حوار مع الفيلسوفة الأمريكية اليهودية نانسي فريزر حول حيثيات إلغاء رئيس جامعة كولونيا الألمانية لزيارتها.
ترجمه عن الألمانية محمد الأشهب تنويرا للرأي العام الناطق بالعربية.
ملاحظة المترجم : لقد ترجمت الحوار عن الألمانية كما وصلني من أحد الأصدقاء اعتقادا مني أن الصحفي الألماني استجوبها ونشر النص بالألمانية. وحينما أرسلت الصيغة الأولى للباحث سمير بوسلهام لقراءتها نبهني إلى أن الحوار موجود بالأنجليزية. ولتدقيق الترجمة عدت إلى النص الأنجليزي. لكن ما لاحظته هو أن المترجم الألماني حذف بعض الجمل التي تبدو ربّما مزعجة للقارئ الألماني. ولهذا كان يسقط تلك الجمل من قبيل رفض اينشتاين ليكون رئيسا لإسرائيل كما تم إسقاط كلمة الدعم الألماني لإسرائيل بالسلاح و جمل أخرى تخص نانسي فرايزر. وهذا ما سيجده القارئ بين قوسين. بقي أن أشير إلى أنني مدين لزميل سرحان ذويب على مراجعته للنص و مقارنته بالنص الألماني. كما أشكر الباحث المتخصص في نانسي فرايزر سمير بوسلهام على مقارنة الترجمة بالنص الأنجليزي. والشكر الموصول أيضا للباحث مهدي مستقيم على ملاحظاته. وفي الأخير أشكر الأستاذ عز العرب لحكيم بناني على تلخيصه لحوار نانسي فرايزر على صفحته على الفايسبوك الذي اطلعت عليه واستفدت من بعض اقتراحاته.
عنوان الحوار
إلغاء جامعة كولونيا لزيارة فرايزر “ستلحق ضررًا كبيرًا بالبحث الأكاديمي الألماني”
في حوار حصري لجريدة فرانكفورتر روندشاو Frankfurter Rundschau تحدثت الفيلسوفة الأمريكية اليهودية المشهورة نانسي فرايزر عن إلغاء دعوتها لزيارة جامعة كولونيا، والخطأ الألماني في التعامل مع إسرائيل والغضب الناجم عن ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية.
س: السيدة نانسي فريزر، قامت جامعة كولونيا مؤخرًا بإعفائكم من منصب أستاذة ألبرتوس ماغنوس Albertus-Magnus المعروف بألبيرت الكبير. فماذا يعني ذلك بالنسبة لكم؟
ج: تشتمل زيارة الأستاذية زيارة تستمر لعدة أيام ومحاضرات عامة كجزء من برنامج مخصص للتبادل المفتوح. أردت بالمناسبة أن أقدم محاضرات حول مشروع كتابي الحالي الذي يتصدى للجوانب الثلاثة للعمل في المجتمع الرأسمالي، وهو موضوع لا علاقة مباشرة له بإسرائيل أو فلسطين. لقد بذلت الكثير من الجهد لإعداد هذه المحاضرات. وبالمناسبة ذاتها، اشتريت أيضًا تذكرة طائرة باهظة الثمن.
س: كيف حصل هذا الإلغاء للزيارة من وجهة نظركم؟
ج: تلقيت قبل بضعة أيام، بريدًا إلكترونيًا من البروفيسور أندرياس شبير، المسؤول عن تنظيم الفعاليات العلمية والأكاديمية بالجامعة. وأخبرني أن رئيس جامعة كولونيا مستاء من توقيعي على بيان “الفلسفة من أجل فلسطين” في نوفمبر وهو يريد مني توضيح موقفي. فقلت في نفسي: ما هذه الوقاحة ! ما دخله هو بآرائي حول الشرق الأوسط؟ أنا موظفة حرة ومستقلة، يمكنني التوقيع على ما أريد. من ناحية أخرى، لم أرغب في الدخول في أية مواجهة مباشرة معه. فكَاتبته مرة أخرى وأَعلمته أنه بالطبع هناك العديد من وجهات النظر المختلفة حول فلسطين وإسرائيل، وهناك الكثير من الألم سببته جميع الأطراف، بما في ذلك الألم الذي عانيت منه أنا شخصياً كيهودية. ولكن هناك شيء واحد لا يمكن أن يكون محل خلاف. ولذلك، اقتبست سطراً من بيان نَشَرَهُ رئيس الجامعة على موقع الجامعة على الإنترنت حول أهمية النقاش المفتوح والمحترم. لذا قلت للسيد شبير، أرجوك أن تُطَمْئِنَ رئيس الجامعة أن بإمكانه التعويل علي بشأن ما يسميه النقاش المفتوح والمحترم. ظننت أن الحكاية ستنتهي عند هذا الحد. لكن، في الواقع، وبعد وقت قصير تلقيت رسالة بالبريد الإلكتروني من الرئيس نفسه يخبرني فيها أنه لم يكن لديه خيار سوى إلغاء الدعوة الموجهة لي والمكتوبة بالبند العريض أن زيارتي ملغاة لأنني وقعت على بيان الفلسفة من أجل فلسطين، وأنني لم أسحب توقيعي في اتصالاتنا اللاحقة. (ترجمة الرسالة مع التعليق متوفرة على صفحتي على الفايسبوك ـ المترجم)
س: ما هي نقطة الخلاف الرئيسية بينكما؟ هل هي في استعمال عبارات الميز العنصري والإبادة الجماعية أم في الدعوة لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية التي تقترحها الرسالة؟
ج: لا أعرف، ولم أتلق أي توضيحات أخرى بهذا الشأن. عرض عليّ رئيس الجامعة إجراء مكالمة هاتفية أو بالفيديو ليشرح لي وجهات نظره بشكل أكثر تفصيلا. لكنني لم أستجب لذلك. هذه مسألة عامة وأعتقد أنه يجب على جميع المعنيين التحدث عنها بشكل علني. والأمر متروك له لتوضيح ذلك. ويوجد الآن أيضًا بيان توضيحي منشور على الموقع الإلكتروني لجامعة كولونيا. يبدو لي أن معظمه عبارة عن كلام لذر الرماد في العيون لا غير. فالأمر فيه انتهاك واضح لسياسة الجامعة والقيم التي تتبناها باسم ألبرتوس ماغنوس أو ألبير الكبير. هذه القيم هي بالتحديد الحرية الأكاديمية وحرية الرأي وحرية التعبير والنقاش المفتوح. ومهما كانت المبررات المستغلقة التي يتم تقديمها الآن لتعليل عدم انتهاك هذا الإجراء المفترض لهذه القيم، فإنها تبدو لي مبررات جوفاء. كما أن الأمر برمته فيه إشارة قوية جدًا إلى الباحثين الأكاديميين والباحثات الأكاديميات في جميع أنحاء العالم مفادها: إذا كانت لديك الجرأة للتعبير عن آراء معينة حول قضايا سياسية معينة، فأنت غير مرحب بك هنا (في ألمانيا). وهذا في الواقع يمثل عُنفا يمارس على حرية التعبير السياسي.
س: تتحدثون في جوابكم عن انتهاك للتعليمات التوجيهية للجامعة. فهل تخططون لاتخاذ خطوات قانونية ضدّ هذا الانتهاك؟
ج: لقد فكرت في ذلك، وهذا الأمر ليس من أولوياتي حاليا. لكنني لا أستبعد ذلك أيضاً. أريد، أولًا وقبل كل شيء، أن أقنع الناس بأن هذا مثال مُعبِّر وفظيع لما يمكن أن يصفه الكثيرون بأنه نزعة واسعة الانتشار في ألمانيا. فمن الجلي أن المسؤولين في الجامعات والمؤسسات الفنية الألمانية وفي الحكومة الألمانية الذين يتغاضون عن هذا الأمر ينتهكون بشكل صارخ المعايير الأكاديمية، وبصراحة أيضا المعايير الدستورية الضَّامِنَة للحريات السياسية. وهذا الانتهاك سَيُلحِقُ لا محالة ضررًا كبيرًا بالبحث الأكاديمي الألماني.
س: إذا تمعّن المرء في الضَّجة التي حدثت مؤخرًا وحالات إلغاء بعض البرامج في ألمانيا، يمكننا القول، إذا جاز التعبير، بأنكم في رفقة جيّدة أو بعبارة أخرى؛ لستم أول من يتعرض لذلك، فقد سبقت حالتكم حالات أخرى مثلما حصل مع ماشا غيسن، وغسان الحاج، وجوديث بتلر وغيرهم. والعديد منهم، مثلكم، ذَوُو أصول يهودية. فهل يقلقكم ذلك؟
ج: إن هذا لا يقلقني بالمعنى الشخصي. فأنا أتواجد في نيويورك، وأحظى بالكثير من الدعم، بما في ذلك رسالة قوية جدًا من رئيسة جامعتي، نيوسكول New School ، دونا شالالا. ورسالتها تبدأ بجملة رائعة: “ألبرتوس ماغنوس كان سيصاب بالاحباط”. وأضافت في رسالتها أن إلغاء الزيارة لعضو أو عضوة تنتمي لهيئة التدريس بجامعة نيوسكول أمر مثير للقلق، وخاصة بالنسبة لمؤسسة ألمانية. فعلى أية حال، ما يُحْسَبُ لجامعة نيوسكول، أن هذه مؤسسة لم تكن فحسب ملاذا للأكاديميين والأكاديميات الألمان الفارين من النازية خلال الحرب العالمية الثانية، بل أصبحت فضاء لمتابعة التفكير النقدي، وهو النمط الفكري الذي توقفت ممارسته في ألمانيا النازية. فجامعة نيوسكول أسهمت في تطوير الإرث الفكري الذي نسميه الآن النظرية النقدية، تمامًا كما فعلت أنا في مشروعي. وعليه فما حصل في كولونيا هو إهانة لجامعة نيوسكول ولي شخصيًا وهذا تطور سيء للغاية. والأهم من ذلك، انتهاك لمعايير الحرية الأكاديمية.
س: هل يتعلق الأمر في نظركم بتوجّه عام ؟
ج: نعم، وهذا يقلقني. نحن نرى هذا الأمر أكثر فأكثر في ألمانيا، وبدرجة أقل في النمسا. إنه تطور مضر للغاية. ولهذا في نظري سيكون من المهم أن ينخرط الألمان في نقاش جدّي ليفهموا الطابع المعقد والمتسع لليهوديّة، ولتاريخها وأفقها. فهم ملتزمون بفكرة المبايعة غير المشروطة لإسرائيل كتعبير عن التكفير عن ذنب تاريخي وتحمل المسؤولية عن جرائم الماضي. وبالنظر إلى ما تقوم به إسرائيل في الوقت الحالي، فإن هذه خيانة لجوانب أساسية في اليهودية باعتبارها تاريخا وأفقا. وأنا أتحدث هنا عن يهودية موسى بن ميمون وسبينوزا، ويهودية سيغموند فرويد، وهاينريش هاينه وإرنست بلوخ.
س: هل يمكنكم تدقيق ما تقصدينه بذلك؟
ج: هذا التقليد الآخر لليهودية لا يختزل اليهودية في مجرّد قوميّة، بل الأكثر من ذلك، إلى نزعة قومية متطرّفة من النوع الذي يسحق ويدمر قطاع غزة عن آخِرِه. وبالمناسبة، لقد وقّعت للتوّ على رسالة أخرى، فأنا بعيدة كل البعد عن إظهار الندم عما قمتُ به من توقيع للبيانات والرسائل. وتتعلق الرسالة الجديدة بـ”إبادة المدارس”Scholasticide التي تقوم بها إسرائيل، أي التدمير الشامل والممنهج والمتعمد للمدارس والجامعات في قطاع غزة. لقد قُتل أكثر من 100 أستاذ جامعي وأستاذة جامعيّة وتسعة رؤساء جامعات. كما أن أسماء الفلاسفة والمثقفين اليهود الذين ذكرتهم سابقًا ليست سوى مجموعة مختارة صغيرة. هناك أسماء أخرى عديدة. لنذكر فقط ألبيرت اينشتاين الذي عُرض عليه أمر تولي رئاسة إسرائيل فرفض هذا العرض (هذه الجملة التي تخص أينشتاين سقطت من الترجمة الألمانية، محمّد الأشهب). فهؤلاء هم الذين دفعتهم يهوديتهم إلى المطالبة بحقوق عالمية، وليس الدفاع عن هوية قَبَلِيَّة Stammes-Identität ضيقة التعريف.
س: لقد جادل بعض منتقديكم وبعض منتقداتكم بأنه لم يتم إلغاء محاضراتكم بالمرة، بل كل ما فى الأمر أنه تمّ حرمانكم من تكريم بهذا الحجم.
ج: لقد تبنى العديد من الألمان، وحتى الصحفيين منهم، وجهة نظر مشوهة للغاية لما تعنيه الحرية الأكاديمية. لكن الحجة القائلة بأنه يمكنك ببساطة حرمان شخص ما من شيء ما لأن الأمر يتعلق بجائزة ليس إلاّ، وليس مسألة تتعلق حقّا بالحرية الأكاديمية، هي ببساطة ليست حجة بل مجرّد هراء. فالأمر يتعلق بمنصب أستاذة زائرة. وقد تمت دعوتي لهذا المنصب بناء على عملي الأكاديمي، تماما مثلما تمت دعوة جميع أصحاب وصاحبات هذا الكرسي السابقين والسابقات (أنظر اللائحة على موقع الجامعة). إن التصور القائل بأن ما أمارسه في سياقات أخرى قد يكون سببًا للرفض، يثبت بالفعل أن استقلاليتي الأكاديمية قد انتهكت بالفعل بمثل هذا القرار. وهذا أمر لا غبار عليه. لذلك أود أن أقول ما يلي لهؤلاء النقاد والناقدات: أنتم/انتن تتحملن فعلا مسؤولية تاريخية للتفكير في المسألة اليهودية. ولكنكم/ ولكنكن، للأسف، تفكرون وتفكرن في الأمر بطريقة خاطئة تمامًا. فثمة طريقة أخرى للتفكير في هذه المسألة. (عبارة سقطت في الترجمة الألمانية)
س: لقد سبق أن حاججت ماشا غيسن في مجلة “نيويوركر“ بأن التفسير المحدد لـلمصلحة الوطنية العليا للدولة الألمانية (أو كترجمة حرفية “سبب وجود الدولة” Staatsräson الألمانية) ساعد اليمينيين المتطرفين مثل حزب البديل من أجل ألمانياAfD على الانتعاش في السنوات الأخيرة. فهل توافقون الرأي بخصوص هذا التفسير؟
ج: لا يمكنني أن أتحدث هنا بشكل خاص عن حزب البديل من أجل ألمانيا. ولكن يمكنني أن أخبركم أن اليمين المسيحي في الولايات المتحدة لديه نسخته الخاصة من “المكارثية الفلسفية المعادية للسامية”، بعبارة سوزان نيمان. ونسختهم هي نفسها معادية للسامية أشّد العداء. على أنّ الشيء الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لي في ألمانيا ليس حزب البديل من أجل ألمانيا.
ماذا أو من يقلقك إذن ؟
هذا النوع من اليمين الوسطي، حيث يكمن الثقل الحقيقي للرأي العام. هذا الأخير يتأثر، في ما يبدو، بسهولة شديدة بالحجج الزائفة. مثل تلك الحجة الزائفة القائلة أنه لا أحد انتهك حريتّي الأكاديمية في ما حصل لي مع جامعة كولونيا. لكن ببساطة تم اختيار عدم تكريم شخص يحمل آراء من قبيل الآراء التي يعتقدون أنني أحملها. (عبارة سقطت في الترجمة الألمانية)
س: ذكرتم أنه لا توجد علاقة بين بيان “فلسفة من أجل فلسطين“ وسلسلة المحاضرات التي كان من المزمع تقديمها في إطار كرسي الأستاذية الخاص ب “ألبرتوس ماغنوس“.هل هناك علاقة بين موقفكم في البيان الموقع وعملكم الأكاديمي؟
ج: أنا أرتدي أكثر من قبعة. فأنا أقوم بعمل نظري في إطار البحث الأكاديمي. وأحيانًا أوقع البيانات. و ليس بالضرورة أن تكون هناك علاقة مباشرة بين المسألتين. كما أنني أنشر أيضًا بعض أبحاثي بأسلوب شعبي وتحريضي. وأفضل مثال على ذلك هو ما قمت به في “النسوية من أجل الـ99 في المائة” الذي ألفته بمعية سينزيا أروزا وتيثي بهاتاشاريا. وهو عبارة عن بيان Manifest حول كيفية اتخاذ مسار مختلف للنشاط النسوي لصالح الـ99 في المائة من النساء والرجال والأطفال بدلًا من نوع محدد من النسوية النيوليبرالية. و لم يسبق لي أن كتبت شيئا عن الشرق الأوسط. لأنني لا أملك المعرفة العلمية الكافية في هذا الشأن، لكنني مواطنة مفكرة. وكيهودية، أشعر أيضًا بمسؤولية خاصة، وفقًا لفكرة: “ليس باسمنا Not in Our Name”. (في إشارة إلى أنه لا يحق لإسرائيل أن تتحدث باسم اليهود ـ المترجم)
س: هل لأن ما يجري في غزة يحدث إلى حد ما باسم الشعب اليهودي؟
ج: بالضبط. لا شك أيضًا أن تهمة معاداة السامية في سياق الحديث عن فلسطين وإسرائيل يتم استغلالها واستخدامها كسلاح ضد الأشخاص الذين ينددون بالمسار الحالي للحكومة الإسرائيلية ويطالبون بتصحيح المسار من أجل تحسين وضع الفلسطينيين، وظروف اليهود أيضا في كل مكان.
س: يبدو ذلك عملا مشرفا. تكفي الإشارة أنه في ألمانيا، أصدر البرلمان الاتحادي قرارًا يصنف مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية على أنها معاداة للسامية. ويربط بعض الناس في ألمانيا ذلك بإجراءات المقاطعة ضد اليهود الألمان في ثلاثينيات القرن الماضي.
ج: هذا ربط مثير للاهتمام. على أية حال، لم تكن حينذاك دولة يهودية تنفذ مذبحة عسكرية غير مشروعة. هناك تشابه أفضل بكثير مع جنوب أفريقيا، حيث كانت هناك مقاطعة أكاديمية قوية، ومقاطعة رياضية وثقافية، وهي مقاطعات كان لها إلى جانب المقاطعة الاقتصادية بالتأكيد تأثير واضح ترتب عنه وضع حد لسياسة الميز العنصري. وبالمناسبة، لم يكتفِ الألمان بمقاطعة اليهود. بل طردوهم وأرسلوهم إلى معسكرات الاعتقال لقتلهم. وبالتالي لا وجه للمقارنة بين الوضع الحالي والوضع السابق.
س: هل تخططون لإلقاء هذه المحاضرات في مكان آخر؟
ج: بالتأكيد! إنها نسخة موسعة ومنقّحة من المحاضرات التي ألقيتها في برلين قبل عامين. وقد أدخلت عليها الكثير من التعديلات، ولديّ الآن مواد جديدة أريد تقديمها أمام عموم الناس لمناقشتها. وتسهر حاليا جامعة نيوسكول التي أنتمي إليها على تنظيم نشاط لهذا الغرض. وقد اقتُرح علي أيضًا أن ألقي هذه المحاضرات في أماكن أخرى في ألمانيا تحت شعار: “هذا ما لم يُسمح لكم بسماعه في كولونيا”.
س: لقد أبدى العديد من الأساتذة و الأستاذات الألمان تضامنهم معكم. هل تعتقدون أن هناك تغيير في نمط التفكير في ألمانيا؟
لست قريبة بما يكفي مما يجري للحكم على ذلك. ولكن لدي شعور بأن الحمى ستنتشر، إذا جاز استعمال هذا التعبير. فلا يمكنني التنبؤ بما إذا كانت حالتي هذه ستمثل شرارة الانطلاق، أو الحالة اللاحقة أو التي تليها. ولكن هناك بالتأكيد قلق متعاظم. ولنقل أن هذا هو تقديرنا للأمر في نيويورك.
س: هل ينظر زملاؤكم إلى ما يحدث في ألمانيا ويتعجّبون من هذا الذي يحصل هنا؟
بالتأكيد هذا الأمر حاصل بين الأكاديميين والأكاديميات والفاعلين و الفاعلات في المجال الثقافي، وفي الصحافة أيضًا، منذ أن تم نشر قضية ماشا غيسن في بريمن على نطاق واسع. وكذلك بعد المحاولة الأخيرة لسحب جائزة أدورنو من جوديث بتلر: كل هذه وقائع حظيت بنقاش مستفيض في نيويورك. وذلك بالخصوص في مجال الفنون والأوساط الأكاديمية والصحافة. فالناس قلقون ومحبطون وغاضبون. علاوة على أن هناك العديد من الفلسطينيين والفلسطينيات والعرب المعنيين بهذا الأمر، ولكن هناك أيضًا أصوات يهودية بارزة. وهذا يثير السؤال: من تظن نفسك (تقصد رئيس جامعة كولونيا) لتخبرنا ماذا يعني دعم الشعب اليهودي؟
س: هل ترون أ نفسكم ضحية لـ“المكارثية الفلسفية المعادية للسامية“، antisemitischen’ ‘philosemitischen McCarthyismus كما وصفتموها سابقًا؟
ج: أفترض ذلك. على كل حال، لقد تم إلغاء زيارتي باسم مسؤولية الألمان عن المحرقة. لكن هذه المسؤولية يجب أن تنطبق أيضًا على اليهود أنفسهم. ولكن في ألمانيا يتم اختزالها في سياسة الدولة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية (اليمينية المتطرفة) الحاكمة حاليًا. والتي تلخّص بشكل جيد المكارثية الفلسفية المعادية للسامية. إنها طريقة لإسكات الناس بذريعة الدفاع المزعوم عن اليهود.
س: لماذا تعتقدون أن هذه السياسة تشتغل بشكل جيد في ألمانيا أو بصيغة أخرى ما مصدر هذا الفهم ؟
ج: ببساطة لقد تم التطبيع مع الأمر إلى درجة أنه أصبح أمرا عاديا. لقد اعتاد الناس في ألمانيا على نظرة ضيقة جدًا لما تعنيه حرية التعبير وما يرتبط بها من حريات سياسية وديمقراطية.
س: مثلت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا أهم الداعمين بالأسلحة (سقطت كلمة الأسلحة فى الصياغة الألمانية) لإسرائيل خلال الأشهر الستة الماضية. كيف يؤثر ذلك في نظرتكم إلى ألمانيا؟
ج: المتهمة الرئيسية هنا هي الولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت نفسه، ولأول مرة في حياتي، وربما لأول مرة على الإطلاق، أرى هنا هذه الأيام نقاشًا متوازنًا حول فلسطين. فالأصوات الفلسطينية حاضرة في الفضاء العمومي. والمنظمات المدنية، بما في ذلك المنظمات اليهودية اليسارية، التي تنتقد السياسة الإسرائيلية حاضرة في هذا النقاش غير المسبوق. فالرئيس جون بايدن يتعرض لضغوط كبيرة. وقد شرع الآن في استخدام نبرة أكثر صرامة وحدة بشأن ربط المساعدات العسكرية لإسرائيل بشروط. وسننتظر ما إذا كان هذا الضغط سيؤدي بالفعل إلى تطبيق هذه الشروط، وما إذا كان الديمقراطيون سيحاولون فرض ذلك النهج على إسرائيل. على أقل تقدير، أصبح صنبور حكومتنا المفتوح بشأن المساعدات العسكرية لإسرائيل مثيرا للجدل في الفضاء العمومي الأمريكي. ما أتمناه هو أن يتبلور نقاش مماثل في الفضاء العمومي الألماني. أي أن يصبح هذا النقاش على الأقل قضية عامة يمكن للناس أن يتجادلوا حولها دون أن يتهموا على الفور بمعاداة السامية أو أن يتم توبيخهم بمثل هذا النوع من الإلغاء الذي تعرضت له.
حوار هانو هاونشتاين.
رابط الحوار: