قضايا إسلامية معاصرة تناقش مشكلة الشر من جديد
يصدر قريبًا في بيروت العددُ المُزْدَوَج (79-80) من مجلة قضايا إسلامية معاصرة التي كان صدورُها الأول عام 1997 ميلاديًّا؛ وهي مجلة فكرية غنية عن التعريف، تُعْنَى بتجديد الفكر الديني وفلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، ونشر دراسات وترجمات ومقالات فلسفية ذات رؤىً منفتحة وإنسانيَّة؛ يُشرِف على إصداها مركز دراسات فلسفة الدين – بغداد، ويرأس تحريرَها المفكرُ العراقيّ د. عبد الجبار الرفاعي.
لا يَزالُ محور العدد الجديد مناقشًا قضيةً ومشكلةً فكريةً شغلتْ العقلَ الإنسانيَّ المؤمن وغير المؤمن على السواء، أعني مشكلة الشر التي استعملها غير المؤمنين من أجل نقض عُرَى الإيمان، وإيقاع الشك في قلوب المؤمنين، لذا كان لزامًا على العقل المؤمن الوصول إلى محاولةٍ لتسويغ العدالة الإلهية في العالَم؛ وهو ما اصطُلِح على تسميته بـالثيوديسيا؛ الأمر الذي اضطلعت للقيام به عقول انتمت إلى أديان وفلسفات ضمن سياقات وأفكار متخالفة ومتكاثرة في الزمان طولًا وعرضًا. وبذلك تكون المجلةُ قد أَوْلَتْ مسألةَ الشرّ عنايتها في أربعة أعداد مزدوجةٍ في أربع سنين متتابعة (73-74، 75-76، 77-78)، ليأتي العددُ الجديد (79-80) الواقع في 477 صفحةً ختامًا لهذا التناوُل الحثيث والجادّ لهذه المشكلة.
يحتوي العددُ على مجموعة من الدراسات، والترجمات، والمقالات بلغ عددُها 15 موضوعًا بدون الافتتاحية؛ تتناول سبعة منها موضوعَ محور العدد (مشكلة الشر)، كما تتناول الثمانية الباقية مواضيعَ أخرى خارجة عنه؛ وإليك بيان ذلك:
افتتاحية العدد
يأتي مُفْتَتَحُ العدد بعنوان: “الهوامل والشوامل في إيقاظِ العقلِ الخاملِ بالتَّساؤُل“، يحاول فيه كاتبه وهو د. علي المدن مناقشة مشروع د. عبد الجبار الرفاعي حول فلسفة الدين، ولعلّ هذه المقالة تُعَدّ إحدى المداخل إلى فهم مشروعه الفكري في توسُّلها فكرة التوحيدي في الهوامل (الأسئلة)، والشوامل (الأجوبة) كما ظهرت على مدار كتبِ ودراسات وحوارات المفكر العراقي. يقول علي المدن: (يحقّ لنا التساؤلُ حول أسئلة الرفاعي نفسها: إلى أي حد يمكن اعتبارُها “مدخلَه الخاصَّ” للوصول إلى “الممنوع من التفكير فيه“؟ “الممنوع” الذي كان الرفاعي، ومِن خلفه الجيل الذي ينتمي إليه، يعيش فيه ويتحرك في دائرتِه؟ وهل كانت أسئلتُه “فاضحةً” للأخطاء؟ وما هي طبيعة تلك الأخطاء ومجالها؟)[1].
وبعد الافتتاحية، تنقسم مقالات ودراسات وترجمات العدد إلى قسمين:
1) قسم يتناول محور العدد (مشكلة الشر)، وهو قسم مُخَصَّص لملفِّ العدد ومحوره، وقد جاء على النحو التالي:
- “الشر والمعاناة الإنسانية في الفكر الإسلامي: نحو نظرية عرفانية للعدالة الإلهية“: وهي دراسة عرفانية مترجمة لـد. نسرين روضاتي Nasrin Rouzati، قام عبد العاطي طلبة بترجمتها. وفي هذه الدراسة تُلقي نسرين روضاتي الضوءَ على معالجة مشكلة الشر والمعاناة الإنسانية من وجهة نظر إسلامية، أملًا في الوصول إلى نظرية عرفانية تُعنَى بالعدالة الإلهية. تقول: (لا يَتصور الوحيُ الإسلاميُّ مفهومَ الشر والمعاناة الإنسانية على أنه “مشكلة” ينبغي التوصل فيها إلى حلّ، ولكنه بدلًا من ذلك، ينظر إليها على أنها جزء من التجربة الإنسانية)[2].
- “معضلة الشرّ في اللاهوت والفلسفة الوسيطَيْنِ”: وهي دراسة تأصيليَّة قدمها د. محمد بوهلال يحاول فيها بحث مشكلة الشر من خلال النظر في معالجاتها ضمن اللاهوت والفلسفة في العصور الوسيطة، وهو لهذا يتناول المشكلة في ضوء تناوُل لاهوتيين وفلاسفة مسلمين ومسيحيين. يقول: “نسعى في هذا المقال إلى التعرّف على الأطروحات الفلسفيّة والكلاميّة الإسلاميّة في الموضوع، مركّزين على آراء أبي علي الحسين بن سينا، وقاضي القضاة المعتزلي عبد الجبّار بن أحمد، وأبي الحسن الأشعري، وأبي منصور الماتريدي، وحجّة الإسلام أبي حامد الغزالي، وعلى الأطروحات الفلسفيّة واللاهوتيّة المسيحيّة، مركّزين على القدّيس أوغسطين، والقدّيس توما الأكويني، دون حصر الاهتمام في هؤلاء. وقد رتّبنا كلامنا في معضلة الشرّ على أربعة محاور: تطرّقنا في أوّلها إلى مشكلة مفهوم الشرّ؛ وفي ثانيها إلى مشكلة فاعل الشرّ؛ وفي ثالثها إلى صلة الشرّ بالصفات الإلهيّة؛ وفي رابعها إلى صلة الشرّ بنظام العالَم”[3].
- “مشكلة الشر في اللاهوت الإصلاحي: جون كالڤِن وكارل بارت نموذجًا“: وهي دراسة مترجمة عن الفيلسوف البريطاني جون هيك John Hick، ومُسْتَلَّة من كتاب “الشر وإله المحبة Evil and the God of Love”، الذي قام مركز دراسات فلسفة الدين بشراء حقوق ترجمته، ولعله يصدر نهاية هذا العام من ترجمة: عبد العاطي طلبة. في هذا المقال يتناول هيك المشكلة في ضوء اللاهوت الإصلاحي من خلال مصلحَين كبيرَين هما: جون كالفن John Calvin، وكارل بارت Karl Barth، ويقوم “بتتبع الثيوديسيا الخاصة بهما من خلال عمليهما الأساسيَّين (أُسُسُ الدين المسيحي، ويقينيات الكنيسة)؛ ليس باعتبارهما مُمَثِّلَيْنِ للاتجاه والتقليد الأوغسطيني في الثيوديسيا فحسب، بل وباعتبارهما مُطَوِّرَين له، ومن أكابر الممثلين لعصور الإصلاح في تخالُف أماكنه، وتعاقُب حوادثِه”[4].
- “تأويلية الشر وتمظهراته في المملكة الإنسانية عند ملا صدرا الشيرازي“: وهي دراسة تبحث المشكلة لدى فيلسوف من أعاظم فلاسفة المسلمين المشهور بملا صدرا، قدمها د. غفران حسايني. يقول: “إن خطورة الأسئلة المترتبة عن طرح قضية وجود الشر في فلسفة الدين تجعل الطريقَ إلى حلِّها متوعرة لدى غالب الباحثين وحتى علماء الكلام واللاهوت، فالإيمان بوجود إله مطلق القدرة والخير مع الإقرار بوجود الشر في آن واحد يصعب الجمع بينهما، وقد اعتبر الفيلسوفُ صدرُ الدين الشيرازي المعروف بصدر المتألهين أو الملا صدرا صاحب مدرسة الحكمة المتعالية، أن قضية الشر من أكثر الإشكاليات غموضًا، يصعب تفسيرُها من عامة الناس، بل إن ما يترتب عنها من أسئلة واستتباعات، لا يصل إلى حلها مجردُ المشتغلين بالعلوم أو الموسومين بالعلماء، بل تحتاج لحل عقدتها الرسوخ في العلم والاتِّصاف بالكمال وهو اقتفاء مسلك الراسخين، والنظر بعيون صحيحة منوّرة بنور الله في آياته”[5].
- “الشر بين الطبيعة والثقافة: مقاربة تركيبية“: وهي دراسة تركيبية قدمها الكاتب المغربي حسن العلوي؛ تحاول الوقوف على معنى الشر كقيمة وبنية في سياق الطبيعة والمجتمع والوعي الإنساني. يقول: (يشترك الإنسان مع الحيوان في الإحساس بالألم، إذ يتألم الحيوانُ عندما يصاب بالأذى فيعبّر عنه بالصراخ، لكننا لا ندري إن كان يسمي ذلك “شرًّا” أم لا، غير أن الأكيد، في هذا السياق، أن الحيوان المتألم وهو يصرخ بصوت غفل لا يخاطب بما يتخاطب به الإنسان، أي باللغة التي بها يسمي ما يحس به “ألمًا”، وما يقع له “شرًا”. لكن هل الإحساس بالألم والقدرة على تسميته هما ما يحدّد مُسمَّى “الشر” و”الخير”؟ لا شك أن تألم الحيوان وصراخه من الأذى يدل على أن دماغه، هو الآخر، يقرأ شفرة الألم-الأذى، مما يعني أنه يتمتع بدرجة ما من الوعي، لكن الفرق بينه وبين الكائن البشري يتجلى في أنه لا يُسمِّي، كما يفعل الإنسان، فيكون الفرق حينئذ فرقًا في الدرجة وليس في النوع، وهنا يطرح السؤال عن الوضع الذي سيكون عليه الإنسان لو لم يتمتع بالقدرة على التسمية؟)[6].
- “مشكلة الشر بين الواحدية والثنائية“: وهي دراسة مترجمة هي الأخرى عن الفيلسوف البريطاني جون هيك John Hick، ومُسْتَلَّة من كتاب “الشر وإله المحبة Evil and the God of Love”، الذي قام مركز دراسات فلسفة الدين بشراء حقوق ترجمته، ولعله يصدر نهاية هذا العام. وفيه يقوم جون هيك بتعريف الشر، وبحث مسألة جواز القول بثيوديسيا، والحديث عن أنواع الشر، ومن ثم يتناول المشكلة ضمن الفلسفات الواحدية لدى سبينوزا، و ماري بيكر إيدي Mary Baker Eddy، وضمن الفلسفات الثنائية لدى أفلاطون، وجون ستيوارت مِل John Stuart Mill، وإيدجار شيفلد برايتمان Edgar Sheffield Brightman. يقول: “يُعنى بالواحدية وجهةُ النظر الفلسفية التي تقول بأن الكون كلَّه يُشكِّل وَحدة مطلقة تتناغم أجزاؤُها؛ ما يجعلها تطرح الشرَّ في نظرتها إلى الثيوديسيا على أنه شرّ في ظاهره ليس إلا، بل ومن الممكن إدراكُه خيرًا إذا ما تمكنّا من رؤيته في سياقه الكونيّ الكامل… ومن ناحية أخرى، ترفض الثنائيةُ -باعتبارها ثيوديسيا- الزعمَ بالتناغم المطلق، بل وتصرّ على تعارُض الخير والشر تعارضًا كليًّا لا يمكن معه التوفيق بينهما، كما يستحيل فضّ هذه التثنية إلا من طريق اجتياح أحدهما الآخرَ”[7].
- “نقد دليل العناية في فلسفة سبينوزا“: وهي دراسة نقدية قدمها د. رشيد بن السيد؛ تعرض دليل العناية باعتباره أحد الأدلة المعتمَدة لإثبات وجود الله، وما قدمه سبينوزا من نقد مُتَهكِّم شديد للقول بالعناية واعتبار الإنسان مركزًا للكون. يقول: “إن هذا النقد الصارم يستهدف القضاء على فكرة تنمّ عن سذاجة وكسل فكري لدى بعض العوام؛ هذه السذاجة تُعطِي للإنسان طبيعة إلهية لا يستحقها… وفي نفس الصدد يحذر سبينوزا من هذه الفكرة العامة المتداولة عن عناية إلهية خاصة تحيط بالإنسان وتحميه من كل الآفات”[8].
- أما القسم الثاني فيتناول موضوعات خارج محور العدد، وهي كالتالي:
- “تحولات الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث“: وهي ورقة لـد. عبد المجيد الشرفي يتتبع فيها تحولات الظاهرة التوحيدية في عصرنا الحالي بين اليهودية والمسيحية والإسلام، وخضوع التوحيدية كظاهرةٍ دينية في التاريخ دائم التحول والاستمرار إلى ظروفها التي نشأت من خلالها. يقول: “ومتى رُمنا تتبّع التحوّلات التي طرأت على الظاهرة التوحيدية في العصر الحديث تعيَّن علينا التذكير بصفة سريعة بالوضع الذي كانت عليه هذه الظاهرة في كل ديانة من الديانات التوحيدية الثلاث في ماضيها البعيد والقريب. وإنّ الإقرار بأنّ للتوحيد في حدّ ذاته تاريخًا موضوع مثير للضمير الديني لدى أتباع تلك الديانات”[9].
- “أيّ دولة إسلاميّة في مشروع وائل حلاّق: دولة التّاريخ أم دولة الرّسالة؟“: وهي دراسة نقدية موجزة قدمها د. رياض الميلادي، مناقشًا فيها مشروع وائل الحلاق، ناظرًا في مرجعياته الفكرية، ومصادر تفكيره، من أجل تبيُّن حدود مشروعه المتعلق بعلاقة الدين بالدولة في نظام الحكم الإسلامي على مر التاريخ وحتى وقتنا الراهن. يقول: “ومدار اهتمامنا في هذا البحث على مشروع وائل حلاّق من خلال قراءته لأزمة الدّولة الحديثة ومأزق الحداثة الغربيّة حسب عبارته التي جعلها مضافة إلى عنوان كتابه الدّولة المستحيلة ولكنّ أهمّية هذا البحث، في ما نقدّر، تكمن في أنّنا لن نكتفي بالنّظر في كتابه هذا وإنّما سنقرأ مشروعه برمّته وسنعود إلى أهمّ ما كتبه حلاّق منذ ثمانينات القرن الماضي في قضايا التّشريع الإسلاميّ إذ دون ذلك تبقى محاولاتُ فهم مشروعه منقوصةً بل قاصرة عن إدراك ما سعى الباحث إلى تأسيسه”[10].
- “من الوجوب إلى الإمكان: مقال في أنطولوجيا البديهة الأولى“: وهو مقال متفلسف يحاول فيه د. منذر چلوب فهمَ الوعي بوصفه كينونة أنطولوجية جامعة الضمير أو الأنا التي يفهمها على أنها الكيان الوحيد الذي من الممكن فهمه على أنه واجب الوجود. يعالج د. منذر مفاهيم الوعي، والأنا، وما يتصل بهما من خلال مفهوم الواجب والممكن وجودًا في سياق الفلسفة على شتَّى نَزَعاتِها، ولدى النظريات العلمية المتعلقة بالإنسان. يقول: “ويتم الوصول إلى حقيقة الوجود وكونه موجودًا بواسطة حقيقة أنا موجود فقط. فالأنا التي نصل إليها بوصفها نقطة توجد هنا والآن فاصلة بين الماضي والمستقبل من حيث الزمان، ومن حيث المكان هي حضور مركز في نقطة مكانية… فتكون الأنا هي الوجود برمته؛ عابرة كل زمان وكل مكان”[11].
- “الحجاج في الدرس الكلامي: رؤية لتجديد علم الكلام في ضوء المقاربة التداولية“: وهو بحث مُطَوَّل يحاول فيه د. رمزي تفيفحة تتبُّع التاريخ اللغوي وتلمُّس الأفكار اللغوية التي كان لها شأن في القول الكلامي أو الفلسفي، فهو يناقش الكيفية التي كانت بها اللغةُ مُنتِجَةً للقول الكلامي على مرّ العصور الإسلامية، ولدى كثيرين. يقول: (ولئن اعتبرت الكلمةُ أسَّ الحضارة اليونانية وعنوان تطوّرها وازدهارها، فإنّها مثلتْ أهم عنصر في البنية الثقافية للمجتمع العربي، فقد شكّل الشعر في العصر الجاهلي الأداة التي بها صوّر العرب أنماط عيشهم، وعبّروا بها عن انفعالاتهم، فرسموا به كل مشاهد الحياة في حلّهم وترحالهم، ومديحهم وهجائهم، وأفراحهم وأحزانهم، وسِلْمهم وحروبهم، حتى أضحى الشعر عند العرب في الجاهلية “ديوان علومهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون وإليه يصيرون”)[12].
- “الله واللغة“: وهي دراسة مُطَوَّلة من تأليف د. أمير زماني، ومن ترجمة: حسن الهاشمي؛ يناقش فيه كاتبُه فكرةً تعاكس البحثَ سابق الذكر، فلئن كان البحثُ السابق يناقش كيف أن اللغة منتجة للقول الكلامي، فهذا البحث يناقش إمكان أن تكون اللغةُ قادرةً على التعبير عن الإلهي؛ من خلال فلاسفة ومفكرين عديدين؛ كأفلوطين، وموسى بن ميمون، وتوما الأكويني، وملا صدرا. يقول: “إن المسألة الرئيسة في هذا البحث هي: هل يمكن لنا أن نتحدّث بلغتنا العادية عن ذات الله وصفاته الذاتية وأفعاله؟ بعبارة أخرى: هل يمكن للغة العادية والطبيعيَّة أن تُعرب وتحكي عن الله وصفاته وأفعاله؟ أو أن هذه المرتبة من الوجود بحاجة إلى لغةٍ أخرى تناسبها؟”[13].
- “الوحي والقول الثقيل: في علم الكلام الجديد عند عبد الجبار الرفاعي“: قدم هذه الورقة د. ضياء خضير، مناقشًا فيها فكرة الوحي بوصفها قولًا ثقيلًا كما ورد في القرآن؛ وكيف فهم علمُ الكلام مسألة الوحي قديمًا، ولهذا فهو يقدِّم آراء المتكلمين والمفكرين والمتصوفة حول هذا الموضوع في سياق مناقشته مفهوم الكلام الجديد لدى د. عبد الجبار الرفاعي الذي له قول في الوحي، ونقد على غيره فيه. يقول: “يشير في أكثر من موضع من كتابه عن علم الكلام الجديد إلى الكيفية التي لا يصحّ فيها تطبيقُ مناهج البحث العلمي في اكتشاف ذات الحقائق الميتافيزيقية، وما هو خارج عن الطبيعة مثل الوحي بوصفه حقيقة غيبية ينتمي إلى ما بعد الطبيعة، لذلك لا يصح تطبيق مناهج وأدوات علم النفس وغيره من العلوم في الكشف عن ذات الغيب وتحليل مضمونه ومعرفة حقيقته”[14].
- “مشروع علم الكلام الجديد للرفاعي: مراجعة نقدية“: وهي ورقة نقديَّة، يتناول فيه د. يوسف بن عدي مشروع د. عبد الجبار الرفاعي في محاولات تجديده علم الكلام وتحديثه بالنقد. يقول: “فلما كانت هويّةُ الكلام الجديد عند الرفاعي هي ممارسة النقد على العوائق التي كانتْ السبب الرئيس في التأخير التاريخي للحضارة العربيّة، وتقديم بمعيّة ذلك الحلول الناجعةِ والمقتدرة على بناء مستقبل المعرفة والسلطة… تحوّل [هذا النقد] إلى نقد يفقد قوته وديناميته، وفاعلته المطلوبة؛ مما جعل بعض نُقَّاده يتهمونه بأنّ هوية الكلام الجديد مبعثرة، وذات نزعة تجزيئية. والحال أنّ نقد الكلام القديم يفترضُ نقدًا فلسفيًّا ومنهجيًّا تحت شروط وضع الموضوع على مسافة من الذات، ووضع الذات على مسافة من الموضوع”[15].
- “الهُوية والعالمية: مساهمة أنطولوجية في فهم آناركية نماذج الوجود العالمية السائدة“: قدم هذه الدراسة د. محمد حسين الرفاعي؛ يحاول فيها معالجة الإنسان الجديد وفهمه من خلال سياقات هُويَّته الخاصة ووجوده العالمي، وقلقه السايبراني. يقول: “إن الإنسان على الأرجح، ومن جهة ما اختُص به، يتوفر على نزعة نحو معرفة ذاته من خلال الهوية، لكن ليس هذا فحسب، بل إنه يتوفر على ضروب إمكان إعادة تعيين الهوية بما يتعلق بتوسط الوعي؛ وعي الذات بوصفه قابلية عقلية، أو وظيفة العقل الحديث”[16].
نختم هذا المقال التعريفي بالعدد ومحتوياته بما أورده ستيفن تي. ديفيس تعبيرًا عن صعوبة المشكلة وفداحة الشر في العالم؛ يقول: “الحياة شاقَّة! يقاسي النَّاسُ فيها اختبارَ الآلام، والمعاناة، والفقدان، والندم مشاركةً. لا شكّ تعودهم بين الفينة والأخرى أحايينُ من الاطمئنان، والفَرح، وربما فرط السعادة، لكنّنا لا نكادُ نهنأ في الغالب، إذ نتقلَّب بين الكثير من التّعاسة، والسُّخْط، والأَسَى، بل ونكابد أيضًا أنواعًا من الشرور التي يرتكبُها آخرون حِيالنا؛ كممارسات الغش والاحتيال، والسرقة وربما القتل! ولا نسلم كذلك من أنْ تصيبنا عذاباتٌ مختلفة يفيض بها العالَمُ الطبيعي كلَّ وقتٍ؛ كالأوبئة، والزلال، والسّيول، والأعاصير، وأمواج تسونامي، وما ينتظرنا من موت وهلاك محتوم. إنّ جانبًا جسيمًا من الحالة الإنسانيّة يُمثِّله عمومُ الشر في العالَم المُعاش الذي تعتريه مشقةٌ غامرة، وآلام قاسية، وفقر مُدْقِع، وأعمال عنف عبثيّة، وتحوّلات مشؤومة للقدر”[17].
[1] ص 9.
[2] ص 40.
[3] ص 48.
[4] ص 94.
[5] ص 123.
[6] ص 148-149.
[7] ص 179.
[8] ص 206.
[9] ص 221.
[10] ص 241.
[11] ص 265.
[12] ص 316.
[13] ص 353.
[14] ص 427.
[15] ص 457-458.
[16] ص 462.
[17] تي. ديفيز، ستيفن، مشكلة الشر في ضوء الحياة الآخرة، ترجمة: عبد العاطي طلبة، مجلة: قضايا إسلامية معاصرة، العددان: 77-78 (بغداد: مركز دراسات فلسفة الدين، 2022)، ص 134.