دعوة للاستكتاب في الندوة الدولية “مستقبل الدولة الوطنية في بلدان المغرب الكبير”
النجاحات والإخفاقات وعوائق الانتقال الديمقراطي
الأرضية المؤطرة للندوة
يقدم الباحث بيتر ماندافيل Peter Mandaville في سياق نقاشه محصلات تجربة العولمة أهم الخصائص التي ميزتها في عصرنا الحالي وهي النزوح والاغتراب والعدوانية[1]. وتتقاطع إشكالية الدولة مع هذه الخصائص باعتبارها تجسد تجمع المصالح الجغرافية والقومية والهوياتية والسياسية. لهذا فإن كل الأسئلة التي تخصّ مستقبلنا من أجل تجاوز هذه السلبيات الحضارية، ستوّجه بالضرورة نحو الدولة باعتبارها “مؤسسة المؤسسات”؛ من حيث مفهومها، وسياقات نشوئها وتاريخها. وقد يقول قائل أنها أسئلة ليست بالجديدة، وذلك صحيح، لكنها أسئلة مستعاذة اليوم في سياقات مختلفة وجديدة، يتجاذبها ثقل الماضي وإكراهات الحاضر ورهانات المستقبل، إذ أن ” كل تفكير حول الدولة يدور حول محاور ثلاثة: الهدف والتطور والوظيفة”[2] وهنا تكمن راهنيتها.
فالدولة في دول ما بعد الاستعمار، بكل ما كان يحفُّها من اَمال في البناء والتقدم، صارت على غير ما كان معقودا عليها آنذاك من قبل “جماهيرها الشعبية”. كما أن مختلف التجارب السياسية المتعاقبة، في ارتباطاتها المرجعية، سواء أكانت ذات نزوعات قومية أو يمينية أو يسارية أو إسلامية أو ليبرالية، أصبحت في مواجهة وصدام مباشرين مع سياق اجتماعي ومجتمعي جديد، نتيجة لتحولات عالمنا اليوم بكل حمولات أسئلته القيمية والفلسفية والسياسية حول الغايات والأهداف وعلة وجود مشروع الدولة أصلا.
وبالرجوع إلى التناول الذي قدَّم به المفكر المغربي علي أومليل نقاشات مستقبل مشروع الدولة الوطنية في كتابه ” الإصلاحية العربية والدولة الوطنية “[3]، نجده قد حاول تنسيب وجودها ليتوافق وبنية البلدان الإسلامية حضاريا وتاريخيا ومحليا، حتى تجد هذه الفكرة تجسُّدها الناجح عندنا. لكنه ورغم كل محاولاته النقدية الإصلاحية، فالرجل كان يناقش سياقا معرفيا أوسع مرتبطا بفكرة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، سياق ليس منحصرا فقط في الدول ما بعد الاستعمارية، بل إن سؤاله سيكون له الأثر الممتد لحدود اليوم عن الفشل الذي أصاب ولادة الدولة عندنا.
ولعل ما يزيد من ضرورة إعادة التأسيس لمثل هذه المقاربة رغم صلابتها النظرية وصلاحيتها التاريخية، ما نعيشه اليوم من قوة جارفة وضاغطة نتيجة ظاهرة العولمة، سواء منها الفكرية أو السياسية أو الاقتصادية. ففي الوقت الذي كانت الدولة/الأمة سيما في “جغرافيا المنشأ” تتميّز باعتماد مبادئ المواطنة وسيادة القانون والديموقراطية التمثيلية، غدت هذه الدولة مجبرة على إعادة النظر في تلك المبادئ والقيم المؤسسة لوجودها، لكي تتكيّف مع معطيات العولمة، وفي مقدمتها التقدم المتنامي والسريع لمجالات الرأسمال المالي والتقني والتواصلي.
من جهة أخرى، يمكننا طرح أسئلة مختلفة حول موضوع الدولة الحديثة وارهاصات نشوئها من زاوية نظر مغايرة، مستحضرين على سبيل المثال نقاشات وائل حلاق حول الدولة المستحيلة، ومركزية السؤال الأخلاقي باعتباره أحد الأسئلة المؤسسة للدولة[4]؟.
تنضاف إلى هذه المداخل المعرفية في تناول موضوع الدولة مداخل سياسية واجتماعية ملحة مرتبطة أساسا بسياقات “الربيع العربي” الممتدة منذ العام 2011، في تقاطعها مع تحولات المجتمعات العالمية، والتي تدفعنا إلى إعادة التفكير في موضوعة الدولة، وخصوصا التفكير في الدولة الوطنية، والتفكير في سؤال المرجعيات المتعددة المؤسسة لها ولمؤسساتها، وفي سؤال الغايات السياسية المحتملة لها في اتساقها مع الأعراف الحقوقية العالمية، ثم في سؤال العلاقة مع الحداثة بما تفرضه من عقلنة وتحديث للحكم السياسي والمؤسساتي.
تتعدد إذن المداخل والمنطلقات التي تقارب موضوع الدولة، سواء منها المدخل القانوني أو السوسيولوجي أو الأنثروبولوجي أو السياسي أو التاريخي أو الديني، وهي كلها مداخل قد يوحّدها سؤال مصيري: لماذا فشلت الدولة العربية الحديثة في مأسسة وعقلنة ودمقرطة الفعل السياسي ومعه المجتمع السياسي؟ دون أن نغفل ما قد تعنيه عملية الاستناد إلى هذه العلوم من مراجعة كلية لمفاهيم ظلّت تؤطر تصورنا للدولة، ولعل أهمها مفهوم “السياسي” و”السياسة”، ومفهوم “الوطن” و”المواطن” و”الوطنية”، ومفهوم “الهوية” و”القومية” و”الانتماء”، ومفهوم “المؤسسات السياسية” وآليات اشتغالها داخل بنية الدولة، وعلاقتها بالبنية الاجتماعية ومدى نجاعتها تماشيا مع بُنى وتصورات المجتمع المنتمية إليه.
كلها أسئلة يريد مركز أفكار للدراسات والأبحاث أن يفتح المجال للباحثين والدارسين لمحاولة الاشتباك معها، عبر اعتماد الطرح المعرفي والنقدي وعبر استنطاق ما توفره لنا المناهج والمباحث المعرفية الحديثة والمتعددة، بهدف تقديم رؤى جديدة نقارب من خلالها موضوع الدولة خصوصا بعد التحولات المهولة، السياسية والاجتماعية والمعرفية، التي طالت بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا. ونقترح لتناول هذه الإشكالية المحاور التالية دون أن تكون ملزمة:
محاور الندوة
- الدولة الوطنية وتصادم رؤى النخب الإصلاحية.
- الأيديولوجية العربية وأثرها في إخفاق مشروع الدولة.
- سؤال الدولة بين السياسي والمعرفي والديني.
- الدولة الوطنية و سؤال الاستحالة.
- الدولة الوطنية في المغرب الكبير وتحولات المنطقة السياسية والاجتماعية .
- المقاربة الجيلية لإشكالية الدولة الحديثة.
- إشكالات الدولة بين التنظير النخبوي والممارسة الواقعية.
- الدولة القطرية المعاصرة وإشكالات البعد التاريخي في تقبلها.
- الدولة والأمة والخلافة، مفاهيم ينبغي إعادة تمثلها معرفيا.
مواعيد مهمة
- إرسال ملخص البحث { بين 300 و500 كلمة}، ومختصر السيرة الذاتية للباحث، قبل 15 فبراير2019.
- يخبر أصحاب الملخصات المقبولة في 20 فبراير2019.
- ترسل البحوث كاملة قبل 25 مارس 2019.
- يتكفل المركز بمصاريف الإقامة والتغذية خلال أيام الندوة، إلى جانب تذاكر سفر الباحثين من خارج المغرب.
- ترسل جميع المراسلات إلى البريد الإلكتروني الآتي: afkaarcenter@gmail.com
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[2] عبدالله العروي. مفهوم الدولة. المركز الثقافي العربي. البيضاء. ص7.
[3] علي أومليل. الإصلاحية العربية والدولة الوطنية. دار التنوير – المركز الثقافي العربي . ط1. 1985.
[4] انظر وائل حلاق. الدولة المستحيلة، الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي . ترجمة عمرو عثمان. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. ط1. 2014.