقدية له قدم فيها كتاب تاريخ الفلسفة الإسلامية لهنري كوربان، الصادر، بالفرنسية أيضا، عام 1964. وعلى الرغم من النقد الذي وجهه للكتاب ولما اعتبره مبالغةً في الدور الذي أناطه بالفكر الشيعي والإسماعيلي على حساب المنظور التقليدي السني،[31] فإنه يعترف بفضائله وجوانب الجدة فيه. ومن هذه الفضائل والجوانب، مراجعة فكرة موت الفلسفة ودور الغزالي فيه؛ حيث يقول: «ومن الأمور التي حرص المؤلف [=كوربان] على توكيدها -وله في هذا كل الحق- أن حملة الغزالي (المتوفى 505ه) على الفلاسفة في كتاب التهافت لم يكن لها الأثر الذي يدعيه غالبية المؤلفين: من القضاء على الفلسفة في العالم الإسلامي. ففي المغرب (الأندلس) ازدهرت الفلسفة ازدهارا عظيما. ويكفي أن نذكر ابن باجة (المتوفى سنة 533ه/ 1138م) وابن طفيل (المتوفى 580ه) وابن رشد (المتوفى سنة 595ه/ 1198م). وفي المشرق ظهر السهروردي المقتول (المتوفى سنة 587ه/ 1191م) والداماد محمد ابن باقر الاستراباذي (المتوفى سنة 1040ه/ 1631م)، وهادى سبزدارى، وحيدر آملى.[32] وإذن فلم يكن تهافت الفلاسفة تلك القنبلة المزعومة التي قضت على التفكير الفلسفي في الإسلام. ومن الواجب إذن تصحيح هذا الخطأ الشائع.»[33]
وبالجملة، فلعل عبد الرحمن بدوي من مؤرخي الفلسفة العرب المحدثين القلائل الذي حاولوا، منذ الستينيات، مراجعة فكرة ”الضربة القاضية“ الخاطئة التي راجت دون موجب حق يؤكدها. ولعل احتكاك الرجل المباشر بالأصول وبخزائن المخطوطات من جهة، وبما يروج ويجد من دعاوى وأحكام في الدوائر الأكاديمية الدولية من جهة ثانية، قد سمح له بصياغة مواقف، تبدو لنا، أكثر انصاتا للوثائق، رغم كل ما قد يكون شابها من شوائب البدايات والمبالغات. لكن السؤال هو إلى أي حد استفاد الدارسون في العالم العربي من هذه الأحكام التي قررها بدوي؟ الجواب سنراه في ما يلي من الفقرات.
3
كان الأب المصري الراحل جورج شحاتة قنواتي (1905-1994) يشتغل قريبا من هنري كوربان. ومع أنه كان معجبا بمنجز هذا الأخير في اكتشاف تلك القارة المجهولة من النصوص العرفانية في المجال الفكري الإيراني وربطها بكتابات ابن سينا ”الصوفية“، فإن الظاهر أنه لم يكن منشغلا بتصوره لتاريخ الفلسفة الإسلامية وبأغراضه. لقد كان قنواتي مهتما أكثر بـ”الفلسفة العربية“ بمعناها الأرسطي والأفلاطوني المحدث، كما مثلها الفلاسفة في العالم العربي الإسلامي، وهي تسمية ما كانت مقبولة عند كوربان الذي جاهد، بانفعال أحيانا،[34] من أجل استبدالها بـ”الفلسفة الإسلامية“،وهي تلك التي يراها من صميم العالم الإسلامي الشيعي خاصة.
شارك قنواتي في مؤتمر انعقد بروما العام 1977 لمعالجة مصير ”الرشدية في إيطاليا“. لكنه تقدم بورقة تهم مصير فلسفة ابن رشد في تاريخ الفلسفة العربية.[35] وقد غطى حديثُه الحقبةَ الزمنيةَ الممتدةَ من الفترة التي كان ما يزال فيها فيلسوف قرطبة على قيد الحياة إلى السبعينيات من القرن الماضي. ومن الأمور التي يمكن أن يلاحظ المرء عند اطلاعه على عمل قنواتي اعتماده الكبير على عمل إرنست رينان في ابن رشد والرشدية. ومن أهم ما دعا إليه رينان واستعاده قنواتي، التمييزُ في سيرة ابن رشد الفلسفية بين الشهرة والتأثير: فإذا كان فيلسوف قرطبة قد حظي بتقدير أصحاب التراجم كابن الأبار القضاعي (ت. 658ه/ 1260م) وابن عبد الملك الأنصاري المراكشي (ت. 703ه/ 1303م) وابن أبي أصيبعة (ت. 668ه/ 1270م) وغيرهم، كما وصلت شهرته إلى مصر، فإن هذا لا يعني أن الرجل كان مؤثرا في الحياة الفكرية التي جاءت بعده؛ بدليل أن جمال الدين القفطي (ت. 646ه/ 1248م) لا يذكره في تاريخ الحكماء، ولم يذكره حاجي خليفة (ت. 1068ه/ 1657م) إلا عرضا وبمناسبة ذكر تهافت الفلاسفة للغزالي، ولم يذكره أبو العباس ابن خلكان (ت. 681ه/ 1282م) في وفيات الأعيان، كما لم يذكره عبد اللطيف البغدادي (ت. 628ه/ 1231م)، ولا ابن بطوطة (ت. 779ه/ 1377م). ولا أحد من تلاميذ ابن رشد الذين وصلتنا أسماؤهم اشتهر وعُرف.[36] ويضيف قنواتي: «والظاهر أن نظرياته لم تتخط الدائرة الضيقة لتلامذته. وابن سبعين، من القرن الثالث عشر، والذي عالج المسائل نفسها التي عالجها ابن رشد لم يذكره قط.»[37] وهذا خلاف مصير ابن سينا الذي عاش قبل ابن رشد بقرن ونصف من الزمان (ت. 470ه/1037م)، لكن مذهبه لم يتوقف عن إثارة اهتمامات تلامذته؛ وذلك بفضل الشهاب السهروردي (ت. 586ه/ 1191م) والملا صدرا الشيرازي (ت. 1050ه/ 1640م) وكل المدرسة الإشراقية. ومخطوطات أعماله تعد بالآلاف في المراكز العلمية الكبرى للعالم الإسلامي.[38] ومن هذه الجهة، ومقارنة بمصير فلسفة ابن رشد، كان «مصير فلسفة ابن سينا أسعد حظا، لأنها بجانبها الصوفي الإشراقي وجدت في إيران بروحها الدينية الحثيثة مجالا خصبا. وقد أثبت العملُ الرائعُ لهنري كوربان هذا الأمر بطريقة بارعة.»[39]
ويجدر بنا أن نذكر أن أصل الإشكال في ورقة قنواني هو بالضبط ما كان رينان قد طرحه، وتكرر صداه في دراسات لاحقة كثيرة جدا: إذا كان ابن رشد الغربي، ابن رشد الخاص بالفلاسفة المسيحيين واليهود في العصر الوسيط، قد عرف شهرة مُعتبرةً، وقد حُفظ جزء كبير من أعماله في ترجماتها العبرية واللاتينية، فإن الذي حصل في العالم العربي، أو على نحو أوسع في العالم الإسلامي، هو أن أعماله الفلسفية قد «اختفت عَمليا من مشهد الفلسفة» و«سقطت في النسيان.»[40] ولهذا، فقد خصص قنواتي جزءً هاما من مقاله لحل ذلك الإشكال وتفسير حدث الكسوف الطويل الذي عرفه مذهب ابن رشد. وتماما كما كان دَأْب إرنست رينان، ومن نهج نهجه من بعد، فإن قنواتي لم يستطع مقاومة السحر الذي مارسته المقارنة بين مصير فلسفة ابن رشد في العالم الإسلامي ونظيرها في أوربا، فصاغها بعبارته: »كيف نفسر كسوف المذهب الرُّشدي في العالم العربي، بينما عرف انتشارا استثنائيا في الغرب في العصر الوسيط وعصر النهضة؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه على مؤرخ المذاهب.«[41] حتى وإن كان قد مر على وضعه أكثر من قرن!
يقدم قنواتي ثلاثة أسباب مركزية لأفول الدرس الرُّشدي في العالم الإسلامي: أول الأسباب انتصار الأشعرية الذي أضر بتطور الفلسفة ضررا كبيرا.[42] وأما ثاني الأسباب الذي يفسر فشل فلسفة ابن رشد وكسوفها فهو «الهجوم الكبير، والذي صيغ بذكاء، قرنا من الزمان تقريبا من قبل، من طرف الغزالي، ضد الفلسفة عموما – فلسفة كل من الكندي، والفارابي، وخاصة ابن سينا- وهو الهجوم الذي وصلَ، وهو في كامل حيويته، فلسفةَ ابن رشد التي هي أكثر أرسطية من فلسفة متقدميه.»[43] وبكل تأكيد، فقد شعر أبو الوليد أنه مستهدف، بمعنى ما، بهجومات الغزالي، لذلك انتدب نفسه إلى الدفاع عن الفلسفة؛[44] لكن هذا الدفاع لم يخلف أثرا، ولم يكن ناجحا من زاوية الجمهور.[45] وأما السبب الثالث، فيقول عنه قنواتي: «كان الشيخ محمد يوسف موسى، أستاذ جامعة الأزهر، قد وصف موقف هذه القلعة من الفلسفة؛ إذ يقول: ”عقب هجومات الغزالي أدار المسلمون عامة في كل البلدان الإسلامية، ظهورهم للفلسفة، واعتبروها عدوا للدين والشرع الإسلامي.“»[46] وإذا أردنا اختصار هذه العوامل، قلنا إن اكتساح الأشعرية للعالم الإسلامي، شرقه وغربه، لم يسمح للفكر الفلسفي العقلاني بالنمو والانتشار في بيئة ملائمة؛ ومن جهة ثانية، إن نهوض ابن رشد للدفاع عن الفلسفة، ورد اتهامات الغزالي بالقول إنها لا تتعارض مع الشريعة، لم يكن مُوفَّقا أمام جمهور محكوم بالتقليد؛ ومن جهة ثالثة، كان الغزالي ناجحا في أن يوجه عموم المسلمين في كل العالم الإسلامي في اتجاه رفض الفلسفة.
وهذا السبب الأخير هو الذي يَظهر فيه ذلك الربط الصريح بين تهافت الفلاسفة وبين رفض الفلسفة في مجموع العالم الإسلامي. وبطبيعة الحال، ما كان قنواتي ليأتي بقول الشيخ المصري الأزهري إلا على سبيل تدعيم أطروحته التي تقول إن فلسفة ابن رشد قد سقطت في عالم النسيان مباشرة بعد موته. ولسنا، هنا، في سياق الرد المفصل على هذا التفسير، ولكننا نود أن ننبه باختصار شديد على صعوبة القبول، اليوم، بهذا الدور المزعوم لكتاب واحد، ولو كان تهافت الفلاسفة نفسه. كما نود أن ننبه، من جهة أخرى، على صعوبة الاستمرار في التمسك بالزعم بأن الذين جاؤوا بعد ابن رشد لم يذكروه أو لم يتأثروا به. وإذا كان هذا الموضع لا يتسع لذكر أسماء الأعلام التي تأثرت بأبي الوليد، فإنه يكفينا أن نشير، بشكل خاطف، إلى خطورة إطلاق أحكام قاطعة بخصوص موضوعات تاريخية يظل الَحكَمُ الأول فيها هو الوثائق. وهكذا، فعندما أطلق قنواتي حكمه الجازم بأن عبد الحق ابن سبعين (ت. 669ه/ 1270م) لم يذكر ابن رشد قط، كان قد مر ما يقرب من نص قرن على نشر المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون لمقالة هامة ضمَّنها مقطعا نادرا من نسخة خطية لبد العارف لابن سبعين، حيث يظهر، بما لا يدع مجالا للشك، أنه كان على معرفة بابن رشد، وقد ذكره وانتقده.[47] وأغرب ما في الأمر أن جورج قنواتي يعرف مقالة ماسينيون تلك؛ فهو يحيل عليها[48] ليظهر لنا كيف أن بد العارف يذكر ابن سينا ولا يذكر ابن رشد! وفي كل الأحوال، فقد صار اعتماد ابن سبعين على ابن رشد معروفا عند الدارسين اليوم؛ فقد أظهرت أنا أكاصوي، حديثا، تفاصيل التأثير الذي كان لأبي الوليد على ابن سبعين واستعمال هذا الأخير لكتابات الأول الفلسفية في عمله المعروف، هو الآخر، وأعني المسائل الصقلية.[49] وقبل هذا وذاك، فإن أبا العباس ابن تيمية (ت. 728ه/ 1328م)، الذي كان عارفا بأعمال ابن سبعين ومتفاعلا معها، قد شهد لمعرفة هذا الأخير بأعمال ابن رشد، ويُؤكد أن المصدر الأساس الذي استقى منه ابن سبعين مادة فلسفته كان هو أعمال ابن رشد.[50] لأجل كل ما سبق، نرى أن جورج قنواتي لم يؤسس حكمه على أي فحص داخلي للنصوص ولا للدراسات، ولذلك كان مجانبا تماما للصواب في قوله. ولأجل ذلك، أيضا، لا نرى أي مسوغ للتمسك بقوله ذاك ولا استعادته.[51]
4
تعرض المرحوم محمد عابد الجابري (ت. 2010م) لموضوع الأثر المفترض للغزالي في موت الفلسفة ولمصير فلسفة ابن رشد في أكثر من موضع من أعماله. والمعروف عنه في ما يتصل بموضوعنا، أمران اثنان على الأقل: الأول حماسته في الدفاع عن فلسفة أبي الوليد ابن رشد، وتميزها عن مثيلاتها في مشرق العالم الإسلامي، ودعوته، من ثم، إلى استلهام قيمها؛ وأما الأمر الثاني فهو نقده الشديد على دعاوى الاستشراق الغربية[52] ونسخها العربية.[53] وفي ما يلي سنحاول، اعتمادا على ثلاثة مواضع أساسية، أن نفحص إلى أي حد استطاع أن يتخلص، هو نفسه، من تلك الدعاوى الاستشراقية أو من بعضها بخصوص موت الفلسفة ودور الغزالي فيه، وإلى أي حد يكون قد انتهى إلى جوابٍ عن الأثر الذي يفترض أن تكون فلسفة ابن رشد قد خلفته في العالم العربي الإسلامي.
