ثناء على ثناء الرفاعي على الجيل الجديد

وقع بيدي كتاب “ثناء على الجيل الجديد”، فقرأته قراءة المتأمل الناقد، فأخذني من عالمي المحدود إلى آفاق رحبة في الفكر التربوي والمعنى الأخلاقي، حتى وجدتني أعود إليه ثلاث مرات، وما زلت أنوي قراءته الرابعة، لما وجدت فيه من غذاء للعقل والروح والقلب، وبوصلة للهداية. طلبت ثلاث نسخ منه لأولادي: إبراهيم ويوسف ومحمد، وهم في مقتبل العمر، ليكون منهاجًا لحياتهم وخارطة طريق لمستقبلهم، ثم عممته على طلابي في الجامعة، ومريدي في مسالك السلوك العرفاني. وإذا كانت رسالة “أيها الولد” لحجة الإسلام الغزالي قد طارت شهرتها في الآفاق، فإن الرسالة التي جددها أستاذي عبد الجبار الرفاعي تحت عنوان “ثناء على الجيل الجديد” جديرة بأن تنال أوسع الانتشار في عصرنا الرقمي الذي تعصف به تحولات الذكاء الاصطناعي، لما تنطوي عليه من قيم ومفاهيم تشبع عطش هذا الجيل إلى المعاني الضرورية لحياته، في زمن يزداد فيه نضوب المعنى، ويصدح بفراغ الروح، وتضيء لهذا الجيل مسالك الوعي والبصيرة، وتؤسس لتربية تستند إلى الرحمة والمحبة والعقل، وتبشر بإنسانية أرحب، وأفق روحي أعمق.
وجدت في “ثناء على الجيل الجديد” رؤية عميقة تستبطن وعي هذا الجيل، وتكشف عن تطلعاته وأحلامه في عالم كوني متعدد ومفتوح، ورأيت فيه إدراكًا نافذًا للمخاطر المستقبلية وللتحولات الكبرى الفكرية والعملية التي لم تعد المناهج التقليدية في بيئاتنا المغلقة، ولا الوعي الموروث، قادرين على استيعابها أو الإحاطة بها، بعدما اتسع الفرق بين عالم الأمس وعالم اليوم، حتى غدا شاسعًا مترامي الأطراف. بدا كتاب عبد الجبار الرفاعي محاولة جريئة للتوفيق بين ماضينا الذي يشدنا بجذوره، ومستقبلنا الذي يلح علينا بنداءاته، وإن كان ذلك عسيرًا، غير أنها محاولة تربوية ناضجة، تحمل بذور الأمل، وتبشر بالتجديد في طرائق التربية والتعليم، وتغرس في عقول الناشئة ووجدانهم عناصر الثقة والقوة، وتوقظ فيهم الرغبة الصادقة في غدٍ أجمل، غدٍ يتكامل فيه التسلح بالقيم الروحية والأخلاقية والجمالية، مع مواكبة التقدم التكنولوجي المتسارع إلى جدًا، ليولد إنسان جديد أكثر وعيًا بذاته، وأقدر على العيش في هذا الكون الرحب.
في الأيام القادمة سنجتمع في ورشة عمل لمطالعة كتاب “ثناء على الجيل الجديد”، وسأدعوا طلابي في الجامعة إلى قراءته، لا كأي كتاب عابر، بل كما لو كان امتدادًا وتجديدًا لرسالة “أيها الولد” للغزالي، وقد أعيدت صياغتها بروح جديدة، ورؤية تتناسب وزمانكم الرقمي، مدونة بلغة إيمانية وأخلاقية وإنسانية تعجز عنها ألسنة كثير ممن يتحدثون عن الدين، أو يحاولون مخاطبة الجيل الجديد بلغة تراثية لا تشبهه. عبدالجبار الرفاعي أبدع في كتابة رسالته التربوية، حتى غدت نداءً صادقًا تنصت إليه القلوب، ويوقظ العقول، ويعيد وصل الروح بندائها الأخلاقي والإنساني.
إن “ثناء على الجيل الجديد” ليس مجرد كلمات على الورق، بل هو مشروع تربوي حيّ، يمكن أن نجعله منهجًا عمليًا نهتدي به في بيوتنا وجامعاتنا ومؤسساتنا، ونحوّله إلى واقع نعيشه في إعداد الأبناء وتربية الأجيال. إنه خلاصة حياة فكرية تربوية امتدت لنصف قرن في دراسة الفلسفة وعلوم الدين وتدريسها، وإنتاج علمي تجاوز أربعة وخمسين كتابًا، وتجربة ثرية تنقلت بين الحوزة والجامعة، ومجالس البحث والتعليم والتربية، وهو قبل ذلك كتاب أبٍ ومربٍّ، يعترف بتواضع نادر أنه “تعلم من أبنائه أكثر مما تعلم من آبائه، وتعلم من تلامذته أكثر مما تعلم من أساتذته”، كما دوّن ذلك في صفحة الإهداء. من هنا فإن كتاب: “ثناء على الجيل الجديد” يقدَّم إليكم أبنائي لا ليُقرأ فحسب، بل ليكون دليلًا يرشدكم، ومنارةً تنير لكم الطريق في زمن يموج بالتحولات، ويحتاج إلى بوصلة أخلاقية وروحية وجمالية، تحفظ إنسانيتكم وأنتم تعبرون نحو المستقبل.
