حزب العدالة والتنمية المغربي: تقلبات في دواليب السلطة
مقدمة
تتناول هذه الورقة تقلبات خطاب حزب العدالة والتنمية المغربي في السلطة من خلال رئاسة الحكومة لولايتين متتابعتين،ورصد مدى وفاء هذا الخطاب للتعاقد السياسي المبرم مع المواطنين في انتخابات أكتوبر2016م، وكذلك رصد مدى التزامه بالمرجعية الاسلامية الأخلاقية ومدى تمثلها في موقع السلطة.
عرف المغرب انتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر2016م منحت حزب العدالة والتنمية الصدارة(125 مقعدا)بعد حملة انتخابية شابها ما شابها من صراع بينه وبين الحزب المنافس له[1] المدعوم من السلطة، لكن الدور التواصلي المتميز الذي قام به أمينه العام كان له الفضل في تحقيق تلك النتيجة.وحسب ماورد في نص الدستور[2]، كلف الملك محمد السادس الأمين العام للحزب المحتل المرتبة الأولى بتشكيل الحكومة؛ مرت حوالي ستة أشهرولم تشكل الحكومة، وهي المرحلة التي عرفت ” بالبلوكاج”[3]الذي فُهم منه تدخل في مخرجات هذه الانتخابات، على إثرها تم تكليف الملك للسيد سعد الدين العثماني، الذي لم يتأخر في تشكيلها بتاريخ 5 نيسان/أبريل2017، حيث تم القبول بالاشتراطات التي رفضها بنكيران، وأبرزها إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الأغلبية السابقة والإبقاء على شرط استبعاد حزب الاستقلال بقيادة حميد شباط.
أدى هذا التدبير في تشكيل الحكومة إلى انقسام في صفوف أعضاء الحزب وقيادته، بين مؤيد ورافض لها، حيث بدا التحالف غير منسجم، إضافة إلىأن الحقائب الوزارية التي حصل الحزب عليها لم تعبر عن نتيجة انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2016م، مما دفع بعض أعضاء الحزب إلى بعث رسائل سياسية عن طريق اقتراحتعديل النظام الأساسي للحزب، وذلك بحذف المادة الـ16 [4] لفتح المجال لولاية ثالثة لعبد الإلهبنكيران،وفي نهاية المطاف ذهب الحزب الي مؤتمره الثامن(كانون الأول/دجنبر2017) حيث أفرز أمينا عاما جديدا هو سعد الدين العثماني رئيس الحكومة إضافة إلى قيادة جديدة جلها من الموالين له.
توالت أحداث كثيرة بعد إعفاء بنكيران وتكليف العثماني وتشكيله الحكومة وانتخاب رئيس مجلس النواب من حزب الاتحاد الاشتراكي(في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2016) الذي لم يحصل في الانتخابات إلا على20مقعدا من أصل 395 التي يتكون منها مجلس النواب المغربي. لكن ما يعنينا في خضم هذه الأحداث و التفاصيل، هو ما يشهده الحزب من انتقال إلى مرحلة أخرى في تاريخه السياسي.
1.خطاب حزب العدالة والتنمية المغربي: بين المعارضة و السلطة
شهد حزب العدالة التنمية المغربي منذ قبوله المشاركة السياسية والعمل من داخل المؤسسات القائمة، وعدم منازعة الحكم شرعيته، مجموعة من التحولات مسّت جوانب متعددة من سلوكه وممارسته السياسية، ومن بين التحولات الهامة في تاريخه مشاركته في الحكم من موقع رئاسة الحكومة (ولايتين متتابعتين: فالولاية الأولى ترأسها بنكيران والولاية الثانية ترأسها العثماني).
