الدراسات

قراءة وصفية تحليلية لكتاب “الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقيّ”لـ أ.د. وائل حلّاق

مقدّمة

بعض الكتب كحجر ألقي في ماء راكد؛ فأحدث موجات هائلة، انتبه الناس للأثر ولم ينتبهوا للعمل المُغيّر لصفحة الماء. هذا الكتاب “الدولة المستحيلة” لـ أ.د. وائل حلّاق كهذا الحجر، رأينا موجات تلو موجات، وموجات مجاورات لكتبه الأخرى، وأما هو فصار كمضخ في العمق يغيّر السطح، فيقف الناس عند الأثر، وربما لا يتوقفون كثيراً عند السبب، فضلاً عن سؤال: لماذا وجد هذا المضخ؟ وكيف يعمل؟

أما وقد ألقي الحجر، واشتغلت المضخة؛ فإن الغوص هو الذي سيفسر الموجات، لا الحديث عن الموجات، وقد لزمتني كتابة هذه المراجعة لكتاب لم أقرأه راغبة، وإنما لطلب كريم من أساتذة وصحب كرام في بعض البرامج، والحاثّ الأكبر: أ. هشام العبيلي -وفقه الله-. ليقدّم كل منا رؤيته لهذه المضخة وكيف تعمل؟ ولماذا تعمل؟ من خلال استنطاق ما كتبت.

أمّا وائل حلّاق فقد عُرف، ولن يضر الإنسان أن ينقر بعض كلمات على جهازه ليصل لترجمته، وأمّا أعماله فيتسارع العرب على ترجمتها من لغتها الأصليّة “الإنجليزيّة”، وأمّا معرفة قيمة أعماله فتحتاج قبل ذلك لمرحلة “الفهم”، ومعرفة “السياق”. وقد كفانا مؤونة السياق الكتاب المتميّز لـ د. مصطفى محمود هندي “جدل الشريعة: المقاربات الاستشراقية للفقه الإسلاميّ من جولد تسيهر إلى وائل حلّاق” (الرياض: آفاق المعرفة، ط١، ١٤٤٥هـ- ٢٠٢٤م).  وأما “الفهم”، فقد كتبت كتابات عدّة عن كتاب “الدولة المستحيلة” غير أنها كلها تخدم القارئة في رؤية التلقي العربي لها، وليس بالضرورة أن تخدمها وفق طريقة التحليل والوصف. وبقي لدي: الوصف والنقد؛ أمّا الوصف فدون يديك سيدي القارئ الكريم، وأمّا النقد فقادم في كتاب مستقل بإذن الله تعالى -أوثّق الوعد حتى ألزم نفسي به-.

تعتمد هذه المراجعة على الوصف وفق مناهج المراجعات الوصفيّة، وأهمها الاهتمام بالمصادر المعرفيّة، كذا معرفة سياق الكتاب، كذا الأطر المعرفيّة التي أطّرته، فضلا عن المشروع البحثي وفق الإطار النظري الذي اختاره الباحث الكريم. فأصل الكتاب أطروحة أكاديمية، والأطاريح الأكاديمية معنيّة بتصميم البحث ثم بعد ذلك تغديته بالمعطيات “”، ففهم كل أطروحة ينبع من إطارها النظري، وما يعتمده من منهجيات لتحقيق غرضها لحلّ الإشكالية التي من أجلها صاغ الكاتب فرضيّته، ومن ثم تُعامل المعطيات معاملة المغذّيات التي تبحث من جهة “تحقيق شرط المناسبة”، مناسبة المعطيات للأطروحة، فلا يصح مثلا أن نعالج بإطار نظري استقرائي حالة فحص فتاوى تعتمد على الاستنباط؛ وهكذا، فلا بدّ لكل معطيات من أسس منهجيّة أخرجتها.

ولمّا وجدت أن كتاب “الدولة المستحيلة” بعدّه امتداداً لكتاب “الشريعة: النظرية، والممارسة، والتحوّلات”؛ لم ينظر إليه ولا لأصله نظرة في أصل المنهجيات والأطر النظرية؛ أدركت أن من واجبي وصف ما أثار بعض الجدل في مناقشات خاصّة حول الكتاب، وأن المعطيات غير مؤثرة بذاتها ما لم ينظر لكامل الموضوع، وأين نضع “المعطى” وفق التراتبية، فمثلاً: لا يصح أن نصوّب كل إنسان عرّف الصلاة بما يعرفها كل مسلم به، ويبين فضلها، ثم يضع الصلاة في مرتبة المستحبات مثلاً. فلا بدّ من حفظ مراتب المفاهيم في علاقاتها مع بعضها، وفي علاقاتها بالخطاب الكلي للشريعة. فضلا عن إشكالية أخرى تلحق الكتاب الأصل “الشريعة”؛ وهي تغيير المفاهيم وفق ما يسمّى بـ “الخطأ المقولي”.

في هذه المراجعة وصف وتحليل، وقليل من النقد، وهدفي الوفاء بشق الإبانة أولاً -قدر وسعي وطاقتي-، وبعد ذلك التثبت من هذا الفهم بسؤال المؤلف إذا استطعنا إلى ذلك سبيلا، وما يلحق كلامه من لوازم لا بدّ أن تتسق مع أطروحته، فإن تجاوزت مرحلة التثبت فتليها مرحلة التقويم إن شاء الله تعالى.

وعليه سأقسّم هذه المراجعة إلى محورين:

المحور الأوّل: الأُطر النظريّة العامّة لأطروحة “الدولة المستحيلة”.

المحور الثاني: عرض هيكل الأطروحة وفصولها.

.

سوسن العتيبي

باحثة من المملكة العربية السعودية -دكتوراه عن أطروحة "مفهوم الإنسان عند طه عبد الرحمن وأثره في تجديد علم الكلام"، من أصول الدين ومقارنة الأديان، الجامعة الإسلامية بماليزيا. -ماجستير ثقافة إسلامية، من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض -بكالوريس أصول الدين، من جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض. -نشرت عددا من المراجعات والبحوث في مجال العلوم الشرعيّة والإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى