قراءة في كتاب: “موسى والتوحيد، أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج”
قراءة في كتاب: “موسى والتوحيد
أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على سفر الخروج” [1]
مقدمة
انطلاقا من عنوان الكتاب، يظن البعض من المهتمين بالدراسات الدينية المقارنة، أن الكتاب سيكون سجاليا مع أطروحة الأصل المصري لموسى. بمعنى آخر، أن القصة التوراتية عن حياة موسى في ” سفر الخروج” ما هي إلا أسطورة مختلقة ومختلطة بقصص ضاربة في القدم، كما ذهب إلي ذلك فرويد في مؤلفه موسى والتوحيد[2]، أو ما طرحه الألماني يان أسمان[3] بشأن موسى وعلاقته بأخناتون و الموازنة بينهما، أو ما دأب عليه الباحث بوهندي في دراسات سابقة له تتناول المرويات الاسرائيلية[4] في ضوء النص القصصي القرآني، وتأثيرها على المعنى والفهم للدين، انطلاقا من التفاسير لاسيما التي تستند على المأثور. أو ربما يناقش الباحث جغرافية هذه القصة وأماكن حدوثها، تلك بعض التوقعات أو التخمينات التي تعن للمتلقي لأول وهلة قبل قراءته للكتاب والاطلاع على محتوياته.
يندرج هذا الكتاب ضمن إطار مشروع سلسلة كتب بعنوان: “الإضافة النوعية القرآنية” التي صدر فيها الكتاب الأول “مراجعة نقدية في سفر التكوين”[5]، حيث تحدث فيه الكاتب عن الآباء الكبار من آدم إلى يوسف، أما الكتاب الثاني فقد تحدث فيه عن أنبياء بني إسرائيل والجزء الأول من هذا الكتاب؛ هو الذي نحن بصدد مراجعته (موسى والتوحيد) أما الجزء الثاني فقد تمحور حول نبي الله داود وسليمان. أما الكتاب الثالث الموسوم بـ”الإضافة النوعية القرآنية في أنبياء النصارى : زكريا ومريم ويحيى وعيسى”، وأخيرا الكتاب الرابع يسمه بـ “الإضافة النوعية القرآنية في مجال السيرة النبوية”.
بين يدي الكتاب
هذا الكتاب هو عبارة عن دراسة نصية تحليلية مقارنة بين قصة موسى مع قومه وفرعون؛ حيث ينطلق الكاتب من متن سفر الخروج ويعقب بالنص القصصي القرآني.
وقد أشار الكاتب في مقدمة كتابه حول المنهج الذي سلكه، بقوله: ” أتابع مدارسة سفر الخروج، قضية قضية، وإصحاحا إصحاحا، عارضا مضامينه وأفكاره و أحداث سرده، ومقارنا بين ماجاء فيها ، وما ورد في القرآن الكريم من تلك المضامين والأفكار والأحداث نفسها…وقد حاولنا أن نترك النصوص تتحدث عن نفسها سواء في التلاوة الكتابية أو القرآنية” [6].
و قد تناول الكاتب قصة موسى كما وردت في سفر الخروج ملتزما بترتيب الأحداث كما وردت في السفر، لذلك لاحظنا أن الإضافات يتم تكرارها، لكنها تكون ملتصقة بحدث جزئي. لكن القصة في النص القرآني، وردت متفرقة في مجموعة من السور، وقد نبه المؤلف إلى ذلك أيضا.
ضم الكتاب بعد الإهداء والشكر و التصدير، مقدمة بين فيها الكاتب أهمية الموضوع ودواعي تأليفه والغاية منه، ثم المنهج الذي سلكه. وقد احتوى الكتاب على ثمانية عشر فصلا، كل فصل يبتدئ بتقديم، بعد ذلك يعرض الإضافات الموجودة فيه بشكل مفصل، أما عناوين الفصول فهي مستمدة من مضامين ما جاء في سفر الخروج، ليضع في آخر الكتاب خاتمة عامة يبرز فيها فلسفة مشروع سلسلة الإضافة النوعية القرآنية.
الفصل الأول المعنون ب “قابلتي العبرانيات و امرأة فرعون” تضمن عشر إضافات قرآنية استرجعت فضل امرأة مصرية عظيمة وأعادت إليها الاعتبار، وهي امرأة فرعون التي أنقذت الغلام موسى من القتل، وذكرت هذه الإضافة القرآنية فضلها وجزاءها بعد أن كان أمرها قد أخفي( في متن سفر الخروج) ونسب فضلها إلى قابلتي العبرانيات.
والفصل الثاني عنونه ب “فلسفة قصة موسى في التناول القرآني” أما الفصل الثالث فوسمه ب “أم موسى وإلقاء الغلام في النهر”، ليعنون الفصل الرابع ب: “الرضاع”. أما الفصل الخامس ب “التربية و التعليم” حيث تضمن تربية موسى وكبره وتعلمه أمور المعرفة السياسية و القتال في بيت فرعون. ليتبعه الفصل السادس الموسوم بـ “العنف” أما الفصل السابع ب “موسى في مدين و السقاية و الزواج” والفصل الثامن عنونه ب: “تلقي الوحي”؛ وقد أطلق على الفصل التاسع عنوان: “مع فرعون”. أما الفصل العاشر فقد جاء بعنوان “آيات أو ضربات أخرى” ويقصد بها الضربات التي أرسلها الله إلى فرعون وملئه، (وسماها القرآن بالآيات، في حين وردت في سفر الخروج تحت مسمى الضربات)، أما الفصل الحادي تناول حدث العبور وذبيحة الفصح، لينتقل في الفصل الثاني عشر للحديث عن حادثة شق البحر، وفي الفصل الثالث عشر تحدث عن العطش والجوع والأزمة التي عاشها بني إسرائيل قبل وصولهم إلى جبل الميقات (في برية سيناء) والفصل الرابع عشر تناول حادثة جبل الميقات (طور سيناء أو طور سنين). وفي الفصل الخامس عشر الذي عنونه ب: ” كتابة الألواح” وهي أقوال الرب التي أوصى بها شعبه، وهنا تساءل الكاتب حول ما ورد في سفر الخروج ، بقوله: كيف لموسى أن يكتب شريعة ووصايا قبل أن يصعد لتلقيها في جبل الميقات؟ وكيف يقرأ عليهم كتابا للعهد لم يتسلمه بعد؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين في الإضافات الواردة تحت هذا الفصل وهي ثماني إضافات. أما الفصل السادس عشر الموسوم ب: “مع هارون والسامري” ويشمل ثلاثة مباحث؛ الأول مع هارون، والثاني مع السامري في القرآن؛ والمبحث الثالث مع السامري في التوراة؛ ويتحدث هذا المبحث عن حقيقة هذه الشخصية التي لم تذكر في أسفار العهد القديم، والأسباب الخفية وراء عدم ذكره. وفي الفصل السابع عشر فقد خصصه الكاتب للنبي الآتي؛ ويقصد به في القرآن بالنبي الأمي، أما التوراة فقد سمته بالرسول والنبي الآتي. لتنتهي الفصول بالفصل الثامن عشر وقد عنونه الكاتب بعنوان ب: بين الشريعة والكهنوت.
أما خاتمة الكتاب فقد جاءت مجملة تبرز أن القرآن ليس نسخة من الكتاب المقدس، وأن محمد النبي الأمي الرسول الذي أنزل عليه القرآن والمكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وجب الإيمان به واتباعه.
ملاحظات عامة
– أول ما يستوقف القارئ هو مصطلح الإضافة التي يوظفها الكاتب، وهي لفظة مفتاح لفهم قصدية الكاتب، وبتتبعنا لما ورد في الكتاب فلفظة”الإضافة” تعني التصديق والتأكيد والمراجعة أو الاسترجاع النقدي وكذا التصحيح والتصويب؛ وتعني أيضا النفي والعفو والإهمال والإلغاء، الذي قام به القرآن من خلال حديثه عن قصص الأنبياء أو التراث الديني السابق عن الإسلام، وهذه الآلية المنهجية للتعامل مع المدونات الدينية السابقة، هي ما أشارت إليه الآية الكريمة: “” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ” [7].
وقد تناول العديد من العلماء والباحثين هذه الآلية المنهجية القرآنية بالشرح والتفصيل، نذكر منهم على سبيل التمثيل (طه جابر العلواني و محمد أبو القاسم حاج حمد….) ومن دلالات التصديق والهيمنة ننتقي ما ذكره الباحث “أحمد عبادي” الذي يعتبرهما: “من محددات القرآن الكريم المنهجية “الاستيعاب” محدد يرتبط بنسق مفتوح لا ينغلق عن “التصديق” عن أي نسق آخر، ثم “الهيمنة” عليه و”استيعابه” في نسقه بعد ترقيته، ومنحه الرؤية اللازمة، والامتداد الضروري، وتجاوز الطريق المسدود الذي كان قد دخل فيه وتوقف عنده (…) ففي “الاستيعاب القرآني” قدرة هائلة على تخليص أي نسق من كيانات وقواعد تكون قد أدت دورها، واستنفذت مسوغات وجودها”[8].
يتضح إذن أن الإضافة (القرآنية) المقصودة عند الباحث وضعها في مقابل الإضافة البشرية (كتبة التوراة)، القائمة على الكتمان والإخفاء والمغالطة و الالتباس والتدخل البشري والنقص و التوظيف السياسي و العنصري للنص المقدس، وهذا ما كشفه من خلال مجموع الإضافات التي توصل إليها. وفي معرض إبرازه لهذه الإضافات القرآنية نلاحظ أنه وردت بين طياتها إشارات وتلميحات تحتاج إلى تفصيل أكثر وتعميق للنظر فيها، لكن الباحث اكتفى بالإشارة السريعة فقط، التزاما بالمنهج الذي رسمه في تناول موضوعه.
إجمالا، فتحت هذه الإضافات أوراشا للاشتغال على جملة من القضايا المعاصرة و التي تهم كل الناس. ولفهم هذه الإضافات يقتضي قراءة سفر الخروج من أوله إلى آخره، بالإضافة إلى الإحاطة بقصة موسى وفرعون في القرآن و قصة بني إسرائيل.رغم أن الكتاب لم يتناول جميع القضايا المتعلقة بقصة موسى، كما تمت الإشارة في خاتمة الكتاب؛ بحيث لم يشر إلى قصة البقرة الصفراء التي تحولت إلى حمراء في الأسفار المقدسة، وقصة قارون الذي جاء في النصوص المقدسة باسم قورح، وقصة دخول الأرض المقدسة ومسألة التيه… التزاما من الكاتب بالاقتصار على ما ورد في سفر الخروج فحسب.
– لكن يمكن ذكر بعض هذه الإشارات التي وردت على هامش الإضافات، والتي تتوزع بين الجانب الأخلاقي و القيمي و العقائدي ومنها الرضاع بين الطفل و أمه، وشروط التمكين للمستضعفين، و مسألة حصر مصدر الخير في فئة دون أخرى التي جاء القرآن ليراجعها، والإشارة إلى بعض المفاهيم من قبيل الشيعة والعدو والنفس ودورها في فهم مقاصد القصة، والإشارة إلى بعض القيم الإنسانية كإكرام الغريب و العناية به ومساعدته، والحياء، بالإضافة إلى ما جاء في الوصايا العشر، والإشارة إلى الحياة الاجتماعية والنفسية والعقدية في العهد الفرعوني، ودورها في استيعاب غايات القصة القرآنية، وهناك بعض القضايا التي أثير حولها الاختلاف، من قبيل دعوة موسى هل هي عامة أم خاصة؟ نجد الباحث قد حسم القول فيها من منطلق قرآني بالقول أن دعوة موسى دعوة عالمية بدليل قول السحرة ” إن كنا أول المومنين” وكذا الإقرار بأن موسى أخطأ بدليل قوله تعالى ” إنك لغوّيّ مبين“.
وتوقف الكاتب عند قوله تعالى: “ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية” حيث أشار إلى ضرورة الاهتمام بعلم الآثار وعلاقته بالتاريخ الديني، رغم وجود دراسات عديدة حول الموضوع فهي تحتاج إلى تجميع و تحليل ونقد وتركيب في ضوء النص القرآني، حيث رد الكاتب بشكل ضمني على نقاشات غربية في شأن موضوع السامري؛ بأن قصته مختلقة في القرآن وذلك، من خلال النص المقدس.
– صدّر الكاتب كتابه بنصوص مستمدة من الإنجيل( متّى ومرقس) والقرآن الكريم (سورة الحجر و الصف) في دلالة على أن التوراة والإنجيل والقرآن ينطوي على الذكر الإلهي، وأنها مستمدة من مشكاة واحدة، ومن هذا المنطلق فالكاتب يشتغل على نصوص الكتاب المقدس فحصا وتمحيصا ليس بغرض نسف محتوياته بالمرة، ونبذه بدعوى تحريفه الكامل، بل للكشف عن التدخلات البشرية وردها إلى أصلها، أو بكلمة أخرى التحريف سواء كان بالزيادة أو النقصان أو الكتمان، لذلك، نجده يرد بشكل ضمني على من جعلوا الكتاب المقدس منبوذا، ولم ينفتحوا عليه نظرا لما له من إمكانيات غاية في الأهمية لفهم النص القرآني.
– الملاحظ أن الكاتب في معرض حديثه عن دواعي التأليف يروم الرد على فكرتين؛ أولهما: رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ما هي إلا تكرار حرفي لما جاء في الكتب المقدسة. وثانيهما: ما يقوله كثير من المسلمين كون الكتب المقدسة محرفة قد أبطلتها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم و قرآنه ونسختها، ولا حاجة للمسلمين لها. وقدر رد الكاتب على هذين الفكرتين وفندهما وأكد على أن جميع هذه الكتب(التوراة والإنجيل والقرآن) فيها هدى ونور من الله، وجميعها تنطوي على الذكر الإلهي والقرآن الكريم مصدق لما بين يديه ومهيمنا عليه. لكن الكاتب في معرض رده على تلك الفكرتين لم يستحضر نماذج من كتابات أو متون لأصحاب هذه الطروحات، متعرضا لها بالنقد والتفكيك، ولعله افترض أن القارئ له إلمام بها، غير أن الناظر في المنهج الذي سلكه، ربما لم يسعفه في عرض آراء أصحاب الفكرتين والرد عليهما.
وأخيرا وليس آخرا، فقد أفلح الكاتب في إبراز “التلاوة بالحق” أو التلاوة القرآنية أو الإضافة النوعية للقرآن التي من سماتها أن تبين بشكل جلي البعد الإنساني و العالمي، وتعيد الاعتبار للقيم والإنسان. فضلا عن أنها ترد على القراءة العنصرية و الأنانية للتوراة من قبل( الكتبة/ المفسرون (الحاخامات) وتدخلاتهم المتعسفة في النص المقدس خدمة لأغراضهم السياسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – بوهندي، مصطفى، موسى والتوحيد: أكثر من 200 إضافة نوعية قرآنية على ” سفر الخروج”، دار الساقي، ط1، 2019م.
[2]– فرويد، سيغموند، موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابشي، دار الطليعة، بيروت لبنان. ط1973م وط 2009م.
[3] – أسمان، يان، Jan. Assman” موسى المصري- حل لغز آثار الذاكرة، ترجمة حسام عباس الحيدري، منشورات الجمل،ط1،2009م.
[4] – كما هو الشأن في أطروحته التي صدرت في كتاب بعنوان: “التأثير المسيحي في تفسير القرآن” الصادر عن دار الطليعة بيروت، ط
[5] – صدر عن دار الساقي ، الطبعة الأولى 2011م.
[6] – ص14و15 بتصرف.
[8] – عبادي، أحمد، من مكونات المنهج النقدي في القرآن الكريم، التصديق والهيمنة، من موقع، مركز الدراسات القرآنية. (بتاريخ 6يونيو2015) http://www.alquran.ma/Article.aspx?C=5562