أ. يعتبر الجابري أن المعني بـتهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي ليسوا هم الفلاسفة بإطلاق وإنما «فلسفة ابن سينا أساسا، أولًا لأنها تلتقي في الجانب المشرقي منها مع الفلسفة الإسماعيلية، فلسفة العدو الأكبر للدولة العباسية السلجوقية التي كان أبو حامد ينطق باسمها وبأوامرها، وثانيا لأنها في الجانب الكلامي منها تريد أن تحتوي علم الكلام وتقوم مقامه بتبني قضاياه وصياغتها صيغة ”برهانية“، الشيء الذي يعني سحب البساط من تحت المذهب الأشعري ومذهب الدولة التي ينطق باسمها.»[54] فهل أسفرت هذه الضربة عن موت الفلسفة في العالم الإسلامي؟
يمكن أن نحصي عند الجابري أربع نتائج ”عكسية“ أسفرت عنها الضربة التي وجهها أبو حامد للفلسفة، إذ يقول: «هذه الضربة القاضية لم تكن نتيجتها أن لم تقم للفلسفة بعدها قائمة -كما قيل- بل لقد ظلت الفلسفة حية في أشكال أخرى، ليس فقط على شكل تصوف باطني ابتداء من ابن عربي وعلى شكل فلسفة إشراقية ابتداء من معاصره السهروردي، بل أيضا على صورة فلسفة برهانية أرسطية خالصة مع معاصر آخر لهم هو ابن رشد.»[55] ويمكن أن نضيف نتيجةً رابعة لمجهودات الغزالي، وقد أشار إليها الجابري قبل هذا قائلا: «لقد هاجم الغزالي فلسفة ابن سينا الكلامية كفيلسوف متكلم فقربها من أفهام زملائه علماء الكلام الأشاعرة، فكانت النتيجة أن قام هؤلاء، وابتداء من فخر الدين الرازي خاصة (544ه- 606ه) باحتواء الجانب الكلامي منها وإدخاله إلى علمهم ومحاولة توظيفه لتقرير عقائدهم.»[56]
نفهم من كلام الجابري، في هذا الموضع، أن تهافت الفلاسفة للغزالي لم تكن له أي مسؤولية في موت الفلسفة السينوية. وإلى ذلك، فمع أنه ينفي، أيضا، أي مسؤولية للتهافت في موت فلسفة ابن رشد، فإنه يضطر للاعتراف، في الموضع نفسه، بأن هذه الفلسفة لم يكن لها أي مستقبل في العالم الإسلامي، حيث يقول: «نعم إن فلسفة ابن رشد البرهانية لم تقم لها بعده قائمة في دار الإسلام، وإنما عاشت مستقبلها في أوروبا.»[57] وهكذا، فعلى الرغم مما كانت فلسفة ابن رشد تحمله من خصائص – كـ”العقلانية“ و”الواقعية“- جعلتها «قادرة على طرق آفاق جديدة» في العالم العربي الإسلامي، فالظاهر أن هذا العالم لم يكن معدا لاحتضان تلك الفلسفة. وفي هذا يقول الجابري: «نعم، لقد كانت الرشدية قادرة على طرق آفاق جديدة تماما، وهذا ما حدث بالفعل، ولكن في أوروبا حيث انتقلت، وليس في العالم العربي حيث اختفت في مهدها ولم يتردد لصيحتها الأولى، صيحة الميلاد أي صدى إلى اليوم.»[58]
غير أننا نجد أمرا في غاية الأهمية عند الجابري؛ ويقوم أساسا في اعتباره مجهودات أبي إسحاق الشاطبي وأبي العباس ابن تيمية من المحاولات اليتيمة لاستلهام أبعاد بيانية و ”كلامية“ في أعمال ابن رشد؛ لكنها محاولات لم تتمكن من الاستمرار أمام هيمنة «التقليد والشكلانية».[59] ويقول مستدركًا على موت فلسفة ابن رشد: «ومع ذلك فابن رشد لم يكن مفكرا ذا بعد واحد: لقد كان له ما بعده في دار الإسلام نفسها […] على مستوى أصول الفقه مع الشاطبي […] في المغرب والأندلس. أما في المشرق العربي فقد ناضل فيه من أجل إعادة تأسيس البيان تأسيسا سلفيا جديدا، باستلهام ابن رشد خاصة، الفقيهُ الحنبلي الشهير ابن تيمية.»[60]
ب. سنة واحدة فقط بعد صدور بنية العقل العربي، عاد المرحوم محمد عابد الجابري إلى الموضوع نفسه ليسجل ما نتصوره غير منسجم مع كل ما قرره في الموضع السابق:
شارك الجابري في الندوة الدولية التي عقدت لأبي حامد الغزالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط العام 1987، إلى جانب لفيف من الدارسين والمهتمين، ومنهم عبد الرحمن بدوي، الذي ساهم بورقته عن ”أوهام حول الغزالي“ وقد وقفنا عندها أعلاه. أما هو فقد قدم ورقة بعنوان: ”مكونات فكر الغزالي“؛[61] وقد وقف فيها عند أثر بعض الكتب التي تركها الغزالي، ومنها دور تهافت الفلاسفة في رسم المصير الذي عرفته الفلسفة الإسلامية. يقول الجابري: «كتاب تهافت الفلاسفة كتاب واحد وفريد في الثقافة العربية الإسلامية، ولم يُؤلف مثلُه قبل الغزالي ولا بعده وأن تأثيره في صد الفكر العربي الإسلامي عن الفلسفة لا يوازنه إلا تأثير كتابه الإحياء في توجيه نفس هذا الفكر نحو التصوف.»[62] وكما أن الكتاب الأخير كان بمثابة الموجه الجاذب للفكر العربي الإسلامي نحو اعتناق التصوف، فقد كان تهافت الفلاسفة الموجه الدافع في صد ذلك الفكر عن تشرب الفكر الفلسفي العقلاني. والنتيجة هي نهاية الفلسفة وهيمنة مظاهر ”اللاعقلانية“ على الفكر العربي الإسلامي. ويجمل الجابري أثر تهافت الفلاسفة قائلا: «فعلا لقد ”ضرب الغزالي الفلسفة ضربة قاضية لم تقم لها بعده قائمة“. هذا صحيح، إذا اعتبرنا أن فلسفة ابن رشد التي ظهرت في الأندلس قد قامت قائمتها لا في دار الإسلام بل في أوربا المسيحية كما هو معروف، وأن السينوية الجديدة التي قامت مع السهروردي قد كانت تصوفا إشراقيا وقد استوطنت بلاد الإشراق إيران […] لم تقم للفلسفة العقلية العقلانية بعد الغزالي قائمة في ديار الإسلام. وهذا واقع تاريخي. ولا يمكن تفسير هذا الواقع التاريخي الذي فرض نفسه بدون وضع كتاب تهافت الفلاسفة على رأس قائمة العوامل والأسباب.»[63] كلام الجابري هنا أوضح من أن نعلق عليه أو نستكشف باطنه: تهافت الفلاسفة ليس مسؤولا عن موت الفلسفة السينوية – وهي إما إشراقية أو كلامية عند الجابري- وقد عرفت كيف تنبعث وتنتعش في أوساط العرفان الإيراني والكلام الأشعري، لكنها مسؤولة عن نهاية الفلسفة العقلانية ممثلة في الفلسفة الرشدية التي جاءت بعد أبي حامد بعقود!
وإلى ذلك، لا يخفى على القارئ درجة انشداد الجابري، في هذه الحقبة من سيرته العلمية، إلى بعض أقوال المستشرقين والمؤرخين، ممن ذكرنا في موضع آخر. وهكذا، فقد حصلت استعادةٌ صريحة لكل من الدعوى التي أطلقها سليمان مونك بخصوص ”الضربة القاضية“ لتهافت الفلاسفة،[64] وللدعوى المركزية في عمل هنري كوربان بخصوص ازدهار السينوية في حلتها الإشراقية في إيران؛[65] أما ابن رشد، وعلى غرار ما قرره إرنست رينان، فقد انتهت فلسفته في العالم الإسلامي وأن المصير الوحيد لها كان هو أوروبا المسيحية.
ج. ولم يمر عقد من الزمن حتى عاد المرحوم الجابري إلى الموضوع نفسه، وذلك في مدخله العام لنشرة كتاب تهافت التهافت لابن رشد العام 1998.[66] عاد المرحوم ليوجّه إلى أصحاب دعوى ”الضربة القاضية التي وجهها الغزالي للفلسفة“ أشد النقد، حتى بدا الأمرُ أشبه بنقد ذاتي غير صريح؛ فقد انتقل الرجل من إيلاء تهافت الفلاسفة الدور المركزي في موت الفلسفة في السياق الإسلامي إلى تكذيب هذه الحكاية من أصلها، ليتَحدث عن ”الضربة القاضية الكاذبة“؛ ويقول عنها: «فعلا، لقد شاع وذاع أن الغزالي وجه بكتابه تهافت الفلاسفة ضربة قاضية إلى الفلسفة لم تقم لها بعده قائمة. وهذا من الحقائق الموروثة التي ملأت التاريخ العربي الذي نسجه الجهل المركب.» [67] وبعبارة أخرى: «الفكرة الموروثة التي شاعت وذاعت منذ الغزالي، وما تزال تحكم تصور الكثيرين في العصر الحاضر، والتي تقرر بلغة إيديولجية سافرة أن الغزالي وجه ضربةً قاضية للفلسفة لم تقم لها بعده قائمة فكرة خاطئة تماما، وأن الضربة المزعومة ضربة كاذبة لا وجود لها إلا في ذهن من روجها، وهي تعبر عن رغبة أو جهل لا عن واقع.»[68] ومع أننا نعتبر الجابري نفسه معنيا بجهة ما بهذا النقد، فإننا نتحفظ تماما على ما يرد فيه من رمي بالجهالة والكذب وسوء الطوية.
ولا يكف الجابري عن التأكيد أن الفلسفة المقصودة بتهافت الفلاسفة إنما هي فلسفة ابن سينا. ومن هذه الجهة، فقد فشل الغزالي في مهمته؛ بدليل أن «الفلسفة التي عارضها الغزالي وكفر أهلها لم تمت، بل عاشت بعده في المذهب الأشعري نفسه، كما في المذهب الشيعي: عاشت كما أراد صاحبها، ابن سينا، أن تكون: بديلا عن علم الكلام.»[69] ويضيف الجابري: «إن الفلسفة التي عارضها الغزالي، وبالتحديد فلسفة ابن سينا، […] قد بقيت حية بعده تُوظف التوظيف نفسه الذي مارسه فيها وعليها صاحبها، الشيخ الرئيس. وعلى العكس تماما مما هو شائع، فلم يكن لكتاب تهافت الفلاسفة ذلك الأثر الذي يعزى له، فلم تتردد له أية أصداء تستحق الذكر[70] […] لقد تم تجاهل ردود الغزالي على ابن سينا وكتبت ردود أخرى بديلة.» [71] ويقصد بتلك الردود أساسا ما كتبه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في الملل النحل، وبخاصة في مصارعة الفلاسفة من اعتراضات على الفلسفة السينوية،[72] كما يقصد أعمال فخر الدين الرازي (ت. 606ه/1210م)، وما كتبه أبو الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي (ت. 626ه/ 1229م)[73] في كتاب لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول.[74] والخلاصة، ما عاد لتلك الضربة التي وجهها الغزالي للفلاسفة من مفعول، ولا بقي تهافت الفلاسفة كتابا فريدا لم يكتب مثله من قبل ولا من بعد، كما كان يقول من قبل.
أما مصير فلسفة ابن رشد، فالظاهر أنه لم يُكتب لنا أن نرى الموقف الأخير الذي انتهى إليه الجابري بخصوصه. كان الرجل قد وعد، فعلا، بمعالجة الموضوع عندما قال في تقديمه لمشروع إصدار طبعة جديدة محققة وميسرة لمؤلفات ابن رشد الأصيلة: «أما فيلسوفنا، ابن رشد نفسه، سيرته ومؤلفاته وفكره وتأثيره في الفكر الأوربي، وحضوره في الفكر العربي الإسلامي إلخ…فذلك ما سنخصص له كتابا مستقلا كتتويج لهذا المشروع.» [75] وقد صدر فعلا هذا الكتاب المستقل، والذي حمل عنوان: ابن رشد، سيرة وفكر، ولم نجد فيه ما يدل على أن الجابري قد فحص مسألة الحضور الفكري لابن رشد في العالم العربي الإسلامي. غير أننا، في المقابل، نجد إشارة في المقدمة التي وضعها له يقول فيها: «لقد ظل ابن رشد في تاريخ الفكر العربي، ولمدة قرون خلت، اسما خافتا كاد يطويه النسيان طيا.»[76] ولعل استلهام أبي العباس ابن تيمية وأبي إسحاق الشاطبي لجوانب من مشروع ابن رشد- وهو ما وقف عنده الجابري في نقد العقل العربي وقد ذكرناه أعلاه- ما يحول دون القول إن ابن رشد قد طواه النسيان طيا.
وعليه، فالخلاصة التي ينتهي إليها الجابري من اشتغاله على موضوع مصير الفلسفة في العالم الإسلامي بعد الغزالي هي أن الفلسفة السينوية لم تتأثر بحملة الغزالي، التي يبدو أنها لم تأت أكلها؛ بدليل أنها قد تواصلت، وبقوة، في الفكر الشيعي الإشراقي والصوفي العرفاني والكلامي الأشعري، وبدليل وجود كتابات أخرى بديلة لتهافت الفلاسفة. وبما أن الوثائق، مرة أخرى، تظل المحدد الأساس في الأحكام التي ينتهي إليها المهتمون بالتأريخ للأفكار، سواء كانت فلسفية أو علمية أو دينية…فإن تغيير الدارس من موقفه وتعديله، أو حتى التخلي عنه، يظل أمرا طبيعيا، بل مطلوبا، عندما يظهر في الوثائق ما يدعو إلى ذلك. ويبدو أن اطلاع الجابري على ردود شيعية وأشعرية أخرى على الفلاسفة، فضلا عن اطلاعه على مقالة بدوي المذكورة، مما أسهم في مراجعة الدور الذي كان قد أولاه لتهافت الفلاسفة في القضاء على الفلسفة. لكن لا شيء تغير في مسألة موت فلسفة ابن رشد في الإسلام؛ إذ لا شيء يحمل على القول بحضور بارز له في الفكر العربي الإسلامي الذي جاء بعده.
5
أغلب المؤرخين الذين اهتموا بالمسألة التي نحن بصددها وقعوا ضحية المقارنة التي صاغها رينان في بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر بين مصير ابن رشد في الغرب ومصيره في العالم الإسلامي. والظاهر أن تلك المقارنة ربما تكون قد ساعدتهم على تشكيل مشهد أكثر درامية تظهر فيه حضارتان، إحداهما سائرة نحو الانحطاط، بفعل نسيانها لابن رشد، والأخرى صوب النهضة والتقدم بسبب من احتضانها وتلقيها لفلسفة ابن رشد من بين فلسفات أخرى. وهكذا، فمقارنةً بمصيري موسى بن ميمون (ت. 1204م) وتوماس الأكويني (ت. 1274م)، يقول محمد أركون إن «الحظ الأكثر نحسا كان من نصيب ابن رشد الذي رُفض من قبل جماعته رفضا كاملا. نعم لقد شهد فكر ابن رشد الفشل الأكثر قساوة في العالم العربي وداخل الفكر الإسلامي، من القرن الثالث عشر، أي بعد موته مباشرة، حتى القرن العشرين. سبعة قرون من النسيان والإهمال والاحتقار، إن لم يكن التكفير والإخراج من أمة الإسلام.»[77] ويلاحظ محمد أركون أن ابن رشد قد سقط «في بحر النسيان منذ القرن الثالث عشر داخل مجتمعه العربي والإسلامي؛ بينما أَشَعت فلسفته وانتشرت في مجموع أوروبا المسيحية. فشل من جهة، ونجاح دائم من جهة أخرى»[78] وبعبارة أخرى: «إذا كان المسلمون قد طردوه من فكرهم ونبذوه من برامج تعليمهم منذ القرن الثالث عشر، فإن الأوروبيين راحوا يستقبلونه بالأحضان على الضفة الأخرى من المتوسط.»[79] في ضوء هذه المفارقة يطرح أركون السؤال الآتي: «لماذا فشل فكره في جهة ولقي نجاحا دائما في جهة أخرى؟»[80]
هذا السؤال هو من طبيعة سوسيولوجية قبل أن يكون شيئا آخر. لذلك فإن الجواب عنه يقتضي «الكشف عن الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى فشل فكره في البيئة الإسلامية.» ويضيف أركون: «كيف ولماذا اختفت الفلسفة ذات الخط الإغريقي، والتي استمرت حتى ابن رشد (ت. 1198م)، من المجال الفكري الإسلامي بدءا من القرن الثالث عشر الميلادي؟ وما هي القوى الاجتماعية والبنى الإيديولوجية التي انتصرت في المجال الإسلامي بدءا من القرن الثالث عشر، إلى حد أن مفكرا مثل ابن خلدون (ت. 1406م) قد اهتم بالتيار الصوفي أكثر مما اهتم بالفكر الفلسفي؟»[81]
من هذه الزاوية، يغدو ذلك الربط الميكانيكي بين موت الفلسفة وبين الغزالي مرفوضا، لأن هذا الموت أكبر من أن يكون وراءه شخص أو كتاب. وفي نظر أركون، إن فشل الفلسفة في العالم الإسلامي يجب مقاربته من مدخل سوسيولوجي يتعدى ما هو شخصي أو سيكولوجي. يقول: «فشل فكر ابن رشد على الضفة الإسلامية يعود إلى عوامل سوسيولوجية أو ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية محددة تماما.»[82] وهو ما يسميه بـ«الأطر الاجتماعية للمعرفة»[83]. وهكذا «فإذا كانت هذه الأطر محبذة للفلسفة فإنها تزدهر، وإذا لم تكن محبذة فإنها تموت. وقد حصل أن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تدهورت كثيرا في الجهة الإسلامية بعد القرن الثالث عشر، ولهذا مات الفكر العقلاني وانقرضت الفلسفة تماما.»[84]
قول أركون بموت الفلسفة الإسلامية عامة وموت فلسفة ابن رشد خاصة أمر لا يحتاج إلى بيان أو تعليق؛ لكن الأمر الجديد الذي نراه جديرا بالتبريز في تحليله، ولكنه لا يغير في شيء من نتائجه، هو رفضه أن يكون كتاب الغزالي، أو الغزالي نفسه، مسؤولا عن ذلك الموت. إن المسؤول عن انقطاع الفلسفة الرشدية في نظر أركون هو البنى الثقافية والاجتماعية التي كانت رافضة للفكر الفلسفي، كما كانت مسؤولة عن الانحطاط العام الذي أصاب الحضارة الإسلامية. وهنا يجب أن نقول لعل الآلية النقدية لصاحب نقد العقل الإسلامي لم تُنجه من السقوط في شباك بعض الأحكام التي سيج بها إرنست رينان ودي بور البحث في تاريخ الفلسفة الإسلامية والرشدية خاصة.
6
لم ينشغل المثقف السوري الراحل جورج طرابيشي (ت. 2016) في عمله مصير الفلسفة بين المسيحية والإسلام بما آل إليه الاشتغال بالعلوم الفلسفية والعقلية بعد ابن رشد، وإنما بما قبله. وفي الواقع لم يعر طرابيشي موضوع ابن رشد ومصير فلسفته في العالم الإسلامي أي أهمية في الكتاب. في مقابل ذلك، يعود بالقارئ إلى النقاش بخصوص منزلة الفلسفة في الحضارة الإسلامية ككل، وإلى مراجعة دور الغزالي في هذا الموت. وفي ما يلي مجمل أقواله في الموضوع، نعرضها ونعلق عليها بعض التعليق.
من الأمور الهامة التي انتبه إليها طرابيشي، ويلتقي فيها بجانب مما سبق أن قرره محمد أركون في تحليله، هو أن موت الفلسفة في الإسلام لم يكن «بضربة من عصا ساحر أسماها صاحبها تهافت الفلاسفة، وإنما بأسباب تاريخية.»[85] لكنهما ينفصلان في تحليل تلك الأسباب، فإذا كان أركون يركز على ضعف النخب الفكرية والأطر الاجتماعية المنتجة والمستعملة للمعرفة، فإن طرابيشي يحدد الأسباب التاريخية في ما يسميه ”تسنين العقيدة القويمة“. ويقول عن هذا التسنين: «بدون أن نزعم أن ذلك هو السبب الوحيد للوفاة [=وفاة الفلسفة]، فإننا لن نستطيع بدونه أن نجد تعليلا لا للوفاة قبل الضربة القاضية، ولا للضربة القاضية بعد الوفاة.»[86] وعملية ”تسنين العقيدة القويمة” في الإسلام قد بدأت بابن حنبل (ت. 290ه/ 855م) وانتهت إلى الحنبلية الجديدة ممثلةً في ابن تيمية؛ وبعبارته، هي تلك «الحركة التي قادها أهل الحديث وشريحة متعاظمة من الفقهاء تحت اسمه، والتي بلغت ذروتها مع ابن تيمية (661-728ه)»[87]
وهكذا، فإن المناخ العام الذي كان يهيمن عليه أهل الحديث والحنابلة خاصة هو الذي أدى إلى اختناق الفلسفة واضمحلالها؛ وذلك عقودا قبل الغزالي؛ فـ«الفلسفة ماتت اندثارا واضمحلالا، لا موتا عنيفا، قبل زمن مديد من تسديد الغزالي ضربته القاضية إليها.»[88] وقد كان ذلك تحديدا «بنصف قرن على الأقل»[89] من تهافت الفلاسفة. الأمر الذي يعني أن ذلك المناخ المذكور، والذي أدى إلى موت الفلسفة، وهو الذي يحمل، أيضا، على الاعتقاد أن الغزالي كان صاحب الكلمة الأخيرة فيه. ولهذا يدعونا طرابيشي إلى مراجعة نظرية الضربة القاضية التي سددها الغزالي للفلسفة. ويقول في هذا: «الواقع أن ما يحتاج إلى تفسير في نظرية الضربة القاضية ليس السهولة التي آتت بها مفعولها، بل السهولة التي تم توجيهها بها. وذلك أن الفلسفة كانت بالفعل لفظت أنفاسها عندما سدد إليها، بعد الوفاة، الغزالي ضربته. ولئن يكن الفلاسفة الذين بدعهم وكفرهم لم يردوا الفعل، فلأنه كما قال الشاعر العربي: فما لجرح بميت إيلام.»[90] وإذن فالفلسفة كانت قد ماتت عندما شن الغزالي عليها غارته الشهيرة، حتى «بدا وكأنه يقتل القتيل.» بينما ليس هو «من يتحمل تبعة موت الفلسفة». والحال أن الغزالي، عندما ألف تهافت الفلاسفة، كان يريد «على أرجح التقدير أن ينفذ مناورة.»[91] وذلك أن الفلسفة التي هاجمها في الكتاب الأخير، عاد فأدخلها من «نافذة المنطق» و«من طاقة التصوف». وهو الأمر الذي ما كان لينطلي على ابن تيمية الذي لم يكف عن مؤاخذته بجريرة «خلط المنطق بأصول المسلمين.»[92] وعليه، فالغزالي، وفق تحليل طرابيشي، لم يكن فاعلا في موت الفلسفة، بقدر ما كان هو نفسه ضحية السياج الذي وضعه الحنابلة على النظر العقلي، سواء كان فلسفة أو كلاما أو منطقا.
أكثر من ذلك، إن نظرية «الضربة القاضية الغزالية»، فضلا عن سذاجتها وقصورها في التحليل، تضمر، في نظر طرابيشي، موقفا استشراقيا من المكانة العرضية للفلسفة في الإسلام، وهو الموقف الذي تبناه محمد عابد الجابري في أعماله. لننصت إلى الرجل وهو يكشف عن خلفيات هذه النظرية: «نظرية الضربة القاضية الغزالية، التي يتبناها الجابري نقلا عن دي بور [كذا] في تاريخ الفلسفة في الإسلام، هي إما نظرية ساذجة أو سيئة النية. ساذجة لأنها تتصور أنه في مستطاع فقيه متكلم – كان فضلا عن ذلك موظفا أيديولوجيا لدى الدولة السلجوقية – أن ينهي بمفرده الفلسفة ويهير صرحها بمعول النقد ”الخاصي“ أو بمعول التبديع ”العامي“. وسيئة النية، لأن الغرض المسكوت عنه الذي تقوم عليه هو أن الفلسفة العربية الإسلامية هشة بتكوينها وسريعة العطب بطبيعتها المستوردة وقابلة للسقوط من الضربة الأولى لأنها مزدرعة ولا جذور لها في تربة الحضارة الإسلامية. وفي الحالين جميعا فإن نظرية الضربة القاضية ليس لها سوى مؤدى ضمني واحد: إن الفلسفة في حضارة الإسلام عرض عارض، صدفة تاريخية.»[93]
لكن وجود الفلسفة في الإسلام لم يدم، في نظر طرابيشي، أكثر من ثلاثة قرون؛ وبعبارته: «ولئن تكن الفلسفة قد ماتت، فهذا معناه أيضا أنها قد عاشت وتطاول عمرها ما بين قرنين وثلاثة قرون.»[94] وإذا صدقنا قول طرابيشي بأن هذا الموت قد حصل نصف قرن من الزمان قبل موت الغزالي أو لنقل قبل تأليف تهافت الفلاسفة، عام 488ه، فإنه بعملية حسابية بسيطة تكون هذه الفلسفة قد بلغت نهايتها مع الشيخ أبي علي ابن سينا؛ وهو الأمر الذي يبدو أن طرابيشي يتفادى التصريح به. ووفق هذا التحليل، فإن كل الأسماء التي جاءت بعد الشيخ الرئيس لا تغير شيئا في ذلك الموت: فلا تلامذة ابن سينا من الفلاسفة، وهم كثر، ولا ابن رشد ولا ابن باجة ولا أبو البركات البغدادي ولا عبد اللطيف البغدادي ولا ابن طملوس ولا غيرهم يعني شيئا بالنسبة إلى تحليل طرابيشي. فهل كان لا بد لطرابيشي أن يقتل الفلسفة مع ابن سينا، لكي يقطع الطريق على الجابري ويغدو فرس رهان هذا الأخير خارج القائمة؟ لست أدري؛ لكن المؤكد أنه لا دراسة واحدة، في حدود معرفتنا، قد ذهبت هذا المذهب الغريب!
ثم ألا يفضي بنا القول بأن العمر الذي قدّره طرابيشي للفلسفة في العالم الإسلامي في ثلاثة قرون على الأكثر إلى تبني روح تلك النظرية الاستشراقية الضمنية نفسها، التي يتبناها الجابري ويفضحها طرابيشي، أعني القول بعرضية وجود الفلسفة في العالم الإسلامي؟ فما كادت هذه تحيا وتينع حتى ماتت. ثم كيف نُسوغ، تاريخيا، إخراج تلك الأسماء المذكورة قبل قليل – والتي لا يبدو أن طرابيشي كان يعرف عنها ما يكفي- من التاريخ الحي للفلسفة في الإسلام؟
ولنذهب أبعد قليلا في التساؤل: كيف نفسر وجود تلك الأسماء، أصلا، إن نحن قتلنا الفلسفة مع ابن سينا؟ فقد أوردنا أسماء لفلاسفة من المشرق كما من المغرب، وكلهم عاشوا بعد الغزالي؛ ولا سبيل إلى اعتبارهم استثناءات أو فلتات. فعلا، إن نظرية الانحطاط لا تقدم أي تفسير لوجود هؤلاء!
وأيضا، إذا سلمنا لطرابيشي بالقول إن الفلسفة قد ماتت مع ابن سينا (ت. 1047م) وسلمنا له بالقول، كذلك، إن ابن تيمية (ت. 1328م) قد أوصل «العداء للفلسفة والمنطق إلى قمة جديدة.»[95] فأي فلاسفة كان يعادي ابن تيمية وأي فلسفة كان يهاجم، بعد ثلاثة قرون من وفاتها؟ فهل قتل الغزالي قتيلا، وعاد ابن تيمية لجثته ليُقَتِّله مرةً ثالثة، بعد أن اندثر وانتهى؟
يقتضي الجواب عن هذا السؤال الأخير العودة إلى مؤلفات ابن تيمية وقراءتها بتأن وبدون اختزال؛ فوحدها تلك العودة ما يوقفنا فعلا على غنى وتنوع المشهد الفلسفي زمن أبي العباس، حيث كانت كتابات هذا الأخير نفسها، بما فيها تلك التي يخاصم فيها الفلاسفة، شاهدة على ازدهار القول الفلسفي وجاذبيته وقدرته على خلق النقاش، حتى في أوساط الحنابلة أنفسهم. ولكن، لا شيء في عمل طرابيشي يدل على أنه قد عاد إلى ابن تيمية ليتعرف إلى ذلك المشهد- الذي هو أغنى بكثير مما تصوره لنا كتابات متسرعة- لأن المرات القليلة جدا التي أحال عليه فيها لا تفي بحق المنزلة التي بوأه إياها في عملية ”تسنين العقيدة القويمة“ التي أدت إلى اختناق الفلسفة وموتها، في نظره طبعا!
7
وفي الواقع، إن تلك الحقبة التي تلت وفاة الغزالي تعد محورية، لا فقط عند مؤرخي الفلسفة الإسلامية والعلوم وإنما أيضا عند مؤرخي الفكر عامة؛ وهي الحقبة المعروفة بـ”عصر الانحطاط“. وهذا ما يعبر عنه بوضوح كتاب حديث الصدور، نسبيًا، يحمل عنوان: إسلام عصر الانحطاط،[96] حيث يجد المرء ربطا صريحا بين ”الانحطاط“ ودور تهافت الفلاسفة في إنهاء وجود الفلسفة في العالم الإسلامي، ليفسح المجال لمظاهر ”الطرقية والدروشة “ التي عُدّت في الكتاب أحد رموز العصر الدالة عليه. وعلى الرغم من حداثة هذا الكتاب، كما أشرنا، فإنه قد تجاهل تماما ما تراكم من دراسات بخصوص مراجعة أدبيات الانحطاط،[97] وعاد بنا، بتأثير واضح من بعض الدراسات التي نشرت ضمن أعمال الندوة الدولية النزعة الكلاسيكية والانحطاط الثقافي في تاريخ الإسلام،[98] إلى المناخ الاستشراقي للقرن التاسع عشر. وهذا ما سنعرض له هنا باختصار.
يقسم مؤلفا العمل تاريخ الفلسفة في العالم الإسلامي إلى «مرحلتين: مرحلة الازدهار، ومرحلة الانحطاط والاختفاء الكلي.»[99] وإذا كانت أسماء من قبيل الكندي والفارابي ومسكويه وابن مسرة[100] وابن باجة وابن طفيل… تشهد لمرحلة ازدهار الفلسفة في ذلك العالم، فإن «هذا الإطار المنفتح سرعان ما انغلق وآل أمر الفلسفة إلى الانحدار والاختفاء التام في السياق الإسلامي، وذلك بعد موت ابن رشد (595ه)، لتكون الأندلس آخر معقل من معاقل الفلسفة قبل عصور الانحطاط.» [101]
وفي نظر المؤلفين، إن إبعاد ابن رشد عن بلاط الموحدين، وهو المعروف بحَدث المحنة الذي حصل سنتين تقريبا قبل وفاته، كان «خطوة مركزية في مسار اختفاء الفلسفة كليا من فعاليات التفكير الإسلامي، إذ لا نعثر بعد ابن رشد على أي مؤلف فلسفي في المغرب الإسلامي أو المشرق الإسلامي على حد سواء.»[102] وطبعا، ليست محنة ابن رشد سوى واحد من تجليات معاداة الفقهاء للفكر الفلسفي؛ كما أن تهافت الفلاسفة للغزالي ليس سوى تجلٍّ آخر لتضافر جهود السلطة السياسية، المتمثلة في السلاجقة، والمذهب السني الشافعي للقضاء على ذلك الفكر؛ «فقد جاء هؤلاء السلاجقة بعقليتهم العسكرية وانتمائهم المذهبي السني ليقتلوا الفكر الفلسفي، وكان الغزالي أداتهم في ذلك، فهو الذي خاض حربا ضروسا ضد الفلاسفة، فأثبت تهافتهم وأخطاءهم ومخالفتهم للعقيدة الإسلامية، وألف عدة كتب للرد على الفلاسفة منها مقاصد الفلاسفة (487هـ) والمنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال (502هـ)، وخاصة تهافت الفلاسفة (488هـ).»[103] والنتيجة، حسب هذين المؤلفين، اختفاء الفلسفة الكلي عن العالم الإسلامي السني، بدليل أن المؤلفين لم يجدا كتابا فلسفيا واحدا بعد عصر ابن رشد![104]
أغلب الأحكام الكلية الجازمة الواردة على لسان الدارسين، هنا، في حاجة إلى مراجعة جذرية، لسبب بسيط، وهو أنها كاذبة. ففي المكتبات اليوم، وبين أيدي الناس، ما يشهد بوضوح لكذب أحكام من قبيل القول إن الأندلس كانت آخر معقل للفلسفة، وإنه «لا نعثر بعد ابن رشد على أي مؤلف فلسفي في المغرب الإسلامي أو المشرق الإسلامي على حد سواء»، ومن قبيل القول إن الفلسفة قد اختفت في العالم الإسلامي اختفاء كليا…ونتصور أنه يكفي إظهار أحكام مثل هذه أمام العيان ليتضح انكسارها، لذلك لن نجهد أنفسنا بالرد عليها عن طريق جرد لأسماء الفلاسفة الذي جاؤوا بعد ابن رشد ولعناوين الكتب الفلسفية التي ألفت بعده.
خاتمة
خلافا لما كان عليه الأمر في بعض الدراسات الاستشراقية (دي بور وكوربان…)، يظهر ذلك الربط القوي بين تهافت الفلاسفة لأبي حامد الغزالي وموت الفلسفة في السياق الإسلامي العربي بشكل واضح ومباشر في دراسات عربية حديثة كثيرة، مع أن دراسات أخرى، عربية، قد أظهرت، مبكرا، وَعيا بـِهَوان ذلك الربط. أما موت فلسفة ابن رشد في العالم الاسلامي، وباستثناء إشارات هامة عند الجابري إلى الأفق العربي الإسلامي لابن رشد، دون أن يكون لها ما بعدها، فإن كل الدراسات التي ذكرناها -بما فيها دراسات الجابري- تنتهي إلى القول إن أوروبا كانت هي المستقبل الوحيد لفلسفة أبي الوليد ولنصوصه.
غير أن ما يمكن أن يلاحظ بخصوص تباين هذه الدراسات في تقدير الدور الحقيقي الذي كان لتهافت الفلاسفة إنما هو غياب قيمة أساس في البحث العلمي الحديث، وهي قيمة التراكم. فبقدر ما يجد المرء في بعض من تلك الدراسات استدعاءً لأحكام تظل متقادمة أو خاطئة، من الزاوية التاريخية، يحصل تجاهل ما توصل إليه البحث من قبل، وفي دراسات قريبة زمنًا ومكانًا. وعلى سبيل المثال، فعلى الرغم من شهرة عبد الرحمن بدوي ومعرفة الناس بأعماله، فإن بعض استنتاجه بخصوص موضوعنا لم تُستثمر في الاتجاه الذي يسير بنا إلى مزيد من الفهم، أو على الأقل، في الاتجاه الذي يساعد على التخلص من بعض الأحكام الجازمة التي شُيدت في غياب وثائق تؤيدها.
ونلاحظ، أيضا، أن من الدراسات العربية ما أظهر حساسية تجاه بعض الأحكام الاستشراقية وتجاه مثيلاتها العربية؛ لكن هذه الدراسات لم تتمكن، في الآن نفسه، من التخلص من جميع العقبات والحواجز التي وضعتها تلك الأحكام بين الدارسين وموضوع دراساتهم. لذلك، فقد نَجد نقدا موضعيا، في هذه الدراسة أو تلك، لهذا الحكم أو ذاك، ولكننا نجد، في الدراسة نفسها، استعادة ساذجة، أحيانا، لبعض الأحكام، وكأنها قد صارت من البيِّن بنفسه. وهكذا، فقد لاحظنا اطمئنانا كبيرا في الدراسات العربية لمعادلة رينان الشهيرة: لماذا فشل فكر ابن رشد في العالم الإسلامي ونجح في الغرب؟[105] بحيث حصلت استعادة هذا السؤال لمدة أطول مما ينبغي، ومن قبل أغلب الدراسات التي ذكرناها، من دون أن يفحص أو ينتقد. والحال أن هذا السؤال، تحديدا، هو مما ينبغي مراجعته، بل والتخلص منه؛ لسبب نذكره مقتضبا هنا، وهو أن المسار الذي عُد فاشلا لم ينظر إليه من الداخل، بل قد قورب بمقولات وبمآلات المسار الذي عُدَّ ناجحا. لقد قرأ رينان مسار ابن رشد في العالم الإسلامي انطلاقا مما انتهى إليه مساره في أوربا إلى حدود القرن التاسع عشر.
فهل فعلا ماتت الفلسفة في الإسلام وانقرضت بعد ابن رشد؟ وهل فشل هذا الأخير في التأثير في الفكر العربي الإسلامي الذي جاء بعده؟ لا يمكن للمرء، الآن، إلا أن يجيب بالنفي، لأن ما يتوفر، اليوم، من شواهد يظهر أن الفلسفة في صيغتيها الأفلاطونية المحدثة والأرسطية تحديدا لم تنقرض من أرض الإسلام. خاصة وأننا اليوم بصدد الكشف عن نصوص كثيرة تنتمي إلى القرنين اللذين بعد قرن ابن رشد، ومنها نصوص تستعيد أفكاره وتُبلورها. وهو الأمر الذي يشهد، في تقديرنا، لوجود فعالية فلسفية نشطة في أصقاع العالم الإسلامي السني على الأقل، وإن كان الأمر يحتاج إلى عمل يظهر هذه الفعالية ويبرز مظاهرها للعيان. وفي ما يخص ابن رشد فقط، نقول إننا نملك، اليوم، شهادات تثبت أن أعماله الفلسفية والمنطقية (وغيرها) قد دُرست في الغرب الإسلامي وانتقلت، سريعا، إلى المشرق العربي الإسلامي، ولم تكن أوروبا مصيرها الوحيد؛ كما تثبت أنها صارت جزءا من البرنامج الدراسي للنظار في الغرب الإسلامي، ومن مختلف المجالات، إلى حدود القرن السادس عشر، على الأقل. وهذه الأمور، وغيرها، تحتاج منا إلى تفاصيل سنأتي عليها في مواضعها.
نعود فنقول إن قضايا من قبيل دور تهافت الفلاسفة في خفوت صوت الفلسفة في الإسلام، ومصير فلسفة ابن رشد، إنما هي رهينة بما يُكتشف من أعمال ونصوص تشهد لهذا الزعم أو ذاك؛ فالوثائق وحدها ما يمكن أن ينقذنا من السقوط ضحية نتائج سَيَّجَتنا بها أحكام بعض المستشرقين والدّارسين في القرن التاسع عشر،[106] أي في وقت كانت فيه النصوص العربية المحققة في حكم النادر، وكان فيه المدخل الحصري إلى التعرف إلى فلسفة ابن رشد، مثلا، هو الترجمات اللاتينية والعبرية. ولذلك، فإذا كنا نتفهم، من الناحية التاريخية، سقوط المؤرخين والمستشرقين الأوائل في بعض الأحكام الخاطئة والمبالغ فيها، الناتجة عن طبيعة المادة المعتمدة ومحدوديتها، فإنه يصعب علينا أن نتفهم، اليوم، تمسك الدارسين في العالم العربي بتلك الأحكام.
بيبليوغرافيا
ابن سبعين، عبد الحق. بد العارف وعقيدة المحقق المقرب الكاشف وطريق السالك المتبدل العاكف، تحقيق جورج كتورة (بيروت: دار الأندلس- دار الكندي، 1978).
ابن شريفة، محمد. ابن رشد الحفيد. سيرة وثائقية (البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1999).
أبو زيد، نصر حامد.”من المعتزلة وابن رشد إلى محمد عبده،“ ضمن ابن رشد والتنوير، أعمال المؤتمر الدولي الخامس بالقاهرة في 5-8 ديسمبر 1994 (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1997): 129-148.
أركون، محمد. نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، ترجمة وتقديم هاشم صالح (بيروت-لندن: دار الساقي، 2011).
أركون، محمد. ”ابن رشد رائد الفكر العقلاني والإيمان المستنير،“ ترجمة هاشم صالح، عالم الفكر 4 (أبريل/ مايو، 1999): 9-26.
بدوي، عبد الرحمن. ”مقدمة عامة،“ ضمن التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: دراسات لكبار المستشرقين، ألف بينها وترجمها عبد الرحمن بدوي (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1940).
بدوي، عبد الرحمن. ”نظرة جديدة في الفلسفة الإسلامية،“ المجلة، ع 95 (1964): 15-19.
بدوي، عبد الرحمن. موسوعة الحضارة العربية الإسلامية: الفلسفة والفلاسفة في الحضارة العربية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997).
بدوي، عبد الرحمن.”أوهام حول الغزالي،“ ضمن أبو حامد الغزالي، دراسات في فكره وعصره وتأثيره (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1988):241-251.
الجابري، محمد عابد. ”الاستشراق في الفلسفة منهجا ورؤية،“ ضمن التراث والحداثة: دراسات.. ومناقشات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991): 63-94.
الجابري، محمد عابد. الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي – دار الطليعة، 1982).
الجابري، محمد عابد.”الرؤية الاستشراقية في الفلسفة الإسلامية: طبيعتها ومكوناتها الأيديولوجية والمنهجية،“ ضمن مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول (تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985): 305-335.
الجابري، محمد عابد. ”فكر الغزالي: مكوناته وتناقضاته، “ضمن التراث والحداثة: دراسات .. ومناقشات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991): 161-164.
الجابري، محمد عابد. ”مدخل عام: الصراع المذهبي، وليس الدين وراء تهافت الفلاسفة للغزالي، “ضمن ابن رشد، تهافت الفلاسفة: انتصارا للروح العلمية وتأسيسا لأخلاقيات الحوار، مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح للمشرف على المشروع م. ع. الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998).
الجابري، محمد عابد. ”مقدمة، “ضمن ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال أو وجوب النظر العقلي وحدود التأويل (الدين والمجتمع)، تحقيق محمد عبد الواحد العسري، مع مدخل ومقدمة تحليلية للمشرف على المشروع م. ع. الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997).
الجابري، محمد عابد. ”مكونات فكر الغزالي،“ ضمن أبو حامد الغزالي، دراسات في فكره وعصره وتأثيره (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية،1988): 55-68.
الجابري، محمد عابد. ابن رشد، سيرة وفكر: دراسة ونصوص (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998).
الجابري، محمد عابد. نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، طبعة ثالثة مزيدة ومنقحة (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي- الفارابي، 1983).
الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي I: تكوين العقل العربي (بيروت- البيضاء: دار الطليعة- المركز الثقافي العربي، 1984).
الجابري، محمد عابد. نقد العقل العربي II: بنية العقل العربي. دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009) [الطبعة الأولى صدرت عام 1986].
دي بور، تيتزي. تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة عبد الهادي أبو ريدة، ط. 3 (بيروت: دار النهضة العربية، 1945).
شحلان، أحمد. ابن رشد والفكر العبري: فعل الثقافة العربية في الفكر العبري، جزءان (مراكش: المطبعة والوراقة الوطنية، 1999).
الشهرستاني، عبد الكريم. الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني (بيروت: دار المعرفة، د. ت.).
الشهرستاني، عبد الكريم. مصارعة الفلاسفة، ضمن: Struggling with the Philosopher: A Refutation of Avicenna’s Metaphysics, A New Arabic Edition and English Translation of Muhammad b. ‘Abd al-Karim b. Ahmad al-Shahrastānī’s Kitāb al-Musāra‘a, edited and translated by Wilfred Madelung and Toby Mayer (London: I. B. Tauris & Co Ltd and The Institute of Ismaili Studies, 2001).
الصغيّر، عبد المجيد. ”إشكالية استمرار الدرس الفلسفي الرُّشدي: حول أثر الغزالي في المدرسة الرُّشدية بالمغرب،“ ألف 16 (1996): 77-88.
الصغيّر، عبد المجيد. ”المنهج الرشدي وأثره في الحكم على ابن رشد لدى مغاربة القرنين السادس والثالث عشر للهجرة (12و19م)،“ ضمن أعمال ندوة ابن رشد ومدرسته بالغرب الإسلامي، بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد خلال أيام 21، 22، 23 أبريل 1978 (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسية والنشر والتوزيع، 1981): 314-349.
الصغيّر، عبد المجيد. ”حول المضمون الثقافي للغرب الإسلامي من خلال المدخل لصناعة المنطق لابن طُمْلُوس،“ ضمن كتاب تجليات الفكر المغربي: دراسات في تاريخ الفلسفة والتصوف بالمغرب (الدار البيضاء: المدارس، 2000): 9-48.
الصغيّر، عبد المجيد. ”حول المضمون الثقافي للغرب الإسلامي من خلال المدخل لصناعة المنطق لابن طُمْلُوس،“ مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط 15 (1989-1990): 119-151.
طرابيشي، جورج. مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام (بيروت: دار الساقي، 1988).
عبد الرحمن، طه. حوارات من أجل المستقبل (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2011).
العلوي، جمال الدين. ”مصطفى عبد الرازق والتأريخ للفلسفة الإسلامية: مشكلة المنهج في دارسة تاريخ الفلسفة الإسلامية،“ الثقافة الجديدة 3 (مارس 1975): 26-40.
فخري، ماجد. ”الدراسات الفلسفية العربية،“ ضمن الفكر الفلسفي في مائة سنة، إشراف هيئة الدراسات العربية في الجامعة الأمريكية (بيروت: منشورات كلية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأمريكية، 1962): 242-297.
فخري، ماجد. ”المقدمة،“ ضمن أبو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة، الطبعة الرابعة (بيروت: دار المشرق، 1990) [كانت الطبعة الأولى قد صدرت 1962].
فخري، ماجد. ابن رشد: فيلسوف قرطبة، ط.2 (بيروت: دار المشرق، 1982)
فخري، ماجد. تاريخ الفلسفة الإسلامية (من القرن الثامن حتى يومنا هذا)، نقله إلى العربية كمال اليازجي، طبعة جديدة منقحة وموسعة، ط. 2 (بيروت: دار المشرق، 2000).
المصباحي، محمد. ”بين نهايتين: نهاية العقل الرشدي ونهاية العقل الحداثي،“ ضمن الأفق الكوني لفكر ابن رشد، أعمال الندوة الدولية بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد، مراكش 12-15 ديسمبر (الرباط: منشورات الجمعية الفلسفية المغربية، 2001): 395-410.
المكلاتي، أبو الحجاج يوسف بن محمد. لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول، تحقيق فوقية حسين محمود (القاهرة: دار الأنصار، 1977).
المكلاتي، أبو الحجاج يوسف بن محمد. لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول، تحقيق وتقديم وتعليق أحمد علمي حمدان، القسم الأول: التوطئة ونص لباب العقول (فاس: منشورات جامعة سيدي محمد بن عبد الله، 2012).
الورتاني، هالة وعبد الباسط قمودي. إسلام عصور الانحطاط (بيروت: رابطة العقلانيين العرب – دار الطليعة، 2007).
Akasoy, Anna A. “Ibn Sab‘īn’s Sicilian Questions: The Text, its Sources, and their Historical Context,” Al–Qantara XXIX (1, 2008) : 115-146.
Alonso, Manuel Alonso. «Prólogo ,» in Algazel, Maqasid Al- Falásifa O Intenciones de Los Filósofos, Traducción, prólogo y notas por El P. Manuel Alonso Alonso (Barcelona : Juan Flors, 1963).
Anawati, Georges C. « La philosophie d’Averroès dans l’histoire de la philosophie arabe, » in L’averroismo in Italia (Atti dei Convegni Lincei, 40), (Roma : Accademia Nazionale dei Lincei, 1979): 9-19.
Arkoun, Mohammed. «Pour une sociologie de l’échec et de la réussite de la pensée chez Ibn Rushd » in Le Choc Averroès. Comment les philosophes arabes ont fait l’Europe. Travaux de l’Université Européenne de la Recherche. Actes du colloque Averroès, 6-8, Numéro spécial de L’Internationale de l’Imaginaire (Paris : Maison des cultures du monde, 1991) : 35-41.
Brunschvig, Robert et Gustav Edmund von Grunebaum (éds.). Classicisme et déclin culturel dans l’histoire de l’Islam : Actes du Symposium international d’histoire de la civilisation musulmane, Bordeaux, 25-29 juin 1956 (Paris: Besson et Chantemerle, 1957).
Fakhry, Majid. A History of Islamic Philosophy, 3rd ed. (New York: Columbia University Press, 2004).
Gutas, Dimitri. “The Study of Arabic Philosophy in the Twentieth Century. An Essay on the Historiography of Arabic Philosophy,” British Journal of Middle Eastern Studies 29 (2002): 5-25.
Jabre, Farid. La notion de certitude selon Ghazali dans ses origines psychologiques et historiques (Paris : Vrin, 1958).
Janssens, Jules. «Le Dânesh-Nâmeh D’ibn Sînâ : Un Texte A Revoir?» Bulletin De Philosophie Médiévale, vol. 28 (1986): 163-177.
Leaman, Oliver. Averroes and his Philosophy (Richmond, Surrey: Curzon, 1998).
Madelung, Wilfered. “Ibn al-Malāḥimī’s Refutation of the Philosophers,” in A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, ed. by Camilla Adang, Sabine Schmidtke, and David Sklare (Würzburg: Ergon Verlag in Kommission, 2007): 331-336.
Massignon, Luis. « Ibn Sab‘īn et la critique psychologique dans l’histoire de la philosophie musulmane, » in Mémorial Henri Basset, Nouvelles études Nord-Africaines et Orientales, II (Paris : Librairie Orientaliste Paul Geuthner, 1928): 123-130.
Munk, Salomon. Mélanges de philosophie juive et arabe (Paris : Chez a. Franck, Libraire, 1859).
Ritter, Hellmut. « L’orthodoxie a-t-elle une part dans la décadence?,» in Brunschvig, Robert et Gustav Edmund von Grunebaum (éds.). Classicisme et déclin culturel dans l’histoire de l’Islam : Actes du Symposium international d’histoire de la civilisation musulmane, Bordeaux, 25-29 juin 1956 (Paris: Besson et Chantemerle, 1957) : 167-181.
Sabra, Abdelhamid I. “The Appropriation and Subsequent Naturalization of Greek Science in Medieval Islam,” History of Science 25 (1987): 223-243.
Wahba, Mourad. “The Paradox of Averroes,” ARSP: Archiv für Rechts- und Sozialphilosophie / Archives for Philosophy of Law and Social Philosophy 66 (2, 1980): 257-260.
Wild, Stefan. “Islamic Enlightenment and the Paradox of Averroes,” Die Welt des Islam 36 (Nov., 1996): 379-390.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]– يعد التمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية لمصطفى عبد الرازق (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1944) من الكتب التنظيرية الأولى للمنهج في التأريخ للفلسفة الإسلامية. وهو وإن لم ينشغل مباشرة بمسألة الموت الذي سلام، وكان همه إثبات قدرة المسلمين على التفكير العقلي، لا في الفلسفة بمعناها الصناعي الموروث عن اليونان، وإنما في مجالات معرفية كعلم الكلام والتصوف وأصول الفقه [انظر مثلا: ص 116-119]، فإننا نتصور أن هذا المجهود إنما كان نتيجة التسليم بذلك الموت المذكور. ومن هذه الجهة، فقد كان المخرج هو القول إن المسلمين والعرب، إن لم يبدعوا في الفلسفة الموروثة، فذلك لأن فلسفتهم الحقة إنما هي هذه العلوم الثلاثة التي منها ما اشتغل عليه المسلمون قبل دخول العلوم اليونانية وترجمتها؛ أما فلسفات الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم فتظل، في العمق، طرفا برّانيا عن جسم الحضارة الإسلامية. وبالجملة، فالكتاب، «الذي نحن بصدده، لا يدور على الفلسفة الإسلامية بالمعنى المتعارف […] وليس هو كذلك تمهيدا لتاريخ الفلسفة […] بل هو في جملته تاريخ لتطور مفهوم الفقه والكلام الإسلاميين، بالدرجة الأولى، ولتطور مفهوم الفلسفة عند العرب بالدرجة الثانية.» ماجد فخري، ”الدراسات الفلسفية العربية،“ ضمن الفكر الفلسفي في مائة سنة، إشراف هيئة الدراسات العربية في الجامعة الأمريكية (بيروت: منشورات كلية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأمريكية، 1962): 242-297، ص 256. وانظر تقويما نقديا لعمل مصطفى عبد الرازق في ماجد فخري، ”الدراسات الفلسفية العربية،“ ص 255-265؛ جمال الدين العلوي، ”مصطفى عبد الرازق والتأريخ للفلسفة الإسلامية: مشكلة المنهج في دارسة تاريخ الفلسفة الإسلامية،“ الثقافة الجديدة 3 (مارس 1975): 26-40؛ ومحمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي – دار الطليعة، 1982): ص 138-143؛ المؤلف نفسه، ”الرؤية الاستشراقية في الفلسفة الإسلامية: طبيعتها ومكوناتها الأيديولوجية والمنهجية،“ ضمن مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، الجزء الأول (تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985): 305-335، ص 308-312؛ أعيد نشره بعنوان مختلف دون تغيير في المضامين؛ انظر: ”الاستشراق في الفلسفة منهجا ورؤية،“ ضمن التراث والحداثة: دراسات.. ومناقشات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991): 63-94، ص 64-68. وقد خلف عبد الرازق تلامذة كثر، لكن علي سامي النشار (1917-1980) يُعتبر، بل ويَعتبر نفسه، أقربهم إليه وأشهر من انشغل منهم بهذا الموضوع الذي نحن بصدده. وقد أصدر العام 1947 عمله الجامعي، مناهج البحث لدى مفكري الإسلام، الذي نال به شهادة الماجستير عام 1942، ثلاث سنوات فقط بعد صدور عمل أستاذه. ويمكن القول إن ما تركه مصطفى عبد الرازق مضمرا قد ذهب به تلميذه علي سامي النشار إلى أبعد الحدود، سواء في كتابه المذكور أو في نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام. وفي نظره، فإن علمي أصول الفقه والكلام هما ما يمثل التفكير الخالص والتنسيقي للمسلمين. أما المجهودات النظرية للفلاسفة المسلمين فلم تكن أكثر من نسخة للمشائية أو الأفلاطونية المحدثة، مع محاولة فاشلة للتوفيق بين هاتين الفلسفتين والفكر القرآني. ومن هنا، فإنه لمن الخطأ اعتبار الأعمال الفلسفية المعروفة ممثلة للفكر الإسلامي، بل هي خارجة عنه ولا تنتمي. ومن هذه الزاوية يغدو صحيحا ومبررا ذلك الهجوم الذي تعرضت له الفلسفة والمنطق المشائي على يد محدثين وفقهاء. وهكذا، فقد انتهى النشار إلى أن «يؤكد صحة دعوى المستشرقين، بل ليقرر بأقوى مما فعلوا، أن ما وصلنا من الكندي والفارابي وابن سينا وأبي البركات البغدادي وابن رشد ”لم يكن شيئا جديدا…كان فقط صورة من المشائية أو الأفلاطونية المحدثة“ […] فليست دعاوى المستشرقين المنكرين لأصالة الفلسفة الإسلامية هي وحدها الصحيحة [إذن،] بل موقف الفقهاء المناوئين للفلسفة والفلاسفة كان -ولا يزال- هو الموقف الصحيح.» محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، ص 144-145. ويمكن أن نقول إن أعمال هذين الدّارسين المصريين قد خلفت أثرا ”ساحقا“ في أوساط المنتسبين إلى حقل الدراسات الإسلامية، وفي ترسيخ تقليد الفكر الإسلامي الذي -في صيغته القروُسطوية على الأقل- ليس سوى علم الكلام والتصوف وأصول الفقه، وهي علوم قائمة الذات. ولم يسلم من تأثيرها المنتسبون إلى شعبة الفلسفة أيضا؛ ويمكن التمثيل لهؤلاء ببعض كتابات طه عبد الرحمن وعبد المجيد الصغيّر. وعلى سبيل المثال، فقد ظلت كتب الفلاسفة المسلمين، بما في ذلك كتبهم المنطقية، في نظر الصغيّر « كتبا وأدبيات منعزلة عن الثقافة الإسلامية المنتشرة، فلم تتطعم هذه الثقافة بها، إذ ظل المنطق لدى الفلاسفة علما يونانيا خالصا، محصور التداول، ولم يندمج ضمن مكونات علوم الإسلام.» الصغيّر، ”إشكالية استمرار الدرس الفلسفي الرُّشدي: حول أثر الغزالي في المدرسة الرُّشدية بالمغرب،“ ألف 16 (1996): 77-88، ص 86؛ ”حول المضمون الثقافي للغرب الإسلامي من خلال المدخل لصناعة المنطق لابن طُمْلُوس،“ ضمن تجليات الفكر المغربي: دراسات في تاريخ الفلسفة والتصوف بالمغرب (الدار البيضاء: المدارس، 2000): 9-48، ص 42؛ وقد نشر أول مرة في مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط 15 (1989-1990): 119-151. إن الصغيّر هنا يتوافق، من حيث لا يدري، مع ”دعوى الهامشية“ التي عول أصحابها على مذهب المستشرق المجري إغناس غولدسيهر (1850-1921) Ignác Goldziher، الذي يقول إنه بفعل المقاومة التي واجه بها أهل السنة القدماء علوم الأوائل، ظلت العلوم العقلية على هامش المجتمع الإسلامي ولم تندمج في مؤسساته التربوية والدينية والاجتماعية…
[2] – يقول فريد جبر، وهو أحد المتخصصين في فكر الغزالي: «لقد فرض تهافت الفلاسفة وجوده على التقليد الإسلامي بوصفه الكتاب الذي أطلق على الفلسفة رصاصة الرحمة؛ وقد استحق الغزالي، بالفعل، خلال حياته إجلال العالم السني وتقديره.» انظر:
Farid Jabre, La notion de certitude selon Ghazali dans ses origines psychologiques et historiques (Paris : Vrin, 1958) p. 58.
[3]– فؤاد بن أحمد، ”في نقد الاستشراق: موت الفلسفة في السياقات الإسلامية،“ مركز أفكار للدراسات والأبحاث (أكتوبر 2018) الرابط:
https://jfy.pai.mybluehost.me/wp-content/uploads/2018/10/في-نقد-الاستشراق-3-converted.pdf
[4]– صدرت طبعة بولاق لمقدمة ابن خلدون عام 1857.
[5] ماجد فخري، ”الدراسات الفلسفية العربية،“ ضمن الفكر الفلسفي في مائة سنة، إشراف هيئة الدراسات العربية في الجامعة الأمريكية (بيروت: منشورات كلية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأمريكية، 1962): 242-297،
[6]– ماجد فخري، ”الدراسات الفلسفية العربية،“ ص 242.
[7]– ماجد فخري، ”الدراسات الفلسفية العربية،“ ص 243. وقارن فخري، ابن رشد: فيلسوف قرطبة، ط. 2 (بيروت: دار المشرق، 1982) ص 138-144. ويعتبر فخري في الدراسة الأولى أن سيرة ابن رشد لم تدم أكثر من قرن من الزمن بعد وفاته، بينما يذهب هنا إلى أن أثره قد تواصل لعدة قرون، أي إلى مطلع القرن الثامن عشر. انظر، ص 143-144.
[8]– ماجد فخري، ”المقدمة،“ ضمن أبو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة، الطبعة الرابعة (بيروت: دار المشرق، 1990) [كانت الطبعة الأولى قد صدرت 1962] ص 30.
[9]– ماجد فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية (من القرن الثامن حتى يومنا هذا)، نقله إلى العربية كمال اليازجي، طبعة جديدة منقحة وموسعة، ط. 2 (بيروت: دار المشرق، 2000) ص 388. وقارن دي بور، تاريخ الفلسفة في الإسلام، نقله إلى العربية وعلق عليه محمد عبد الهادي أبو ريدة، ط. 3 (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1945) ص 317.
[10]– فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 349.
[11]– فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 421.
[12] Majid Fakhry, A History of Islamic Philosophy, 3rd ed. (New York: Columbia University Press, 2004) p. 323.
[13]– فخري، ”المقدمة،“ ص 30. والتشديد منا.
[14]– فخري، ”المقدمة،“ ص 30.
[15]– فخري، ”المقدمة،“ ص 30. يعتبر غوتاس أن هذا الموقف الصادر من فخري في كتابه تاريخ الفلسفة الاسلامية (1970) والذي اختزل الفلسفة بعد ابن رشد في التيار الإشراقي وتطوراته الصفوية كان بتأثير كوربان. انظر، Dimitri Gutas, “The Study of Arabic Philosophy in the Twentieth Century. An Essay on the Historiography of Arabic Philosophy,” British Journal of Middle Eastern Studies 29 (2002): 5-25, p. 16. ويكفي أن نُذَكِّر أن فخري قد كتب هذا العام 1962؛ وكتاب تاريخ الفلسفة الإسلامية لهنري كوربان صدر العام 1964. ويجدر بنا أن نضيف، هنا، أن أليفر ليمان يلتقي بقول ماجد فخري، وبقول جورج قنواتي عرضناه في موضع آخر. ففي كتاب ليمان عن ابن رشد وفلسفته (1998) يذهب إلى القول بأنه على الرغم من أن ابن رشد قد كانت له الكلمة الأخيرة في تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، فقد كان الغزالي، بجهات عدة، المستفيد الأخير، مادام أن صورة الفلسفة، كما مثلها ابن رشد ودافع عنها، قد آلت إلى انحطاط مفاجئ في المجتمع الإسلامي بعد وفاته. وعلى خلاف ذلك، فقد ظلت مكانة الغزالي معتبرة إلى اليوم. انظر:
Oliver Leaman, Averroes and his Philosophy (Richmond, Surrey: Curzon, 1998) p. 14.
[16]– فخري، ”المقدمة،“ ص 30. أثر سليمان مونك واضح هنا، معنىً وعبارةً.
[17]– فخري، ”المقدمة،“ ص 30.
[18]– فخري، ”المقدمة،“ ص 30.
[19]– فخري، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 495.
[20]– انظر إجنتس جولدسيهر، ”موقف أهل السنة القدماء بإزاء علوم الأوائل،“ ضمن التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: دراسات لكبار المستشرقين، ألف بينها وترجمها عبد الرحمن بدوي (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1940): 123-172.
[21] Abdelhamid I. Sabra, “The Appropriation and Subsequent Naturalization of Greek Science in Medieval Islam,” History of Science 25 (1987): 223-243, p. 229.
[22]– عبد الرحمن بدوي، ”مقدمة عامة،“ ضمن التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية: دراسات لكبار المستشرقين، ألف بينها وترجمها عبد الرحمن بدوي (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1940) ص -ز-. وانظر بخصوص الفن، ص -ح-؛ وانظر بخصوص علوم الحساب والهندسة، وعبقرية اللغة اليونانية والمنطق، ص. -ط-ى-.
[23]– وانظر ما يقوله عبد الرحمن بدوي بخصوص الفن عند اليونان وانعدامه عند المسلمين، ”مقدمة عامة،“ ص -ح-؛ وانظر بخصوص علوم الحساب والهندسة، وعبقرية اللغة اليونانية والمنطق، ص. -ط-ى-.
[24] – كما سنرى أدناه، بخصوص تقويمه لعمل هنري كوربان، تاريخ الفلسفة الإسلامية.
[25]– عبد الرحمن بدوي، ”أوهام حول الغزالي،“ ضمن أبو حامد الغزالي، دراسات في فكره وعصره وتأثيره (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1988):241-251.
[26]– يقول بدوي عن هذا الربط المزعوم بين الغزالي ونهاية الفلسفة في العالم الإسلامي: «هذا الزعم شائع، وإن كنت لم أستطع أن أحدد من هو أول من قال به. إذ لم أعثر على قائل به عند الكتاب المتقدمين، كما لم أجده صراحة عند الباحثين الأوربيين المحدثين.» عبد الرحمن بدوي، ”أوهام حول الغزالي،“ ص 241. وقد أظهرنا في موضع آخر أن سليمان مونك واحد ممن أطلق شرارة هذا الزعم؛ ولسنا ندري كيف فات بدوي الانتباه إلى هذا.
[27]– عبد الرحمن بدوي، ”أوهام حول الغزالي،“ ص 241.
[28]– توفي العام 1050ه/ 1640م.
[29] – بدوي، ”أوهام حول الغزالي،“ ص 242.
[30] – لم يتطرق بدوي في هذا الكتاب للغزالي، لأنه يعتبره مفكرا يقع خارج خط الفلسفة العقلاني بحصر المعنى. وانظر، عبد الرحمن بدوي، موسوعة الحضارة العربية الإسلامية: الفلسفة والفلاسفة في الحضارة العربية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997) ص 153.
[31] – يقول مثلا: «ومن الملاحظ على مؤلف كتابنا هذا أن هذه النزعة إلى تلمس آثار الإسماعيلية بأي ثمن قد دفعته أحيانا إلى مبالغات كثيرة […] فهو حين أراد أن يصحح المنظور السني إلى الفلسفة الإسلامية أفسد ذلك بالمبالغة في اتخاذ المنظور الشيعي.» بدوي، ”نظرة جديدة في الفلسفة الإسلامية،“ ص 16-17.