يكشف الرفاعي في مقدمة “ثناء على الجيل الجديد” عن مقصده من تأليف الكتاب، فيقول: “أحاول في هذه الأوراق تقديم رؤيتي الشخصية، وإن كنت أعرف سلفًا أنها لا تعكس رؤية جيلي، ولم أمنح نفسي الحق في الكلام نيابة عن أي إنسان في الأرض. إنها رؤية شخصية لأب لديه عائلة تشكلت قبل نصف قرن تقريبًا، تتكون من: (أم وأب، وابنتين، وأربعة أبناء)، أصغرهم تجاوز الثلاثين من عمره، وقد أكملوا تعليمهم العالي، فتحصل بعضهم على الدكتوراه، وآخرون على الماجستير. لا أفتقر لمعرفة الجيل الجديد، فأغلب علاقاتي وأحاديثي وحواراتي معهم، وهم الأقرب إليّ، يعرفون جيدًا قربي منهم ومحبتهم، وفهمي لنمط حضورهم في العالم الجديد. عملت في التعليم أكثر من أربعين سنة، وما زلت أقرب إلى رؤية جيل الأبناء من رؤية جيلي، وذلك ما يدعوني للكتابة عن هذا الجيل، وتثمين منجزه اليوم وما يعد به غدًا”.
“ثناء على الجيل الجديد” يعكس مسيرة فكرية وتعليمية وتربوية وأخلاقية وروحية ممتدة، تتجلى فيها خبرة التعليم، وتجربة الحياة، ورؤية تسعى إلى تحويل الفكر إلى ممارسة، والمعرفة إلى تربية، والكلمة إلى قدوة. إنه ليس كتابًا يُقرأ فحسب، بل دليل عملي يستضيء به الأبناء والآباء، والطلاب والمعلمون، وكل من ينشد المعنى في عالم سريع التحولات. اللافت أن الرفاعي أفرد الفصل الرابع من كتابه لموضوع: “الصمت الحكيم”، ليكشف فيه عن الصمت بوصفه رافدًا من روافد البصيرة يغذي الروح بالمعنى، في وقت يعيش فيه الجيل الجديد وسط عالم صاخب بتطبيقات وسائل التواصل ونماذج الذكاء الاصطناعي، عالم تتشظى وتذوب فيه المعاني، وتغرق حياة الإنسان موجات اللامعنى التي تعصف بوجوده وتضاعف غربته.
** زياد حمد الصميدعي : أستاذ فلسفة القانون في الجامعة العراقية ببغداد
الغزالي الجديد، يا للعجب! يكتب عن الجيل الجديد بالروح والأخلاق، فيما الكثيرون يكتبونه بالتراث فقط! الرفاعي يقدّم دليلًا في زمن التكنولوجيا لتربية الأبناء، وكأننا نبحث عن وصفة عجيبة لتخمين ألغاز الذكاء الاصطناعي! الصمت الحكيم يا عجلة، في عالم صاخب كالصخب! ربما يبحث الجيل الجديد عن صمت هادئ أكثر من نصائح الأب الباحث عن رؤية شخصية. لكن بصراحة، هذا الكتاب يبدو أنه محاولة جريئة لمنع الجيل الجديد من استخدام هاتفه لقراءة هذا الفيديو!
الجميل في هذه المقالة أنها تصف كتابًا عن الجيل الجديد وكأنه وصف لشجرة فولتية في وسط المدينة! يبحث الرفاعي عن بوصلة أخلاقية بينما الجيل الجديد يبحث كيف يغلق بطاقاتهم الائتمانية عبر التكنولوجيا. لكن السخرية في هذا المزيج من الحزن العميق والحماس التربوي قد تكون دليلًا على أننا جميعًا نتساءل عن كيف نتعامل مع الصمت الحكيم بينما نضرب على جهازنا الخلوي. ربما يكون الجيل الجديد بحاجة إلى دليل تربوي ليس بالكتاب فحسب، بل بالتعليمات المدمجة في هاتفه!
الغزالي الجديد! ههه، الرفاعي يكتب عن الجيل الجديد بالروح الإسلامية والأخلاقية، بينما هو يقرأ عنه في لغزالي الرقمي! الكتاب ربما يكون دليلاً لتربية الأبناء، لكن لمن يفهم لغة أيها الولد الجديدة؟ الصمت الحكيم؟ هل هو مجرد هواية في زمن التكنولوجيا؟ رائع! نحتاج إلى بوصلة أخلاقية، لكن أولاً نحتاج إلى تثمين منجح لـ فيسبوك! 😄wedding vows for him