حاول الحزب منذ كان يتلمس طريقه نحو السلطة، التخلص من جبة العمل الدعوي وأسسه وآلياته؛ رغم أن بعض آثاره ماتزال ماثلة في سلوكه وخطابه ومواقفه، ولعل أحداث 16 ماي/أيار2003 الارهابية التي ضربت الدار االبيضاء، قد تكون سرعت من وتيرة الابتعاد عن منطق الدعوة الاسلامية التي تربى عليها جل أعضائه، والاقتراب من منطق السياسة، وذلك ما تجلى بشكل تدريجي فيما بعد، لاسيما أن ضغط الخصم، وحرج اللحظة، وتحكم المخزن في إيقاع تحولات الفاعلين السياسيين-مؤسسات وأفراد-من العوامل المؤثرة في التحولمن مرحلة إلى مرحلة.وإذا ألقينا نظرة عجلى في هذا التحول البطيئ لحزب العدالة والتنمية في ممارسته السياسية، يتبين لنا دور ضغط الخصم وتحكم المخزن في هذا التحول وضبط إيقاعه،[5] أكثر منه نابع من إرادة حزبية ذاتية، وقناعة فكرية واضحة.
أ- في موقع المعارضة: بدأت مشاركة حزب العدالة والتنمية ” الاسلامي” في التدافع السياسي مع الأحزاب المغربية بشكل تدريجي، يسعى لنيل الاعتراف به والحضور في المشهد السياسي دون رهانات كبيرة، حاول أن يمارس العمل السياسي من خلال أحزاب قائمة، بعدما تعذر تأسيس حزب خاص به، استقر في الأخير للعمل من داخل حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب(المسمى حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية)[6] الذي سيتحول فيما بعد إلى اسم حزب العدالة والتنمية المتكون من أعضاء غالبيتهم من حركة التوحيد والاصلاح “الإسلامية”.
تمكن الحزب من كسب تمثيليته في مجلس النواب خلال الولاية البرلمانية (1997-2002) وازداد عدد أعضائه في الولاية البرلمانية ( 2002-2007). كان يغلبعلى حضوره في المؤسسة التشريعية خطابا ومواقف ذات طابع هوياتي، وتركيز على البعد الإيديولوجي السياسي الذي يمنحه إمكانيةمواجهة خصومه السياسيين، وكان يوظف هذا الخطاب الهوياتي المكثف في الحملات الانتخابية، وداخل قبة البرلمان بشكل ملفت.وفي الولاية البرلمانية ( 2012-2016) سيخوض لأول مرة تجربة الحكم و السلطة.
ب – في موقع السلطة: انتهت مرحلة التطبيع مع الحياة السياسية ومكوناتها لينتقل هذا الوافد الجديد إلى دواليب السلطة برئاسة بنكيران للحكومةتحت شعار محاربة الفساد والاستبداد، بدأ الحزب يهتم بالطابع التدبيري التنموي، والبرامج الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذها وأجرأتها على أرض الواقع، ويسعى لتحقيق احتياجات ومصالح المواطنين المادية، فتقرب من الطبقة التكنوقراطية، ثم من الطبقة الطبقة السياسية المجربة، ليكتشف عوالم التدبيرمستحضرا التجربة السياسية التركية، وتجربة حزب النهضة التونسي….
فبدا الحزب في موقع التدبير بلغة وخطاب مغايرين، حيث بدأ يصرح قادته بأن حكومتهم أولوياتها الحكامة الجيدة، ومحاربة الفسادوعدم التدخل في الحريات الفردية…رغم ذلك فأحيانا كان يخلط بين ما هو هوياتي وتدبيري على مستوى الخطاب والممارسة، وينسى أنه في موقع السلطة، على سبيل المثال الموقف الذي صرح به أحد الوزراء حول مهرجان موازين[7]، قبل تجربة السلطة كان الحزب يشن حملة شرسة ضد إلغاء هذا المهرجان (الغنائي) لكن في موقع السلطة تغير هذا الموقف، وفضل عدم الخوض في الأمر.
تدل هذه التحولات التي شهدها الحزب في مساره السياسي، على أنه حزب يتطور ويتكيف مع السياقات المختلفة[8]، وهذا عنصر طبيعي في كل تجمع بشري، قد يراه البعض ردة عن مرحلة بدايات دخوله المعترك السياسي الذي اتسم بحضور البعد الدعوي/ الاسلامي، وبدأ تدريجيا ينسل من هذا البعدتحت ضغط منطق الدولة. لذلكأكد في ورقة أولويات المرحلة القادمة للمؤتمرالثامن على اعتباره حزبا مدنيا يشتغل وفق أدوات مدنية، ويعمل ضمننطاق الضوابط الدستورية والثوابت الوطنية، من أجل ترسيم مسافة بين الديني والسياسي. مما يعني أنه تمويه سياسي لتبني العلمانية دون التصريح بها، نظرا لحساسية الكثير من المتدينين-من قاعدة الحزب- من هذه الكلمة، بدعوى ارتباطها بالالحاد والعداء للدين.