[32] – ولد عام 720ه/ 1319م، وتاريخ وفاته غير معروف.
[33] – بدوي، ”نظرة جديدة في الفلسفة الإسلامية،“ ص 19.
[34] – الظاهر أن كوربان كان متبرما من عدم تبني قنواتي لتصوره ”للفلسفة الإسلامية“، وتمسكه بتسمية ”الفلسفة العربية“. انظر الهامش الأول من الصفحة الأولى من مقالته المذكورة في الهامش اللاحق.
[35] Georges C. Anawati, « La philosophie d’Averroès dans l’histoire de la philosophie arabe,» in L’averroismo in Italia (Atti dei Convegni Lincei, 40), (Roma : Accademia Nazionale dei Lincei, 1979): 9-19.
[36] Anawati, « La philosophie d’Averroès dans l’histoire de la philosophie arabe, » pp. 12. وانظر هوامش هذه الصفحة ليتبين مدى اعتماد قنواتي على رينان.
[37] Anawati, « La philosophie d’Averroès dans l’histoire de la philosophie arabe, » pp. 12-13.
[38] Anawati, « La philosophie d’Averroès dans l’histoire de la philosophie arabe, » pp. 13.
[39] Anawati, « La philosophie d’Averroès,» p. 16.
[40] Anawati, « La philosophie d’Averroès,» pp. 10, 16.
[41] Anawati, « La philosophie d’Averroès, » p. 13.
[42] Cf. Anawati, « La philosophie d’Averroès, » p. 13-14. هذا السبب سبق أن أشار إليه مونك ورينان، وهو في كل الأحوال يناقش، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار انفتاح الأشعرية نفسها على فلسفة ابن سينا وتحولها إلى كلام فلسفي.
[43] Anawati, «La philosophie d’Averroès, » p. 14.
[44] Cf. Anawati, « La philosophie d’Averroès, » p. 14.
[45] Cf. Anawati, « La philosophie d’Averroès, » p. 15.
[46] Anawati, « La philosophie d’Averroès, » p. 15.
[47] Luis Massignon, « Ibn Sab‘īn et la critique psychologique dans l’histoire de la philosophie musulmane, » in Mémorial Henri Basset, Nouvelles études Nord-Africaines et Orientales, II (Paris : Librairie Orientaliste Paul Geuthner, 1928 ): 123-130, p. 125.
وقد أورده مصطفى عبد الرازق في تمهيد لتاريخ الفلسفة في الإسلام، ص 65. وقد ظهر عمل ابن سبعين بتحقيق جورج كتورة العام 1978. انظر، بد العارف وعقيدة المحقق المقرب الكاشف وطريق السالك المتبدل العاكف، تحقيق جورج كتورة (بيروت: دار الأندلس- دار الكندي، 1978) ص 143.
[48] Anawati, « La philosophie d’Averroès, » p. 13, n. 21.
[49] Anna A Akasoy, “Ibn Sab‘īn’s Sicilian Questions: The Text, its Sources, and their Historical Context,” Al–Qantara XXIX (1, 2008) : 115-146.
[50] – وهو ما سنظهره في موضع منفرد.
[51] – يستعيد أحمد شحلان حكم قنواني، من دون أن يراجعه. انظر عمله الهام، ابن رشد والفكر العبري: فعل الثقافة العربية في الفكر العبري، جزءان (مراكش: المطبعة والوراقة الوطنية، 1999) الجزء الأول، ص 187.
[52]– انظر محمد عابد الجابري، ”الرؤية الاستشراقية في الفلسفة الإسلامية: طبيعتها ومكوناتها الأيديولوجية والمنهجية،“ ص 316-338؛ ”الاستشراق في الفلسفة منهجا ورؤية،“ ص 73-94.
[53]– محمد عابد الجابري، الخطاب العربي المعاصر، ص 137-155؛ ”الرؤية الاستشراقية في الفلسفة الإسلامية: طبيعتها ومكوناتها الأيديولوجية والمنهجية،“ ص 307-315؛ ”الاستشراق في الفلسفة منهجا ورؤية،“ ص 63-74.
[54]– محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي II: بنية العقل العربي. دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2009) [الطبعة الأولى صدرت عام 1986] ص 487.
[55]– بنية العقل العربي، ص 487. وكان الجابري قد قال سنوات من قبل: «فعلا لم تقم للفلسفة بعد الغزالي قائمة، ولكن فقط في المشرق العربي. أما في بلاد فارس فلقد استمر التقليد السينوي حيا، ولا زالت امتداداته هناك إلى اليوم تحمل معها الأصالة القومية الفارسية بلغة أهلها بعد أن خرجت عن دائرة الفلسفة العربية الإسلامية لتدخل دائرة الفلسفة الاشراقية الفارسية.» نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، طبعة ثالثة مزيدة ومنقحة (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي- الفارابي، 1983) ص 57.
[56]– بنية العقل العربي، ص 487.
[57]– بنية العقل العربي، ص 487.
[58]– محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي I: تكوين العقل العربي (بيروت- البيضاء: دار الطليعة- المركز الثقافي العربي، 1984) ص 323. بنية العقل العربي، ص 487-488.
[59] – الجابري، تكوين العقل العربي، ص 325؛ وبنية العقل العربي، ص 487 وما بعدها.
[60] – الجابري، بنية العقل العربي، ص 487-488. وهكذا فإذا كان «الاتجاه الحنبلي السلفي» لابن تيمية «واضحا»، فإن التأثير الفلسفي والرشدي (نسبة إلى ابن رشد) «في منحى تفكيره واضحا أيضا.» محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، ص 536. يقول أيضا: «يمكن القول إن كل ما يقرره ابن تيمية في مختلف كتبه من أن العقل والنقل لا يتعارضان إنما نجد مرجعيته المباشرة عند ابن رشد.» بنية العقل العربي، ص 537-538. وهذا موضوع يستحق بحثا منفردا، سيظهر قريبا.
[61]– محمد عابد الجابري، ”مكونات فكر الغزالي،“ ضمن أبو حامد الغزالي، دراسات في فكره وعصره وتأثيره (الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية،1988): 55-68؛ وأعيد نشره بعنوان مختلف، لكن دونما تغيير في مضامينه. انظر: ”فكر الغزالي: مكوناته وتناقضاته، “ضمن التراث والحداثة: دراسات .. ومناقشات (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1991): 161-164.
[62]– الجابري، ”مكونات فكر الغزالي،“ ص 64؛ ”فكر الغزالي: مكوناته وتناقضاته، “ص 170-171. والتشديد منا.
[63] – الجابري، ”مكونات فكر الغزالي، “ص 64-65؛ ”فكر الغزالي: مكوناته وتناقضاته، “ص 171. والتشديد منا. وللإشارة، فإن طه عبد الرحمن لا يختلف في شيء عن موقف الجابري، عندما يستنتج -من مقدمات وبمرامي مختلفة تماما عن مقدمات الجابري- قائلا: «فحينئذ؛ لا غرابة أن نجد أتباعه الأولين لا بين تلامذته من المسلمين، وإنما بين الأجانب من يهود ومسيحيين.» حوارات من أجل المستقبل (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2011) ص 127. وهذا الموقف يظهر إلى أي حد يكون من باب المغامرة غير المحمودة أن يقدم فيلسوفٌ، لا يعير أدنى اهتمام للتاريخ، على إصدار أحكام يظل الحَكَم فيها هو الوثائق التاريخية. وقد استقر اليوم بين الدّارسين أن عدد تلامذة ابن رشد من المسلمين يقرب من الأربعين. انظر بخصوص هذا عمل محمد بنشريفة، ابن رشد الحفيد. سيرة وثائقية (البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، 1999).
[64]– أظهرنا في موضع آخر كيف أن سليمان مونك (أمشاج من الفلسفة اليهودية والعربية، بالفرنسية، 1859) كان وراء إطلاق نظرية ”الضربة القاضية“ عندما قال الجملة الشهيرة: «وجه الغزالي ضربة للفلسفة لم تنهض بعدها في الشرق.» ص 382. وأظهرنا في الموضع نفسه كيف انتصب المستشرق الألماني دي بور لإظهار فساد القول بـ”الضربة القاضية“، حيث قال: «كثيرا ما يقال إن الغزالي قضى على الفلسفة في الشرق قضاء مبرما، لم تقم لها بعده قائمة؛ ولكن هذا زعم خاطئ لا يدل على علم بالتاريخ، ولا على فهم لحقائق الأمور. فقد بلغ عدد أساتذة الفلسفة وطلابها في المشرق بعد الغزالي مئات، بل ألوفا.» تاريخ الفلسفة في الإسلام، ص 357. وعليه فمن غير المقبول أن يكون دي بور يقول بالضربة القاضية وبخطئها في آن واحد، كما يفهم من كلام جورج طرابيشي، «نظرية الضربة القاضية الغزالية، التي يتبناها الجابري نقلا عن دي بور في تاريخ الفلسفة في الإسلام، هي إما نظرية ساذجة أو سيئة النية.» جورج طرابيشي، مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام (بيروت: دار الساقي، 1988) ص 81؛ ويكرر الأمر نفسه حيث يستدرك في هامش الصفحة نفسها: «قد يكون مفيدا التنويه هنا بأن الجابري لا يسارع إلى تبني نظرية دي بور إلا لأنها تخدم نظريته هو نفسه في عدم صلاحة المشرق للفلسفة من حيث إنه أرض للاعقلانية. وهكذا يقول: ”فعلا لم تقم للفلسفة بعد الغزالي قائمة، ولكن فقط في المشرق العربي“.» ص 81، ه. 79.
[65]– وانظر كيف يؤلف الجابري بين أطروحتي سليمان مونك وهنري كوربان، حيث يقول: «فعلا لم تقم للفلسفة بعد الغزالي قائمة، ولكن فقط في المشرق العربي. أما في بلاد فارس فلقد استمر التقليد السينوي حيا، ولا زالت امتداداته هناك إلى اليوم تحمل معها الأصالة القومية الفارسية بلغة أهلها بعد أن خرجت عن دائرة الفلسفة العربية الإسلامية لتدخل دائرة الفلسفة الاشراقية الفارسية.» نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، طبعة ثالثة مزيدة ومنقحة (الدار البيضاء- بيروت: المركز الثقافي العربي- الفارابي، 1983) ص 57.
[66]– ولا يستقيم النقد، منهجيا وأخلاقيا، إلا بأخذ هذا التحول في مواقف الجابري بعين الاعتبار؛ وإلا فلا معنى للاكتفاء بموقفه في موضع دون الانتباه إلى ما تلاه. لكن المثير للانتباه حقا هو أن الجابري لا يُذَكِّر القارئَ بموقفه السابق الذي يبدو أنه تخلى عنه؛ مع أنه يوجه لمضمون ذلك الموقف أشد النقد، كما سنرى.
[67]– محمد عابد الجابري، ”مدخل عام: الصراع المذهبي، وليس الدين وراء تهافت الفلاسفة للغزالي، “ضمن ابن رشد، تهافت الفلاسفة: انتصارا للروح العلمية وتأسيسا لأخلاقيات الحوار، مع مدخل ومقدمة تحليلية وشروح للمشرف على المشروع م. ع. الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998) ص 20.
[68]– الجابري، ”مدخل عام، “ص 35.
[69]– الجابري، ”مدخل عام، “ص 22.
[70]– هذا الموقف، مضمونا وعبارة، هو ما عبر عنه عبد الرحمن بدوي في ندوة الغزالي حيث كان الجابري يدافع عن عكس هذا الموقف تماما. وفي كل الأحوال لا يذكر الجابري عبد الرحمن بدوي ضمن مراجعه.
[71]– الجابري، ”مدخل عام، “ص 21
[72]– انظر عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني (بيروت: دار المعرفة، د. ت.) ص 158- 231؛ ومصارعة الفلاسفة، ضمن: Struggling with the Philosopher: A Refutation of Avicenna’s Metaphysics, A New Arabic Edition and English Translation of Muhammad b. ‘Abd al-Karim b. Ahmad al-Shahrastānī’s Kitāb al-Musāra‘a, edited and translated by Wilfred Madelung and Toby Mayer (London: I. B. Tauris & Co Ltd and The Institute of Ismaili Studies, 2001).
[73]– يقول الجابري بأن المكلاتي قد «كتب، هو الآخر، كتابا في الرد على الفلاسفة، الفارابي وابن سينا […] وكأنه لم يكن هو الآخر راضيا بطريقة الغزالي في الرد على ابن سينا.» ”مدخل عام، “ص 37. لكن الجابري لا يستثمر ما يقدمه نص المكلاتي من معطيات بخصوص أثر ابن رشد. وهو ما سنقف عند في موضع آخر.
[74] – لدينا اليوم تحقيقان على الأقل لهذا الكتاب. انظر: أبو الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي، لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول، تحقيق فوقية حسين محمود (القاهرة: دار الأنصار، 1977)؛ وقد أصدر باحث مغربي، اشتغل لفترة بقرب الأستاذة فوقية حسين محمود، نشرة أحدث للكتاب، واعتمادا على النسخة الخطية نفسها؛ انظر: أبو الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي، لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول، تحقيق وتقديم وتعليق أحمد علمي حمدان، القسم الأول: التوطئة ونص لباب العقول (فاس: منشورات جامعة سيدي محمد بن عبد الله، 2012).
[75]– محمد عابد الجابري، ”مقدمة، “ضمن ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال أو وجوب النظر العقلي وحدود التأويل (الدين والمجتمع)، تحقيق محمد عبد الواحد العسري، مع مدخل ومقدمة تحليلية للمشرف على المشروع م. ع. الجابري (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1997) ص 8.
[76]– محمد عابد الجابري، ابن رشد، سيرة وفكر: دراسة ونصوص (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998) ص 10.
[77] – محمد أركون، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، ترجمة وتقديم هاشم صالح (بيروت-لندن: دار الساقي، 2011) ص 293.
[78]– Mohammed Arkoun, «Pour une sociologie de l’échec et de la réussite de la pensée chez Ibn Rushd,» in Le Choc Averroès. Comment les philosophes arabes ont fait l’Europe. Travaux de l’Université Européenne de la Recherche. Actes du colloque Averroès, 6-8, Numéro spécial de L’Internationale de l’Imaginaire (Paris : Maison des cultures du monde, 1991) : 35-41, p. 35.
وقد وقفنا على نماذج لهذه المقارنة بين حظ ابن رشد عند بني جلدته وحظه عند الأوروبيين، في محاولتي رينان وقنواتي وآخرين. والملاحظ بخصوص هذا النوع من المقارنات ذهولها عن التاريخ وجنوحها إلى التخمين وإبداع الصور بدل البحث عن الوثائق التي تثبت شيئا أو تنفيه. انظر نموذجا لهذا في بعض كتابات محمد المصباحي، ”بين نهايتين: نهاية العقل الرشدي ونهاية العقل الحداثي،“ ضمن الأفق الكوني لفكر ابن رشد، أعمال الندوة الدولية بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد، مراكش 12-15 ديسمبر (الرباط: منشورات الجمعية الفلسفية المغربية، 2001): 395-410، ص 396، 397-398. بل يذهب حد القول إن ابن رشد كان قد «توقع أفول الفلسفة الوشيك في البلاد الإسلامية.» تحولات في تاريخ الوجود. بحوث في الفلسفة العربية الإسلامية (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1995) ص 326.
[79] – أركون، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، ص 294.
[80] – محمد أركون، ”ابن رشد رائد الفكر العقلاني والإيمان المستنير،“ عالم الفكر، المجلد 27، العدد 4 (أبريل-يونيو، 1999) ص 18.
[81]– Arkoun, «Pour une sociologie de l’échec et de la réussite de la pensée chez Ibn Rushd,» p. 37.
[82] محمد أركون، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، ص 294.
[83]– Arkoun, « Pour une sociologie de l’échec et de la réussite de la pensée chez Ibn Rushd,» p. 38.
[84] – أركون، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، ص 294-295. يرجع أركون فشل فلسفة ابن رشد في المجتمع العربي الإسلامي إلى ضعف النخب التي تعرف القراءة والكتابة، ويخسس من دور الفقهاء المالكيين، ومن تعصب الموحدين وخشونة البربر (كذا). انظر، نفسه، ص 37.
[85] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 81-82.
[86] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 82.
[87] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 82.
[88] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 93.
[89] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 103.
[90] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 81.
[91] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 103.
[92] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 103.
[93] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 80-81.
[94] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 80-81.
[95] – طرابيشي، مصير الفلسفة، ص 70. ومواضع أخرى.
[96]– هالة الورتاني وعبد الباسط قمودي، إسلام عصور الانحطاط (بيروت: رابطة العقلانيين العرب – دار الطليعة، 2007).
[97]– انظر فؤاد بن أحمد، ”في نقد الاستشراق: موت الفلسفة في السياقات الإسلامية،“ ص 4-5.
[98] Robert Brunschvig et Gustav Edmund von Grunebaum (éds.), Classicisme et déclin culturel dans l’histoire de l’Islam : Actes du Symposium international d’histoire de la civilisation musulmane, Bordeaux, 25-29 juin 1956 (Paris: Besson et Chantemerle, 1957).
يحتاج هذا العمل وقفة منفردة بالنظر إلى ما يحمله بين دفتيه من دراسات ونقاشات. وفي الوقت الذي ذهبت بعض النقاشات إلى مراجعة مجموعة من الأحكام المرسلة بخصوص العصور الوسطى الإسلامية، فإن بعض الدراسات قد صادقت على ما سبق لاستشراق القرن التاسع عشر أن قرر. وهكذا فقد كان لعقيدة أهل السنة والجماعة (=الأرثودوكسية)، وفق تحليل هلموت ريتر، نصيب في الانحطاط الذي أصاب الحياة الروحية والفكرية للمسلمين؛ حيث يقول: «وهكذا، فقد كان التوجه الكلي نحو الحياة الآخرة نهاية مفكر سني كالغزالي، بل كانت نهاية التاريخ الروحي للإسلام في العصر الوسيط بعامة. فقد كان تهافت الفلاسفة نقطة النهاية، نقطة نهاية النقاشات الفلسفية الأصيلة في الإسلام.»
Hellmut Ritter, « L’orthodoxie a-t-elle une part dans la décadence ?,» in Classicisme et déclin culturel dans l’histoire de l’Islam : 167-181, p. 168.
[99]– الورتاني وقمودي، إسلام عصور الانحطاط، ص 73. والتشديد منا.
[100]– على التوالي: أبو إسحاق الكندي (269هـ/873م)؛ أبو نصر الفارابي (339هـ/950م)؛ أحمد بن يعقوب مسكويه (421هـ/1030م)؛ ابن مسرة القرطبي (319 هـ/931م).
[101]– الورتاني وقمودي، إسلام عصور الانحطاط، ص 74. والتشديد منا.
[102]– الورتاني وقمودي، إسلام عصور الانحطاط، ص 76. والتشديد منا.
[103]– نفسه، ص 74-75. ومعلوم عند المهتمين أن مقاصد الفلاسفة لا يحمل أي رد على الفلاسفة، بل هو بنحو من الأنحاء مقدمة لتهافت الفلاسفة. كان مانويل ألونصو في 1963 قد عقد مقارنة بين أجزاء المقاصد (المنطق، والإلهيات، والطبيعيات) وأحزاء من دانش نامه (كتاب العلم) لابن سينا المكتوب بالفارسية، وانتهى إلى القول إن كتاب الغزالي مقتبس من كتاب الثاني.
Manuel Alonso Alonso, «Prólogo,» in Algazel, Maqasid Al- Falásifa O Intenciones de Los Filósofos, Traducción, prólogo y notas por El P. Manuel Alonso Alonso (Barcelona : Juan Flors, 1963) pp. xlv-lii.
أعاد جول يانسنس إنتاج الفكرة ذاتها في:
Jules Janssens, «Le Dânesh-Nâmeh D’ibn Sînâ : Un Texte A Revoir?» Bulletin De Philosophie Médiévale, vol. 28 (1986): 163-177.
وفي كل الأحوال، فالموضوع ما يزال محل أخذ ورد بين الدارسين. انظر:
Wilfered Madelung, “Ibn al-Malāḥimī’s Refutation of the Philosophers,” in A Common Rationality: Muʿtazilism in Islam and Judaism, ed. by Camilla Adang, Sabine Schmidtke, and David Sklare (Würzburg: Ergon Verlag in Kommission, 2007): 331-336, p. 334.
[104]– على الرغم من أن المؤلفين قد قررا اختفاء الفلسفة الكلي في العالم الإسلامي منذ بداية الفقرة المخصصة للفلسفة من الكتاب، فإنهما يكتفيان هنا بالحديث عن الإقصاء والمعاداة الناتجين عن عمل الغزالي: «وهكذا بعد تهافت الفلاسفة للغزالي وقف الفكر الإسلامي بعد القرن الخامس في المشرق موقفا سلبيا إزاء الفلسفة التي أقصيت من المدارس المؤطرة للفكر، مثل المدرسة النظامية [كذا].» إسلام الانحطاط، ص 75. ويربط المؤلفان بين التردي الفكري في الإسلام وتوقف التعاطي للفلسفة، حيث يقولان: «وقد أدى العداء الواضح للفلسفة في السياقات الإسلامية سواء الفلسفة العقلية أو الإلهية إلى تكريس القطيعة الأساسية في التاريخ الفكري الإسلامي بغياب الفلسفة التي كان يمكن أن تنقذ الإسلام من ترديه الفكري بعد القرن الثامن لو تواصل وجودها المثمر.» ص 77.
[105] – وقد بلغ الاطمئنان بالناس حد اعتبار تلك المعادلة التي يعود وضعها إلى رينان عام 1852 شعار حركة تنويرية في مصر. فقد اتخذت المعادلة عنوان ”مفارقة ابن رشد“ الذي اشتهر به الراحل مراد وهبه في مصر منذ سبعينيات القرن الماضي، ومفادها أن ابن رشد حيٌّ في الغرب ميتٌ في الشرق، رائدٌ للتنوير في أوروبا بينما هو مضطهدٌ بين أهله. فكيف ولماذا نجح مذهب ابن رشد في تشكيل الرشدية اللاتينية التي أسهمت في نشأة العقلانية الأوربية والتنوير، بينما فشلت الثقافة العربية الإسلامية التي أنتجت ابن رشد في تطوير صيغتها المخصوصة من الرشدية التي يفترض أن تكون موازية لتلك الأوروبية؟ انظر:Mourad Wahba, “The Paradox of Averroes,” ARSP: Archiv für Rechts- und Sozialphilosophie / Archives for Philosophy of Law and Social Philosophy 66 (2, 1980): 257-260, p. 257.
وقد وقفنا أعلاه على امتدادات هذه المفارقة، التي صارت عند بعض الدارسين والمثقفين ذات صبغة إيديولوجية دَعَوية أكثر منها علمية أو تاريخية. ومن الغريب أن الدارسة الألمانية أنكي فون كوغلغن (في عملها ابن رشد والحداثة العربية: محاولات في تأسيس العقلانية في الإسلام (بالألمانية، 1994) ص 1) والتي يفترض أنها مطلعة على أطروحة رينان، قد اعتبرت مراد وهبه أول من صاغها في مقالته المذكورة للتو، والتي هي من أربع صفحات تقريبا. وانظر أيضا Stefan Wild, “Islamic Enlightenment and the Paradox of Averroes,” Die Welt des Islam 36 (Nov., 1996): 379-390, p. 380.
وانظر أيضا، نصر حامد أبو زيد، ”من المعتزلة وابن رشد إلى محمد عبده،“ ضمن ابن رشد والتنوير، أعمال المؤتمر الدولي الخامس بالقاهرة في 5-8 ديسمبر 1994 (القاهرة: دار الثقافة الجديدة، 1997): 129-148، ص 129، 142-143.
[106] – هنا يمكن للمرء أن يتساءل مثلا: ما هي هذه النصوص الفلسفية والتاريخية التي استقصاها عبد المجيد الصغيّر ليقرر بعض الأحكام التي لا تستقيم وما يوجد من شواهد اليوم؟ كأن يقول مثلا: «ثم جاءت فترة من الدهر لم يعد للفلسفة اليونانية ولا لشروحها الرشدية ذكر في الغرب الإسلامي.» ”المنهج الرشدي وأثره في الحكم على ابن رشد لدى مغاربة القرنين السادس والثالث عشر للهجرة (12و19م)،“ ضمن أعمال ندوة ابن رشد ومدرسته بالغرب الإسلامي، بمناسبة مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد خلال أيام 21، 22، 23 أبريل 1978 (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسة والنشر والتوزيع، 1981): 314-349، ص 337؛ ويضيف قولا آخر لا يخلو من نفحات استشراقية: «إنه جميل أن نكتشف الاتجاه العقلاني في النسق الرشدي، وجميل أن يقال أن المذهب الرشدي يتسم بكذا من الخصائص المتكاملة. ولكن إذا كان هذا جميلاً فلماذا لم يُكتب البقاء لفلسفة ابن رشد حتى بين تلاميذ له في الغرب الإسلامي؟ بل إن من بين تلك القلة من التلاميذ، من رفض فلسفة أستاذه أو رفض جانبا مهما منها. مع أن الفلسفة استمرت في المشرق رغم هجوم الغزالي عليها، في حين شهد الغرب الإسلامي تراجعا نهائيا للفكر الفلسفي، مع أنه، أي الغرب الإسلامي أعطى -دون الشرق- مدافعا قويا عن الفلسفة كابن رشد. فكان الأولى أن يستمر الفكر الفلسفي بالمغرب الإسلامي، ولكن الذي وقع هو العكس.» ص 315. فهل قرأ الصغيّر مختصر المنطق لابن طملوس كاملا وأعمال ابن سبعين المعروفة، منذ زمن، ليقول بمثل هذا؟ أم أنه اطلع على نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري ليظل متمسكا بأن الفلسفة لم يعد لها ذكر في الأندلس؟ في كل الأحوال سنقف على أهمية هذه النصوص ودلالتها بالنسبة إلى موضوعنا في مقال آخر.
__________________________________________
للإحالة على هذه المقالة:
بن أحمد، فؤاد.”موت الفلسفة في السياقات الإسلامية (2): سؤال التراكم وصدى الاستشراق في الدراسات العربية،“مركز أفكار للدراسات والأبحاث(أكتوبر 2018).
الصيغة الأولى: محدد موقع المعلومات = URL:
https://jfy.pai.mybluehost.me/2018/10/
الصيغة الثانية: نموذج المستندات المحمولةPdf=:
https://jfy.pai.mybluehost.me/wp-content/uploads/2018/10/في-نقد-الإستشراق-3-معدل-converted.pdf
لتحميل الدراسة (نسخة PDF) أنقر هنا