الشباب ضمانة التقدم الاجتماعي
المقدّمة:
إنّ مرحلة الشّباب مرحلة تتوسط سنّ المراهقة وسنّ الرّشد. وهي تتميّز بسمات مهمّة لدى الدّارسين لأنّها فترة حيويّة يزداد فيها الوعي بأهمّ قضايا المجتمع وشواغله باعتبار أنّ الشّباب عنصر أساسيّ في معالجتها. وتزداد تجارب الشّباب عندما يكتمل النّمو مع اكتمال الرّشد، إنّ الشّباب الحامل لقيم التّعليم الّذي تلقّاه يكون مؤهلا طبيعيّا لتنميّة الطّاقات الإنتاجيّة داخل المجتمع. فهو بذلك يمثّل طاقة تطوّر ونمو.
إنّ فترة الشّباب فترة حاسمة بما فيها من طاقة ونشاط. وهي في كثير من الأحيان تكون في منعرج إمّا أنّ يُؤدّي إلى الفاعليّة وإمّا إلى الانحدار. والفاعليّة تتجلّى بكلّ مظاهرها إذا كانت التّربية الّتي تلقّاها الشّباب في الأسرة والمدرسة حُبلى بالقيم والمثل العليا. وأمّا الانحدار فهو نتيجة الخواء التّربوي والفراغ القيَمي نتيجة الإهمال والتّجاهل. فمعالجة قضيّة الشّباب لا تكون معزولة عن السيرورة الاجتماعيّة بما في المجتمع من مؤسّسات بدءا من الأسرة والمدرسة والإعلام والاقتصاد والثّقافة والتربيّة والتّعليم.
إنّ الشّباب في كثير من الأحيان يكون ضحيّة هذه المنظومات ولاسيّما إذا لم تكن مؤسّسة على قواعد متينة في ضوء المناهج العلميّة في المستويات الاجتماعيّة والنّفسيّة. ودون ذلك يهدّد مسيرة الشّباب العديد من الصّعوبات والمشاكل والعراقيل من قبيل البطالة والفراغ. وهي دواعي الانحراف والانزلاق في العنف والمخدرات والهجرة غير الشّرعيّة والانتحار.
إنّ فرضيّة هذا البحث تنهض على أنّ الشّباب سلاح ذو حدّين إمّا أن يمثّل طاقة تقدّم وأداة تطوير، وإمّا أنّ يتحوّل إلى وسيلة تخريب وتهديم. ولقد تمّ توخي المنهج التّفكيكي البنائي، التماسا لتحليل الظّواهر ونقدها من أجل الوصول إلى بعض النتائج. وقد توزّعت المادّة، ضمن هذا البحث، على العناصر التّاليّة مفهوم الشّباب لغة واصطلاحا وعلاقة الشّباب بالتّعليم، وبيان أنّ الشّباب عنصر تطوير للمجتمع ثمّ الكشف عن بعض الصّعوبات الّتي تهدّد تجارب الشّباب في الحياة.
1 مفهوم الشّباب:
بالنّظر إلى ما استقرّ عليه اللّسان العربي وفق ما ورد في لسان العرب لابن منظور يجد الدّارس أنّ مادة “شَبَبَ” تتضمّن عدّة معان نجملها فيما يلي:
الشَّباب هو الفَتاء والحداثةُ. ويقال شبَّ يشِبُّ شباباً وشبيبةً. وفي حديث شريح أنّ شهادةُ الصِّبيان تجوزُ على الكبار يُسْتشَبُّون أَي يُسْتشْهَدُ من شبَّ منهم وكَبر إِذا بَلَغ، كأَنه يقول: إِذا تحمَّلوها في الصِّبا، وأَدَّوْها في الكِبر، جاز. والاسم الشَّبيبةُ، وهو خِلافُ الشَّيبِ. والشباب هو جمع شابٍّ، وكذلك الشُّبان. وذهب الأَصمعي إلى القول: إنّ الغلامُ شَبَّ يَشِبُّ شَباباً وشُبوباً وشَبِـيباً، وأَشَبَّه اللّهُ وأَشَبَّ اللَّهُ قَرْنَه، ورجل شابٌّ، والجمع شُبَّانٌ. وقد أُجراه سيبويه مجرى الاسم، نحو حاجِرٍ وحُجْرانٍ؛ والشَّبابُ اسم للجمع؛ قال:ولقد غَدَوْتُ بسابِحٍ مَرِحٍ، ومَعِـي شَبابٌ، كُـلُّهُمْ أَخْيَل ويقال امرأَة شابَّةٌ مِن نِسوةٍ شَوابَّ. وحكى ابن الأَعرابي: رَجُل شَبٌّ، وامرأَةٌ شَبَّةٌ، يعني من الشَّبابِ.
وقال أَبو زيد: يجوز نِسوةٌ شَبائِبُ، في معنى شَوابَّ؛ وأَنشد:
عَجائِزاً يَطْلُبْنَ شيئاً ذاهبا،
يَخْضِبْنَ، بالحنَّاءِ، شَيْباً شائِـبا،
يَقُلْنَ كُنَّا، مَرَّةً، شَبائِـبا.
والشَّبائِبُ هي جمع شبَّةٍ، لا جمع شابَّةٍ، مثل ضَرَّةٍ وجمعها ضَرائِرَ. وأَشَبَّ الرَّجُل بَنِـينَ إِذا شَبَّ ولَده. ويقال: مرَرْت برجال شَبَبةٍ أَي شُبَّانٍ. وشبابُ النّهار يعني أوّله. تقول العرب: من شُبٍّ إِلى دبٍّ. والقصد من فترة الشّباب إلى فترة الكبر حيث الدّبيب والاستعانة بالعكاز. وتطلق ألفاظ الشّبّ على الحيوان أيضا ومنه: الشَّبَبُ والشَّبُوبُ والـمِشَبُّ: كُلُّهُ الشَّابُّ من الثِّيرانِ والغَنَمِ. وقد ذهب الجوهري إلى اعتبار أنّ عبارة الشَّبَب تعني الـمُسِنُّ من ثِـيرانِ الوحشِ وهو الذي انتهى أَسنانه. أَي أَقاموا هذه الإِبل على القَصْدِ. والتَّشْبِـيبُ في الخطاب الشِّعْري يعني تَرْقِـيقُ أَوَّله بذكر النساءِ، وهو مأخوذ من تَشْبـيب النار وتأْرِيثِها أي اتّقادها واشْتِعالُها. والرّجل المَشْبوبٌ هو الجميلٌ، حسنُ الوَجْهِ، الأَغر، الشَّهْم، ذَكِـيَّ الفؤَادِ. والشَّبُّ هو ارْتِفاعُ كلِّ شيءٍ.[1]
نخلص ممّا سبق إلى أنّ مادّة شَبَبَ الّتي أخذت منها كلمة الشّباب هي جماع كلّ الصّفات الحميدة والإيجابيّة وهي: الفتوّة والحداثة والشّهادة والحضور والزّيادة والجمال والأسبقيّة والرّقة والذّكاء والاشتعال والالتهاب والارتقاء. ولا غرابة في ذلك فالشّباب فترة عمريّة تتّسم بالتّوقد ووفرة الطّاقة الحيويّة والتّطلّع. وهو في الاصطلاح فترة عمريّة تلي الطّفولة وهي ذروة القوّة والنّشاط والنّضج وفيها تتبلور معالم الشّخصيّة حيث الاكتمال الجسمي والتّطلع العقلي. والجِيلُ من الشَّبَاب هو صنْفُ مِنَ النّاس يحيل على الصّعود والأمل. [2]
2 الشّباب والتّعليم:
إنّ التّعليم بفروعه وأوضاعه المختلفة يمثّل المرآة العاكسة لتقدّم مجتمع من المجتمعات. فمن خلاله ينتبه الدّارس إلى مدى الانسجام بيْن الجهات ومدى نجاعة ما يقدّم للأجيال القادمة. وهو مجال عادل بيْن كل الفئات للكشف عن الطّاقات الكامنة في كلّ فرد مهما كان انتماؤه الاجتماعي. إنّ التّعليم هو بوّابة الحداثة المشكّلة للنّوع البشري والدّافعة به إلى مراقي المدنيّة والحضارة.[3] ولعلّ هذه الوظائف الخطيرة المنوطة بالتّعليم هي الّتي حدت بالبلدّان المتقدّمة إلى العناية به. وقد تمّ تهيئة المناهج المساعدة على تربيّة العقول وبناء النّفوس على الفضائل والقيم الإنسانيّة.
لقد أولت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة أهميّة للشباب تدعيما لقيمة هذه الشّريحة العمريّة. فأحدثت سنة دوليّة للشباب منذ 1985. وهو إجراء يعلي من قيمة الشّباب ويبرز دوره الفعّال في الحياة الاجتماعيّة. ومن ثمّ اشتغلت أغلب الحكومات العربيّة بمسألة الشّباب وتعليمه وأضحى التّعليم الجيّد عنصرا جوهريّا في التّنميّة المستدامة. وبغضّ النّظر عن السّلبيات الّتي تتخبّط فيها التّوجهات التّعليميّة والمنظومات التّربويّة في البلدان العربيّة، فإنّ ما حظي به التّعليم من عناية حكوميّة ومجتمعيّة يدلّ على أنّ الشّباب عنصر مؤثر في سيرورة التّنميّة ومآلها. وقد عبّرت أغلب التّقارير في البلدان العربيّة عن كون المدارس العموميّة مؤهلة لضمان التّعليم الجيّد. وأنّ الشّباب مدعوّ إلى المشاركة الفعّالة في دفع عجلة التنميّة انطلاقا من المساهمات في الدّورات التدريبيّة والتّكونيّة علما بأنّ مؤشرات الجودة تعتمد عدّة معايير ومن أبرزها معدّل الالتحاق بالتّعليم الثّانوي والعالي من النّاحيّة الكميّة والكيفيّة. وكذلك معيار الجودة النّاهضة على إتاحة الشّبكة المعلوماتيّة واعتمادها.[4] وقد حُدّدت مؤشرات عالميّة لضبط المستوى التّعليمي انطلاقا من جودة المعرفة والتّقنيّة والمهارة والتّكوين بحيث تسهل العمليّة التقييمية.
وعلى الرّغم ممّا سبق، لم يحظ الشّباب العربي بالعناية الكافيّة في مستوى البحث العلمي بما هو موضوع مهمّ متعدّد المشاغل ومتنوّع التّفريعات. ويبدو أنّ تراكم القضايا السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، هي الّتي طغت على المعالجات العلميّة. وكانت على حساب مسألة الشّباب على أهمّيتها وحيويتها، حيث يتفرّع هذا المفهوم عند البعض إلى: شباب مجرّد أو خيالي وشباب فعلي، وشباب كامن.[5]
ويبدو أنّ قضايا الشّباب العربي متشابهة رغم الاختلاف في المكان والزّمان باعتبار أنّ فترة الشّباب تحيل على شريحة اجتماعيّة تتميّز بالطّاقة الحيويّة المتطلّعة للمستقبل الأفضل عُبّر عنها بالفتوّة في التّراث، فالشّباب فئة عمريّة تتميّز بملامح نفسيّة ومعرفيّة مخصوصة. وهي مرحلة تتميّز بالرّغبة في إثبات الذّات عبر المشاركات الثّقافيّة والرياضيّة والاختصاص في الدّراسة رغبة في تحديد ملامح الشّخصيّة على اختلاف الدّرجات من شاب إلى آخر بمفعول اختلاف الثّقافات والعادات والتّقاليد.[6]
وتظلّ مؤسّسة الأسرة هي الطّرف الأوّل الذّي يواجهه الشّباب حيث السّلطة الأبويّة وسلطة المراقبة باستخدام العادات والتّقاليد.[7] وتتفجّر، في الغالب، هذه العلاقات عندما تُطرح قضيّة الزّواج. وفي هذه المناسبة تطرح أسئلة عديدة من قبيل: هل الشباب حرّ في اختيار القرين، سواء كان ذكرا أو أنثى، أمّ هو مجبر على اتّباع اقتراحات العائلة واختياراتها؟
وإلى جانب خليّة الأسرة يُلفي الدّراس مؤسّسة المدرسة. الّتي يأوي إليها الشّباب للتّعلم والتّمدرس. وفي هذا الفضاء، تزدحم الأسئلة حول البرامج الّتي يتلقاها الشّباب وعن النّسبة الّتي تخصّص من الدّخل العام لهذا المجال. والإجابة غير خافيّة عن الدّارسين أنّ هذه البرامج ترزح تحت الطول والضّعف والتّكرار وقلّة المراجعة والتّقييم، علما بأنّ الدّول المتقدّمة تحدث تقييما عاما وشاملا لكلّ البرامج المدرسيّة كلّ أربع سنوات. وأنّ الميزانيّة المخصّصة لمجال التّربيّة والتّعليم ضعيفة بالإضافة إلى الانقطاع المبكر عن الدّراسة، فضلا عن عدم التّوازن بين عدد الذّكور وبين عدد الإناث. والحال أنّ التّعليم إطار يكفل التّقدّم بهذه الفئة الاجتماعية ويضمن من خلالها الحصول على مجتمع حيوي نشيط. فالتّعليم قطاع مهم مربح كغيره من القطاعات الّتي تخضع بقوانين وآليات حسن الاستثمار وتوفير الإنتاج والخدمات الاجتماعية.[8]
إنّ السياسات المرسومة من الحكومات العربيّة تستخدم هذه الفئة الشبابيّة بحسب ما تحتاجه المجتمعات إن بالاختصاصات الصناعية وإن بالشّعب الأدبيّة أحيانا أخرى بغضّ النّظر عن الكفايات الخاصة والفروق الفرديّة ما يؤكّد ارتباط التّعليم بالسياسة، ويدعّم التّعامل النّفعي مع قطاع التّربيّة والتّعليم.
إنّ الأنظمة التّعليميّة بما هي ظواهر ادماج، تعمل على تهيئة الشّباب بشكل يستجيب للمتطلّبات الاجتماعيّة سعيّا لتحقيق الرّقي المنشود. فالتّعليم الّذي يُخرج الأطر والكفايات ينخرط في الحركة الإنتاجيّة والتّصدي للوظائف الإداريّة وغيرها. وكلّما كان التّعليم متميّزا بالمناهج الرّاقيّة كان التّكوين الّذي يتلقاه الشّباب مفيدا علميّا ومهنيّا. وكلّما كان التعليم تقليديّا، تلقينيّا، فإنّ ذلك ينعكس بصورة مباشرة على نوعيّة التّكوين والإنتاجية. ولعلّ التّعليم النّاجح هو الذّي يوازن بين التّكوين الإنساني والمواطني والعملي ويقرّ بتساوي الفرص بين كلّ الأفراد.[9] وقديما انتبه الفيلسوف أرسطو إلى قيمة تعليم الشّباب في إقامة الإمبراطوريات وقد قال في ذلك: مصير الإمبراطوريات يعتمد على تعليم الشباب. وأمّا فيثاغورس فقد قال: بداية كل حكومة تبدأ بتعليم شبابنا. إذْ النّجاح الجماعي رهين تعليم جميع الشّباب، إذْ التّعليم هو أساس المستقبل في كلّ الأممّ. وإذا كان الشّباب هو فترة الاستكشاف والنّضج والتّنشئة الاجتماعيّة، فإنّ التّعليم يدوم إلى الأبد. والتّعليم النّاضج الموجّه لشباب ينبغي أن لا يكون لكسب لقمة العيش وإنّما لكسب الحياة.
إنّ الشّباب يضطلع بمهمّة تنفيذ المشاريع التّنمويّة وتحويل الدّراسات العلميّة إلى منتوجات وطنيّة تعزز المجالات العمليّة. فالشّباب المتعلّم هو الرئة الّتي تتنفس بها المجتمعات. والشّباب باعتباره قوّة، فإن هذه القوة لا تصبح ذات جدوى إلاّ إذا كانت متبصرّة بالتّعليم النّوعي وبالتّحصيل العلمي المتفوّق.
إنّ التّعليم عند أغلب الدّارسين المهتمّين بعلوم التّربيّة وعلوم الاجتماع يعتبرونه المرآة العاكسة لمدى تطور المجتمعات. ولا غرو في ذلك، فهو فنّ صناعة الإنسان. ولمّا كانت أهم شريحة اجتماعيّة تتلقّى العمليّة التّعليميّة هي جيل الشّباب، فإنّ المسؤوليّة تزداد ثقلا على كاهل أصحاب الأمر والاختصاص لضبط الأهداف التّنمويّة والمراحل الاستراتيجيّة لصناعة جيل خلاّق انطلاقا من نجاعة التّخطيط والتّدريب والتّكوين والرّبط بين التّنظير والتّطبيق. ولكن هذه الأهداف لا تتحقّق إلاّ برسم معالم الرّؤية الفلسفيّة المتحكّمة في العمليّة التّربويّة من أجل تحديث التّعليم والاستفادة من تجارب الأمم المتقدّمة. فالفكر التّربوي المأزوم لا يتسنّى له أنّ يُنتج جيلا فاعلا مبدعا للقيم والمعرفة.
إنّ أهمّ المآزق التّربويّ الّتي يعيشها النّظام التّربوي العربي هو الانشداد إلى محور خارجي إمّا بالانحياز إلى المنظومة التّراثيّة وإمّا بالانحياز إلى الفكر التّربوي لدى الآخر. وفي الحالتيْن يدور التّعليم خارج مقوّمات الواقع الاجتماعي. وعندئذ تصبح المادة المقدّمة للشّباب معمّقة لغيبوبة الوعي والاغتراب عن الذّات، علما بأنّ الاغتراب هو حالة انفصال بين الذّات وغيرها من النّاس والأشياء. وفي هذه الحالة يكون الشّباب في حالة عدم الانتماء. والمستفاد، في هذا المجال، هو أنّ الحالة المثلى تتجلّى في طبيعة العلاقات المنسجمة مع النّاس الأقارب منهم والأباعد، والاغتراب نوعان: أحدهما إيجابي وهو مشجّع على إنتاج المعرفة والخلق والإبداع. والأخر سلبي وهو في الغالب مفروض ينتج وعيا قهريّا. ونصيب كبير من الشّباب يعاني من هذا الجانب تحت وطأة الإكراهات الأسريّة والعرفيّة.
وأمام هذه الثّغرات التّربويّة والتّعليميّة، يُلاحظ أنّ أغلب الأولياء يتسارعون لسدّ هذا الفراغ بتكثيف الدّروس الخصوصيّة وهي في كثير من الأحيان كلفة، إنّما تكون على حساب حاجات الأسرة الماديّة.[10]
3 الشباب عامل تطوّر:
إنّ التّقدّم هو الهدف الأسمى للمجتمعات بأسرها. و في هذا الإطار يمثّل الشّباب فئة تحتلّ مكانة متميّزة في بنية المجتمع. ولها خصائص نفسيّة وعمليّة وأبرز سمة لها هي الرّغبة في الفعل وإثبات الذّات، عبر التّغيير لتحقيق الرّفاهيّة والرّخاء، ولا سيّماء إذا تسلّح الشّباب بدراسات علميّة عليقة بسبُل النّهوض الحضاري ومقاومة العطالة والبطالة بكلّ أنواعها الماديّة والمعنوية.
إنّ المجتمعات العربيّة تعتزّ برأسمال أساسي هو الرّصيد البشري المنتج للذّكاء وقوة العمل، وخاصة إذا تبلورت معالم الهوية المهنيّة والهويّة الاجتماعيّة.[11]
إنّ الشّباب يمثّل شريحة أساسيّة ضمن الطّبقة الوسطى المكونة من صغار التّجار والفلاحين والموظّفين. وهذه الطّبقة تتوسّط الطّبقتين: الغنيّة والفقيرة. وهي ضمانة التّماسك الاجتماعي. وبها يعمّ السّلم الاجتماعي وتتحسّن ظروف الإنتاج. فبمجرد أن يندمج الشّباب في الحركة الاجتماعيّة، يكون منتجا فاعلا في المجتمع مباشرا لعمل يدرّ عليه دخلا يشعره بالكرامة وعدم الاحتياج. فالكسب المشروع سبيل مثلى في بناء الأسرة والمجتمع. حيث يسود المعنى وتعمّ القيم الإنسانيّة النّبيلة، وعليه يعمّ الأمل والتّفاؤل وحب الحياة. فالعمل بالنّسبة إلى الشّباب سلّم ارتقاء اجتماعي وله مدلول لصيق بالحياة الكريمة. والعمل هو مجال إثبات الذّات والتّعبير عن الكفاية والقدرة.[12]
ولمّا كانت فترة الشّباب هي الفترة الّتي تلي فترة المراهقة، فهي تحيل بشكل واضح على سياق القوّة الجسديّة وانفتاح العقول على البناء الاجتماعي حيث التّكيّف والتّعاطي الإيجابي مع القضايا المستجدّة، وعلى المجتمع المنفتح على هذه الفئة الاجتماعيّة أن ينهل من هذه الطّاقة المتدفقة لتسريع إيقاع تطوّره ونموّه. فالشّباب أقدر من غيره على ربط القول بالعمل والنّظر بالتّطبيق وترجمة الأفكار إلى سلوك وأعمال. ولما كانت ميزة الشباب رفض القيم السّائدة، رغبة في إعادة بناء السّلّم القيمي، تحقيقا للمعاصرة، وإبرازا للآنيّة بدل الزّمانيّة. فإنّ كلّ هذه المقوّمات تمثّل عوامل الثّورة الّتي تبدأ بالانخراط في المنظّمات والجمعيات والأحزاب.[13] والملاحظ، في هذا الصّدد، أنّ دور الشابات لا يقلّ قيمة عن دور الشّبان” فقد أصبحت الشّابات المتعلّمات طلائع طيّبة تمثّل الشّابات المتطورات. وقد كان لنجاح الرّعيل الأوّل من الشّابات الجامعيات اللائي تخرجن في مصر والمبعوثات اللائي تخرجن في الخارج أكبر الأثر في تشجيع الفتيات على الإقبال على التّعليم العالي ليخضن غمار الحياة الاجتماعيّة في ميادين العلوم.[14]
إنّ الشّباب يمثّل عنصرا أساسيّا في المجتمع كمّا وكيفا. ولا فائدة من عدد بشري كبير عاطل عن الشّغل أو يعاني من الأميّة والجهل. ولذلك عمدت الحكومات العربيّة في أغلب الأقطار إلى تعميم التّعليم على الشّباب إناثا وذكورا وأممّت القضيّة التّعليميّة ، فكانت ضروريّة ومجانيّة ما رفّع من عدد المتعلمين وأدمج الكثير من الشّباب في الحركة الاجتماعيّة وهو شرط التّقدم وضمان النّمو.
وقد تشكّلت قوى عاملة جديدة في كلّ المجالات اليدويّة والذّهنيّة. وعليه فقد تمّ إنتاج قيم جديدة إزاء العمل إن كان خاصا أو ضمن الإطار الحكومي. وهو ما ساهم في تقويّة الاقتصاد وتمتين شبكة العلاقات الاجتماعيّة.
إنّ الشّباب إذا تشبّع بالقيم والأفكار النبيلة والعلوم، فإنّه سيكون دافعا لتطوير الحياة في كلّ مجالاتها وسيكون أقدر على تجاوز عوائق التّراث إذ التّراث أُنجز لعصر محدّد بأدوات معرفيّة مخصوصة.
إنّ الشّباب حينئذ عماد كلّ نهضة لأنّهم رجال المستقبل الّذين يتّسمون بكلّ المقوّمات الوطنيّة والحضاريّة وقد ركزت التّعاليم الدينيّة على أهميّة هذه الفترة العمرية إذْ حثّ النّبي عليه السّلام كل شاب على استغلال شبابه قبل هرمه.[15] وبشّره إنّ كان صالحا بالانتفاع بظلّ العرش يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه.[16]
وإذا كانت المجتمعات العربيّة تعاني من الفقر المنتشر ومن التّهميش الاجتماعي تحت وطأة الرأسماليّة المتوحّشة ومن التّبعيّة المقيتة والمميتة لكلّ طاقة، فإنّ الطّاقة الشّبابيّة تظلّ طاقة معطّلة في مقاومة هذا الفقر وهذا التّهميش والأمراض المتفشيّة إذْ الشّباب بما لديه من طموح يعمل باستمرار على الاكتشاف والاتيان بالجديد ولا سيّما إذا وجد تشجيعا وتحفيزا من سلطة الإشراف ومن المنظّمات المدنيّة.
4 الشّباب والمصاعب:
تعترض الشّباب مصاعب عدّة في الاندماج ضمن شبكة الاجتماع وذلك بسبب تعطّل أدوات التّواصل ولا سيما إذا اتّسم بعض السّلوك الشّبابي بالاندفاع والمصادمة مع النّظام الاجتماعي أو السياسي أو الثّقافي السّائد. وفي هذه الحالة إذا لم يتلق المجتمع الشّباب بخطاب مقنع متماش مع خاصيّات هذه الفترة العمريّة، فإنّ الشّباب يظلّ مهدّدا بالانحراف والجنوح إلى العنف والتّمرد ورد الفعل. ويزداد الأمر تعقيدا عندما يُرمى بالشّباب في أحضان البطالة والفراغ. وعلى المجتمع إذا أراد التّعامل الإيجابي مع الشّباب أن يعيد إنتاج خطاب يضفي الشّرعيّة على البالغين الذّين يواجهون تهديدا يتمثّل في زعزعة استقرار النّظام الاجتماعي من ضروب احتجاجية شبابيّة.[17] فمن أهمّ المصاعب الّتي تواجه الشّباب هو صراع الأجيال، فكثير من الآباء يفكّرون بدلا من أبنائهم. وهي طريقة سلبيّة ذات نتائج وخيمة على شخصيّة الأبناء إذْ تحرمهم هذه الوصاية من لذّة التّجارب وحكمتها. وحسْب الأولياء أن يقدموا التّوجيهات والنّصائح وتوضيح المسائل بما فيها من الإيجابيات والسّلبيات. ودون ذلك قد يردّ الشّباب الفعل فتحدث الفجوة غير المحمودة بين الأبناء والآباء بما في ذلك من جمود العواطف الجالب لعدم الاحترام. فكثير من الشّباب يرفض، على سبيل المثال، العيش في القرى لانعدام أسباب الأمل وانسداد آفاق العمل. وتزداد جفوة الشّباب لحياة القرى والأرياف تحت وطأة المقارنة بحياة المدينة.[18]
وتظلّ الدّراسات الاجتماعيّة والنّفسيّة هي المعبر الجوهري في تشخيص هذه المصاعب الّتي تواجه الشّباب وتحاول ضبط المخارج الأكاديميّة الكفيلة بتجنّب النّتائج السلبيّة النّاجمة عن الانفعال بهذه الإشكالات المختلفة.
وتعترض الشّباب العربي مصاعب جمّة لعلّ من أهمها عسر الاندماج مع المؤسّسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة. فقد يفضّل أصحاب المصانع الخاصّة والشّركات المختصّة تشغيل الشّابات بدلا من الشّبان انطلاقا من عامليْن اثنيْن: الأول كون البنات أكثر إتقانا للعمل. والثّاني كونهنّ يرضين بأجر أقلّ. ومن المصاعب أيضا أنّ الشّباب يتلقى رصيدا رمزيّا وقيميّا في المدارس، عبر التّعليم، ولكنّ هذا الرّصيد لا يجد صدى وفاعليّة في المجتمع تحت تأثير الوطأة البيروقراطية وتعقّد العلاقات الاجتماعيّة والثّقافيّة، وهكذا تتفاوت فرص التّشغيل. وتكون معضلة البطالة. وفي هذه الحالة تتجسّد المحسوبيّة. ويتمّ استثمار العلاقات الشّخصيّة، فيزداد الشاب المنتمي إلى العائلات الفقيرة فقرا. وهي حالة تنبئ بالانحراف. ويزداد المنتمون إلى العائلات الغنيّة غنى. كلّ ذلك يجري في المجتمعات العربيّة، بالرّغم من أنّ الاستثمار في المدرسة هو سياسة ثابتة مسخّرة ومفضّلة انطلاقا من العادات الثقافيّة الّتي يكرسها المحيط العائلي.[19]
ومن الصّعوبات الحقيقيّة الّتي يتعرّض إليها الشّاب تحت تأثير التّسرب المدرسي المبكر وانتشار البطالة التّي ترتفع نسبتها سنة بعد سنة، نذكر انخراط الشّباب في مظاهر العنف المتفشيّة. ولربما زاد التّهميش السياسي للشباب هذه الصعوبات في الاندماج حدّة وتعقيدا، إذْ تُعرض أغلب البرامج الحكوميّة عن تشريك الشّباب واستشارتهم في المخطّطات التّنمويّة. وفي أحسن الأحوال تعمد الحكومات العربيّة إلى بناء دور الشّباب ودور الثّقافة، والملاعب الرياضيّة من أجل ملء الفراغ الّذي يعاني منه الشّباب إن كان عاطلا أو متمدرسا.
وإذا كان الشّباب عرضة إلى العزوف عن الدّراسة وارتكاب المعاكسات والمخالفات المروريّة والإدمان على تعاطي المخدرات، فإنّ ضبط الأسباب المؤدية إليها هو الحل الضّروري لتقديم الأدوات والوسائل العلاجيّة لها فمعرفة السّبب جزء من الحلّ النّاجع. وتجدر الإشارة في هذا الصّدد إلى أنّ أهم الأسباب الكامنة وراء ذلك هي تراجع الدّور الأسري التّربوي، فالأبوان منشغلان كامل الوقت بالعمل خارج المنزل. وهو ما يؤكّد عليهما الواجب التّربوي مضاعفا. وإلى جانب الأسرة نجد دور المدرسة. إنّ المدرسة فضاء تربوي مهمّ. ودوره قد يتضاءل عندما يضعف الوعي لدى الشّباب بكون المعلم في حدّ ذاته أبّا والمعلمة أمّا. وطالما أنّ الوازع الدّيني في حدّ ذاته ضعيف، فإنّ الجوانب القيميّة ستبقى مهلهلة. إذ الدّين عند أغلب النّاس مجرّد شعائر تؤدى دون التّركيز على آثارها في مجريات الحياة وتفاصيلها. وإلى جانب الأسرة والمدرسة يجد الشّاب نفسه أمام وسائل اتّصال سمعيّة ومرأيه تتلاعب بعقله، إذْ الإعلام يتمتّع بسلطة تأثيريّة فائقة. والصّورة تملك سحرا في النّفس لا مثيل له. وتزداد المصاعب عمقا وتشعّبا بمقتضى الاختلاط بأصحاب السّوء الّذين تنخر أوقاتهم البطالة العاكسة لخواء الاهتمامات وفساد الأحوال وكساد الأذهان وانعدام الذّوق وانحدار الأخلاق.[20] لكنّ الشّباب مهدّد أيضا بالمطالعات السّالبة لكتب تشجع على الانحراف وهي الّتي تغذّي فيه الخرافة والأفهام والشّذوذ.
إنّ قصور الحكمة عند الشّباب وضعف تجاربه تجعله في مهب الرياح الّذي يؤدّي به إلى مصادمة الأهل والأعراف والقوانين. وقد يجد نفسه ضمن شبكات الاتّجار بالبشر أو الانفلات بدعوى الحريّة. ويبدو أنّ استفادة الشّباب من خبرات الكبار أهلا ووالديْن ومعلمين ومؤدبين هو السبيل المثلى لتفاعل الأجيال وتكاملها.
إنّ المجتمعات العربيّة تعاني من تفشّي ظاهرة البطالة ولاسيّما في صفوف الشّباب. وهي نسبة مرتفعة إذْ نجد الإحصائيات تشير إلى أنّ عدد العاطلين عن العمل في العالم العربي يفوق ستّة عشر مليونا. إنّ البطالة داء عضال يصيب المجتمع فيُعطّل فيه كلّ شريان حيوي، لأنّ العاطل يستهلك ولا يُنتج ثمّ يعاني من الأمراض النّفسيّة ثمّ يتحوّل إلى عنصر مخرّب يتعاطى المخدّرات أو يرتكب السرقة والإجرام احتجاجا وإثباتا للذّات بطريقة سلبيّة.
إنّ تفشي البطالة بين صفوف الشّباب يدلّ بوضوح على ركود الاقتصاد وفشل الاختيارات التّنمويّة التّي تنتهجها الحكومات لأنّ الشّباب في دراسته يكبّد النّاتج الوطني نصيبا باهضا. وعدم إدماجه في الدّورة الاقتصاديّة دليل خسارة مضاعفة.
وفي هذا الفضاء يمكن الإشارة إلى أنّ البطالة تنقسم إلى أربعة أنواع: البطالة الدّوريّة وهي ناتجة عن دوريّة النّظام الرأسمالي المنتقلة دوما بين الانتعاش الاقتصادي وانتشاره من جهة والانكماش والأزمة الاقتصاديّة من جهة أخرى. وحلّها يكمن في تسريح العمّال. والبطالة الاحتكاكيّة هي ناتجة عن تنقّل العمّال بين الوظائف والقطاعات والمناطق. والبطالة المرتبطة بهيكلة الاقتصاد وهي تنتج عن التّغير في هيكل الطّلب أو التّقدم التّكنولوجي أو انتقال الصناعات إلى بلدان أخرى بحثا عن ظروف أفضل وربح أعلى. والبطالة المقنّعة وهي تتمثّل في حالة من يقوم بعمل ثانوي لا يسدّ رمقا ولا كفاية من سبل العيش أو الاشتراك في عمل يُمكن للفرد الواحد أنّ يؤديه. وفي كلّ الحالات يغيب التّوازن بين العمل وقوّة العمل.[21]
إنّ الاقتصادات العربيّة تعاني من اختلالات هيكليّة تتعلّق بميزان المدّفوعات والموازنات العامة وضعف الاستثمار والادخار. وزيادة الاستهلاك وضعف العمل والإنتاجيّة وتذبذب نمط الإنتاج بين النّظاميْن الليبرالي الرأسمالي والاشتراكي الاجتماعي. ولا بد لفئة الشّباب أن تتأثّر بهذه الأوضاع الاقتصاديّة طالما أنّ المتخرجين من الجامعات هم بالأساس من هذه الفئة. ورغم محاولات الإصلاح الاقتصادي، فإنّ ضعف التّشغيل وانعدامه هو الشّبح المخيف المحطّم لآمال الشّباب وطموحاته فضلا عن كون التّعليم يعاني بدوره من أزمات هيكليّة فهو لا يؤهّل لسوق العمل لأنّه تلقيني ينهض على شعار ابصم بدلا من حللّ وافهم. فالشّباب بدوره ضحيّة هذه البرامج المسطّحة. وأمام إفلاس الاقتصاد العربي فالتّصدّي بصورة جذريّة لهذا الانحدار، فإنّ الشّباب يجد نفسه أمام تفشي ظواهر الانتحار والهجرة غير الشّرعيّة. وكلها ظواهر تدلّ على انسداد الآفاق أمام الشّباب الذّين يُفترض فيهم أنّهم حائزون على شهادات عليا تدلّ على كفايات وقدرات يحتاج إليها المجتمع كأحوج ما يكون. فهم قوّة إبداع واختراع وتطوير.
وبالرّغم ممّا كتب في الهجرة إن كانت شرعيّة أو غير شرعيّة فهي ظاهرة على قدر كبير من الأهمية. وهي تحتاج إلى المزيد من العناية والدّراسة. فما الّذي يدعو الشّاب العربي إلى أنّ يبتعد عن مسقط رأسه والعائلة والأهل والوطن الذّي نشأ فيه ودرس وتخرّج؟ وما الذّي يدفع به إلى أن يعيش صدمة الاندماج وصعوبته؟
إنّ هجرة الشّباب في الغالب هي هجرة اليد العاملة المختصّة. وهي عادة ما تكون للبحث عن الثّروة.[22] والملاحظ هو أنّ البحث عن الثّروة هو عامل جوهري ولكنّه ليس العامل الوحيد ، ففي البلدان المتقدّمة يجد الشّاب نفسه في عالم حرّ متقدّم ومتحضّر بشكل يجعل مستوى العيش مريحا ومرفّها، فضلا عن نقص مواطن الشّغل المناسبة في الأوطان الأصليّة. والجدير بالذّكر هو أنّ غلبة الثّقافة الأوروبيّة والغربيّة على غيرها من الثّقافات رسّخت رغبة نفسيّة في وعي الشّباب في الالتحاق بهذه الثّقافة والعيش في أحضانها. وقد عبّر ابن خلدون بوضوح عن هذا العامل النّفسي بقوله: المغلوب مولع أبدا بتقليد الغالب. إنّ المهاجر يجد نفسه لأوّل وهلة بين حضارتين مختلفتين. وقد تنقلب حياته رأسا على عقب ولا سيما إذا لم يتمّ الاندماج بصورة مرضيّة لأنّ الشّباب المهاجر يجد نفسه بين خطريْن : الأول الانبهار بالثّقافة الجديدة. والثّاني تضخيم الهويّة والتّقوقع في فضاء الخصوصيّة. وفي الحالتيْن تكون الهجرة سببا في جلب الفشل في الحياة.
