Ed. Muhammad Khalid Masud,Armando Salvatore and Martin van Bruinessen
هذا الكتاب هو ثمرة جهود العديد من الأكاديميين الذين كانوا بصدد تطوير برنامج تعليمي لطلبة الدراسات العليا يتناول موضوع الإسلام والحداثة في المعهد الدولي لدراسة الإسلام في العالم الحديث (the International Institute for the Study of Islam in the Modern World) في مدينة ليدن الهولندية. كان الهدف هو المشاركة في النقاش المتعلق بالتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات الإسلامية، هذا من جهة ومن جهة أخرى كان الهدف من هذا الكتاب هو سد النقص الحاصل بسبب عدم وجود كتاب جامع يضم أهم مواضيع علاقة الإسلام بالحداثة انطلاقا من مقاربة متعددة التخصصات، فكان هذا الكتاب ثمرة ورشة نظمت في المعهد السالف الذكر في أكتوبر من سنة 2004.
هذا الكتاب يعرض للقارئ موضوع علاقة الإسلام بالحداثة من خلال رؤى مختلفة ومتعددة التخصصات: السيسيولوجيا، التاريخ، العلوم السياسية، التاريخ الثقافي؛ حيث قدم هذا الكتاب مائدة دسمة من المواضيع كلها تغطي موضوع الاسلام والحداثة. هذا الموضوع المثير للنقاش ظل يرافقه نقاشات ايدلوجية وعقائدية وسياسية، بالإضافة إلى كون هذا الحقل المعرفي يزداد اتساعا، ومن أهم المواضيع التي مازال النقاش مستمرا بخصوصها هو فكرة تفرد وعدم وجود نظير للحداثة الغربية، هذه الفكرة يقابلها فكرة وجود “حداثات” وليس حداثة واحدة، ولكن ما يطبع النقاش حول هذه المواضيع هو غياب إجماع وتوافق حول المصطلحات والمفاهيم مما يؤدي أحيانا إلى سوء الفهم. لكن هذا الكتاب الجماعي يتميز بمقاربة تعتمد التحليل المقارن، ويجتهد في الربط بين أنظار علماء الاجتماع وأنظار المؤرخين[1].
تناول البحث الأول من هذا الكتاب والذي أنجزه أرماندوسالفاتوري[2] موضوع التقليد والحداثة في الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية . ينطلق سالفاتوري من بيان الافتراض السائد في أدبيات العلوم الانسانية القاضي بكون الحداثة قد حدثت مرة واحدة في الغرب بسبب توفر شروط معينة، تلك الشروط التي لم تتوفر في حضارات أخرى، ومن بينها الحضارة الإسلامية، تلك الحضارات التي يعتبرونها تفتقر لأهم مقومات الحداثة الغربية. هذا الموقف يؤدي بأصحابه للقول بأن تلك الحضارات لا يمكنها أن تلج الحداثة إلا إذا جُلبت إليها من خارجها. لكن ظهرت في الآونة الأخيرة العديد من الأعمال التي تعيد النظر في هذا الموقف وتعيد النظر في الفكرة القائلة بأن الحداثة هي غربية ولا يمكن أن تكرر.
سعى الباحث في هذا العمل أن يبين أن التقليد، الذي رفضه منظرو الحداثة الغربية واشترطوا زواله أو ابتلاعه كشرط أساس للعبور إلى الحداثة، يعتبر مفهوما معقدا، ويعتبر أنه ليس هناك تقليد واحد بل “تقاليد”.[3] ينتقد الباحث كذلك المنهجية التي تقارب موضوع علاقة الإسلام بالحداثة من خلال الاعتماد على نموذجالحداثة الغربية. وقد اعتمد الباحث في محاولته تجاوز هذه المقاربة من خلال إعادة النظر في مفهوم الحضارة التي يعتبرها مجموعة متراصة من العلاقات من الثقافة والسلطة، حيث يشكل فيها التقليد بعدا ثقافيا يتسم بالدينامية والحيوية، وهذا يؤدي إلى تجاوز المركزية الأوربية ويؤدي في نفس الوقت إلى إدراك طرق أخرى للحداثة في إطار “تعدد الحداثات”، وهذا الموقف لديه ما يسنده في من خلال بحوث المؤرخين وعلماء الاجتماع الذين برهنوا عل دينامية الحضارة الاسلامية. كما اجتهد الباحث في بيان عوامل القوة في الحضارة الاسلامية التي تحولت بحكم مسار تاريخي معين إلى عوامل ضعف في مواجهة الغرب[4].
البحث الثانييتناول موضوع علماء الغرب المختصين في الإسلام وقضية الحداثة، وقد أنجزه كل من محمد خالد مسعود[5] وأرماندوسالفاتوري، وقد ركز هذا البحث على قضية كيفية معالجة علماء الغرب المختصين في الإسلام مستويات توافق الإسلام والحداثة. ويستحضر الباحثان كون العلماء الغربيين في تناولهم لموضوع الإسلام والحداثة قد تأثروا بالتجربة المسيحية، حيث تم تحديد مفهوم الدين الإسلامي انطلاقا من رؤية مسيحية لماهية الدين[6]، وتم استحضار تجربة الاصلاح المسيحي والبروتستانتي منه بالخصوص. كما أن الكثير من الأفكار العالقة في ذهنية العلماء الأوربيين المختصين بالإسلام بخصوص موضوع علاقة الإسلام بالحداثة ترجع إلى بعض الأفكار التي روجها مفكرو التنوير والذين لم يكونوا من المختصين بالإسلام مثل هيوم وفولتير وغوته وهردر وهيجل ثم تيتشه[7]. ويلاحظ المؤلفان كيف تم اختزال موضوع الحداثة والاسلام في ثنائيات من قبيل: العقل/النص، العلم/ الوحي، العلمانية/ الدين، المادية/الروحانية، النزعة الإنسية/ النزعة الدينية، الذاتية/التعالي، رأسمالية السوق/ الشمولية[8]. ويلفت الباحثان الأنظار إلى تركز النقاش في الأوساط الأكاديمية الغربية على ما يعتبرونه تعارضا حادا بين ما يجسده الإسلام من الاستبداد الشرقي والتحضر الغربي[9].
ومن أهم المستشرقين الذين عالجوا موضوع الاسلام والحداثة نجد كلا من الألماني Gustav vonGrunbaumوالأنجليزيHamilton Gibb كما نجد كلا من danielLerner و Manfred Halpern اللذين لم يكونا مستشرقين لكنهما تبنيا مواقف ونتائج أبحاث المستشرقين ومواءمتها مع مقاربتهما النظرية. مع الإشارة إلى مفارقة تتمثل في كون بعض منظري الحداثة الغربيين قد منحوا للإسلام فرصة للدخول للحداثة بينما نجد المستشرقين قد باعدوا بين الاسلام والحداثة، وعلى العموم فقسم كبير من منظري الحداثة ظلوا معتمدين على المستشرقين في التعرف على الخلفيات النظرية للإسلام[10]. نجد من جهة أخرى أن المستشرقين نظروا بنظرة دونية إلى ما يسمى بالحداثيين الإسلاميين؛ فهم في نظرهم لا يمثلون قيم الحداثة الغربية ولا يمثلون الاسلام كما هو في نصوصه المؤسسة.
ويلفت الباحثان النظر إلى باحثين ذهبا عكس التيار في مقاربة علاقة الإسلام بالحداثة وهما Reinard Schulz و Peter Grabd اللذان اعتبرا أن الاسلام يتضمن بذور الحداثة، ولم يقبلا حجج للمستشرقين والتي تعتبر أن حملة نابليون على مصر هي التي جلبت بذور الحداثة إلى العالم الاسلامي حيث اجتهدا في التدليل على وجود طبقة شبيهة بالطبقة البورجوازية في العالم الاسلامي تحلقت حول بعض الطرق الصوفية[11].
البحث الثالث تناول موضوع الحداثة السياسية لكاتبه سامي زبيدة[12]. ركزت هذه الورقة على جوانب التحديث السياسي في المجتمعات الإسلامية، حيث نبه الباحث إلى كيفيات وأشكال تمظهر البعد الديني باعتباره معتقدا ومؤسسات وجماعات في العملية السياسية في الشرق الأوسط. ومن أهم تمظهرات الحداثة السياسية في المجتمعات الإسلامية هو الفصل والتمييز بين المؤسسات والأدوار الاجتماعية وبين المؤسسات والهيئات الدينية، يتجسد هذا كما هو الحال بالنسبة للمسيحية في الفصل بين القانون ومؤسساته وبين المجال الديني، حتى وإن تم إدماج بعض عناصر الشريعة الإسلامية في المنظومة القانونية فإن ذلك يتم في إطار مؤسسات الدولة التشريعية وليس ضمن الإطار الديني، وبعيد كل البعد عن المقررات الفقهية. الاستثناء الوحيد في هذا الصدد هو المملكة العربية السعودية وبشكل جزئي الجمهورية الاسلامية الإيرانية. فالقانون في الدولة الحديثة أصبح من مسؤوليات الدولة وليس من اختصاص الفقهاء والمفتين، هذا على مستوى القانون أما بالنسبة للتعليم فأغلب الدول الإسلامية أصبح الدين فيها مجالا تخصصيا يدرس في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية[13].
يشير سامي زبيدةإلى أنه في إطار التحولات السياسية التي تعرفها الدول الإسلامية تم استدعاء الدين وخصوصا قاموس ينتمي إلى حقل الشرعية والعدل وذلك حتى يتمكن الفاعلون السياسيون من التبرير ومواجهة التحديات وذلك في سياق نقاش تطبيق الشريعة. تجل آخر من تجليات الدين وهو الجماعة الدينية بما تحمله من نزعة هوياتية ونزوع تضامني. وقد كان يتمحور الصراع والتنافس السياسي في مجتمعات الشرق الأوسط حول إحلال حزب مكان حزب في السلطة أمير مكان امير أو عائلة حاكمة مكان عائلة أخرى، ولم يكن يهدف ذلك التنافس إلى إحداث تغيير في النظام السياسي ككل[14].
من تجليات الحداثة السياسية في المجتمعات الاسلامية في القرن 19 والقرن 20 تراجع أدوار المؤسسات الدينية والشخصيات الدينية في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية ومن بينها المجال التشريعي والتعليمي؛ فالعديد من أبناء الطبقة المتوسطة الذين تلقوا تعليما غربيا وأتقنوا لغات غربية تقلدوا مناصب المسؤولية وشكلوا أهم الشخصيات في المجالين السياسي والثقافي.
في إطار التحولات السياسية وعلاقتها بالدين حاولت بعض الأنظمة الحد من الامكانيات التي توفرها النظم الدستورية في الدولة الحديثة عن طريق المناداة بالدين والتقليد، هذا النداء وجد صدى وتجاوبا من قبل الذين فشلوا في دخول الحداثة من رجال الدين والفقراء والمهمشين.نجد كذلك العديد من القوى السياسية من المعارضين القوميين الذين توجهوا بالنقد للقوى الغربية وأتباعها لكنهم عبروا عن هذا النقد بنفس ديني. وفي هذه الملابسات ولد الإسلام السياسي الذي أخذ مكانه إلى جانب كل من القوميين والعلمانيين والشيوعيين[15].
البحث الرابع تناول موضوع الحداثة وعلاقتها بسياسة النوع لمؤلفته دينيزكانديوتي[16]. تلفت صاحبة البحث النظر إلى مسألة أساسية وهي أن قضايا المرأة التي ظهرت النقاشات بخصوصها في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 كانت تحكمها هواجس الاحتكاك مع الغرب. وقد تمحورت قضايا المرأة بمواضيع من قبيل التعليم والحجاب وتعدد الزوجات وتزامن كل ذلك مع دعوات التقدم والاصلاح الاجتماعي، ومن خلال النقاش المحتدم بين الاصلاحيين والمحافظين بخصوص قضايا المرأة تبرز قضية توافق الاسلام مع الحداثة[17]. ومع بداية حركات التحرر وبداية ما بعد الاستعمار سادت في الساحة الفكرية الافكار القومية والاشتراكية وكلها دعت إلى مشاركة المرأة باعتبارها مواطنة ومتعلمة ومتنورة في مجهودات التنمية. بالنسبة لهذه الفترة التاريخية فقد سادت فيها بالنسبة للعلوم الاجتماعية البراديغمات الماركسية والتحديثية التي تقترح نماذج معرفية من أجل العبور إلى الحداثة، تزامن ذلك مع الأدبيات الاستشراقيةالتي تناولت قضايا المرأة مستخدمة في ذلك أهم التيارات المعرفية في العلوم الاجتماعية ومعتمدة على الأدبيات الكلاسيكية من كتب الأدب وكتب الفقه [18].
أدت حرب أفغانستان سنة 2001 وتغطية الإعلام لأحوال المرأة الأفغانية إلىازدياد حدة النقاشات بخصوص قضية المرأة في العالم الاسلامي وأصبحت إلى حد ما قضية رأي عالمي. وقد ركزت الباحثة على الدول الاسلامية في آسيا الوسطى وأفغانستان إبان الفترة السوفييتية وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث عرفت تلك الدول نمطا متفردا من التحديث، فهي حداثة بدون اقتصاد السوق، حيث قام السوفيات بهدم البنيات الاجتماعية التقليدية وتحفيز المرأة على المشاركة في الحياة العمالية. ومع تفكك الاتحاد السوفياتي قامت العديد من الأنظمة السياسية في تلك الدول باستدعاء تقاليد “إثنية” وطنية من أجل بناء الدولة الوطنية وتبنت مواقف متباينة من الإسلام حيث تم استدعاء بعض تمظهراته المحلية وفك الارتباط بتمظهراته السياسية.
البحث الخامس تناول موضوع التصوف والإسلام الشعبي والتلاقي مع الحداثة لكاتبه مارتن فون برينسن[19]، الذي أبرز أنه مع بداية الحركات الإصلاحية تبنت تلك الحركات مواقف متباينة من التصوف، ولعل أكثرها تطرفا هو الحركة الوهابية وحركة أهل الحديث في الهند. ونجد موقفا أقل راديكالية هو موقف الإصلاحيين في الهند خصوصا حركة ديوباند في الهند ومحمد عبدو في مصر. وفي تركيا اعتبر مصطفى كمال أتاتورك أن الطرق الصوفية تعيق التقدم وتغرق المجتمع في التخلف والجهل[20]. ورغم كل الجهود من أجل الحد من التصوف إلا أنه مازال متواجدا حتى في الغرب ويقوم بأدوار مهمة. يلاحظ كذلك أن تنامي المد السلفي وتيارات الإسلام السياسي لم يؤد إلى القضاء على التصوف بل أدى إلى ظهور تنوع في الحركات الصوفية، بل نجد الكثير من الفئات العريضة من الناس وجدت في التصوف مذهبا جذابا لأنهم يرون فيه بديلا للأنماط السياسية والطهورية للإسلام[21].
ويلفت الانتباه إلى كون الطرق الصوفية قد ازدهرت إبان الفترة الاستعمارية بسبب مشاركتها في أعمال مقاومة الاستعمار، ويرجع الباحث التراجع النسبي للتصوف في الفترة ما بعد الكولنيالية إلى ظهور جمعيات تطوعية تقوم بأدوار مشابهة لما تقوم به الطرق الصوفية[22].وقد استطاعت العديد من الطرق الصوفية التأقلم مع الظروف الجديدة، واستفادتها من وسائل التواصل الحديثة، زد عليها أن بعض رواد الإصلاح كانوا من المتصوفة.
البحث السادس تناول موضوع الاستعمار والفقه الاسلامي، لإبراهيم موسى[23]، الذي تناول في هذا البحث كيفية تأثير الاستعمار الغربي للدول الإسلامية في الفقه الإسلامي. حيث أدى هذا التلاقي مع المستعمر بالفقهاء إلى إعادة النظر في العديد من الأحكام المقررة في الفقه وذلك بسبب الاحتكاك المباشر مع الغربي المستعمر وبأنظمته القانونية والقضائية الغير معهودة، ومن أهم التغييرات البنيوية التي أحدثها المستعمر فيما يتعلق بالفقه هو أنه جعل الدولة هي المشرع الأول وليس الفقهاء. مسألة أخرى نبه إليها إبراهيم موسى وأنه قد شكل الخطاب القانوني والفلسفة الأخلاقية مجالات وجد فيها المستعمِر والمستعمَرمجالا للتقارب. بالإضافة إلى ذلك نجد أنه منذ رفاعة الطهطاوي ومحمد عبدو في مصر وخير الدين التونسي في تونس وسيد أحمد خان وأشرف علوي التهانوي في الهند لم يتبنوا كلهم موقفا سلبيا من النظام القضائي والقانوني للمستعمر. ورغم أن الكثير من الفقهاء التقليديين كان لديهم مقف من الفلسفة التي يؤسس عليها القانون الأوربي إلا أنهم أبدوا نوعا من التقارب معه في مناحيه العملية[24].
البحث السابع تناول مشروع الإصلاح في ظل بروز مفهوم المجال العام في العالم الإسلامي. ركز كاتب هذا البحث أرماندوسالفاتوريعلىبروز وتنامي مفهوم الفضاء العام عند رواد الفكر الإصلاحي في العالم الإسلامي، ورصد الباحث أهم مؤشر على تنامي هذا المفهوم والوعي بأهميته هو إعادة الاعتبار لما يسمى “بالعامة” وضرورة استهدافهم بالمشاريع الإصلاحية، عوض “الخاصة” كما هو الحال في الأدبيات الكلاسيكية[25].
مع بداية الستينات كان هناك تفكير متواصل ويزداد قوة بأهمية المجال العام في المجتمعات الغربية الحديثة، وتم اعتبار المجال العام بمثابة مجال يمنح التماسك ومساحات للحرية بالنسبة للفاعلين الاجتماعيين. وفي أواخر التسعينات ظهرت العديد من البحوث التي تعتبر أن مفهوم المجال العام هو مربط الفرس من أجل تقييم درجات التحديث في العالم الاسلامي، حيث برز مفهوم “المصلحة” باعتباره يؤسس لمفهوم المجال العام في العالم الإسلامي.وترتبط فكرة المجال العام بفكرة المواطن الذي يتفاعل ويجادل ويتداول مع مواطنين آخرين مستحضرين في أذهانهم السعي الأخلاقي من أجل تحقيق الصالح العام. وهذا ما يتطلب درجة من الشفافية في التواصل بين الفاعلين المشاركين في العملية. وبحكم تشكل مفهوم المجال العام في ثقافة معينة مجموعة من المحددات التاريخية والثقافية المرتبطة بكل مجتمع وعلى درجات الانفتاح الذي تمنحه الأنظمة السياسية[26].
يربط الباحث فكرة ظهور فكرة المجال العام في العالم الاسلامي عندما قام العديد الاصلاحيين المنتمين إلى مناطق مختلفة من العالم الاسلامي باستدعاء التراث الأصولي وخصوصا نظرية المصلحة، ودعوا إلى ضرورة المشاركة في النقاش العام باعتبار ذلك يدخل في تحقيق “المصلحة”. وهذا ينبهنا إلى ضرورة تتبع مفاهيم الحداثة انطلاقا من السياق الحضاري عوض تقييم تلك المفاهيم بالمقارنة مع تجارب حضارية أخرى، وهذا ما يقودنا إلى مقاربة نظرية تقول بتعدد الحداثات[27].
البحث الثامن يتناول العلماء والنزاع حول قضايا المرجعية الدينية لمحمد قاسم زمان[28]، يعتبر موضوع المرجعية الدينية مسألة محورية في قضايا الإسلام في العصر الحديث. وهذه القضية لم تكن فيما قبل موضوع نقاش في العصور الكلاسيكية بل ظهرت مع تناميمؤسسات التعليم الأكاديمي في العالم الإسلامي، والتي تخرجت منها نخب جديدة وخصوصا النخب التي تلقت تعليما دينيا أكاديميا لذلك أصبح مألوفا أن تتكرر الدعوات من قبل المؤسسة الدينية التقليدية بضرورة احترام سلطتهم الدينية[29].
وتعرض الباحث إلى أشكال حفظ السلطة الدينية في الأدبيات الكلاسيكية من خلال التشديد على ضرورة احترام التخصص والتمكن فيه، بالإضافة إلى ضرورة حفظ السلطة المذهبية. وفي العصر الحديث ومع رياح التحديث التي هبت على العالم الإسلامي، قام العلماء بالتكيف والاستفادة من منجزات الحداثة وما تمنحه من إمكانيات تنظيمية؛ حيث قاموا بمأسسة السلطة الدينية مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث اللذين كان للقرضاوي دور كبير في تأسيسهما ثم دار الافتاء في مصر وكذلك دار الإفتاء في الهند.
ورغم أن قضايا السلطة الدينية قد تمت مناقشتها في الأدبيات الكلاسيكية إلى أن الحداثة أضفت عليها مسحة جديدة، فانتشار التعليم والتكنولوجيات الحديثة مكنت فئة عريضة من الناس من التعامل بشكل مباشر مع مصادر المعرفة الدينية، بالإضافة إلى التحديات التي فرضها احتكاك العلماء مع المثقفين في النقاش العام. ولكن برهن الباحث على كون العلماء التقليديين استطاعوا التأقلم مع هذا الوضع، بل نجدهم قد استفادوا من الوضع الجديد؛ حيث وسعوا من أنشطتهم وتمكنوا من التواصل مع فئة عريضة من الناس. وقد مكنتهم مؤسسات التعليم الغربي في تشكيل تحالفات مع النشطاء الإسلاميين ذوي التوجه السياسي[30].
البحث التاسع خصص للحديث عن الحداثة الإسلامية، حيثركز محمد خالد مسعود في هذه الورقة العلمية على كيفية تمثل رواد الإصلاح في العالم الإسلامي للحداثة ودرجات وتوافقها مع الإسلام. وذكر أن تيارات الفكر الاسلامي توزعت بين الاصلاح أو الرفض المطلق سواء للحداثة أو التقليد، واختلفت مواقف رواد الفكر الإسلامي الحديث في طريقة التعرف وإدراك الحداثة والتقليد. وأعطى الباحث مساحة كبيرة لخطاب الحداثة الإسلامية والتي بشر روادها على توافق الحداثة مع الاسلام. ويلفت الباحث النظر إلى أن أصول الحداثة الاسلامية يمكن تتلمس من خلال انتشار الانطباع بالانحطاط في القرن الثامن عشر ثم ردود فعل العلماء على التوسع الغربي الاستعماري في بلاد الاسلام، ثم ردودهم على انتقادات المبشرين المسيحيين والمسؤولين الاستعماريين بخصوص الفقه والتاريخ الاسلامي واعتبروا أن التحديث يساوي التغريب[31].
وقد كان السيد أحمد خان نبه إلى التعارض الحاصل بين العلم والدين كان نتيجة للمنهجية المعرفية لعلم الكلام الكلاسيكي لذلك نادى بتجديد علم الكلام، هذا الأخير الذي استفاد من الفلسفة اليونانية من أجل الرد عليها، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يتعامل مع المنهج التجريبي الذي أتى به العلم الحديث، لذلك نادى بإعادة النظر في علم الكلام ومرتكزاته المنهجية[32].
ورسم الباحث ثلاث مراحل مر منها رواد الحداثة الاسلامية:
- التركيز على العلوم التطبيقية وعلاقتها بالقرآن.
- القومية والخلافة العالمية والهوية واستقلالية الذات
- الاهتمام بالعلوم الاجتماعية وحقوق الانسان.
وفي الأخير انتهى الأمر بالحداثيين الإسلاميين إلى التلاشي لأنهم واجهوا مشكلة حقيقية تتمثل في كون الحداثة مرتبطة عضويا بالغرب وهم متشبثون بالأصالة. وانتهى الأمر بأغلب الحداثيين للقول بأن الحداثة هي غربية وتحول الحداثيون الاسلاميون إلى مجرد كتاب دفاعيين Apologitics[33].
البحث العاشرلعبد القادر طيب[34] تناول موضوع تشكل الهويات في العالم الاسلامي، ركز الباحث في هذه الورقة العلمية على ما أحدثته هزيمة 1967 من شرخ في الشعور العربي الإسلامي، مما أفقد الناس الثقة في دولهم التي استقلت للتو وفقدوا الثقة في الشعارات القومية التي رفعتها تلك الدول، مما أدى إلى ظهور حركات تستنجد بالتراث من أجل إنقاذ العرب من الإهانة وردة فعل ضد الفكر القومي الذي اعتبرته لم يجلب إلى المسلمين سوى الذل والمهانة، وأدى هذا إلى تضخم خطاب الهوية في العالم الإسلامي وذلك بالتركيز على الأبعاد الدينية من تلك الهوية مع التركيز على البعد العملي والحركي من تلك الهويات التي ميزت مواقف الاسلام منذ العصور الأولى. ذلك البعد العملي الحركي تمثل دوره في تقديم أجوبة نقدية للدول الغربيةفي الفترة الاستعمارية وما بعد الاستعمارية.
وعموما قدم لنا الكاتب ثلاث نماذج من الحركات الهوياتية في العالم الاسلامي وهي: الإصلاحيون والإسلاميون والعلماء التقليديون. وقد مثل لهذه النماذج بثلاث نماذج تنتمي إلى شبه القارة الهندية، تلك النماذج الثلاثة بينت لنا الطرق والاختيارات التي من خلالها تم بناء الهويات في العديد من المناطق، وقد كانت تشكلت قبل ذلك قبل الستينات والسبعينات عندما أصبح التحول تجاه الهويات أمرا مفروغا منه على الصعيد العالمي.
[1]– Islam and Modernity: Key Issues and Debates, Ed. Muhammad Khalid Masud, Armando Salvatore and Martin van Bruinessen, (Edinburgh: Edinburgh university press, 2009 ), p.5.
[2]– عالم اجتماع، ومتخصص في الدراسات الدينية المقارنة. استاذ الدراسات الدينية العامة (السياسة والمجتمع) في جامعة McGill بمونتريال، كندا.
[3]– Islam and Modernity,p. 31.
[4]– Islam and Modernity.p. 31.
[5]– حصل على الدكتوراه من في جامعة McGill بمونتريال، كندا. مدير العام للمعهد الاسلامي للبحوث بالجامعة الاسلامية العالمية بإسلام أباد في باكستان وتقلد العديد من المناصب العليا في القضاء الباكستاني.
[6]– Islam and Modernity ,p.36.
[7]-Islam and Modernity, p. 37.
[8]– Islam and Modernity, p.37.
[9]– Islam and Modernity, p. 38
[10]– Islam and Modernity, p. 42.
[11]– Islam and Modernity, p.49.
[12]– استاذ فخري للعلوم السياسية والسوسيلوجيا في بيركبيك بجامعة لندن.
[13]– Islam and Modernity, p.84.
[14]– Islam and Modernity, p. 85.
[15]-Islam and Modernity,p. 86.
[16]– أكاديمية تركية وأستاذة فخرية لدراسات التنمية بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن، تتركز أعمالها حول قضيا المرأة والنوع.
[17]– Islam and Modernity,p. 91.
[18]– Islam and Modernity,p. 92.
[19]– أنتربولوجي وكاتب هولندي مختص في الاسلام كتب مجموعة من الكتب حول الثقافة الكردية والأندونيسية والفارسية.
[20]-Islam and Modernity,p. 125.
[21] -Islam and Modernity,p. 149.
[22]-Islam and Modernity,p. 149.
[23]– أستاذ من جنوب إفريقيا، يشغل استاذ الدراسات الاسلامية بجامعة Notre Dame بالولايات المتحدة الأمريكي. جمع في تكوينه بين الطريقة التقليدية متمثلة في مدرسة دار العلوم التي تلقى فيها تكوينه الشرعي التقليدي، ثم حصوله شهادة الدكتوراه من جامعة كاب تاون بجنوب إفريقيا. سبق له وأن ألقى درسا حسنيا في حضرة الملك محمد السادس.
[24]Islam and Modernity,p..176.
[25] – Islam and Modernity,p. 186.
[26]– Islam and Modernity,p. 202.
[27]– Islam and Modernity,p. 202- 203.
[28]– أستاذ وأكاديمي باكستاني يدرس بجامعة برينستون بالولايات المتحدة الأمريكية، تتركز أعماله حول العلاقة بين الدين والمؤسسات السياسية في العصر الحديث والوسيط، كما أنه يشتغل على الفكر الأصولي.
[29]-Islam and Modernity,p. 206.
[30]-Islam and Modernity,p. 231.
[31]-Islam and Modernity,p. 237-238.
[32]-Islam and Modernity,p. 239.
[33]-Islam and Modernity,p. 257
[34]– أستاذ في قسم الدراسات الدينية في جامعة كاب تاون بجنوب إفريقيا. انشغالاته البحثية تتمثل في الاسلام والمجال العام في إفرقيا، الاتجاهات المعاصرة في الفكر الاسلامي الحديث.