المقالات

   الخطاب الديني والتحولات الابستيمولوجية لفعل التأويل في الفكر المسيحي والإسلامي

– التحولات الابستيمولوجية لفعل تأويل الخطاب الديني في الفكر المسيحي:                          

لقد نشأ التأويل في بدايته نشأة دينية مدرسية في حضن اللاهوت وبين جدران الكنيسة، ارتباطا بإشكالية فهم دلالات الكتاب المقدس، وفهم ألفاظه وما كانت تشير إليه في القديم أثناء تجسدها الأرضي من معان متباينة(1)وأبعاد رمزية وميتافيزيقية غامضة، وذلك انطلاقا من الاعتقاد المطلق “بوجود معنى خفي وراء هذا المعنى السطحي الظاهر”(2) للخطاب الديني.

إن ما كان يميز هذا التأويل الديني في بدايته هو تصلبه وثباته وبعده الكنسي الأحادي الجانب، الذي قام أساسا على قراءة الخطاب المقدس/المكوِّن(3) قراءة واحدة ثابتة وتلفيقية على النحو الذي سنه ” فيلون” اليهودي الإسكندراني الإغريقي انطلاقا مما أسماه بـ”التأويل الرمزي” للخطاب الديني، الذي حاول تطبيقه على القسم اليهودي من الكتاب المقدس( العهد القديم)، ليتم بعدها تطبيقه على القسم المسيحي، حيث كان الهدف من هذا الضرب من التأويل الرمزي التلفيقي المنمط لعملية الإدراك والفهم هو جعل العهد الجديد اكتمالا للوعود الرمزية التي تضمنها العهد القديم(4)، ومن ثم الإعلان عن كمال الرسالة الإلهية المتعالية التي يتضمنها الكتاب المقدس( الخطاب الديني المكوِّن).

من هذا المنطلق وحد التأويل الديني الرمزي النصوص والآثار المتنافرة وكذا الأزمنة المتباينة، كما وحد أيضا عملية إدراك وفهم معاني الخطاب الديني المكوِّن، فزال بذلك” الفصل بين المقدس والمدنس وبين القديم والمعاصر، لأن النصوص كلها في النهاية يجب أن تحيلنا إلى الحقيقة الواحدة التي نتصورُها”(5)؛ أي لا يجب استعمال التأويل الرمزي بوصفه منهجا للتطبيق على الخطاب الديني، وإنما بوصفه منهجا مطبقا ومحسوم النتائج بشكل مسبق يكشف بالضرورة عن التناسق والانسجام المفتعلين والحاصلين بين عهدي الكتاب المقدس، وكذا بين الحقائق الميتافيزيقية كما تصورها الكهنوت المسيحي؛ الأمر الذي أضفى على الظاهرة الدينية في هذه الحال سمة القداسة والتعالي على الإنسان والمجتمع ونزع عنها سيرورتها وصيرورتها التاريخية المتغيرة، فكان من نتائج ذلك بعدئذ ظهور أرثوذوكسية(6) مسيحية سلطوية، تبنت هذا الضرب من التأويل وفرضته على المؤولين في مختلف المنعطفات التاريخية المسيحية، زاعمة بذلك كونه التأويل الحق الذي لا يأته الباطل من بين أيديه ولا من خلفه، الأمر الذي نجم عنه  تراجع العقل الغربي وانحداره ودخوله في منعطف من التخلف والجهل والفساد الكنسي، أدخل أوروبا إلى ما سمي بـ”عصر الظلمات”.

   وقد ظل تأويل الخطاب الديني في الفكر الغربي على هذه الحال المنمطة حتى مجيء المصلح الديني البروتستانتي ” مارتن لوثر” الذي حاول- في إطار إصلاحه الديني للفساد الذي رسخته الكنيسة الكاثوليكية (العقل الأرثوذوكسي)- توسيع دائرة التأويل الديني في اتجاه خلق هيرمينوطيقا جديدة للخطاب الديني، وذلك من خلال دعوته إلى “حرية غير منقوصة في قراءة الإنجيل وعدم الاقتصار على قراءة واحدة أحادية، فتح الباب أمام الهيرمينوطيقا، واتسع مفهومها”(7). ثم تلته بعدها محاولات أخرى متعددة جعلت من دعوته هاته منطلقا لها لتوسيع حدود التأويل وإخراجه من السياج الدوغمائي المغلق، ومن بوثقة التعالي الرمزي التي رسخها العقل الكنسي في الوعي الديني الجمعي للمؤمنين، ليشمل حقولا معرفية أخرى يتوسل بها المؤول لفهم الخطاب الديني فهما جيدا ومشروطا بطبيعة المنعطف التاريخي الذي يعيشه، وما يرتبط به من قضايا اجتماعية ووجودية وسياسية؛ وذلك من قبيل محاولة الفيلسوف الهولندي” باروخ سبينوزا” الذي دعا من خلال كتابه” مبحث لاهوتي سياسي” إلى ضرورة توسيع دائرة  التأويل، إذ كان الهدف من ذلك وضع أسس وقواعد البحث التاريخي والنقدي في الخطاب الديني كي يستنبط منه أسس حرية التفكير في الدولة العادلة(8)، متوسلا في ذلك برؤية عقلانية قائمة على النقد التاريخي والفيلولوجي الذي أصبح في عصر النهضة قاعدة عامة لتأويل الخطابات الدينية وكذا الدنيوية؛ الأمر الذي يعني أن سبينوزا قد حاول إعادة ربط الظاهرة الدينية بسكة التاريخ وبُنى المجتمع، وبالقضايا الإنسانية بعد الهوة التي أحدثها بينها العقل المسيحي التقليدي المغلق والمفارق للواقع والتاريخ. وهو ما يؤكد أن الخطاب الديني ليس خطابا مغلقا على نفسه لا يقبل إلا تأويلا لاهوتيا واحدا منمطا وثابتا أمام صيرورته التاريخية المتغيرة(التأويل الرمزي)، بل هو خطاب مفتوح وفائض بالمعاني “في الإمكان دراسته بأدوات عقلية ولغوية، مماثلة لتلك التي نستخدمها للنصوص الدنيوية”(9).

 هكذا إذن بدأت دائرة التأويل في الفكر الغربي تتسع شيئا فشيئا منذ القرن التاسع عشر، بدء من “فردريك شلايرماخر” و”ولهام دلثاي” اللذين وضعا الأسس الأولى للهرمينوطيقا الحديثة، ومروا بمارتن هيدجر وهانس جورج غادامير اللذين وضعا أسسها الفلسفية، ووصولا إلى “بولتمان” و”هيرش” و”بيتي” و”بول ريكور”… وغيرهم ممن أسهموا في توسيع الحدود النظرية والمعرفية للهرمينوطيقا عامة وهيرمينوطيقا الخطاب الديني على وجه الخصوص، حيث تحولت  على يد هؤلاء من استراتيجية تخدم علم اللاهوت وتقف عند تفسير ألفاظ الكتاب المقدس تأويلا رمزيا لاهوتيا مفارقا يخدم مصالح الكنيسة ومصالح الطبقة المهيمنة، إلى نظرية عامة (الهيرمينوطيقا) لها أصولها ومفاهيمها وخلفياتها المعرفية المتنوعة، والمرتبطة بثلة من الحقول المعرفية الرحبة التي شملت كافة العلوم الإنسانية والاجتماعية وفلسفة الجمال والنقد الأدبي واللسانيات…وغيرها من العلوم الأخرى التي تم توظيفها لفهم الخطاب الديني وتأويله وإعادة ربطه بسكة التاريخ خدمة  لقضايا الإنسان وتحقيقا لسعادته ما دامت الظاهرة الدينية في جوهرها كما إميل دوركهايم – عكس التصور الأرثوذوكسي الذي جعله مفارقا للإنسان والمجتمع والتاريخ- إنما وجدت لإسعاد الإنسان وخلق التكافل والتضامن بين الناس في المجتمع، والتي سيعلنها الفكر العربي الإسلامي المعاصر بعدها مدخلا رئيسا لإصلاح الفكر الديني الإسلامي، ومن ثم إصلاح الواقع العربي الإسلامي المنحط على نحو ما سنرى في الفقرات اللاحقة.

1- التحولات الابستيمولوجية لفعل تأويل الخطاب الديني في الفكر الإسلامي:                          