الخاتمة:
لقد حاول هذا البحث الوقوف على مفهوم الشّباب انطلاقا من الدّلالة اللّغويّة وصولا إلى الإفادة الاصطلاحية. وقد اتّضح أنّ هذه الفترة تمثّل إحالة صريحة على كلّ المعاني الحيويّة الإيجابيّة، المفعمة بالإقبال على الحياة، أملا وعملا.
وقد أدّى البحث إلى معالجة الوظائف الأساسيّة المنوطة بالشّباب. وهي الدّفع بعجلة التّقدّم والتّطوّر الاجتماعييْن، ولا سيّما إذا تلقّت هذه الفئة تعليما تقدّميّا يقوم على مناهج مدروسة ومراجعة تأخذ بعيْن الاعتبار مجريّات الواقع المتحرّك وتستفيد من أدوات المعرفة المستحدثة. وقد عالج هذا البحث أهم المصاعب والعراقيل الذّاتيّة والموضوعيّة الّتي من شأنها تثبيط العزائم وتحطيم الآمال. فالحياة طبيعيّا تؤخذ غلابا وصراعا. وقد أفضى التّحليل إلى النتائج التّاليّة:
إنّ الشّباب ثروة بشريّة ذات حضور متميّز في الاجتماع الإنساني. وعلى القائمين بتسيير دواليب المجتمع أنّ يهيّئوا كلّ الأساليب المساعدة على الاستفادة من هذه الفئة ذات الطّاقات والمواهب والمزايا. فالتّعليم على سبيل المثال وهو المنظومة الأساسيّة في التّكوين. ينبغي أنْ يكون آخذا بعيْن الاعتبار مآل الشّباب بتنظيم آليات الاندماج. وإمكانات الإنتاج. ولا يتسنّى تحقيق الأهداف العلميّة الكبرى إلاّ إذا كان التّعليم نابعا من دراسات استراتيجيّة ذات رؤيّة وخلفيّة نظريّة واضحة وطامحة. وإذا كان الشّباب بحكم الحماس المصاحب له. وضعف الآفاق النّاجم عن ضعف التّجارب، فإنّ المعوّل في ذلك على مدى نجاعة المضامين التّربويّة والتّعليميّة الّتي تقدّمها المدرسة والجامعة.
ومن النتائج المهمّة أيضا أنّ العيب ليس في وجود المصاعب والعراقيل على طريق الشّباب. ولكنّ العيب أن يظلّ السّاقط حيث سقط. إذْ أنّ شرف الإنسان يكمن في المحاولة. والحضارة الإسلاميّة وحدها تعترف أنّ المخطئ له أجر. والخطأ معرفة ناقصة على رأي الفيلسوف هيجل والمرء يتعلّم من أخطائه ما لا يتعلّمه من غيره. والمهمّ أنّ المجتمعات تحيا بشبابها وتتنفّس به، في كلّ المجالات، لذلك تفزع المجتمعات إذا أحسّت بالتّهرّم والشّيخوخة الّتي تصيب الشّعوب. ويظلّ موضوع الشّباب مسألة حيويّة ذات جدوى وفعاليّة تحتاج إلى المزيد من العناية في ضوء الدّراسات الاجتماعيّة والنّفسيّة والتّربويّة من أجل نشء سليم ومستقبل أفضل.
——————————————————————————————–
قائمة المصادر والمراجع
1 المصادر
-ابن منظور جمال الدّين، لسان العرب، دار صادر، بيروت، دت.
– الفيروز آبادي عمر الشيرازي ، القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط، تحقيق أنس محمد الشّامي وزكريا جابر أحمد، دار الحديث، القاهرة، ط1، سنة2008.
-المنذري زكي الدين، التّرغيب والتّرهيب من الحديث الشّريف، تحقيق إبراهيم شمس الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط3، سنة 2003.
–البخاري بن إسماعيل، الجامع الصّحيح، مكتبة الإيمان، المنصورة، القاهرة، سنة 2003.
2 المراجع
*باللّغة العربيّة
– حمراوي إسماعيل، التّعليم والشّباب، مقال بجريدة الصّحيفة الإلكترونيّة، بتاريخ 18 غشت 2019.
– بشوش محمد، ملامح الشّبيبة العربيّة في الخطاب العلمي العربي، مقال ضمن أشغال ملتقى الشّباب والتّغير الاجتماعي، بتاريخ 8-14 نوفمبر1982، سلسلة الدّراسات الاجتماعيّة، مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعيّة، تونس، ط1، سنة 1984.
– الجمّالي حافظ، الشّبان والرّفض، مقال في مجلة الفكر العربي، عدد خاص بالشبيبة والرّفض، ع16، جويلية-أوت 1980.
– الحوّات علي، بعض المشكلات الاجتماعيّة للشباب الليبي في مقال بمجلة الفكر العربي، ع19، سنة 1881.
– الحاجي محمد منصف ومحفوظ درّة، عن ربط التّعليم بالمجتمع والعمل المنظمة العربيّة للتّربيّة والثّقافة والعلوم، تونس، دت.
– بن سالم بلقاسم وحاجي محمد منصف ، الشّباب ونظام التّعليم، مقال منشور ضمن أشغال الملتقى العلمي :الشّباب والتّغير الاجتماعي.
– علي سعيد إسماعيل، محنة التّعليم في مصر، كتاب الأهلي عدد 4، القاهرة، سنة 1984.
– كريم شويمات ، الشّباب بين البحث عن الهويّة المهنيّة وتحقيق المكانة الاجتماعيّة، مقال منشور في مجلّة دراسات اجتماعيّة ، دار الخلدونيّة للنّشر والتّوزيع، البليدة، الجزائر، عدد 11، سنة2013.
– الرّافعي عبد الرحمان، ثورة1919،ج1، دار المعارف، مصر، ط4، 1987.
– السّاعاتي سامية حسن، دور الشّابات المصريّات في التغيّر الاجتماعي بين السياق التّاريخي والواقع الاجتماعي، مقال منشور ضمن أعمال الملتقى العلمي: الشباب والتّغيّر الاجتماعي.
– عبد اللّه مجدي أحمد محمد، أزمة الشّباب ومشاكله بين الواقع والطّموح: رؤية سيكولوجيّة معاصرة، دار المعرفة الجامعيّة، مصر، ط1، سنة 2013.
*باللّغة الأجنبيّة
-Abdelkader Zghal, Note pour un débat sur la jeunesse arabe. actes de colloque : jeunesse et changement sociale,cahier du CEREs serie sociologique N°10, 1984.
-Edmond Ortigue, Les Rapports entre parents et enfants et la crise de l’adolescence en Afrique Noire, actes de colloque : jeunesse et changement sociale, tunis 1984.
– Khemaies Taamallah, Jeunesse et Emigration Maghrebine, actes de colloque : jeunesse et changement sociale, tunis1984.
-Mongi Bousnina, Mes Disparites Regionales Dans L’acces Des Jeunes Aux Differents Niveaux Du Systéme Scolaire, actes de colloque : jeunesse et changement sociale, tunis 1984.
-Garnovetter, the strength of weak ties, American jouranl of sociology, University of Chicago Press, pp 1360-1380, 1973, in forse.
————————————————————————————-
[1] انظر ابن منظور جمال الدّين، لسان العرب، مج1، دار صادر، بيروت، دت، مادة شَبَبَ، ص ص480-483.
[2] يمكن العودة في هذا المجال عمر الشيرازي لفيروز آبادي، القاموس المحيط، والقابوس الوسيط، الجامع لما ذهب من كلام العرب شماطيط، تحقيق أنس محمد الشّامي وزكريا جابر أحمد، دار الحديث، القاهرة، ط1، سنة2008.
[3]V.Mongi Bousnina, Mes Disparites Regionales Dans L’acces Des Jeunes Aux Differents Niveaux Du Systéme Scolaire, actes de colloque : jeunesse et changement sociale,ibid,p163.
[4] انظر إسماعيل حمراوي، التّعليم والشّباب، مقال بجريدة الصّحيفة الإلكترونيّة، بتاريخ 18 غشت 2019.
[5] انظر محمد بشوش، ملامح الشّبيبة العربيّة في الخطاب العلمي العربي، مقال ضمن أشغال ملتقى الشّباب والتّغير الاجتماعي، بتاريخ 8-14 نوفمبر1982، سلسلة الدّراسات الاجتماعيّة، مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصادية والاجتماعيّة، تونس، ط1، سنة 1984، ص8.
[6] انظر حافظ الجمّالي، الشّبان والرّفض، مقال في مجلة الفكر العربي، عدد خاص بالشبيبة والرّفض، ع16، جويلية-أوت 1980.
[7] انظر علي الحوّات، بعض المشكلات الاجتماعيّة للشباب الليبي في مقال بمجلة الفكر العربي، ع19، سنة 1881، ص180.
[8] انظر محمد منصف الحاجي ودرّة محفوظ، عن ربط التّعليم بالمجتمع والعمل المنظمة العربيّة للتّربيّة والثّقافة والعلوم، تونس، دت، ص2.
[9] انظر بلقاسم بن سالم ومحمد منصف حاجي، الشّباب ونظام التّعليم، مقال منشور ضمن أشغال الملتقى العلمي :الشّباب والتّغير الاجتماعي، م ن، ص70.
[10] انظر سعيد إسماعيل علي، محنة التّعليم في مصر، كتاب الأهلي عدد 4، القاهرة، سنة 1984، ص251.
[11] انظر شويمات كريم، الشّباب بين البحث عن الهويّة المهنيّة وتحقيق المكانة الاجتماعيّة، مقال منشور في مجلّة دراسات اجتماعيّة ، دار الخلدونيّة للنّشر والتّوزيع، البليدة، الجزائر، عدد 11، سنة2013، ص75 وما بعدها.
[12] Garnovetter, the strength of weak ties, American jouranl of sociology, University of Chicago Press, pp 1360-1380, 1973, in forse, pp 147-148.
[13] انظر عبد الرحمان الرّافعي، ثورة1919،ج1، دار المعارف، مصر، ط4، 1987، ص127.
[14] انظر سامية حسن السّاعاتي، دور الشّابات المصريّات في التغيّر الاجتماعي بين السياق التّاريخي والواقع الاجتماعي، مقال منشور ضمن أعمال الملتقى العلمي: الشباب والتّغيّر الاجتماعي، م ن، ص38 وما بعدها.
[15] أورد زكي الدين المنذري في كتابه التّرغيب والتّرهيب من الحديث الشّريف، تحقيق إبراهيم شمس الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط3، سنة 2003، حديثا برقم 203، ومفاده اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ وذكر منها الشَّبابَ قبلَ الهرَمِ.
[16] أورد البخاري في صحيحه، مكتبة الإيمان، المنصورة، القاهرة، سنة 2003. ضمن كتاب الآذان باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد، حديثا برقم 660، مفاده سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه وذكر من بينهم شابا نشأ في طاعة الله.
[17] Abdelkader Zghal, Note pour un débat sur la jeunesse arabe. actes de colloque : jeunesse et changement sociale , cahier du CEREs serie sociologique N°10, 1984.,p9.
[18] V.Edmond Ortigue, Les Rapports entre parents et enfants et la crise de l’adolescence en Afrique Noire, actes de colloque : jeunesse et changement sociale, ibid, p149.
[19]V. Abdelkader Zghal, Note pour un débat sur la jeunesse arabe, ibid, p21.
[20] أنظر مجدي أحمد محمد عبد اللّه، أزمة الشّباب ومشاكله بين الواقع والطّموح: رؤية سيكولوجيّة معاصرة، دار المعرف الجامعيّة، مصر، ط1، سنة 2013، ص27 وما بعدها.
[21] انظر مجدي أحمد محمد عبد الله، أزمة الشّباب ومشاكله بين الواقع والطّموح، م ن، ص71.
[22] V.Khemaies Taamallah, Jeunesse et Emigration Maghrebine, actes de colloque : jeunesse et changement sociale, ibid, p100.