- تقلبات حزب العدالة والتنمية المغربي داخل السلطة
كان يعتقد الكثير أن البيت الداخلي للحزب في منأى عن التصدع والانشقاق، انطلاقا من تربية قواعده القائمة على الوحدة وتدبير الاختلاف بطريقة ترتكز على النصح و التناصح كما تنص على ذلك “المرجعية الاسلامية” التي تشكل الاطار المرجعي العام للحزب.
شكل حدث إعفاء بنكيران وتعيين العثماني الذي أفلح في تشكيل حكومة ائتلافية[9]، -بسرعة قياسية- لم تكن محط رضى وإجماع من لدن كثير من أعضاء الحزب، كونها تتضمن تحالفا هجينا، وكذا لا تظهر فيها مكانة الحزب الأغلبي كما ينبغي.
مما يجعل المتتبع يطرح السؤال الآتي:
كيف انتقل الحزبمن مبدأ المشاركة الايجابية و الفعالة في الحكومة إلى المشاركة في حكومة ائتلافية حفاظا على موقع الحزب،بدعوى تجسيد الإرادة الشعبية؟
انطلاقا من هذا السؤال انقسم الحزب في الولاية الثانيةحول خيارين؛ الأول يدعو إلى تشكيل حكومة قوية ومنسجمة تعبرعن الارادة الشعبية، والخيار الثاني يعتبر مشاركة الحزب في هذه التشكيلةالحكوميةانتصارا للحزب و تجسيدا فعليا للارادة الشعبية.
يخفي هذا الانقسام الداخلي في جوهره مقاربتين أو خطين: الأول يعتبر احترام إرادة الناخبين أولى من الحفاظ على الحزب، و الثاني يعتبر الحفاظ على الحزب أولى من احترام إرادة الناخبين،وكل طرف يرى أن ما يقوم به هو من أجل احترام الناخب. ويمكن القول أن الأول يندرج ضمن خط الموقف السياسي “البراغماتية الصلبة” والثاني يندرج ضمن خط الممارسة السياسية “البراغماتية السائلة” التي تفضي إلى انبطاح مكشوف وتنازلات لا حد لها.
يبدو أن هذا الارتباك الذي حصل في البيت الداخلي للحزب، يرجع في جوهره إلى غياب استراتيجية واضحة للممارسة السياسية له، وغياب سيناريوهات وبدائل موضوعة للتعامل مع وضع سياسي متقلب .
كان الحزب مجمعا ومعجبا قيادة وقواعد – أغلبهم- بشخص ابن كيران، حيث صرح مصطفى الرميد أنه ضد اختيار شخص ثان من الحزب بقوله: ” لن أكون ابن عرفة العدالة والتنمية”[10]، لكن سرعان ما سيصبح هذا القيادي/الوزير من أكثر المدافعين عن المرحلة التي تلت تعيين العثماني.
وقد فهم الكثير من المتتبعين- وقتئذ- أن قادة الحزب بمثابة رجل واحد، ملتفين حول زعيمهم، ومؤيدين لطريقة تدبيره وتفاوضه، لكن فيما بعد؛ أي بعد إعفائه سيتبين أنهم كانوا يرغبون في فشل مهمة زعيمهم، وذلك بإجماعهم السكوتي، الذي يؤشر على أن القيادة الحزبية لم تكن تمتلك رؤية استراتيجية واضحة، اللهم إذا كانت لبعضهم مصالح ومآرب أخرى.
جوابا عن السؤال الذي طرحناه آنفا، يحسن بنا أن نناقش ونفكك الخيار الذي يدعي أن هذه الحكومة الائتلافية تمثل الارادة الشعبية.
أ- مسوغات الخيار الأول
فهم من إعفاء بنكيران، أنه لم يعد مرغوبا فيه من الجهات العليا، ومن ثم فاستمراره سيؤدي إلى عرقلة عمل الحكومة، من أجل ذلك عارض تعديل القوانين الداخلية لاعادة بنكيران لولاية ثالثة، واعتبر ذلك تقديسا للأشخاص وتخليدا للزعامات، الأمر الذي يتعارضبنظر أنصار هذا التوجهمع مبادئ الحزب وتوجهاته.
ب -مسوغات الخيار الثاني
شكل إعفاء بنيكران بتلك الطريقة صدمة ومفاجأة للكثيرين من داخل الحزب وخارجه، ولكي يعاد الاعتبارلهتماقتراح منحه ولاية ثالثة بعد تعديل القوانين الداخلية للحزب، و فَهِم أصحاب هذا الخيار أن تنحية زعيمهم، قد يزج بالحزب في أتون “التحكم”، ويعتبرون أنه لعب دورا متميزا في التعبئة والاقناع والتأثير في انتخابات 2012و 2016. وأن الانتصار الذي حققه الحزب يعود في جزء كبير منه إلى شخص بنكيران.
بما أن الخيار الأول الذي قبل بكل الشروط من أجل تشكيل الحكومة، بحيث وضع الذات الحزبية أمام الأمر الواقع، وادّعى أن التشكيلة الحكومية تجسد فعليا الارادة الشعبية، فإنه من خلال مجموعة من المعطيات يتبين أنها لا تعبر عما يدّعيه، من خلال ما يلي:
– التجاء المواطن إلى أشكال من الاحتجاج للتعبيرعن مطالبه،عن طريق توجيه رسائل احتجاجهم مباشرة إلى المؤسسة الملكية، مما يدل على عدم الثقة في الحكومة وقدرتها على حل مشاكله.
-قام بعض المواطنين بمقاطعة منتوجات بعض الشركات، دليل على أن الذين توجهوا لصناديق الاقتراع، حيث منحوا أصواتهم للحزب؛لأنهم يريدون من الحكومة أن تدافع عن مصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة، وأن تواجه لوبيات المصالح الذين يريدون الجمع بين المال / الثروة والسلطة.
– محاكمة الصحافة(بوعشرين و المهداوي)[11]في الوقت الذي كان ينتظر المواطن المزيد من توسيع مجال الحريات وتكريس ثقافة حقوق الانسان.
– طريقة تعامل الحكومةمع ملفات المحروقات، الذي تسبب في ارتفاع الأسعار، وضرب القدرة الشرائية للمواطنين.
– دعم المقاربة الأمنية التي نهجتها وزارة الداخلية، حول حراك الريف، وذلك من خلال بلاغ الأغلبية الحكومية[12] التي وصفت المحتجين بنعوت تخرجهم من دائرة المواطنة، وأيدت الأحكام التي صدرت في حق نشطاء الريف.
– لا تخلو وثائق الحزب الرسمية من إشارات إلى مركزية مشاركة المواطنين في صناعة القرار السياسي، الشيء الذي يتناقض مع سلوك الحكومة السياسي، بحيث لم يشعر المواطن في أي لحظة أنه معني بكثير من القرارات التي اتخذتها الحكومة. أكثر من ذلك احتج وزير[13] في الحكومة ضد حملة مقاطعة بعض المنتوجات الإستهلاكية التي قام بها المواطنين جراء غلاء أسعارها،حيث احتج ضد الارادة الشعبية التي كانت سببا في تقلده ذلك المنصب،فبدلا من يكون إلى جانب مطالب الشعب، نجده فضل مغازلة البرجوازية وأرباب المال.
– قرار الابقاء على التوقيت الصيفي طيلة السنة[14]، وما أثاره من غضب الشارع المغربي، واهتزاز الرأي العام الوطني، الذي اعتبر رضوخا لشركات فرنسية، ولم يراع مشاعر المواطنين، وسلبيات ذلك على حياتهم، رغم الخروج الاعلامي لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني لاقناع المواطنين بايجابيات هذا القرار، بيد أن أغلبهم لم يراه كذلك، وطالبوا بالعدول عنه.
تلكم بعض الأمثلة التي تتعارض مع الإرادة الشعبية التي بوأت الحزب الصدارة، التي يدعي فيها أصحاب البراغماتية السائلة المفرطة أنهم يجسدون بممارستهم الحالية إرادة الناخبينلسنا بصدد تقييم حصيلة الحكومة، ولكن نحاول رصد بعض سلوكاتها وخطابها المتناقض مع ما تدعيه كونها تمثل الارادة الشعبية.
يمكن القول أنخطاب رئيس الحكومة مع مرور الوقت وتسارع الأحداث سوف لن يقنع حتى الأقربين، وقد يساهم في توسيع مساحة الناقمين داخل الحزب من هذا النهج؛ لأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنيين يزداد سوءا وتعقيدا، والاحتجاجات مرشحة للتفاقم، والانتشار في ربوع الوطن.تحدث العثماني في لقاء مع الفريق البرلماني لحزبه:الموقع الذي ناله حزب العدالة والتنمية بالحكومة هو انتصار للعدالة والتنمية في ظل السياق السياسي الموجود…وكونه حافظ على رئاسة الحكومة والقطاعات التي كانت لديه، والقيادات التي نجحت في الاستحقاقات الأخيرة لم يكن سهلا، ووجودها هو انتصار للعدالة والتنمية.
وهذا دليل أن هذا الخيار الأولظل وفيا لقاعدته البراغماتية السائلة المحافظة على موقعه في الحكومة، أما الارادة الشعبية تأتي في المرتبة الثانية.وأن استراتيجة العثماني هي استمرار الحكومة دون إسقاطها يعد انجازا كبيرا في حد ذاته. وربما سيظل يناور تحت ضغط المعارضة من الداخل من خلال جلسات الحوار الداخلي وتأجيل المشاكل حتى تنتهي ولايته بسلام.
رغم أن أزمة الحزب باتت مكشوفة، فإن الموالين لحكومة العثمانيما يزالون يردون على انتقادات “إخوانهم” بما يلي: هناك من يريد تفجير الحزب من الداخل،وذلكلإبعاد المسؤولية عن الذات وربطها بالآخر وأن الحزب لا يعرفصراعا على المناصب وإنما التشبت بالبقاء في موقع الحكومة، الذي يخدم مصلحة الحزب ومستقبله- حسب ادعائهم- وأن الانسحاب من الحكومة قد يسبب أضراراللبلاد والعباد،بالطبع، يشكل هذا الخطابخدمة لتيار الحفاظ على موقع الحكومة أو ما عرف إعلاميا بتيار الاستوزار[15]. لاشك أن منطق الدولة فعل فعله في سلوك الحزب السياسي و ممارساته وقناعاته.
يمكن القول أن تيار التمديد[16] أو استعادة المبادرة الذي مثله بعض الشباب من الحزب ثقافة جديدة غير مثقلة بتاريخ الاسلاميين في العمل السياسي، وتوجساتهم واحتياطاتهم المبالغ فيها، تعبر عن مرحلة ” ما بعد الاسلامية/ الاسلاموية” كما أطلقها آصف بيات[17] التي تعيد النظر في كثير من المسلمات التي حملتها النخب السياسية الاسلامية، و التركيز على الحقوق والحرية والتعددية…وميزة هؤلاء الطلائع الشبابية القدرة على ” تعبئة مناهضة السلطوية لا تستند إلىإيديولوجية محددة، تتحرك شبكيا و تنتظم في تطلعات وآمال ذات طابع إصلاحي أكثر منه ثوري”[18].
اعتبر أن مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بالنسبة للعدالة والتنمية انعطافة تاريخية، ربما أشّرت على قرب انتهاء صلاحية قيادته الحالية، التي لم تستثمر التحول الفكري والسياسي لشبابه، ولم تستطيع استيعاب نخب وكفاءات جديدة، ولم تساير الإيقاع المتسارع للزمن السياسي الجديد الذي انطلق بعد 20 شباط/فبراير 2011م،بل أكثر من ذلك ماتزال لغة التهديد والتضييق على وجهات النظر المخالفة هي السائدة،[19] وأحيانا استعمال سلطة الخطاب الدعوي / الديني، في مواجهة هذه الثقافة جديدة، و يبدو أن الاستمرار في الإقصاء المنهجي للشباب الناقد، يهدد الحزب بالتميع، هذا إن لم نقل بالتحلل.
خاتمة
يبدو أن الحزب أصبح كسائر الأحزاب السياسية، يتقلب حسب مصالح نخبه، أما قواعده فيوما بعد يوم تزداد عزلة وغربة أمام الطبقات الشعبية التي وجدت نفسها أمام قرارات حكومية لا تعبر عن مصالحها ولا عن إرادتها، لذلك التجأت إلى أشكال مختلفة من الاحتجاجات بعيدا عن القنوات الحزبية.
الحزب كبقية الأحزاب السياسية منتوج تاريخي، تجري عليه سنن التاريخ، يولد ويترعرع وينتعش وينكمش.
إن حالة حزب العدالة والتنمية في ولايته الحكومية الثانية تدعو إلى الشفقة. فالحزب يخاطر بمستقبله السياسي. ونزع الثقة من العمل السياسي ” الاسلامي” بالمرة.[20] وقد يوؤل مصيره إلى نهاية تراجيدية في السلطة، ليست نهاية كيان ووجود، بل نهاية مشروع إصلاحي لم يبن على أسس ومعالم واضحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1– ينظر دراسة:جبرون، امحمد، الاسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأداتية إلى الديمقراطية الفلسفية(حالة حزب العدالة والتنمية المغربي) ضمن كتاب: الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ط1، سبتمبر 2013م.
2- وينظر كذلك دراسة كل من: محمد الكوخي وإبراهيم أمهال، الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة: بحث في الجذور الاجتماعية للإسلام السياسي وتحولات الخطاب: المغرب أنموذجًا. ضمن كتاب “الإسلاميون وقضايا الدولة والمواطنة”، الجزء الأول، (الدوحة: المركز العربي للأبحاثودراسات السياسات، 2016
3- باتريك هايني، اسلام السوق،نقله إلى العربية عومرية سلطاني، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة 2015 .
4- ينظر للمزيد من التفاصيل حول انتخابات2016: تشريعيات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الاحباطات: قراءة في النتائج و التداعيات (مؤلف جماعي) تنسيق د. عبد الرحيم العلام، منشورات مركز تكامل ودار العرفان بأغادير، طبعة 2018.
5- asefbayat.makingislam democratic : social movement and the post-islamist (turn42) standford,calif.standford university press,2007)pp.10-11
http://www.pjd.ma (الموقع الرسمي للحزب)6-
7- الثلاثاء 28 فبراير 2012https://www.hespress.com/politique/48556.html
8-http://adala.justice.gov.ma/AR/Legislation/textesjuridiques_constitution.aspx
(موقع وزارة العدل المغربية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
[1]- الاشارة هنا إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي تأسس سنة 2008م
[2]– جاء في الفقرة الأولى من الفصل 47 :” يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب ، وعلى أساس نتائجها…..”http://adala.justice.gov.ma/AR/Legislation/textesjuridiques_constitution.aspx
[3]– هذه الكلمة تداولتها وسائل الاعلام للتعبير عن حالة التوقف والانسداد السياسيين؛ حيث عجز رئيس الحكومة المعين عبد الاله بنكيران عن تشكيل الحكومة. لمزيد من المعلومات وتفاصيل انتخابات 2016 ينظر: تشريعيات 2016 بين إنعاش الآمال وتكريس الاحباطات: قراءة في النتائج و التداعيات (مؤلف جماعي) تنسيق د. عبد الرحيم العلام، منشورات مركز تكامل ودار العرفان بأغادير، طبعة 2018
[4]-التي تنص على أنه “لا يمكن لعضو أن يتولى إحدى المسؤوليات الآتية لأكثر من ولايتين متتاليتين كاملتين: الأمين العام، رئيس المجلس الوطني، الكاتب الجهوي، الكاتب الإقليمي(، الكاتب المحلي….”…
[5]- على سبيل المثال طلب وضغط وزارة الداخلية على الحزب تحجيم مشاركته في الانتخابات الجماعية والبرلمانية سنة2002م..
[6]- في سنة حزيران/ يونيو 1996م عقد مؤتمر اسثنائي أدمج في هياكله بعض قادة حركة الاصلاح واالتجديد التي ستتوحد مع رابطة المستقبل الاسلامي وستصبح فيما بعد حركة التوحيد و الاصلاح. في سنة 1998م سيتم تغيير اسم حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بزعامة الخطيب إلى اسم حزب العدالة والتنمية.
[7]– الثلاثاء 28 فبراير 2012https://www.hespress.com/politique/48556.html
[8]جبرون، امحمد، الإسلاميون في طور تحول: من الديمقراطية الأداتية إلى الديمقراطية الفلسفية(حالة حزب العدالة والتنمية المغربي) ضمن كتاب: الاسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ط1، سبتمبر 2013م.
[9]– تحالف من خليط من الأحزاب من مرجعيات متباينة: الحزب الأغلبيي العدالة والتنمية (اسلامي)- حزب التمجع الوطني للأحرار(يميني)- حزب الحركة الشعبية (يميني)- حزب الاتحاد الدستوري(يميني)- حزب التقدم والاشتراكية (يساري)- حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري).
[10]- إشارة إلى حدث تاريخي تم في فترة الاستعمار، حيث تم نفي السلطان محمد الخامس وتعيين بديلا عنه محمد بن عرفة.
[11]توفيق بوعشرين مدير نشر يومية أخبار اليوم يحاكم على خلفيات اتجاره بالبشر و تهم فساد، وهو المعروف بمقالاته السياسية ضد التحكم ولوبيات الفساد…والمهدواي صحافي صاحب موقع بدائل معروف بنقدة اللاذع للوبيات الفساد [11]
[12]بلاغ أصدرته الحكومة عقب اجتماع عقدته صباح الجمعة 29 حزيران/يونيو 2018 برئاسة رئيس الحكومة وبحضور الأمناء العامين لأحزاب الأغلبية ( ينظر الموقع الرسمي للحزب)
[13]يتعلق الأمر بالوزير لحسن الداودي المنتمي للعدالة والتنمية ( الحزب الأغلبي)، وهو الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، شارك فيوقفة احتجاجية نظمها عدد من عمال شركة “سنطرال دنون”، مساء يوم الثلاثاء 5 حزيران/ يونيو الجاري، أمام قبة البرلمان، احتجاجا على حملة المقاطعة
[14]انعقد مجلس حكومي استثنائي يوم الجمعة 26/10/2018 للمصادقة على المرسوم الجديد رقم 2-18-855 الصادر في 26/10/2018 و المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6720 مكرر بتاريخ 27/10/2018 حول إضافة 60 دقيقة إلى الساعة القانونية، وتمديد العمل بالتوقيت الصيفي إلى باقي فصول السنة(GMT+1).
[15]– المراد الوزراء الذين ينتمون للعدالة والتنمية، والذين يدافعون بشراسة عن حكومة العثماني، رغم أنهم تدحرجوا من وزراء في حكومة بنكيران إلى وزراء منتدبين أو كتاب الدولة في حكومة العثماني.
المقصود اولئك الذين طالبوا من داخل الحزب بمنح ولاية ثالثة لبنكيران [16]
[17]asefbayat.makingislam democratic : social movement and the post-islamist (turn42) standford,calif.standford university press,2007)pp.10-11
[18]- اسلام السوق، باتريك هايني، ص23
[19]– كلمة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني في افتتاح الندوة الوطنية الأولى للحوار الداخلي بالخميسات(93كلم شرق العاصمة الرباط) السبت و الاحد يوليوز 2018: ” تحدث عن وجود20 و25 عضوا من بين 40 ألفا يسيئون إلينا، وهدد باللجوء إلى مقتضيات النظام الأساسي للحزب لمواجهة الأعضاء الذين يسيئون إلى قيادات الحزب…”
[20]– وهذا ما يفسر ما أقدمت عليه حركة التوحيد والاصلاح المغربية في مؤتمرها الأخير من أخذ مسافة بينها وبين الحزب، مخافة ألا تتحمل تبعات فشله وإخفاقه، حيث بدأت بالاحتضان ثم انتقلت إلى التمايز وانتهت إلى الفصل بينها وبينه.