لم تختلف نشأة التأويل في الفكر الإسلامي- الذي ظل ملتبسا بمفهوم آخر هو التفسير- عن نشأته الدينية في الفكر الغربي، حيث نشأ مرتبطا ببيان معاني الوحي الغامضة واستنباط أحكامه الشرعية، وبالخلاف حول المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ والمكي والمدني، وحول مشكلة الصفات الإلهية والجدل الكلامي المرتبط بالطبيعة الأنطولوجية للوحي…وغيرها من  القضايا الدينية الأخرى الميتافيزيقية المتعلقة بالوجود الإنساني الروحي والمادي المحمولة في الأنساق اللغوية الرمزية للخطاب الديني المكوِّن، التي تحتاج- في عملية تحولها من القول إلى  العمل- إلى تفسير وتأويل لفهمها وإدراكها والامتثال لها. حيث نتج عن هذه الخلافات منذ القدم إلى الآن ظهور ثلة من الاتجاهات والتيارات الفكرية؛ من قبيل الاتجاه النقلي والاتجاه العقلي والاتجاه الظاهري والاتجاه الباطني الإشاري والاتجاه المقاصدي والاتجاه الاستشراقي والاتجاه الأصولي الجديد والاتجاه الحداثي…وغيرها من الاتجاهات الأخرى التي ادعى كل منها امتلاكه للآليات والاستراتيجيات الصحيحة والمستقيمة لتأويل الخطاب الديني، ومن ثم بسط السيطرة على المؤسسة الدينية وعلى حقولها الخطابية وسوق خيراتها الرمزية.

        وقد تحول هذا الصراع التأويلي الغني من حيث توجهه ورؤيته وتمثلاته في الفكر الإسلامي بعدئذ، من تأويل ديني وعقلاني(خاصة صراع التأويلات بين المعتزلة والأشاعرة) يهدف إلى فهم أسرار الخطاب الديني المكوِّن وتدبر معانيه وإدراك مقاصده الخطابية المحققة لسعادة المؤمن المادية والروحية، إلى تأويل إيديولوجي يخدم مصلحة الطبقة المهيمنة التي جعلت منه آلية من آليات مواجهة خصومها في حقل الصراع الخطابي حول السلطة وحول سوق الخيرات الرمزية، حيث يتم من خلالها تأويل مضامين الخطاب الديني على ضوء توجهاتها وتمثلاتها الإيديولوجية والنفعية، وهو ما سيؤدي إلى تضييق زوايا النظر إلى الخطاب الديني وإلى سد باب التأويل وحصره في نمط تأويلي براغماتي واحد مغلق على التعددية الهرمينوطيقية، هو التأويل السلفي التراثي المغلق والمتشبث بما ورد عن السلف من أقوال واجتهادات وتفسيرات، الذي يعتقد أنه لا طاقة للمؤول اللاحق في أن يدرك من معاني الخطاب الديني المكوِّن أكثر مما أدركه السلف الصالح أو أحسن منهم، ومن ثم وجب على هذا المؤول- حتى لا يقع في سوء الفهم أو ينحرف عن الطريق المستقيم وحتى لا يخرج عن دائرة الفرقة الناجية- أن يلتزم بمنهج أهل السنة في التفسير والتأويل ويستلهم علومهم وتصوراتهم رغم  اختلاف العصور والقضايا الاجتماعية والوجودية، ويتبنى”موقف المعاصرين للنص ويفهم النص كما فهموه في إطار معطيات اللغة التاريخية عصر نزوله”(10)، اعتقادا منه أن التمسك بمعرفتهم هو العاصم من الزلل والانحراف.

 وقد نتج عن هذا الضرب من التأويل- حسب محمد أركون- ميلاد نواة عقائدية إسلامية صلبة ومغلقة شبيهة بالنواة العقائدية الدينية المسيحية التي ظلت مستمرة إلى الآن والتي أهدرت البعد التاريخي للخطاب الديني وفصلت الظاهرة الدينية عن واقع المسلمين، وجعلت منها ظاهرة متعالية على الناس وقضاياهم وعلى المجتمع والتاريخ ومفارقة للواقع الذي لا تحايثه إلا لخدمة مصالحها وتحقيق سلطتها ورأسمالها الرمزيين، فكانت بذلك سببا رئيسا في تراجع العقل العربي الإسلامي وتوقفه عن الإبداع وعن مسايرة الركب الحضاري الذي يقوده الآخر، وفي انحصاره حديثا في تأويل ومناقشة قضايا هامشية، من قبيل أحكام الحجاب النقاب، وما يحق للمرأة وما لا يحق لها، وتعدد الزوجات، وما ملكت أيمانكم وعذاب القبر ودلالات الأحلام…وغيرها من القضايا الجانبية التي لا تكاد ترتبط  بهموم الناس وقضايا الأمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعرفية، متوسلة( الأرثوذوكسية الإسلامية) في هذا التأويل وتلك المناقشة بالآليات نفسها التي توسل بها السلف لإنتاج المعرفة قديما؛ لعل أبرزها آلية “قياس الغائب على الشاهد” التي نظرت من خلالها إلى المستقبل بعين الماضي ونمطت بها عملية تأويل الخطاب الديني ونمذجته نمذجة قائمة على نزعة اختزالية معممة وعلى مبدأ الانغلاق والتعصب واللاتسامح أسهم في نشر المد التكفيري الذي مازال مستمرا حتى الآن، يكفر ويهاجم كل من خرج عن دائرة التأويل التراثي الأرثوذوكسي المغلق، أو أول هذا الخطاب الديني وما يرتبط به من المعارف التراثية بعلوم العصر التي اعتبرت من العلوم المادية المخالفة للخاصية الروحية المقدسة والرمزية المتعالية للظاهرة الدينية، وذلك على نحو ما حصل لعلي عبد الرزاق في كتابه”الإسلام وأصول الحكم”، ولطه حسين في كتابه” في الشعر الجاهلي”، ولمحمد أحمد خلف الله في أطروحته “الفن القصصي في القرآن”، ولنصر حامد أبو زيد ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون أدونيس أبي القاسم  محمد حاج حمد…وغيرهم؛ لأن ما قام به هؤلاء كله أدرجه العقل الأرثوذوكسي السلفي في منطقة “المستحيل التفكير فيه” L’impensable في الفكر الإسلامي التي لا ينبغي أن تمس.

         من هذا المنطلق ظهرت منذ أواخر السبعينيات من  القرن الماضي ثلة من الاتجاهات الفكرية المعاصرة البديلة، التي رفضت هذا الضرب من التأويل المحدود والمحدد والجامد الذي جمد العقل الإسلامي، ونزع عنه تاريخيته وسيرورة تطوره، وحاولت طرح بديل منهجي جديد لقراءة وتأويل الخطاب الديني المكوِّن والمكوَّن،  بعد أن حاولت إعادة النظر في مسلمات العقل الإسلامي الأرثوذوكسي، وفي طرق اشتغاله وتكوينه وتمثله للظاهرة الدينية في علاقتها بالإنسان والمجتمع والتاريخ وفي بنية نظمه المعرفية، محاوِلة تفكيكها لمعرفة أسباب تراجعه وتحجره وكذا معرفة ما آلت إليه المجتمعات العربية الإسلامية المعاصرة من تخلف وجمود فكريين يهيمنان على مختلف أمكنة الجسد الاجتماعي العربي الإسلامي، كما حاولت أيضا إعادة النظر في التأويلات الأرثوذوكسية الموروثة للخطاب والفكر الدينيين، وذلك كله في اتجاه تأسيس هيرمينوطيقا جديدة وعقلانية للخطاب الديني، تحاول الحفر في مناطق المسكوت عنه في هذا الخطاب الديني، التي رسختها هذه الأرثوذوكسية الإسلامية في الوعي الديني الجمعي، بغية مد جسور الاتصال بين الظاهرة الدينية والإنسان المسلم ومجتمعه ومنعطفاته التاريخية، اعتقادا منها( التيارات التأويلية والفكرية المعاصرة) أن هذا الاتصال هو السبيل الوحيد لنهضة الأمة وانبعاث العقل الإسلامي المستقيل، ولتحقيق حداثة إسلامية جديدة، معتمدة في عملية الحفر والتأويل هاته -إضافة إلى العلوم الشرعية- على ثلة من المعارف الإنسانية الحديثة التي رفضها العقل  الأرثوذوكسي وما فتئ يرفضها؛ من قبيل اللسانيات والسيميائيات والنقد الأدبي الحديث والفلسفة والعلوم الإنسانية والاجتماعية…وغيرها من المعارف الأخرى التي يمكنها أن تقدم فهما جديدا للخطاب الديني ومن ثم للظاهرة الدينية، بوصفها نسقا كليا ومركبا من ثلة من النظم والأنساق الأخرى اللغوية والسيميائية والأنثروبولوجية والاجتماعية والنفسية، وكذا التـاريخية. ولعل أبرز هذه المحاولات المعاصرة؛ محاولة كل من محمد أركون ونصر حامد أبو زيد، ومحمد أبي القاسم حاج حمد وعبد المجيد الشرفي وهشام جعيط وطه عبد الرحمن وحسن حنفي…وغيرهم ممن اشتركوا- رغم اختلافهم فيما تعرضوا إليه من مضايقات ومحن من قبل الأرثوذوكسية الإسلامية التي تتشبث بحماية المقدس، وحماية حدوده المستحيل  التفكير فيها، واختلافهم في الرؤية والمنهج والإيديولوجيا- في حمل هم بلورة مشروع نقدي وفكري جديد في تأويل الخطاب الديني تأويلا علميا دقيقا، بناء على مبدأ تعدد القراءات التي تنوعت عندهم بين القراءة الألسنية والسيميائية، والقراءة النقدية التفكيكية والهيرمينوطيقية والقراءة اللاهوتية الإيمانية والقراءة السوسيولوجية والقراءة التاريخية والأنثروبولوجية والقراءة الفلسفية والقراءة الابستيمولوجية.

 وقد جعلت هذه المشاريع من الخطاب الديني المكوِّن والمكوَّن، والعقل الإسلامي في أبعاده وفي مختلف منعطفاته التاريخية موضوعا لها، وهو عقل شرع في التشكل – كما يرى محمد أركون- منذ أن حل اللوغوس الإلهي في العقل البشري بواسطة ظاهرة الوحي(11). وقد هدفت هذه المشاريع من اشتغالها على هذا العقل بالدراسة والتحليل والحفر والنقد والتفكيك، إلى الكشف عن بنياته وطرق اشتغاله، وكذا الكشف عن مناطق اللامفكر فيه والمستحيل التفكير فيه التي همشها العقل الأرثوذوكسي الدوغمائي المغلق والموجَّه بواسطة إيديولوجيا السلطة الحاكمة وإبستيميتها المهيمنة على سوق الخيرات الرمزية.

كما هدفت أيضا إلى إعادة حركة الوحي إلى سياقها الأول، الذي كانت توجه فيه من السماء نحو الأرض خدمة للإنسان وتحقيقا لسعادته، فحولتها الأرثوذوكسية كما يرى نصر حامد أبو زيد”في الفكر الديني المتأخر إلى حركة صعود من جانب الإنسان سعيا إلى الله ذاته، فتعطلت بذلك حركة الوحي التي كانت تستهدف في بدايتها الإنسان، بما هو عضو في جماعة، ومن ثم تستهدف إعادة بناء الواقع لتحقيق مصلحة الإنسان وإشباع حاجاته المادية والروحية”(12).

                                —————————————————————————

(1)-يُنظر بهذا الصدد، محمد متقن، “في مفهومي القراءة والتأويل”،مقال بمجلة علم الفكر، أكتوبر- دجنبر، 2004، المجلد، 33، ص، 25.

(2)- المرجع السالف نفسه.

(3)- سنميز في هذه الدراسة بين نوعين من الخطاب الديني، الأول أسميناه ب”الخطاب المكوِّن”، ونقصد به خطاب الكتب السماوية الخاصة بالديانات التوحيدية؛ التوراة، والإنجيل، والقرآن. والثاني أسميناه بالخطاب المكوَّن، وهو مجموع الخطابات التي تولدت عن الخطاب الأول لتفسيره وتأويله واستنباط الأحكام والقوانين منه، منذ تجسد الخطاب الديني المكوِّن والمقدس والمتعالي في اللغة البشرية إلى الآن.

(4)- يُنظر بهذا الصدد، إمانويل فريس ، و برنار موراليس ، قضايا أدبية عامة، ترجمة، لطيف زيتوني ، عالم المعرفة، فبراير، 2004، العدد، 300، ص، 151.

(5)- نفسه.

(6)- الأرثوذوكسية كما عرفها محمد أركون، هي النواة العقائدية الصلبة والمغلقة على ذاتها لدين ما أو لاتجاه سياسي ما، والتي ترفض كل ما يقع  خارجها باعتباره ضلالا وهرطقة. يُنظر محمد أركون، أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، ترجمة هاشم صالح، بيروت، دار الساقي،  الطبعة الثانية، 1995،ص ص، 9، 10.

(7)- محمد متقن، مرجع مذكور، ص، 25.

(8)-  ينظر بهذا الصدد، إمانويل فريس ، و برنار موراليس ، مرجع مذكور، ص 153.

(9)- نفسه.

(10)- نصر حامد أبو زيد، فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1983، ص، 11.

        (11)- عبد المجيد خليقي،”الإسلاميات التطبيقية ومهام العقل الاستطلاعي”، مقال ضمن مجلة الأزمنة الحديثة، أكتوبر، 2011،  عدد مزدوج، 3- 4، ص،111

(12)- نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص، دراسة في علوم القرآن، الدار البيضاء،  بيروت، المركز الثقافي العربي، الطبعة السادسة، 2006، ص، 245.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى